بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن العلماء هم و رثة الأنبياء و هذا لا ينكره إلاّ من كان في قلبه زيغٌ و تنكبَ عن الصراط المستقيم و ردّ محكم التنزيل و سنة خير رسولٍ أرسل للعالمين
فقد قال الله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(المجادلة: 11)
وقال نبينا صلى الله عليه و سلم كما جاء عند أبي داود: (و إن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، و إن العلماء و رثة الأنبياء، و إن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهماً، و إنّما ورّثوا العلم، فمن أخذه، أخذ بحظٍّ وافر)، الحديث..
فلهذا وجب علينا نحن معشر المسلمين عامة و السلفيين خاصة أن نُجلَّ علمائنا و نعطيهم حقهم و نحترمهم، فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: (لس منَّا من لم يُجِلَّ كبيرنا، و يرحم صغيرنا، و يعرف لعالمنا حقّه)، أخرجه أحمد
و قال أيضاً عليه الصلاة و السلام في الحديث الذي يرويه عن ربه-أي حديث قدسي-: ( من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب)، رواه البخاري، قال الإمام الشافعي رحمه الله: {إن لم تكن الفقهاء أولياء الله، فليس لله ولي}(التبيان في آداب حملة القرآن:29)
وعلم أن سبب انحراف كثير من الشباب اليوم هو ثلاث أمور:
*أولا: عدم طاعة العلماء الربانين و تقديرهم و الرجوع إليهم في النوازل و غيرها، و بهذا يحصل الأمر الثاني و هو:
*ثانيا: طاعة علماء السوء و المنحرفين عن المنهج القويم، و بهذا يحصل الأمر الثالث و هو:
*ثالثا: تضيع الكتاب و السنة و فشو الجهل و المناهج الباطلة المنحرفة، و ذالك ينتج تسلط الأعداء علينا و لن نصر حتى نرجع لديننا و الرجوع للدين يكون بالرجوع للعلماء الربانيين.
فقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء:59)
(قال ابن عباس رضي الله عنهما: {أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، يعني: أهل الفقه و الدين، وقال أبو العالية: {أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، يعني: العلماء)(تفسير ابن كثير771/1)
و طاعتهم كما هو معلوم تكون في غير معصية الله، وحاش العلماء الربانيين أن يدعو الناس لمعصية الله لأنهم أعلم بالله و أخشاهم لله بعد أنبيائه كيف لا و قد مدحهم الله تعالى في محكم تنزيله حيث قال:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر:2
قال الشيخ ناصر السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (فكل من كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: (و المعنى أنه لا يخشاه إلاّ عالم).
وقال الإمام العلامة ابن باز رحمه الله في جوب وجه إليه و هو نحو التالي:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} حبذا لو فسرتم لنا هذه الآية الكريمة؟
فأجاب رحمه الله:
هذا ثناء من الله - سبحانه وتعالى – على العلماء, وبيانٌ لعظم منزلتهم, ولعظم فضلهم على الناس، والمراد بذلك العلماء بالله علماء الشريعة, علماء القرآن والسنة الذين يخافون الله ويراقبونه هم المرادون، يعني الخشية الكاملة، إنما يخشى الله يعني الخشية الكاملة خشيتهم أكمل من خشية غيرهم، و إلا فكل مؤمن يخشى الله كل مسلم يخشى الله لكنها تتفاوت وليست خشية العلماء المتبصرون, علماء الحق, علماء الشريعة ليست خشيتهم مثل خشية عامة المسلمين بل هي أكمل وأعظم، ولهذا يراقبون الله, ويعلمون عباد الله ويقفون عند حدود الله، وينفذون أوامر الله, فأعمالهم تطابق أقوالهم, وتطابق علمهم، هم أكمل الناس خشية لله - عز وجل -، وليس معناها أن المؤمن لا يخشى الله لا، مراد الرب- جل وعلا- حصر الكمال مثل ما قال-جل وعلا-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[(2) سورة الأنفال]، ليس معناه أن الذي لا يوجل قلبه عند ذكر الله, أو لا يزداد إيماناً عند ذكر الله ليس بمؤمن، لا، بل المراد أن هؤلاء هم المؤمنون الكمل، المؤمنون الذين لديهم كمال إيمان وقوة إيمان، وهكذا قوله- جل وعلا-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ[ (15) سورة الحجرات]، معناه المؤمنون الكمل الذين كمل إيمانهم، وليس معناه أن من لم يجاهد فلا إيمان له، بل له إيمان بقدره على حسب حاله وقدرته، فالمقصود من هذا كله بيان الكمال، كمال خشية الله وكمال الإيمان، و إلا فالمؤمنون جميعاً رجالاً نساءً. وإن لم يكونوا علماء عندهم خشية لله. وعندهم إيمان. وعندهم تقوى، لكن المجاهدين, والذين عندهم علمٌ بالكتاب والسنة أكمل من غيرهم إيماناً, وأعظم إيماناً لما حصل في قلوبهم من الخير العظيم, والخشية العظيمة التي حملتهم على أن علموا الناس الخير وعملوا به، وصدقوا أقوالهم بأعمالهم, وحملتهم خشيتهم لله على البدار بالجهاد في سبيله والصبر على تقديم أنفسهم بالشهادة؛ لأنهم يعلمون أنهم على طاعةٌ لله ولرسوله.
-فإذا تبين لك فضل العلماء و شرف منزلتهم في دين الله و جب عليك معرفة بعض حقوقهم و أهمها في دين الله جل و علا و هي كالآتي:
- كما أسلفنا طاعتهم في غير معصية، و في الآية التي في سورة فاطر فيه إشارة لذلك
- محبتهم و تقديرهم و احترامهم كما مر في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله، و كذلك الحديث القدسي
- عدم التقدم بين أيديهم و التسرع في الفتوى و غير ذلك
- إظهار علمهم عليك و عدم تجهيلهم و التنقص منهم
- نصرتهم و الدفاع عنهم و الرد عل من طعن فيهم، و هذا لا يعني أن العلماء لا يخطئون بل يخطئون و يصيبون كما قال الإمام مالك رحمه الله، و كما جاء في الحديث: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر)أخرجه أبو داود
أصاب تمدحه و تثني عليه، و إذا أخطأ تبين له خطئه و تنصحه بعلم و أدب، ويدخل تحت هذا نصرته و يدل عليه حديث النبي صلى الله عليه و سلم: (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) الحديث..رواه البخاري
فإذا كان ظالما تأخد بيده و تبين له ظلمه و خطئه، و إذا كان مظلوما تشهد شهادة الحق ضد من ظلمه و تنصره و ترد على من طعن فيه، و لك في ذلك أجر إن شاء الله فقد قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}(الحج:3
و من صور دفاع الله عن المؤمنين أن يُهيئ و يسخر أقوام يدافعون عنهم، فدعو الله أن تكون ممن استعمله الله في الدفاع على المؤمنين فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: (إذا أحب الله عبداً استعمله)الحديث...رواه الحاكم.
هذا و المتسع لا يكفي لكتابة كل حقوق العلماء فمهم كتبنا فلن نستوعب كل شئ عنهم، لكن كما يقال: ما لا يدرك كله فلا يترك جله
وسبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك و أتوب إليك.
وسبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك و أتوب إليك.