الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فهذه كلمة موجزة جالت في خاطري فسطرتها رجاء أن ينفع الله عز وجل بها.
فالعاقل فضلا عن صاحب الدين يعتبر بمن حوله كما يعتبر بسنن الماضين، في الأمس القريب كان بعض ممن يشار إليهم بالبنان وتعقد عليهم الخناصر، ممن كان يجلس إليهم، وعندهم مؤلفات وصلت إلى الأفاق وسارت بها الركبان، وتحصلوا على كثير من التزكيات، وكانوا على المنهج القويم والصراط المستقيم فيما يظهر للناس.
لما أشتد عودهم وقوي ساعدهم وأصبح لهم شوكة ومكانة وأتباع، زلت بهم القدم فتخبطوا، ثم ردوا الحق، وتكبروا عليه، فناطحوا الجبال، وردوا أقوال العلماء ولم يأخذوا بتوجيهاتهم ونصائحهم، فغمزوا على أهل العلم وتنكروا لهم وقلبوا لهم ظهر المجن، فركبوا الهوى وركنوا إلى الذين ظلموا، فمازالوا في تقهقر وتردي وانحدار وسقوط، حتى انغمسوا في مستنقع البدع وغرقوا في بحر الهوى، ولم يزدهم عنادهم وإصرارهم إلا ضياعا وضلالا.
هل تظن يا صاحب الخطب الرنانة والاسلوب العذب والكتابات التي أخذت بلباب كثير من الناس، أن ما وصلت إليه من رتبة علمية ودرجة ومكانة عند المشايخ عصمة لك وسدا منيعا من الانجرار إلى شردمة قليل؟
يا مسكين الحلبي ومشهور أكثر كتابة منك، وأبو الحسن المأربي والحجوري أكثر أتباع منك، ومحمد الإمام عنده طلاب أكثر منك، وسلطان العيد أعذب منك في اسلوبه وخطابته، وفالح الحربي لديه تزكيات أكثر منك؛ فهل نفعهم كل هذا؟
والله هذا التردي والسقوط الذي حصل من هؤلاء وغيرهم خطير جدا، يستلزم منا جميعا أن نقف وقفة تأمل واعتبار لما وصل إليه حال هؤلاء، فالسعيد من وعظ بغيره، وأن نسأل ونتسائل لماذا سقطوا؟ وكيف تردوا؟ ولما انحدروا؟ وأن تكون لنا فيهم عبرة، وأن نتعلم أسباب الضياع فنتجنبها، وأن نعرف طريق النجاة فنسلكها، وأن نضع أيدينا في أيدي العلماء ونتبع أثرهم ونأخذ بتوجيهاتهم ونصائحهم.
فهذا درس من واقع الحياة مما عاصرنا ونشاهد فليكن أمام أعيننا، ونلزم غرز الكبار، ونتعلم منهم الرجوع للحق عندما تزل القدم، وخير شاهد رجوع الإمام العلامة الفقيه المفسر الأصولي النحوي ابن عثيمين رحمه الله لما رد عليه العلامة حمود التويجري رحمه الله ووافقه أهل العلم في مسألة المعية، فأعلن بشجاعة وبكل قوة من غير تلكئ ولا تردد تراجعه في ذلك، ولسان حاله يقول: (أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل).
كما ينبغي أن نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرنا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل.
ولهذا قال الله تعالى: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ } [الحشر: 59].
قال العلامة السعدي رحمه الله في ((تفسير)): ((أي: البصائر النافذة، والعقول الكاملة، فإن في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق، المتبعين لأهوائهم، الذين لم تنفعهم عزتهم، ولا منعتهم قوتهم، ولا حصنتهم حصونهم، حين جاءهم أمر الله، ووصل إليهم النكال بذنوبهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية تدل على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله، والتفكر فيما تضمنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة)) اهـ.
فما نفع هؤلاء الساقطين مؤلفاتهم ومقالتهم وأتباعهم وطلابهم وتزكياتهم، فاعتبر بالساقطين تنجوا وتكون من الفالحين.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم السبت 28 ربيع الأول سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 16 ديسمبر سنة 2017 ف
أما بعد:
فهذه كلمة موجزة جالت في خاطري فسطرتها رجاء أن ينفع الله عز وجل بها.
فالعاقل فضلا عن صاحب الدين يعتبر بمن حوله كما يعتبر بسنن الماضين، في الأمس القريب كان بعض ممن يشار إليهم بالبنان وتعقد عليهم الخناصر، ممن كان يجلس إليهم، وعندهم مؤلفات وصلت إلى الأفاق وسارت بها الركبان، وتحصلوا على كثير من التزكيات، وكانوا على المنهج القويم والصراط المستقيم فيما يظهر للناس.
لما أشتد عودهم وقوي ساعدهم وأصبح لهم شوكة ومكانة وأتباع، زلت بهم القدم فتخبطوا، ثم ردوا الحق، وتكبروا عليه، فناطحوا الجبال، وردوا أقوال العلماء ولم يأخذوا بتوجيهاتهم ونصائحهم، فغمزوا على أهل العلم وتنكروا لهم وقلبوا لهم ظهر المجن، فركبوا الهوى وركنوا إلى الذين ظلموا، فمازالوا في تقهقر وتردي وانحدار وسقوط، حتى انغمسوا في مستنقع البدع وغرقوا في بحر الهوى، ولم يزدهم عنادهم وإصرارهم إلا ضياعا وضلالا.
هل تظن يا صاحب الخطب الرنانة والاسلوب العذب والكتابات التي أخذت بلباب كثير من الناس، أن ما وصلت إليه من رتبة علمية ودرجة ومكانة عند المشايخ عصمة لك وسدا منيعا من الانجرار إلى شردمة قليل؟
يا مسكين الحلبي ومشهور أكثر كتابة منك، وأبو الحسن المأربي والحجوري أكثر أتباع منك، ومحمد الإمام عنده طلاب أكثر منك، وسلطان العيد أعذب منك في اسلوبه وخطابته، وفالح الحربي لديه تزكيات أكثر منك؛ فهل نفعهم كل هذا؟
والله هذا التردي والسقوط الذي حصل من هؤلاء وغيرهم خطير جدا، يستلزم منا جميعا أن نقف وقفة تأمل واعتبار لما وصل إليه حال هؤلاء، فالسعيد من وعظ بغيره، وأن نسأل ونتسائل لماذا سقطوا؟ وكيف تردوا؟ ولما انحدروا؟ وأن تكون لنا فيهم عبرة، وأن نتعلم أسباب الضياع فنتجنبها، وأن نعرف طريق النجاة فنسلكها، وأن نضع أيدينا في أيدي العلماء ونتبع أثرهم ونأخذ بتوجيهاتهم ونصائحهم.
فهذا درس من واقع الحياة مما عاصرنا ونشاهد فليكن أمام أعيننا، ونلزم غرز الكبار، ونتعلم منهم الرجوع للحق عندما تزل القدم، وخير شاهد رجوع الإمام العلامة الفقيه المفسر الأصولي النحوي ابن عثيمين رحمه الله لما رد عليه العلامة حمود التويجري رحمه الله ووافقه أهل العلم في مسألة المعية، فأعلن بشجاعة وبكل قوة من غير تلكئ ولا تردد تراجعه في ذلك، ولسان حاله يقول: (أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل).
كما ينبغي أن نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرنا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل.
ولهذا قال الله تعالى: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ } [الحشر: 59].
قال العلامة السعدي رحمه الله في ((تفسير)): ((أي: البصائر النافذة، والعقول الكاملة، فإن في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق، المتبعين لأهوائهم، الذين لم تنفعهم عزتهم، ولا منعتهم قوتهم، ولا حصنتهم حصونهم، حين جاءهم أمر الله، ووصل إليهم النكال بذنوبهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية تدل على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله، والتفكر فيما تضمنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة)) اهـ.
فما نفع هؤلاء الساقطين مؤلفاتهم ومقالتهم وأتباعهم وطلابهم وتزكياتهم، فاعتبر بالساقطين تنجوا وتكون من الفالحين.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم السبت 28 ربيع الأول سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 16 ديسمبر سنة 2017 ف