الحمد لله القائل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلَّم القائل: ((سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)) وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فتسوية الصفوف في الصلاة أمر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف أهل العلم هل هذا الأمر على الوجوب أم للندب.
وتسوية الصفوف تكون بإلزاق القدم بالقدم والكعب بالكعب والكتف بالكتف، وإتمام الصف الأول فالأول، وبالتقارب والتراصّ في الصفوف، وسد الفُرَج والخلل، وأن يتحاذوا بلا تقدم ولا تأخر ولا قطع للصف، والقرب جهة الإمام.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف)) اهـ.
ولأهمية تسوية الصفوف في الصلاة فقد جاء عن جل الخلفاء الراشدين حرصهم على توكيل رجالا للقيام بهذه المهمة وذلك لما كثر الناس، حتى إذا جاءوا وقالوا إن الصفوف استوت كبروا.
وما هذه العناية إلا دليل على أن لتسوية الصفوف فوائد عظيمة وثمرات جليلة، فأحببت جمع خصالها تذكيرا للناسي، وتنبيها للساهي، وتعليما للجاهل، وتبينا للمعاند لعله يحرص على اغتنم ما بها من خصال فيبادر بالاهتمام، ودفع ما يحصل من الإخلال بها من آثام.
فمن فوائد وثمرات تسوية الصفوف:
1) الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح.
2) حسن الهيئة.
3) الاقتداء بالملائكة الكرام، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها قال يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف)) أخرجه مسلم.
4) عظم الأجر، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها)) أخرجه البزار وابن حبان والطبراني في ((الأوسط)) وحسنه الإمام الألباني.
5) ينال الوصل من الله، وقد صح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ وَصَلَ صفاً وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَ صفاً قَطَعَهُ اللهُ )) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الإمام الألباني.
6) رفعة للدرجات.
7) صلاة من الله وملائكته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة)) أخرجه ابن ماجه وصححه الإمام الألباني.
من تمام الصلاة وإقامة الصلاة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة))، متفق عليه، وعند البخاري بلفظ: ((سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)).
قال العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله في ((تأسيس الأحكام)): ((يؤخذ من قوله ((فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) أن التسوية تزيد في ثواب الصلاة)) اهـ.
9) تجنب الوقوع في الإثم، وقد بوب البخاري في صحيحه باب: (إثم من لم يتم الصفوف)، ثم ذكر حديث أنس: (ما أنكرتُ شيئًا إلاَّ أنَّكم لا تُقيمون الصُّفوف).
10) السلامة من الوقوع في الوعيد الشديد، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)). والحديث مر معنا أخرجه مسلم.
وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((من وصل صفًّا وصله الله ومن قطَع صفًّا قطعهُ الله)).
11) تجنب وقوع الاختلاف والتفرق والضغينة بين المصلين، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)). والحديث في مسلم.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)): ((وقوله: ((أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ)) أي: بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب، وهذا بلا شكٍّ وعيدٌ على مَن تَرَكَ التسويةَ، ولذا ذهب بعضُ أهل العِلم إلى وجوب تسوية الصَّفِّ. واستدلُّوا لذلك: بأمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم به، وتوعُّدِه على مخالفته، وشيء يأتي الأمرُ به، ويُتوعَّد على مخالفته لا يمكن أن يُقال: إنه سُنَّة فقط)) اهـ
12) توجب تآلف القلوب، فالتقارب بالأبدان يجلب التقارب بالقلوب، وهذا بمفهوم المخالفة للحديث السابق.
13) أثر صلاح الأعمال الظاهر في صلاح القلب، والعكس بالعكس، أثر فساد الأعمال الظاهر في فساد القلب، وشاهده حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
14) الحفاظ على ألا يتخللهم الشيطان، فيفسد صلاتهم بالوسوسة، فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ولا تذروا فرجات للشيطان)) أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الإمام الألباني.
وصح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولينوا في أيدي إخوانكم، وسدوا الخلل؛ فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف)) يعني: أولاد الضأن الصغار، أخرجه أحمد وصححه الإمام الألباني.
15) تجنب أن لا يشغل بعضهم بعضًا بالنظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلفين.
16) تمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم، فإذا تراصوا وسع جميعهم المسجد، وإذا لم يفعلوا ذلك ضاق عنهم.
17) تعلم النظام والدقة في العمل.
1 إشارة إلى من فُتن بحضارة الغرب والشرق وما عندهم من تطور ونظام، بأن الإسلام دين يحث على النظام ويأمر به في أعظم العبادات العملية وفي أحسن البقاع.
هذا ما تم جمعه من فوائد وثمرات تسوية الصفوف في الصلاة.
أما ما جاء من غفران الذنوب في الحديث (من سد فرجة في الصف غفر له) فقد ضعفه الإمام الألباني في ((السلسة الضعيفة)) رقم (5047).
وكذلك لا يصح ما جاء من بناء بيت له في الجنة، وجاء في ((صحيح الترغيب والترهيب)) تحت الحديث رقم (505) وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من سد فرجة رفعه الله بها درجة وبنى له بيتا في الجنة)).
قال الإمام الألباني رحمه الله: ((وتقدم عند ابن ماجه في أول الباب دون قوله وبنى له بيتا في الجنة)) اهـ.
والحديث أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) فيه مسلم بن خالد الزنجي منكر الحديث كما قال البخاري في ((التاريخ الكبير)).
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 1 المحرم سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 21 سبتمبر سنة 2017 ف
أما بعد:
فتسوية الصفوف في الصلاة أمر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف أهل العلم هل هذا الأمر على الوجوب أم للندب.
وتسوية الصفوف تكون بإلزاق القدم بالقدم والكعب بالكعب والكتف بالكتف، وإتمام الصف الأول فالأول، وبالتقارب والتراصّ في الصفوف، وسد الفُرَج والخلل، وأن يتحاذوا بلا تقدم ولا تأخر ولا قطع للصف، والقرب جهة الإمام.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف)) اهـ.
ولأهمية تسوية الصفوف في الصلاة فقد جاء عن جل الخلفاء الراشدين حرصهم على توكيل رجالا للقيام بهذه المهمة وذلك لما كثر الناس، حتى إذا جاءوا وقالوا إن الصفوف استوت كبروا.
وما هذه العناية إلا دليل على أن لتسوية الصفوف فوائد عظيمة وثمرات جليلة، فأحببت جمع خصالها تذكيرا للناسي، وتنبيها للساهي، وتعليما للجاهل، وتبينا للمعاند لعله يحرص على اغتنم ما بها من خصال فيبادر بالاهتمام، ودفع ما يحصل من الإخلال بها من آثام.
فمن فوائد وثمرات تسوية الصفوف:
1) الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح.
2) حسن الهيئة.
3) الاقتداء بالملائكة الكرام، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها قال يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف)) أخرجه مسلم.
4) عظم الأجر، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها)) أخرجه البزار وابن حبان والطبراني في ((الأوسط)) وحسنه الإمام الألباني.
5) ينال الوصل من الله، وقد صح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ وَصَلَ صفاً وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَ صفاً قَطَعَهُ اللهُ )) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الإمام الألباني.
6) رفعة للدرجات.
7) صلاة من الله وملائكته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة)) أخرجه ابن ماجه وصححه الإمام الألباني.
من تمام الصلاة وإقامة الصلاة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة))، متفق عليه، وعند البخاري بلفظ: ((سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)).
قال العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله في ((تأسيس الأحكام)): ((يؤخذ من قوله ((فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) أن التسوية تزيد في ثواب الصلاة)) اهـ.
9) تجنب الوقوع في الإثم، وقد بوب البخاري في صحيحه باب: (إثم من لم يتم الصفوف)، ثم ذكر حديث أنس: (ما أنكرتُ شيئًا إلاَّ أنَّكم لا تُقيمون الصُّفوف).
10) السلامة من الوقوع في الوعيد الشديد، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)). والحديث مر معنا أخرجه مسلم.
وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((من وصل صفًّا وصله الله ومن قطَع صفًّا قطعهُ الله)).
11) تجنب وقوع الاختلاف والتفرق والضغينة بين المصلين، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)). والحديث في مسلم.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)): ((وقوله: ((أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ)) أي: بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب، وهذا بلا شكٍّ وعيدٌ على مَن تَرَكَ التسويةَ، ولذا ذهب بعضُ أهل العِلم إلى وجوب تسوية الصَّفِّ. واستدلُّوا لذلك: بأمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم به، وتوعُّدِه على مخالفته، وشيء يأتي الأمرُ به، ويُتوعَّد على مخالفته لا يمكن أن يُقال: إنه سُنَّة فقط)) اهـ
12) توجب تآلف القلوب، فالتقارب بالأبدان يجلب التقارب بالقلوب، وهذا بمفهوم المخالفة للحديث السابق.
13) أثر صلاح الأعمال الظاهر في صلاح القلب، والعكس بالعكس، أثر فساد الأعمال الظاهر في فساد القلب، وشاهده حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
14) الحفاظ على ألا يتخللهم الشيطان، فيفسد صلاتهم بالوسوسة، فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ولا تذروا فرجات للشيطان)) أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الإمام الألباني.
وصح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولينوا في أيدي إخوانكم، وسدوا الخلل؛ فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف)) يعني: أولاد الضأن الصغار، أخرجه أحمد وصححه الإمام الألباني.
15) تجنب أن لا يشغل بعضهم بعضًا بالنظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلفين.
16) تمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم، فإذا تراصوا وسع جميعهم المسجد، وإذا لم يفعلوا ذلك ضاق عنهم.
17) تعلم النظام والدقة في العمل.
1 إشارة إلى من فُتن بحضارة الغرب والشرق وما عندهم من تطور ونظام، بأن الإسلام دين يحث على النظام ويأمر به في أعظم العبادات العملية وفي أحسن البقاع.
هذا ما تم جمعه من فوائد وثمرات تسوية الصفوف في الصلاة.
أما ما جاء من غفران الذنوب في الحديث (من سد فرجة في الصف غفر له) فقد ضعفه الإمام الألباني في ((السلسة الضعيفة)) رقم (5047).
وكذلك لا يصح ما جاء من بناء بيت له في الجنة، وجاء في ((صحيح الترغيب والترهيب)) تحت الحديث رقم (505) وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من سد فرجة رفعه الله بها درجة وبنى له بيتا في الجنة)).
قال الإمام الألباني رحمه الله: ((وتقدم عند ابن ماجه في أول الباب دون قوله وبنى له بيتا في الجنة)) اهـ.
والحديث أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) فيه مسلم بن خالد الزنجي منكر الحديث كما قال البخاري في ((التاريخ الكبير)).
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 1 المحرم سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 21 سبتمبر سنة 2017 ف