بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :
فقد امتن الله سبحانه وتعالى على عباده بنعمة النوم، فقال جل وعلا:{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ:9] .
قال ابن جرير (24/151) يقول: وجعلنا نومكم لكم راحة ودَعة، تهدءون به وتسكنون، كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح، والسبت والسبات: هو السكون، ولذلك سمي السبت سبتا، لأنه يوم راحة ودعة.انتهى كلامه .
وَفي الآية امْتِنَانٌ وتفضل عَلَى النَّاسِ بهذه النعمة العظيمة هي بِخَلْقِ نِظَامِ النَّوْمِ فِيهِمْ لِتَحْصُلَ لَهُمْ رَاحَةٌ مِنْ أَتْعَابِ الْعَمَلِ الَّذِي يَكْدَحُونَ لَهُ فِي نَهَارِهِمْ ، وهي تحدي لهم قائم ، وواقع بحيث لا يستطيع أحدٌ من الخلق أن يستغني عن النوم .
فَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ النَّوْمَ حَاصِلًا لِلْإِنْسَانِ بِدُونِ اخْتِيَاره، لذلك يُقال النَّومُ سُلطانٌ غالبٌ ..
فالنّوم يحمل الإنسان ويضطره إِلَى قَطْعِ الحركة من عمل وغيره لِتَحْصُلَ رَاحَةٌ لِمَجْمُوعِهِ الْعَصَبِيِّ والنفسي والبدني ، فَبِتِلْكَ الرَّاحَةِ يَسْتَجِدُّ قُوَاهُ العقلية والبدنية الَّتِي أَوْهَنَهَا العَمَلُ وَالحَرَكَاتُ أثناء نهاره، بِحَيْثُ لَوْ تَعَلَّقَتْ رَغْبَةُ أَحَدٍ بِالسَّهَرِ لعدة أيام لما استطاع أن يواصل ، ولَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ ، وإلا اختل توازنه العقلي والجسدي من عدم النوم ، وَذَلِكَ لُطْفٌ من الله جل جلاله بِالْإِنْسَانِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ مَا بِهِ مَنْفَعَةُ مَدَارِكِهِ قَسْرًا عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَهَاوَنَ بِهِ..ويشكر نعمة ربه عليه . فينبغي على المسلم أن تكون حياته متوازنة يعطي كل ذي حق حقه ، (( ولنفسك عليك حقا ))صحيح الجامع (3040).
فينام المسلم عندما يحتاج إلى النوم، ويستيقظ عندما يأخذ حاجته دون إفراط ولا تفريط، وخير الأمور أوسطها ..
قال ابن القيم في الطب النبوي (1/179- 181) وفي الزاد( 4/221)وَنَحْنُ نَذْكُرُ فَصْلًا فِي النَّوْمِ وَالنَّافِعِ مِنْهُ وَالضَّارِّ، فَنَقُولُ : النَّوْمُ حَالَةٌ لِلْبَدَنِ يَتْبَعُهَا غَوْرُ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَالْقُوَى إِلَى بَاطِنِ الْبَدَنِ لِطَلَبِ الرَّاحَةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: طَبِيعِيٌّ وَغَيْرُ طَبِيعِيٍّ.
1 - فَالطَّبِيعِيُّ: إِمْسَاكُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ عَنْ أَفْعَالِهَا، وَهِيَ قُوَى الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ، وَمَتَى أَمْسَكَتْ هَذِهِ الْقُوَى عَنْ تَحْرِيكِ الْبَدَنِ اسْتَرْخَى، وَاجْتَمَعَتِ الرُّطُوبَاتُ وَالْأَبْخِرَةُ الَّتِي كَانَتْ تَتَحَلَّلُ وَتَتَفَرَّقُ بِالْحَرَكَاتِ وَالْيَقَظَةِ فِي الدِّمَاغِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ هَذِهِ الْقُوَى، فَيَتَخَدَّرُ وَيَسْتَرْخِي، وَذَلِكَ النَّوْمُ الطَّبِيعِيُّ.
2 - وَأَمَّا النَّوْمُ غَيْرُ الطَّبِيعِيِّ، فَيَكُونُ لِعَرَضٍ أَوْ مَرَضٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَسْتَوْلِيَ الرُّطُوبَاتُ عَلَى الدِّمَاغِ اسْتِيلَاءً لَا تَقْدِرُ الْيَقَظَةُ عَلَى تَفْرِيقِهَا، أَوْ تَصْعَدُ أَبْخِرَةٌ رَطْبَةٌ كَثِيرَةٌ كَمَا يَكُونُ عَقِيبَ الِامْتِلَاءِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَتُثْقِلُ الدِّمَاغَ وَتُرْخِيهِ، فَيَتَخَدَّرُ، وَيَقَعُ إِمْسَاكُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ عَنْ أَفْعَالِهَا، فَيَكُونُ النَّوْمُ. وَلِلنَّوْمِ فَائِدَتَانِ جَلِيلَتَانِ:
1 - إِحْدَاهُمَا: سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَرَاحَتُهَا مِمَّا يَعْرِضُ لَهَا مِنَ التَّعَبِ، فَيُرِيحُ الْحَوَاسَّ مِنْ نَصَبِ الْيَقَظَةِ، وَيُزِيلُ الْإِعْيَاءَ وَالْكَلَالَ.
2 - وَالثَّانِيَةُ: هَضْمُ الْغِذَاءِ، وَنُضْجُ الْأَخْلَاطِ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ فِي وَقْتِ النَّوْمِ تَغُورُ إِلَى بَاطِنِ الْبَدَنِ، فَتُعِينُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا يَبْرُدُ ظَاهِرُهُ وَيَحْتَاجُ النَّائِمُ إِلَى فَضْلِ دِثَارٍ.
وَأَنْفَعُ النَّوْمِ: أَنْ يَنَامَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، لِيَسْتَقِرَّ الطَّعَامُ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ في الْمَعِدَةِ اسْتِقْرَارًا حَسَنًا، فَإِنَّ الْمَعِدَةَ أَمْيَلُ إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ قَلِيلًا، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الشِّقِّ الْأَيْسَرِ قَلِيلًا لِيُسْرِعَ الْهَضْمَ بِذَلِكَ لِاسْتِمَالَةِ الْمَعِدَةِ عَلَى الْكَبِدِ، ثُمَّ يَسْتَقِرُّ نَوْمُهُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، لِيَكُونَ الْغِذَاءُ أَسْرَعَ انْحِدَارًا عَنِ الْمَعِدَةِ، فَيَكُونُ النَّوْمُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ بُدَاءَةَ نَوْمِهِ وَنِهَايَتَهُ، وَكَثْرَةُ النَّوْمِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مُضِرٌّ بِالْقَلْبِ بِسَبَبِ مَيْلِ الْأَعْضَاءِ إِلَيْهِ، فَتَنْصَبُّ إِلَيْهِ المواد.
وأردأ النَّوْمُ عَلَى الظَّهْرِ، وَلَا يَضُرُّ الِاسْتِلْقَاءُ عَلَيْهِ لِلرَّاحَةِ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ، وَأَرْدَأُ مِنْهُ أَنْ يَنَامَ مُنْبَطِحًا عَلَى وَجْهِهِ، وَفِي «الْمُسْنَدِ» وَ «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» عَنْ أبي أمامة قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فِي الْمَسْجِدِ مُنْبَطِحٍ عَلَى وَجْهِهِ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: «قُمْ أَوِ اقْعُدْ، فَإِنَّهَا نَوْمَةٌ جَهَنَّمِيَّةٌ» قال الشيخ الألباني ضعيف ،ضعيف الأدب المفرد (185)وضعيف ابن ماجة(3725).
وَالنَّوْمُ الْمُعْتَدِلُ مُمَكِّنٌ لِلْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ أَفْعَالِهَا، مُرِيحٌ لِلْقُوَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ، مُكْثِرٌ مِنْ جَوْهَرِ حَامِلِهَا، حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا عَادَ بِإِرَخَائِهِ مَانِعًا مِنْ تَحَلُّلِ الْأَرْوَاحِ.
وَنَوْمُ النَّهَارِ رَدِيءٌ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الرُّطُوبِيَّةَ وَالنَّوَازِلَ، وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ (1).
وَيُورِثُ الطِّحَالَ، وَيُرْخِي الْعَصَبَ، وَيُكْسِلُ، وَيُضْعِفُ الشَّهْوَةَ إِلَّا فِي الصَّيْفِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ، وَأَرْدَؤُهُ نوم أول النهار، أردأ مِنْهُ النَّوْمُ آخِرَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنًا لَهُ نَائِمًا نَوْمَةَ الصُّبْحَةِ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ، أَتَنَامُ فِي السَّاعَةِ التي تقسم فيها الأرزاق.؟
وَقِيلَ: نَوْمُ النَّهَارِ ثَلَاثَةٌ : خُلُقٌ (1)، وَحُرَقٌ (2)، وَحُمْقٌ (3). فَالْخُلُقُ: نَوْمَةُ الْهَاجِرَةِ ، وَهِيَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْحُرَقُ : نَوْمَةُ الضُّحَى، تَشْغَلُ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالْحُمْقُ: نَوْمَةُ الْعَصْرِ.
1 - قال الألباني: وكأن المراد أن النوم في أوسط النهار خُلُق ممدوح ، ففيه إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (( قِيلوا: فإن الشياطين لَا تَقِيل )) ، وهو مخرَّج في " الصحيحة "(1647) وصحيح الجامع (4431).
(2) " خرقٌ ": أي: جهل.
(3) قال الألباني: قوله: " وآخره حُمْق " فإن حقيقة الحُمْق - كما في " النهاية " (وضع الشيء في غير موضعه ، مع العلم بقبحه) فهذا يقابله مدح من نام في أوسط النهار. وأما حديث: (( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه )). فضعيف. الضعيفة (39).
أخرجه ابن حبان في " الضعفاء والمجروحين " (1 / 283) من طريق خالد بن القاسم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 69) وقال: لا يصح، خالد كذاب، والحديث لابن لهيعة فأخذه خالد ونسبه إلى الليث.
قال السيوطي في " اللآليء " (2 / 150) : قال الحاكم وغيره: كان خالد يدخل على الليث من حديث ابن لهيعة، ثم ذكره السيوطي من طريق ابن لهيعة فمرة قال:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا، ومرة قال: عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا.
وابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه، وقد رواه على وجه ثالث، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 211 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (53) عنه عن عقيل عن مكحول مرفوعا مرسلا، أخرجاه من طريق مروان، قال: قلت لليث بن سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان - يا أبا الحارث مالك تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة..؟ فذكره،
قال الليث: لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل! ثم رواه ابن عدي من طريق منصور بن عمار حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
قلت ( أي الألباني ): ولقد أعجبني جواب الليث هذا، فإنه يدل على فقه وعلم، ولا عجب، فهو من أئمة المسلمين، والفقهاء المعروفين، وإني لأعلم أن كثيرا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر، ولوكانوا بحاجة إليه، فإذا قيل له : الحديث فيه ضعيف، أجابك على الفور: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال! فتأمل الفرق بين فقه السلف، وعلم الخلف!
والحديث رواه أبو يعلى وأبو نعيم في " الطب النبوى " (12 / 2 نسخة السفرجلاني) عن عمرو بن حصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره .انتهى كلامه .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/9: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ (2) مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ إِبَاحَةُ النَّوْمِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِذْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ . =====================
1 – قوله - رحمه الله- : وَنَوْمُ النَّهَارِ رَدِيءٌ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الرُّطُوبِيَّةَ وَالنَّوَازِلَ، وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ .. هذا ليس على إطلاقه ، فإن نوم القليلة مفيد جدا ، وهو خلق ممدوح فقد حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجعل من لا يقيل إنما هم الشياطين ،فقال : (( قيلوا فإنّ الشياطين لا تقيل )). وتحضرني قصة ها هنا : وهي أنّ عالما كان يتصل به سائلٌ دائما ، حتى أصبح معروفا لديه ، وذات مرة اتصل به في وقت القيلولة ، المرة الأولى ، والثانية ، والثالثة ؛ فرفع الشيخ السماعة وبعد السلام قال السائل ألم تعرفني يا شيخ ؟؟ قال الشيخ أنت الشيطان الذي لا يقيل .
2 - لا يقصد بالحديث : ((من نام بعد العصر..)) وإنما حديث أسماء بنت عميس - رضي الله عنها – (( أن النبي صلى الله عليه وسلم نام بعد العصر ...واضعا رأسه على فخذ علي – رضي الله عنه - حتى غابت الشمس فسأل النبيُ اللهَ أن يردها لعلي ...)) الحديث إلا أن الحديث ضعيف جدا ؛ بل حكم عليه الشيخ الألباني بالوضع .