الرد بالآثار الصحيحة على من قال بكشف الوجه
قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) } سورة الأحزاب
قال الشنقيطي في أضواء البيان : فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَرِينَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِيهَا: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ سَتْرُ وُجُوهِهِنَّ بِإِدْنَاءِ جَلَابِيبِهِنَّ عَلَيْهَا، وَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لِأَزْوَاجِكَ، وَوُجُوبُ احْتِجَابِ أَزْوَاجِهِ وَسِتْرِهِنَّ وُجُوهَهُنَّ، لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. فذكر الْأَزْوَاج مَعَ الْبَنَاتِ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْوُجُوهِ بِإِدْنَاءِ الْجَلَابِيبِ، كَمَا تَرَى.
قال ابن جرير في تفسيره : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عبَيْدَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] فَلَبِسَهَا عِنْدَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: وَلَبِسَهَا عِنْدَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَبِسَهَا عِنْدِي عبَيْدَةُ؛ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ بِرِدَائِهِ، فَتَقَنَّعَ بِهِ، فَغَطَّى أَنْفَهُ وَعَيْنَهُ الْيُسْرَى، وَأَخْرَجَ عَيْنَهُ الْيُمْنَى، وَأَدْنَى رِدَاءَهُ مِنْ فَوْقٍ حَتَّى جَعَلَهُ قَرِيبًا مِنْ حَاجِبِهِ أَوْ عَلَى الْحَاجِبِ "
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عبَيْدَةَ، عَنْ قَوْلِهِ: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] قَالَ: «فَقَالَ بِثَوْبِهِ، فَغَطَّى رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، وَأَبْرَزَ ثَوْبَهُ عَنْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ»
معاني القرآن للفراء : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ أَبُو كُدَيْنة عَن ابن عون عَن ابن سيرين فِي قوله: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [59] . هكذا: قَالَ تُغَطّي إحدى عينيها وجبهتها والشِّق الآخر، إلّا العين.
ولم يكن عبيدة السلماني ممن يفسر القرآن برأيه :
قال ابن أبي شيبة في مصنفه - باب من كره أن يفسر القرآن-: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّدَادِ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ فِيمَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ»
قال ابن أبي شيبة في مصنفه - باب من كره أن يفسر القرآن-: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَصْحَابَ عَلِيٍّ وَلَيْسَ هُمْ لِشَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ أَكْرَه مِنْهُمْ لِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ
ومما جاء أيضا في ترجمة عبيدة السلماني:
قال ابن سعد في الطبقات: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرِ بْنِ حَبِيبٍ السَّهْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عبَيْدَةَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَتَيْنِ. ولكنه لم يلقه.
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أيوب، قال: حدثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ هِشَامٍ الْقُرْدُوسِيّ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيْدَة السَّلْمَانيِّ؛ قَالَ: أَسْلَمت قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ وَلَمْ أَرَه
قال ابن سعد في الطبقات : أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ومسلم بن إبراهيم كلهم عن قرة ابن خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ عبيدة عريف قومه.
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم الشافعي، قَالَ: سمعت فُضَيْل بْن عياض، يحدث عَنْ هشام، عَنِ ابن سيرين؛ قَالَ: كنت أجلس إِلَى شُرَيْح فيذكرون عَبِيْدَة فيقولون: ذاك رجلٌ عالم؛ لولا أَنَّهُ جريء.
قَالَ: فجلست إِلَى عَبِيْدَة فما رأيت أحدا أَجْبَن عما لا يعلم مِنْهُ.
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بن عمر، قال: حدثنا حَمَّاد - يعْني: ابْن زَيْد، عَنْ أَيُّوب، قَالَ: سمعت مُحَمَّدًا يقول لأبي مَعْشَر: إنما أتهمكم فِي الَّذِين تروون عَنْ عليٍّ، أو كثر ما تَرْوونَ عنه، أو فِي كثيرٍ مِمَّا تذكرون عنه.
قَالَ لي عَبِيْدَة: أول شيءٍ حدَّثني قَالَ: بعث إليَّ عليُّ بْن أَبِي طالب وإِلَى شُرَيْح فَقَالَ: إني أبغض الاختلاف فاقضوا كَمَا كنتم تقضون حَتَّى يَكُونَ للناس جماعة أو أموت كَمَا مات أصحابي، فلم يُجتَمع، أو يجتمعوا - حَتَّى مات.
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْد الله بن يونس، قال: حدثنا زَائِدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ عَبِيْدَة، قَالَ: أَرْسَلَ إليَّ عليٌّ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَبْغَضُ، أْوَ أَكْرَهُ - الاخْتِلافَ، حَتَّى يَكُونَ للناس جماعة، أو أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي.
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بن عمر، قال: حدثنا حَمَّاد بن زيد، قال: حدثنا أَيُّوبَ وَهِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّد: أَنَّ عليا قَالَ: يَا أهل الكوفة أتعجزون أن تكونوا مثل السَّلْمَانِيّ؟ قَالَ عُبَيْد اللَّهِ: يَعْنِي: عَبِيْدَة.
قال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ لَهُ أَصْحَابٌ حَفِظُوا عَنْهُ وَقَامُوا بِقَوْلِهِ فِي الْفِقْهِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: زَيْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ
قال يعقوب بن سفيان الفسوي : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحيم حدثنا عَلِيٌّ قَالَ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِعَبْدِ اللَّهِ عَلَقَمَةُ والأسود، وعبيدة وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَآخَرُ ذَكَرَهُ، فَكَانَ عِلْمُ هَؤُلَاءِ وَحَدِيثُهُمُ انْتَهَى إِلَى سفيان بن سعيد، وكان يحي بْنُ سَعِيدٍ بَعْدَ سُفْيَانَ يُعْجِبُهُ هَذَا الطَّرِيقُ وَيَسْلُكُهُ.
قال يعقوب بن سفيان : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:
أَدْرَكْتُ الْكُوفَةَ وَبِهَا أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ يُعَدُّ بِالْفِقْهِ فَمَنْ بَدَأَ بِالْحَارِثِ ثَنَّى بِعُبَيْدَةَ، وَمَنْ بَدَأَ بِعُبَيْدَةَ ثَنَّى بِالْحَارِثِ وَعَلَقْمَةُ الثَّالِثُ وَشُرَيْحٌ الرَّابِعُ. ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ: وان أربعة أخسهم شريحا لَخِيَارٌ.
قال الخطيب في تاريخ بغداد: أَخْبَرَنَا ابْن الفضل، قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بْن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا سهل بْن أَحْمَد الواسطي، قَالَ: سمعت أبا حفص عمرو بْن علي يقول: حَدَّثَنَا وكيع، وعبد الرحمن بْن مهدي، قالا: حَدَّثَنَا سفيان، عَنْ منصور، عَنْ إبراهيم، قَالَ: كان أصحاب عبد اللَّه الذين يقرءُون القرآن، ويصدر الناس عَنْ رأيهم ستة: علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة، وعمرو بْن شرحبيل، والحارث بْن قيس.
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: أخبرنا أبو المظفر بن القشيري أنا أبو بكر البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن المؤمل نا الفضل بن محمد نا أحمد بن حنبل نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال كان أصحاب عبد الله بن مسعود الذين يقرءون الناس ويعلمونهم السنة علقمة والأسود وعبيدة ومسروق والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل
وقد أشار عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الى صفة الجلباب و هو يصف لباس المرأة المحرمة:
قال ابو داود في مسائله لاحمد في باب ما تلبس المرأة في إحرامها : ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، وَرَوْحٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: آخِرُ مَا قَالَ لِي عَطَاءٌ أَخْبَرَنِي أَبُو الشَّعْثَاءِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تُدَنِّي الْجِلْبَابَ إِلَى وَجْهِهَا، وَلَا تَضْرِبُ بِهِ» .
قَالَ رَوْحٌ فِي حَدِيثِهِ، قُلْتُ: وَمَا لَا تَضْرِبُ بِهِ؟ فَأَشَارَ لِي كَمَا تُجَلْبِبُ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ أَشَارَ لِي مَا عَلَى خَدِّهَا مِنَ الْجِلْبَابِ، قَالَ: تَعْطِفُهُ وَتَضْرِبُ بِهِ عَلَى وَجْهِهَا، كَمَا هُوَ مَسْدُولٌ عَلَى وَجْهِهَا
جاء في العلل ومعرفة الرجال لأحمد: قَالَ أبي وَقيل لأبي عَاصِم وسألوه عَن روح هَل تعرفه قَالَ كَيفَ لَا أعرفهُ كَانَ يشفعنا عِنْد بن جريج
قال الخطيب في تاريخ بغداد : أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أخبرنا عبد الرّحمن بن عمر حدّثنا محمّد بن أحمد بن يعقوب حَدَّثَنَا جدي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن عُمَر قال سمعت عليّ بن المديني يقول وَقلت لأبي عاصم النبيل رأيت روح بْن عبادة عند ابْن جريج؟ فَقَالَ أنا رأيت روح بْن عبادة عند ابْن جريج، ابْن جريج صير لروح بْن عبادة كل يوم شيئا من الحديث يخصه به.
وقد تابع روح سعيد بن سالم القداح :
قال الشافعي في مسنده في كتاب المناسك : أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " تُدْلِي عَلَيْهَا مِنْ جَلَابِيبِهَا، وَلَا تَضْرِبُ بِهِ. قُلْتُ: وَمَا لَا تَضْرِبُ بِهِ، فَأَشَارَ لِي كَمَا تُجَلْبِبُ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى مَا عَلَى خَدِّهَا مِنَ الْجِلْبَابِ فَقَالَ: لَا تُغَطِّيهِ فَتَضْرِبُ بِهِ عَلَى وَجْهِهَا، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَبْقَى عَلَيْهَا، وَلَكِنْ تَسْدُلُهُ عَلَى وَجْهِهَا كَمَا هُوَ مَسْدُولًا، وَلَا تَقْلِبُهُ، وَلَا تَضْرِبُ بِهِ، وَلَا تُعْطِفُهُ "
فتأمل قوله في رواية يحيى وروح " تدني الجلباب الى وجهها "
وقوله " لَا تُغَطِّيهِ فَتَضْرِبُ بِهِ عَلَى وَجْهِهَا، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَبْقَى عَلَيْهَا"
وقوله " وَلَكِنْ تَسْدُلُهُ عَلَى وَجْهِهَا "
فهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في لباس المرأة المحرمة و هو ان تغطي وجهها بإسدال الجلباب على وجهها ولا تعطفه حتى لا يمس بشرها "فذلك الذي لا يبقى عليها" .
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (سدل) السِّينُ وَالدَّالُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى نُزُولِ الشَّيْءِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ سَاتِرًا لَهُ.
قال الكسائي في معاني القرآن في قوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن) : يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن
قال الزمخشري في الكشاف معقبا على قول الكسائي : أراد بالانضمام معنى الإدناء
وقال الزمخشري في الكشاف : "ومعنى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ يرخينها عليهنّ، ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ. يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك ...."
فالمرأة في حال احرامها لن تضم جلبابها او تعطفه على وجهها فذلك الذي لا يبقى عليها وانما ستسدله على وجهها كما قال ابن عباس رضي الله عنهما
وقد بينت عائشة رضي الله عنها صفة هذا الاسدال للمرأة المحرمة وقالت "المحرمة تغطي وجهها ان شاءت":
قال الطحاوي في أحكام القران : قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ الْعَبْدِيَّةِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتِ: " الْمُحْرِمَةُ تُغَطِّي وَجْهَهَا إِنْ شَاءَتْ "
جاء في كلام يحيى بن معين في الرجال : أم شبيب ثِقَة روى عَنْهَا حَمَّاد بن سَلمَة وَسَلام بن أبي مُطِيع
قال البيهقي في السنن الكبرى : وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ , أنبأ أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ , ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ , ثنا أَبِي , ثنا شُعْبَةُ , عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ , عَنْ مُعَاذَةَ , عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: " الْمُحْرِمَةُ تَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ مَا شَاءَتْ إِلَّا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ , أَوْ زَعْفَرَانٌ وَلَا تَتَبَرْقَعُ , وَلَا تَلَثَّمُ وَتُسْدِلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا إِنْ شَاءَتْ "
قال ابن سعد في الطبقات : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أُمِّهِ، وَأُخْتِهِ، أَنَّهُمَا دَخَلَتَا عَلَى عَائِشَةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ: أَيَحِلُّ لِي أَنْ أُغَطِّيَ وَجْهِي وَأَنَا مُحْرِمَةٌ؟ فَرَفَعَتْ خِمَارَهَا عَنْ صَدْرِهَا حَتَّى جَعَلَتْهُ فَوْقَ رَأْسِهَا.
وقال ابن حجر في الفتح : وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تُسْدِلُ الْمَرْأَةُ جِلْبَابَهَا مِنْ فَوق رَأسهَا على وَجههَا
قال الحاكم في المستدرك : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ الْعَدْلُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: «كُنَّا نُغَطِّيَ وُجُوهَنَا مِنَ الرِّجَالِ، وَكُنَّا نَتَمَشَّطُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ»
قال ابن خزيمة في صحيحه : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتُ: كُنَّا نُغَطِّي وُجُوهَنَا مِنَ الرِّجَالِ، وَكُنَّا نَمْتَشِطُ قَبْلَ ذَلِكَ
مسند اسحاق بن راهويه : أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ قَالَتْ: «كُنَّا مَعَ أَسْمَاءَ نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ، وَنَمْتَشِطُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَنَدْهُنُ بِالْمَكْتُومَةِ»
وليس للمحرمة أن تنتقب :
قال ابن أبي شيبة في مصنفه : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّهَا كَرِهَتِ النِّقَابَ لِلْمُحْرِمَةِ وَالْكُحْلَ، وَرَخَّصَتْ فِي الْخُفَّيْنِ»
قال الطحاوي في أحكام القران : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ الْعَبْدِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا، مَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ؟ فَقَالَتِ: الْخُفَّيْنِ، وَالْقُفَّازَيْنِ، وَالسَّرَاوِيلَ "، وَنَهَتْ عَنِ الْكُحْلِ وَالنِّقَابِ "
موطأ مالك : مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لاَ تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ. وَلاَ تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ.
وأما إذا تحللت من إحرامها فان عائشة رضي الله عنها كانت تطوف بالبيت منتقبة :
جاء في المطالب العالية لابن حجر : قَالَ مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ كانت عائشة رَضِيَ الله عَنْها تَطُوفُ بِالْبَيْتِ منقبة قَالَ وَكَانَ عَطَاءٌ يَكْرَهُهُ حَتَّى حَدَّثَتْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُفْتِي بِهِ
وقوله تعالى " عليهن " بعد قوله "يدنين" يوضح المعنى المراد .
قال عمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 145 :
كأن ثوباً لما التقى الركب تد ... نيه عليها يشف عن قمر
هو عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ القرشي من طبقة جرير والفرزدق، ولم يكن في قريش أشعر منه.
قال الذهبي في تاريخ الاسلام : أَحَدُ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ بِالْحِجَازِ، وَفَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَامْتَدَحَهُ، فَوَصَلَهُ بمالٍ عظيمٍ لِشَرَفِهِ وَبَلاغَةِ نَظْمِهِ، وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحَدَّثَ عَنْ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وُلِدَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
جاء في سنن سعيد بن منصور : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا حُصَيْنٌ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يُسأل عَنْ عَرَبيَّة القرآن، فيُنْشِد الشعر.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القران : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْقُرْآنِ، فَيُنْشِدُ فِيهِ الشَّعْرَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَسْتَشْهِدُ بِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ
قال الخطيب في تاريخ بغداد : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عَلان السروطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الْأزْدِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، هُوَ الْمَوْصِليّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بْن سريج، قَالَ: سمعتُ عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي، يَقُولُ: هُشيم أعلم الناس بِحديث هَؤُلَاءِ الأربعة: أعلم الناس بِحديث منصور بْن زاذان، ويونس، وسيَّار، وأثبت الناس فِي حصين.
قَالَ الحارث بْن سريج: فقلتُ لعبد الرَّحْمَن بْن مهدي: إذا اختلف الثوري وهشيم؟ قَالَ: هُشيم أثبت فِيهِ، قلت: شُعبة وهشيم؟ قَالَ: هُشيم حتى يَجتمعا، يعني: يجتمع سُفْيَان وشعبة فِي حديث
و قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ) في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع : كَتْبُ أَشْعَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الشِّعْرِ الْحِكَمُ النَّادِرَةُ وَالْأَمْثَالُ السَّائِرَةُ وَشَوَاهِدُ التَّفْسِيرِ وَدَلَائِلُ التَّأْوِيلِ فَهُوَ دِيوَانُ الْعَرَبِ وَالْمُقَيِّدُ لِلُغَاتِهَا وَوُجُوهِ خُطَّابِهَا فَلَزِمَ كَتْبُهُ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القران : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14] قَالَ: «الْأَرْضُ» . قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ: عِنْدَهُمْ لَحْمُ بَحْرٍ وَلَحْمُ سَاهِرَة
وقد فصل أبو عبيد القاسم بن سلام في معنى النقاب عند العرب :
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد القاسم بن سلام: "فِي حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين رَحمَه الله قال حدثناه هشيم عن منصور عن ابن سيرين انه قال : النقاب مُحدث."
قال أبو عبيد "و هذا حديث قد تأوّله بعض النَّاس على غير وَجهه يَقُول: إِن النِّقاب لم يكن النِّسَاء يَفْعَلْنَه كنَّ يُبْرِزْنَ وجوههن وَلَيْسَ هَذَا وَجه الحَدِيث وَلَكِن النِّقابَ عِنْد الْعَرَب هُوَ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ المَحْجِر فَإِذا كَانَ على طرف الْأنف فَهُوَ اللَّفام وَإِذا كَانَ على الْفَم فَهُوَ اللِّثام وَلِهَذَا قيل فلَان يَلْثم فلَانا إِذا قبَّله على فَمه. / وَالَّذِي أَرَادَ مُحَمَّد فِيمَا نرى وَالله أعلم أَن يَقُول إِن إبداءَهنَّ المحاجِرَ محدَث وإنّما كَانَ النَّقاب لاحقا بِالْعينِ أَو أَن يَبْدُوا إِحْدَى الْعَينَيْنِ وَالْأُخْرَى مستورة. [عرفنَا ذَلِك بِحَدِيث يحدّثه هُوَ عَن عُبَيْدَة أَنه
سَأَلَهُ عَن قَوْله عزّ وَعلا {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} قَالَ: فقَنَع رَأسه وغطَّى وَجهه وَأخرج إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقَالَ: هَكَذَا. فَإِذا كَانَ النقاب لَا يَبْدُو مِنْهُ إِلَّا العينان قطّ فَذَلِك الوَصْوَصة وَاسم ذَلِك الشَّيْء الوَصْواصُ وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي يغطّى بِهِ الْوَجْه وَقَالَ الشَّاعِر:
(الرجز)
يَا لَيْتها قد لَبِسَتْ وَصْواصَا
قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مُحَمَّد لِأَن الوصاوِصَ والبراقع كَانَت لِبَاس النِّسَاء ثمَّ أحدثن النقاب بعد ذَلِك. قَالَ أَبُو زيد: تَقول تَمِيم تَلَثَّمت على الْفَم وَغَيرهم يَقُولُونَ: تَلَفَّمت] .
وقد جاء بيان صفة الجلباب من فعل سيدة نساء التابعين وقولها حفصة بنت سيرين :
قال البيهقي في السنن الكبرى : أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنبأ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالَا: نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، وَقَدْ جَعَلَتِ الْجِلْبَابَ هَكَذَا، وَتَنَقَّبَتْ بِهِ فَنَقُولُ لَهَا رَحِمَكِ اللهُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] هُوَ الْجِلْبَابُ قَالَ فَتَقُولُ لَنَا: أِيُّ شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَنَقُولُ: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: 60] فَتَقُولُ: " هُوَ إِثْبَاتُ الْجِلْبَابِ "
و مما جاء أيضا في صفة هذه الهيئة ما رواه البخاري في صحيحه قال :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: «كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ، لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ»
قال ابن الازهري في الزاهر في غريب الفاظ الشافعي
فالمتلفعات: النساء اللاتي قد اشتملن بجلابيبهن حتى لا يظهر منهن شيء غير عيونهن, ويقال: وقد تلفع بثوبه والتفع به إذا اشتمل به أي تغطى به.
وأما المروط فهي أكسيه من صوف أوخز كن النساء يتجلببن بها إذا برزن واحدها مرط
وستر وجوه النساء عن الرجال من لدن موسى عليه السلام :
قال ابن أبي شيبة في مصنفه : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، " أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، فَلَمَّا فَرَغُوا أَعَادُوا الصَّخْرَةَ عَلَى الْبِئْرِ وَلَا يُطِيقُ رَفْعَهَا إِلَّا عَشَرَةُ رِجَالٍ، فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ، قَالَ: مَا خَطْبُكُمَا؟ فَأَخْبَرَتَاهُ فَأَتَى الْحَجَرَ فَرَفَعَهُ ثُمَّ لَمْ يَسْتَقِ إِلَّا ذَنُوبًا وَاحِدًا حَتَّى رُوِيَتِ الْغَنَمُ وَرَجَعَتِ الْمَرْأَتَانِ إِلَى أَبِيهِمَا فَحَدَّثَتَاهُ، وَتَوَلَّى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] قَالَ: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25] وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا، قَالَتْ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، قَالَ لَهَا: امْشِي خَلْفِي وَصِفِي لِي الطَّرِيقَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تُصِيبَ الرِّيحُ ثَوْبَكِ فَيَصِفَ لِي جَسَدَكِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَبِيهَا قَصَّ عَلَيْهِ، {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، قَالَ: يَا بُنَيَّةُ مَا عِلْمُكِ بِأَمَانَتِهِ وَقُوَّتِهِ؟ قَالَتْ: أَمَّا قُوَّتُهُ فَرَفْعُهُ الْحَجَرَ وَلَا يُطِيقُهُ إِلَّا عَشَرَةٌ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ فَقَالَ لِي: امْشِي خَلْفِي وَصِفِي لِي الطَّرِيقَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُصِيبَ الرِّيحُ ثَوْبَكِ فَتَصِفَ جَسَدَكِ، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ لَيْسَتْ بِسَلْفَعٍ مِنَ النِّسَاءِ لَا خَرَّاجَةٌ، وَلَا وَلَّاجَةٌ، وَمَعَهُ ثَوْبُهَا عَلَى وَجْهِهَا "
جاء في كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي: وامرأةٌ سَلْفَعٌ: أي سَليطةٌ
وجاء في غريب الحديث للخطابي : ويقال: رجل سلفع وامرأة سلفع بغير هاء وإنما أراد الوقحة من النساء الجريئة على الرجال.
وقوله تعالى "من جلابيبهن"
قال الزمخشري في الكشاف : " فإن قلت: ما معنى مِنْ في مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ؟ قلت: هو للتبعيض، إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين، أحدهما: أن يتجلببن ببعض مالهنّ من الجلابيب، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار، .......
والثاني: أن ترخى المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة."
وقوله تعالى : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ
قال ابن جرير في تفسيره: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] «يَتَجَلْبَبْنَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرٌ فَلَا يَعْرِضُ لَهُنَّ فَاسِقٌ بِأَذًى مِنْ قَوْلٍ وَلَا رِيبَةٍ»
تفسير عبد الرزاق : عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: كُنَّ إِمَاءً بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُنَّ كَذَا وَكَذَا , كُنَّ يَخْرُجْنَ فَيَتَعَرَّضُ لَهُنَّ السُّفَهَاءُ فَيَرُدُّوهُنَّ , فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَخْرُجَ فَيَحْسَبُونَ أَنَّهَا أَمَةٌ فَيَتَعَرَّضُونَ لَهَا وَيُؤْذُونَهَا , فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ مِنَ الْإِمَاءِ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلَا يُؤْذَيْنَ»
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] " أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ إِذَا خَرَجْنَ أَنْ يَقْنَعْنَ عَلَى الْحَوَاجِبِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] وَقَدْ كَانَتِ الْمَمْلُوكَةُ إِذَا مَرَّتْ تَنَاوَلُوهَا بِالْإِيذَاءِ، فَنَهَى اللَّهُ الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ "
قال ابن جرير في تفسيره : حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأنفال: 49] قَالَ: شَهْوَةُ الزِّنَا "
وقد بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن القناع هو لباس الحرائر من نساء المسلمين
أحاديث اسماعيل بن جعفر : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ، ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَهْلِهِ لِحَاجَةٍ فَإِذَا فِي مَنْزِلِهِ امْرَأَةٌ عَلَيْهَا جِلْبَابٌ مُتَقَنِّعَةٌ بِهِ، قَالَ: فَرَجَعَ حِينَ رَآهَا، قَالَ: ثُمَّ عَادَ فَوَجَدَهَا لَمْ تَبْرَحْ، ثُمَّ عَادَ فَوَجَدَهَا قَدْ ذَهَبَتْ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لِأَهْلِهِ: «مَنْ هَذِهِ الَّتِي قَدْ عَنَّتْنَا مُنْذُ الْيَوْمِ؟» فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْهَا، هِيَ أَمَةُ فُلَانٍ، قَالَ: فَلَمَّا رَاحَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَشَبَّهِ الْأَمَةُ بِسَيِّدَتِهَا»
قال عبد الرزاق في مصنفه : عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عُمَرَ، ضَرَبَ أَمَةً لِآلِ أَنَسٍ رَآهَا مُتَقَنِّعَةً قَالَ: «اكْشِفِي رَأْسَكِ، لَا تَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ»
قال ابن ابي شيبة في مصنفه : حَدَّثَنَا وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَى عُمَرُ أَمَةً لَنَا مُتَقَنِّعَةً، فَضَرَبَهَا وَقَالَ: «لَا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ»
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَةٌ، قَدْ كَانَ يُعَرِّفُهَا لِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ، أَوْ الْأَنْصَارِ، وَعَلَيْهَا جِلْبَابٌ مُتَقَنِّعَةً بِهِ، فَسَأَلَهَا عَتَقَتْ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: «فَمَا بَالُ الْجِلْبَابِ، ضَعِيهِ عَنْ رَأْسِكَ، إِنَّمَا الْجِلْبَابُ عَلَى الْحَرَائِرِ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ» فَتَلَكَّأَتْ، فَقَامَ إِلَيْهَا بِالدُّرَّةِ فَضَرَبَ بِهَا بِرَأْسِهَا، حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْ رَأْسِهَا
قال يحيى بن سلام في تفسيره : هَذِهِ الآيَةُ فِي الْحَرَائِرِ. وَأَمَّا الإِمَاءُ فحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى أَمَةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ: فَتَنَاوَلَهَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: اكْشِفِي رَأْسَكِ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: وَلا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ.
قال عبد الرزاق في مصنفه : عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ أَمَةً خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ تَجُوسُ النَّاسَ مُلْتَبِسَةً لِبَاسَ الْحَرَائِرِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ، فَقَالَ: «مَنِ الْمَرْأَةُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِكِ تَجُوسُ الرِّجَالَ؟» قَالَتْ: تِلْكَ جَارِيَةٌ، جَارِيَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: «فَمَا يَحْمِلُكِ أَنْ تُلْبِسِي جَارِيَةَ أَخِيكِ لِبَاسَ الْحَرَائِرِ؟ فَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْكِ، وَلَا أَرَاهَا، إِلَّا حُرَّةً فَأَرَدْتُ أَنْ أُعَاقِبَهَا»
صفية بنت عبيد : امرأة عَبد الله بن عُمَر بن الخطاب قال أحمد بْن عَبد الله العِجْلِيّ : مدنية، تابعية، ثقة. وذكرها ابن حبان في كتاب "الثقات" . استشهد بها البخاري. (تهذيب الكمال للمزي)
قال البيهقي في السنن الكبرى : أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَتْهُ، قَالَتْ: خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةٌ مُتَجَلْبِبَةٌ، فَقَالَ عَمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: جَارِيَةٌ لِفُلانٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِيهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: " مَنْ حَمَلَكِ عَلَى أَنْ تُخَمِّرِي هَذِهِ الأَمَةَ وَتُجَلْبِبِيهَا، وَتُشَبِّهِيهَا بِالْمُحْصَنَاتِ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَقَعَ بِهَا، لا أَحْسَبُهَا إِلا مِنَ الْمُحْصَنَاتِ، لا تُشَبِّهُوا الإِمَاءَ بِالْمُحْصَنَاتِ "
و مما ارسله التابعون عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال عبد الرزاق في مصنفه: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ، رَأَى جَارِيَةً خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ مُتَزَيِّنَةً عَلَيْهَا جِلْبَابٌ، أَوْ مِنْ بَيْتِ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عُمَرُ الْبَيْتَ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ؟ فَقَالُوا: أَمَةٌ لَنَا، أَوْ قَالُوا: أَمَةٌ لِآلِ فُلَانٍ فَتغَيَّظَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَتُخْرِجُونَ إِمَاءَكُمْ بِزِينَتِهَا تَفْتِنُونَ النَّاسَ»
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى الْإِمَاءَ مِنَ الْجَلَابِيبِ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ "، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحُدِّثْتُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ عَقِيلَةَ أَمَةَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي الْجِلْبَابِ أَنْ تَجْلَبْبَ
قال ابن ابي شيبة في مصنفه : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يَدْعُ فِي خِلَافَتِهِ أَمَةً تَقَنَّعُ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «إِنَّمَا الْقِنَاعُ لِلْحَرَائِرِ لَكَيْلَا لَا يُؤْذَيْنَ»
سنن سعيد بن منصور : أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، نا هُشَيْمٌ، أنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ لَا يَدَعُ أَمَةً تَقَنَّعُ فِي خِلَافَتِهِ، وَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ لِلْحَرَائِرِ لِكَيْلَا يُؤْذَيْنَ»
و مما جاء في التفريق بين الامة و الحرة
جاء في غريب الحديث لابي عبيد : " وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث عمر [رَضِي الله عَنهُ -] أَنه سُئِلَ عَن حدّ الأمَةِ فَقَالَ: إنّ الْأمة قد ألقتْ فَروَة رَأسهَا من وَرَاء الدَّار.
قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، سمع عبد الله بن الحارث ، يحدثه عن عمر . "
اي عبد الله بن الحارث هو بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب - ثقة
و سفيان هو ابن عيينة
و عمرو بن دينار هو الاثرم
و راجع غريب الحديث الطبعة الاميرية الجزء 4 ص 202
و في نسخ أخرى من الغريب لابي عبيد " الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة "
سنن سعيد بن منصور : أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، نا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ يُخْبِرُ أَبَا الشَّعْثَاءِ، قَالَ: سَأَلَ أَبِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ حَدِّ الْأَمَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: «إِنَّ الْأَمَةَ نَبَذَتْ فَرْوَتَهَا مِنْ وَرَاءِ الدَّارِ» وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ
مصنف عبد الرزاق : عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، أنه سأل عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن حد الأمة فقال : " ألقت فروتها وراء الدار " *
قال البخاري في صحيحه : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ»
قال ابن حجر : أَمَّا التَّثْرِيبُ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ فَهُوَ التَّعْنِيفُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَقَدْ جَاءَ بِلَفْظِ وَلَا يُعَنِّفُهَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ
و قال رحمه الله : قَوْلُهُ فَلْيَجْلِدْهَا أَيِ الْحَدَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْمَعْرُوفُ مِنْ صَرِيحِ الْآيَةِ فَعَلَيْهِنَّ نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب وَوَقع فِي رِوَايَة للنسائي مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيَجْلِدْهَا بِكِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ وَلَا يُثَرِّبُ أَيْ لَا يَجْمَعُ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةَ بِالْجَلْدِ وَبِالتَّعْيِيرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ لَا يَقْتَنِعُ بِالتَّوْبِيخِ دُونَ الْجَلْدِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَا يُعَيِّرُهَا وَلَا يُفَنِّدُهَا قَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يُعَزَّرُ بِالتَّعْنِيفِ وَاللَّوْمِ وَإِنَّمَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى الْإِمَامِ لِلتَّحْذِيرِ وَالتَّخْوِيفِ فَإِذَا رُفِعَ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَفَاهُ قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ وَقَالَ لَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ
تفسير الطبري : حدثكم به ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا مالك بن أنس , عن الزهري , عن عبيد الله بن عبد الله , عن أبي هريرة , وزيد بن خالد : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة تزني ولم تحصن قال : " اجلدها , فإن زنت فاجلدها , فإن زنت فاجلدها , فإن زنت فقال في الثالثة أو الرابعة فبعها ولو بضفير " والضفير : الشعر " حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن عيينة , عن الزهري , عن عبيد الله بن عبد الله , عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل , فذكر نحوه
حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني جرير بن حازم , أن سليمان بن مهران , حدثه عن إبراهيم بن يزيد , عن همام بن الحارث : أن النعمان بن عبد الله بن مقرن سأل عبد الله بن مسعود , فقال : أمتي زنت ؟ فقال : اجلدها خمسين جلدة . قال : إنها لم تحصن . فقال ابن مسعود : " إحصانها إسلامها " *
حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن عمرو بن مرة , أنه سمع سعيد بن جبير , يقول : " لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوج " *
قال البخاري في صحيحه : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ، قَالَ: «إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ
قال ابن حجر : قَالَ بن بَطَّالٍ زَعَمَ مَنْ قَالَ لَا جَلْدَ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ تُحْصَنْ غَيْرُ مَالِكٍ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا فَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَن بن شِهَابٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَكَذَا رَوَاهُ طَائِفَةٌ عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْهُ قُلْتُ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أخرجهَا النَّسَائِيّ وَرِوَايَة بن عُيَيْنَةَ تَقَدَّمَتْ فِي الْبُيُوعِ لَيْسَ فِيهَا وَلَمْ تُحْصَنْ وَزَادَهَا النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْحَارِثِ بن مِسْكين عَن بن عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ تَزْنِي قَبْلَ أَن تحصن وَكَذَا عِنْد بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بن الصَّباح كِلَاهُمَا عَن بن عُيَيْنَة وَقد رَوَاهُ عَن بن شِهَابٍ أَيْضًا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَكَذَا أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَاكَ بِدُونِهَا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَيْضًا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَا فَهُوَ مِنَ الْحُفَّاظِ وَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ
قال ابن حجر : الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أخرج البُخَارِيّ من حَدِيث اللَّيْث عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنه سَمعه يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زنت الْأمة فَتبين زنَاهَا فليجلدها الْحَد وَلَا يثرب الحَدِيث وَقد اخْتلف على سعيد فَرَوَاهُ عبيد الله بن عمر من رِوَايَة مُحَمَّد بن عبيد وَيحيى بن سعيد الْأمَوِي عَنهُ عَن سعيد عَن أَبِيه وَرَوَاهُ عَبدة بن سُلَيْمَان عَن بن إِسْحَاق عَن سعيد هَكَذَا وَخَالف بن الْمُبَارك ومعتمر بن سُلَيْمَان وَعقبَة بن خَالِد وَأَبُو أُسَامَة وَغَيرهم فَرَوَوْه عَن عبيد الله بن عمر عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة لم يَقُولُوا عَن أَبِيه وَكَذَا قَالَ غير وَاحِد عَن بن إِسْحَاق وَكَذَا رَوَاهُ أَيُّوب بن مُوسَى وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَأُسَامَة بن زيد وَغَيرهم عَن سعيد لَيْسَ فِيهِ عَن أَبِيه وأخرجها مُسلم على اختلافها وَاقْتصر البُخَارِيّ على حَدِيث اللَّيْث قلت اللَّيْث إِمَام وَقد زَاد فِيهِ عَن أَبِيه فَلَا يضرّهُ من نَقصه على أَنه فِي مثل هَذَا لَا يبعد أَن يكون الحَدِيث عِنْد سعيد على الْوَجْهَيْنِ لِكَثْرَة من رَوَاهُ عَنهُ دون ذكر أَبِيه وَإِذا صَحَّ أَنه عِنْده على الْوَجْهَيْنِ فَلَا يضرّهُ الِاخْتِلَاف مَعَ أَن الحَدِيث عِنْد الشَّيْخَيْنِ من غير طَرِيق المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا وَالله أعلم
قال ابن حجر في الفتح : (قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات الْآيَةَ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْله وَالله غَفُور رَحِيم قَالَ الْوَاحِدِيُّ قُرِئَ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْقُرْآنِ بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم فَبِالْفَتْحِ جَزْمًا وَقُرِئَ فَإِذَا أُحْصِنَّ بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ فَبِالضَّمِّ مَعْنَاهُ التَّزْوِيجُ وَبِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ الْإِسْلَامُ وَقَالَ غَيْرُهُ اخْتُلِفَ فِي إِحْصَانِ الْأَمَةِ فَقَالَ الْأَكْثَرُ إحصانها التَّزْوِيج وَقيل الْعتْق وَعَن بن عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ إِحْصَانُهَا التَّزْوِيجُ وَنَصَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْآيَة قَوْله تَعَالَى من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات فَيَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ فَإِذَا أَسْلَمْنَ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّزْوِيجَ كَانَ مَفْهُومُهُ أَنَّهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ إِذا زنت وَقد أَخذ بِهِ بن عَبَّاسٍ فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَى الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَاحْتَجَّ بِمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ لَيْسَ عَلَى الْأَمَةِ حَدٌّ حَتَّى تُحْصَنَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ والأرجح وَقفه وَبِذَلِك جزم بن خُزَيْمَة وَغَيره وَادّعى بن شَاهِينَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّارِيخِ وَهُوَ لَمْ يُعْلَمْ وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى أَرِقَّائِكُمْ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَكِنَّ سِيَاقَهُ فِي مُسْلِمٍ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِهِ فَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَقْوَى وَإِذَا حُمِلَ الْإِحْصَانُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّزْوِيجِ وَفِي الْآيَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَصَلَ الْجَمْعُ وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهَا إِذَا زَنَتْ قَبْلَ الْإِحْصَانِ تُجْلَدُ وَقَالَ غَيْرُهُ التَّقْيِيدُ بِالْإِحْصَانِ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي حَقِّهَا الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ فَأُخِذَ حُكْمُ زِنَاهَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ مِنَ الْكِتَابِ وَحُكْمُ زِنَاهَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الْجَلْدِ فِي حَقِّهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نُصَّ عَلَى الْجَلْدِ فِي أَكْمَلِ حَالَيْهَا لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الرَّجْمِ عَنْهَا لَا عَلَى إِرَادَةِ إِسْقَاطِ الْجَلْدِ عَنْهَا إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ عَلَيْهَا الْجَلْدَ
وَإِنْ لَمْ تُحْصَنْ قَوْلُهُ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ زَوَانِي وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ أَخِلَّاءَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّشْدِيدِ جَمْعُ خَلِيلٍ وَهَذَا التَّفْسِيرُ ثَبَتَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده وَقد أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ وَالْمُسَافِحَاتُ جَمْعُ مُسَافِحَةٍ مَأْخُوذٌ مِنَ السِّفَاحِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الزِّنَا وَالْأَخْدَانُ جَمْعُ خِدْنٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَهُوَ الْخَدِينُ وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّاحِبُ قَالَ الرَّاغِبُ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يُصَاحِبُ غَيْرَهُ بِشَهْوَةٍ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ فِي الْمَدْحِ خَدِينُ الْمَعَالِي فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ قُلْت وَالنُّكْتَةُ فِيهِ أَنَّهُ جَعَلَهُ يَشْتَهِي مَعَالِيَ الْأُمُورِ كَمَا يَشْتَهِي غَيْرُهُ الصُّورَةَ الْجَمِيلَةَ فَجَعَلَهُ خَدِينًا لَهَا وَقَالَ غَيْرُهُ الْخَدِينُ الْخَلِيلُ فِي السِّرِّ"
قال مسلم في صحيحه : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ، مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَحْسَنْتَ»
وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ اتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ
وَقَالَ [أَبُو عبيد -] : فِي حَدِيث سعيد [بن جُبَير -] قال حدثناه هشيم قال اخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير قال :
مَا ازْلَحَفَّ ناكحُ الأَمَة عَن الزِّنَا إِلَّا قَلِيلا لِأَن الله [تبَارك و -] تَعَالَى يَقُول: {وَاَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} .
قَوْله: مَا ازْلَحَفَّ: يَقُول: مَا تَنَحَّى عَن ذَلِك وَمَا تَزَحْزَحَ عَنهُ إِلَّا قَلِيلا [وَفِيه لُغَتَانِ: ازْلَحَفَّ وازْحَلَفَّ مثل جذب وجبذ قَالَ العجاج: (الرجز)
وَالشَّمْس قد كادَتْ تكون دَنَفاً ... أدفَعُها بالرَّاح كي تَزَحْلَفا
فَبَدَأَ بِالْحَاء قبل اللَّام.
قام بجمعه وترتيبه أبو محمد الهاشمي
يتبع...
تعليق