الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمسألة الإهداء للكفار من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها أهل العلم من قديم الزمان، وكل من المجتهدين أدلي بحجته، فمنهم من أباحها على الإطلاق، ومنهم من قيدها بالقريب الكافر، والبعض الآخر ذكروا أن فيها النسخ.
فإذا تقرر هذا فلا ينبغي الإنكار في مسائل الاجتهاد كما هو متقرر في أصول الفقه، وخاصة إذا كان المنكر عليه من ولاة الأمور.
وهذه جملة من النصوص التي يستدل بها أهل العلم الذين يرون مشروعية الإهداء للكافر وخاصة إذا كان ذا رحم، ولغرض مشروع كرجاء إسلامه أو كف شره أو غيرها من الأسباب.
فقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه (باب الهدية للمشركين) ثم ذكر قول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.
ثم وأورد فيه حديثين.
الحديث الأول الذي أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر حلة على رجل تباع فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ابتع هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد.
فقال: ((إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة)).
فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بحلل فأرسل إلى عمر منها بحلة.
فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟
قال: ((إني لم أكسكها لتلبسها تبيعها أو تكسوها)).
فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم.
وفي رواية لمسلم: (فكساها عمر أخا له مشركا بمكة).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وفيه جواز صلة القريب الكافر والإحسان إليه بالهدية وقال بن عبد البر فيه جواز الهدية للكافر ولو كان حربيا وتعقب بأن عطاردا إنما وفد سنة تسع ولم يبق بمكة بعد الفتح مشرك وأجيب بأنه لا يلزم من كون وفادة عطارد سنة تسع أن تكون قصة الحلة كانت حينئذ بل جاز أن تكون قبل ذلك وما زال المشركون يقدمون المدينة ويعاملون المسلمين بالبيع وغيره وعلى تقدير أن يكون ذلك سنة الوفود فيحتمل أن يكون في المدة التي كانت بين الفتح وحج أبي بكر فإن منع المشركين من مكة إنما كان من حجة أبي بكر سنة تسع ففيها وقع النهي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)) اهـ.
وقال العلامة العراقي رحمه الله في ((طرح التثريب)): ((وفي رواية للبخاري " أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم " قال النووي في شرح مسلم فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك قلت لم أر أحدا ممن صنف في الصحابة ذكره فيهم ، وذلك على أنه لم يسلم .
( الخامسة عشرة ) فيه صلة الأقارب الكفار ، والإحسان إليهم ، وجواز الإهداء للكافر ، ولو كان حربيا فإن مكة لم يبق فيها بعد الفتح مشرك ، وكانت قبل ذلك حربا ذكره ابن عبد البر .
وفيه نظر فإن وفود عطارد إنما كان بعد الفتح في التاسعة أو العاشرة كما تقدم ، وكان إرسال هذه الهدية بعد وفوده)) اهـ.
ثم ذكر البخاري الحديث الثاني بسنده إلى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وهي راغبة أفأصل أمي.
قال: ((نعم صلي أمك)).
وفي ((نيل الأوطار)): (باب ما جاء من قبول هدايا الكفار والأهداء لهم).
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)): ((قوله " قال نعم " فيه دليل على جواز الهدية للقريب الكافر والآية المذكورة تدل على جواز الهدية للكافر مطلقا من القريب وغيره ولا منافاة ما بين ذلك وما بين قوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل وأيضا البر والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد المنهي عنه ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله تعالى { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } ومنها أيضا حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له م أهل مكة قبل أن يسلم : قوله " قال ابن عيينة " الخ لا ينافي هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا الين جانبا للمسلمين وأحسن أخلاقا من سائر الكفار لأن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء كذا قال الحافظ ولا يخفى ما فيه لأن محل الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه وقيل إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا)) اهـ.
وإعطاء الهدية للكافر ليس من المولاة كما يظنه بعض الجهلة؛ قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في ((الولاء والبراء في الإسلام)): ((وقد قال اللهُ تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22].
فالصلةُ والمكافأةُ الدنيويةُ شيءٌ ،والمودةُ شيءٌ أخرُ.
ولأنَّ في الصلةِ وحسنِ المعاملةِ ترغيباً للكفارِ في الإسلامِ فَهُما منْ وسائلِ الدعوةِ بخلافِ المودةِ والموالاةِ فهما يدلانِ على إقرارِ الكافرِ على ما هو عليه والرضى عنه وذلك يسببُ عدمَ دعوتِه إلى الإسلام)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 26 شعبان سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 23 مايو سنة 2017 ف
قال الشيخ الفاضل زاهد الساحلي حفظه الله ((قرأت مقالك الموسوم تبكيت أهل العمى فوجدته مقالا نافعا جديرا بالنشر والاهتمام فقد القمت الحجر أفواه المشغبين على ولاة الأمور المتاجرين بدين الإسلام.
والسلام عليكم.
كتبه أخوكم / زاهد محمد الساحلي)) اهـ.
أما بعد:
فمسألة الإهداء للكفار من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها أهل العلم من قديم الزمان، وكل من المجتهدين أدلي بحجته، فمنهم من أباحها على الإطلاق، ومنهم من قيدها بالقريب الكافر، والبعض الآخر ذكروا أن فيها النسخ.
فإذا تقرر هذا فلا ينبغي الإنكار في مسائل الاجتهاد كما هو متقرر في أصول الفقه، وخاصة إذا كان المنكر عليه من ولاة الأمور.
وهذه جملة من النصوص التي يستدل بها أهل العلم الذين يرون مشروعية الإهداء للكافر وخاصة إذا كان ذا رحم، ولغرض مشروع كرجاء إسلامه أو كف شره أو غيرها من الأسباب.
فقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه (باب الهدية للمشركين) ثم ذكر قول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.
ثم وأورد فيه حديثين.
الحديث الأول الذي أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر حلة على رجل تباع فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ابتع هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد.
فقال: ((إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة)).
فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بحلل فأرسل إلى عمر منها بحلة.
فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟
قال: ((إني لم أكسكها لتلبسها تبيعها أو تكسوها)).
فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم.
وفي رواية لمسلم: (فكساها عمر أخا له مشركا بمكة).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وفيه جواز صلة القريب الكافر والإحسان إليه بالهدية وقال بن عبد البر فيه جواز الهدية للكافر ولو كان حربيا وتعقب بأن عطاردا إنما وفد سنة تسع ولم يبق بمكة بعد الفتح مشرك وأجيب بأنه لا يلزم من كون وفادة عطارد سنة تسع أن تكون قصة الحلة كانت حينئذ بل جاز أن تكون قبل ذلك وما زال المشركون يقدمون المدينة ويعاملون المسلمين بالبيع وغيره وعلى تقدير أن يكون ذلك سنة الوفود فيحتمل أن يكون في المدة التي كانت بين الفتح وحج أبي بكر فإن منع المشركين من مكة إنما كان من حجة أبي بكر سنة تسع ففيها وقع النهي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)) اهـ.
وقال العلامة العراقي رحمه الله في ((طرح التثريب)): ((وفي رواية للبخاري " أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم " قال النووي في شرح مسلم فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك قلت لم أر أحدا ممن صنف في الصحابة ذكره فيهم ، وذلك على أنه لم يسلم .
( الخامسة عشرة ) فيه صلة الأقارب الكفار ، والإحسان إليهم ، وجواز الإهداء للكافر ، ولو كان حربيا فإن مكة لم يبق فيها بعد الفتح مشرك ، وكانت قبل ذلك حربا ذكره ابن عبد البر .
وفيه نظر فإن وفود عطارد إنما كان بعد الفتح في التاسعة أو العاشرة كما تقدم ، وكان إرسال هذه الهدية بعد وفوده)) اهـ.
ثم ذكر البخاري الحديث الثاني بسنده إلى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وهي راغبة أفأصل أمي.
قال: ((نعم صلي أمك)).
وفي ((نيل الأوطار)): (باب ما جاء من قبول هدايا الكفار والأهداء لهم).
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)): ((قوله " قال نعم " فيه دليل على جواز الهدية للقريب الكافر والآية المذكورة تدل على جواز الهدية للكافر مطلقا من القريب وغيره ولا منافاة ما بين ذلك وما بين قوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل وأيضا البر والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد المنهي عنه ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله تعالى { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } ومنها أيضا حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له م أهل مكة قبل أن يسلم : قوله " قال ابن عيينة " الخ لا ينافي هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا الين جانبا للمسلمين وأحسن أخلاقا من سائر الكفار لأن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء كذا قال الحافظ ولا يخفى ما فيه لأن محل الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه وقيل إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا)) اهـ.
وإعطاء الهدية للكافر ليس من المولاة كما يظنه بعض الجهلة؛ قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في ((الولاء والبراء في الإسلام)): ((وقد قال اللهُ تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22].
فالصلةُ والمكافأةُ الدنيويةُ شيءٌ ،والمودةُ شيءٌ أخرُ.
ولأنَّ في الصلةِ وحسنِ المعاملةِ ترغيباً للكفارِ في الإسلامِ فَهُما منْ وسائلِ الدعوةِ بخلافِ المودةِ والموالاةِ فهما يدلانِ على إقرارِ الكافرِ على ما هو عليه والرضى عنه وذلك يسببُ عدمَ دعوتِه إلى الإسلام)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 26 شعبان سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 23 مايو سنة 2017 ف
قال الشيخ الفاضل زاهد الساحلي حفظه الله ((قرأت مقالك الموسوم تبكيت أهل العمى فوجدته مقالا نافعا جديرا بالنشر والاهتمام فقد القمت الحجر أفواه المشغبين على ولاة الأمور المتاجرين بدين الإسلام.
والسلام عليكم.
كتبه أخوكم / زاهد محمد الساحلي)) اهـ.