الفوائد السلفية المنهجية المنتقاة من حديث عذاب القبر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصبحه ومن والاه.أما بعد :
فمن عقائد أهل السنة الثابتة بالكتاب والسنة [1]والإجماع، ما يكون بعد الموت في القبر من النعيم أو العذاب.
ولنا وقفه منهجية مع حديث نبوي شريف اتفق على إخراجه جبلي الحفظ والإتقان (البخاري ومسلم) من حديث الصحابي عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال:
"مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَبْرِي مِنَ الْبَوْلِ؛ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ فَعَلْتَ هذَا قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا".
هذا الحديث العظيم جمع فوائد فقهية ومنهجيه يحتاج كل مسلم أن يتدبرها دائمًا.
ومن تلكم الفوائد:
أولًا: فيه أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلم بعض أمور الغيب بواسطة الوحي، ولا يعلم كلّ الغيب كما يزعم أهل البدع الأهواء من غلاة التصوف وغيرهم.
ثانيًا: فيه إثبات عذاب القبر، وأنّ هذه الأمة تُفتن في قبورها, وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ من فتنة القبر دبر كل صلاة.
ثالثًا: فيه رد على من أنكر عذاب القبر من الملاحدة ومن انخدع بهم من أهل البدع والأهواء.
رابعًا:فيه إثبات الشفاعة التي ينكرها الخوارج والمعتزلة.
خامسًا:فيه دليل على أنّ الرجلين ماتا على التوحيد، إذ شفاعة النبي – عليه الصلاة والسلام – خاصة بأهل التوحيد، وفيه بيان خلط وخبط من زعم أن صاحبي القبرين من المشركين.
سادسًا :هذا الحديث فيه رد على الخوارج الذين يكفرون عصاة المسلمين ويستحلون دماءهم وأموالهم؛ بسبب وقوعهم في الذنوب والكبائر–حسب زعمهم- بل وصل الحد عند خوارج عصرنا إلى القتل وسفك الدماء لأدنى شبهة، والحكم عليهم في الدنيا بالكفر وفي الآخرة بالخلود في النار، وهذا بلا شك مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة.
سابعًا: فيه رد على المعتزلة، الذين شابهوا الخوارج في حكم الآخرة، فحكموا على العصاة من أهل الذنوب والكبائر بالخلود في النار، وجعلوهم بين منزلتين في الدنيا، فلا يشهدون لهم بالإيمان ولا بالكفر، وهذا مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة.
ثامنًا : فيه رد على المرجئة، الذين زعموا أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وهذا بخلاف عقيدة أهل السنة والجماعةبأنّ الإيمان يزيد وينقص وأن أهل الكبائر تحت المشيئة، ومآلهم إلى الجنة ابتداءً إن غفر الله لهم، أو انتهاءً إن عُذبوا.
تاسعًا: فيه تحريم النميمة وأنها من كبائر الذنوب، وأنّ صاحبها مستحق للوعيد والعذاب الشديد، إلا أن يتغمده الله برحمة فهو تحت المشيئة.
عاشرًا: فيه الوعيد الشديد لمن يستهين ويقصر في الطهارة بعد قضاء الحاجة، فعلى المسلم أن يكون على حذر وليتنبه لمثل هذه الأمور.
الحادي عشر: فيه أن وضع الجريد لصاحب القبرين فيه تخفيف عليهما، وهذا الفعل خاص بالنبي – صلى الله عليه وسلم -، ولم يُؤثر أنّ أحدًا من الخلفاء الراشدين الأربعة فعله ولا من غيرهم من الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم – ولا من تابعيهم من الأئمة الأعلام.
فما نشاهده اليوم من وضع الجريد على النعش وعلى القبور،وأضف إلى ذلك وضع الزهور وزرع الحشائش على القبور، كل ذلك من محدثات الأمور والبدع المردودة.
وأذكر هنا أنّ البناء على القبور بالرخام والحجارة ووضع شاهد عليه، من البدع المنكرة التي أنكرها النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمر بهدمها، كما في صحيح مسلم وغيرهمن حديث حَيَّان بن حصين أبو الهياج الأسدي : قال : قال لي عليُّ -رضي الله عنه -: «ألا أبعثُك على ما بَعَثني عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ أن لا تدعَ صُورَة إِلا طَمستَها ، ولا قَبرا مُشْرِفا إِلا سَوَّيتَهُ».
فعلى أهل الإسلام الحذر من تلك البدع والمحدثات التي انتشرت وأصبحت عند الكثيرين من الدين، وإنا الله وإنا إليه راجعون.
لطيفة /
ما يفعله بعض الجهلة من وضع الجريد على قبر الميت، فيه اتهام لصاحب القبر بأنه يُعذب، وبأنه ممن يمشي بين الناس بالنميمة.
أسأل الله تعالى أن يوفق أهل الإسلام للعمل بالكتاب والسنة وفق منهج السلف الصالح، إنه جوادٌ كريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه / طارق بن أحمد طليب
يوم الاثنين الموافق 4/شعبان / 1438ه
[1]-وقد جاءت النصوص الكثيرة السديدة التي تثبت هذه العقيدة الراسخة فلتراجع في كتب الاعتقاد.