بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمدُ لله رَبِّ العَالمين و صلَّى الله على محمَّدٍ و على آله و صحبه وأتباعه إلى يوم الدِّين أمَّا بعدٌ(1)
فهذا جمعٌ لبعضِ الفوائد أثناء قراءة لمجلة الإصلاح السلفيَّة فأحببنا أن نشركها مع إخواننا الفضلاء لتعمَّ الفائدة و قد سميتها {الفوائد الجليَّة من مجلة الإصلاح السلفيَّة}.
*خُلُقُ اَلْعِزَّة:{ لعلَّ من أجلِّ الأخلاق الّتي تخلَّى عنهاَ أكثر المسلمين وزهدوا فيها,خلق العزَّة,تلك الكلمة التي ترمز إلى معاني القوَّة و الشدَّة و نفاسة القدر,يقال في كلام العرب عزَّ فلان,إذا برئ و سلم من الذُّلِّ و الهوان,وقد تعبِّر عن الامتناع و التَّرفّْع و الغلبة,فيقال: عزَّني فلان:أي:غلبني,ومنه قوله تعالى: ((وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ))(سورة ص:23) و عليه فالعزَّة من خلال هذه المعاني يمكن أن تعرَّف بأنها (( حالة مانعة للإنسان من أن يُغلب ))(2) سواءٌ كانت غلبةً حسِّيةً أو معنويَّةً.
ومن أوصاف الله تعالى العزَّة, و من أسمائه العزيز,أي: الغالبُ القويُّ, و هو سبحانه المعزُّ الَّذي له جميعُ معاني العزَّةِ كما قال سبحانه و تعالى: ((إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا))(سورة يونس:46), فله عزَّة القوَّة وعزَّة الامتناع,لأنَّه غنيٌّ بذاته لا يحتاج إلى أحدٍ, و عزَّةُ القهر و الغلبة لجميع الكائنات و قد تكرَّر وصف الله بوصف العزَّة ما يقارِبُ المئة مرَّة.
و لقد تناسى أو تجاهلَ كثيرٌ من المسلمين أنَّ عزَّ هذه الأمَّة و رفعةَ أهلِ الحقِّ و الخير فيها لن يتمَّ إلاَّ بالعضِّ على هذا الِّدِّينِ و النَّهَلِ منه عقيدةً و شريعةً,صدقاً و عدلاً,و النُّفرةِ من مسالك الجاهلين و المُباينة لسَبيلِ المارقين,و البُغضِ لأخلاق الكافرين}.(3)
*وقفات مع قوله تعالى: (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ))
الوقفة الأولى: {هذه الآية قاعدةُ عامَّةٌ تندرج تحتها كلُّ مسائل الدِّين من عقائد و عبادات و معاملاتٍ,قال الشَّيخُ السَّعدي: (( ما أعظمَ هذه القاعدة و ما أحكم هذا الأصل العظيم الَّذي نصَّ الله نصًّا صريحًا على عموم ذلك, و عدم تقيُّد هذا الهدى بحالة من الأحوال,فكلُّ حالةٍ هي أَقْوَمُ,في العقائد و الأخلاق و الأعمال والسِّياسات
الكبار و الصغار و الصِّناعات و الأعمال الدِّينيَّة و الدُّنيويَّة, فإنَّ القرآن يهدي إليها و يرشد إليها
فأما العقائد: فإنَّ عقائد القرآن هي العقائد النَّافعة الَّتي فيها صلاح القلوب و حياتها و كمالها, و هي الَّتي أوجد الله الخلق لأجلها.
و أمَّا أخلاقه الَّتي يدعو إليها, فإنَّه يدعو إلى التَّحلِّي بكلِّ خلقٍ جميلٍ, من الصّبر و الحلم و العفوِ و الأدبِ وحسنِ الخُلُقِ و جميع مكارم الأخلاق.
وأمَّا الأعمال الدِّينية الَّتي يهدي إليها: فهي أحسنُ الأعمال الَّتي فيها القيامُ بحقوق الله و حقوقِ العباد على أكمل الحالات و أجلِّها.
وأمَّا السِّياسات الدِّينية و الدُّنيويَّة: فهو يرشد إلى سلوك الطُّرقِ النَّافعة في دفع المفاسد و يأمر بالتَّشاورِ على ما لم يتَّضح مَصلحَته و العمل بما تقتضيه المصلحة في كلِّ وقتٍ بما يناسبُ ذلك الوقت و الحال.
الوقفة الثانية: جاء في هذه الآية وصف القرآن بالهداية و في كتاب الله تعالى آيات كثير تدل على ذلك و منها قوله تعالى: ((طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)) {سورة النمل:1و2}, وقوله تعالى: ((الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ)) {سورة لقمان:1,2,3}.
الوقفة الثالثة: المقصود بالهداية في هذه الآية هداية الإرشاد و الدَّلالة.
وهداية البيان و الدَّلالة هي الهداية العامة و هداية التَّوفيق و الإلهام هي الهداية الخاصَّة.
الوقفة الرابعة: قراءة القرآن الكريم و تدبُّر معانيه أعظم أسباب الهداية , قال الله تعالى: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)) {سورة الإسراء:9} وقال تعالى: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)) {سورة فصلت:44}
وهناك أسباب أخرى بيَّنها ربُّنا عز وجل في كتابه و على لسان نبيِّه صلى الله عليه و سلم و منها:
*العنايةُ بسنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم إذ هي المفسر للقرآن.
*الحرصُ على اتِّباع الصَّحابة رضوان الله عليهم و على رأسهم الخلفاءُ الأربعة
* التَّوحيد من أعظم أسباب الهداية.
*امتثال ما أمر الله به و رسوله واجتناب ما نهى الله عنه و رسوله.
*مجاهدة النفس على ذلك.
*الإنابة و التَّوبة و الرُّجوع إلى الله.
*الاعتصام بالله و التَّوكُّل عليه إذ هو العمدة في الهداية, و هو الوسيلة إلى الرَّشاد
*الدعاء و الإلحاح فيه.
الوقفة الخامسة: القرآن الكريم سبيل الهدى و الرَّشاد,من أقبل عليه كان ممَّن قال الله فيهم: ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)) {سورة طه:123}
ومن تولى عنه كان ممن قال الله فيهم: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) }.(4)
*وقفات مع قوله صلى الله عليه و سلم ((لا تدخلوا الجنَّة حتَّى تُؤْمنُوا))
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه و سلم ((والَّذي نَفسي بيده لا تَدْخلُوا الجنَّة حتَّى تؤْمنُوا,و لا تُؤْمنُوا حتَّى تَحَابُّوا,أفَلا أُّدُّلُّكُم عَلى أمرٍ إذا فعلتمُوهُ تحَاببتُم أفشوا السَّلام بينَكُم))(5)
{هذا الحديث أحاط بأسباب السَّعادة في الدُّنيا و الآخرة,وقد أقسم فيه النبي صلى الله عليه و سلم أنَّ الجنَّة لا يدخلها إلاَّ المؤمنون.
ومما يترتَّب على هذا الأصل الموجب دخول الجنَّة أن يحبَّ المسلم لأخيه ما يحبُّ لنفسه و لا يتمُّ الإيمان إلاَّ به, ويترتَّبُ عليه محبَّة اجتماع المسلمين و الحثُّ على التآلف و عدم التَّقاطع.
*حكم البغض في الله و ما هو موقعه من الأيمان؟
قال ابن رجب رحمه الله تعالى في ((الجامع))(2/266):{وأما البغض في الله, فهو من أوثق عرى الإيمان,وليس داخلاً في النهي و أو ظهر لرجلٍ من أخيه شرٌ, فأبغضه عليه, و كان الرَّجل معذورًا فيه في نفس الأمرِ,أثيب المبغض لهُ,وإن عذر أَخُوهُ,كما قال عمر رضي الله عنه: إنَّا كنَّا نعرفكم إذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيْنَ أظهُرنا,وإذ ينزلُ الوحيُ,وإذ ينَبِئنَا الله من أَخباركم,ألاَ و إنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قَدِ انطلقَ به, وانقطعَ الوحيُ,وإنَّما نعرفكم بما نَخبُرُكم,ألا من أظهَرَ منكم خيرًا ظننَّا به خيرًا,وأحببناه عليه,ومن أظهرَ منكم شرًا ظننَّا به شرًا و أبغضناه عليه,سرائركم بينكم و بينَ الله عز وجل}.
وقوله أفشوا السلام بينكم: فيه الحثًّ العظيم على إفشاء السَّلام وبذلهِ للمسلمين كلِّهم,من عرفت و من لم تعرف,والسلام أول أسباب التآلف و مفتاح استجلاب المودَّة,و فيها تكمن ألفة المسلمين,وإظهار شعارهم المميَّز لهم من غيرهم من أهل المِلَلِ
ومعنى إفشاء السلام: نشرهُ, وتوسيع استعماله بين المسلمين فيسلِّم الصَّغير على الكبير و يسلِّم الرَّاكب على الماشي, ويسلِّم القليل على الكثير, ولا يسلم المسلم بمنبِّه السَّيَّارة, لأنَّه إذا نُهيَ عن السَّلام بالإشارة, فهذا من باب أولى.
و المقصود: أنَ من أراد الفلاح و الفوز بالجنَّة,فلا بدَّ أن يكون مؤمنًا,ولا يكون مؤمنًا إلاَّ إذا أحبَّ إخوانه المسلمين في الله و من أعظم وسائل تحقيق المحبَّة بين المسلمين,سلام بعضهم على بعض}(6)
و في الأخير نسأل الله تعالى أن يوفقنى لما يحبه و يرضى و يغفر لنا خطأنا و لمشايخنا الأحياء منهم و الأموات,و ليكن في علم الإخوة أنَّ هذا الموضوع قد نشرته في منتدى التصفية و التربية و هذا رابط الأصل http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=20752 و قد نقلته هنى لينشر الخير و يكثر الأجر و الله من وراء القصد و السلام عليكم
-----------------------------
1: منقولة من متن مختصر في أصول العقائد الدينية للشيخ العلامة السعدي رحمه الله تعالى.
2: { (تاج العروس),(15/219)}.
3: {مجلة الإصلاح العدد:48, الصفحة: 4, 5}
4: {مجلة الإصلاح العدد:48 , الصفحة:6, 8,7}
5: {أخرجه مسلم(93),وأبو داود(5193),وغيرهما
6: {مجلة الإصلاح العدد: 48, الصفحة:12,11,10}
تعليق