بسم الله الرحمن الرحيم
من محاسن الدين الإسلامي أن جعل لكل شيء أحكاماً وآداباً تنظم أحوال الناس فيه، ومن ذلك آداب المساجد؛ لأنها بيوت الله، ولها مكانتها، وهي لم تُبْنَ إلا للعبادة، فلا ينبغي أن تُدنس بشيء من رجس الدنيا، فلا يبصق فيها ولا في قبلتها ولا يتنخم فيها، ولا يدنسها بنجاسة ، أو خصومة ، أو رفع للأصوات بالباطل، أو بيع أو شراء، أو إنشاد ضالة ، أو شعر ماجن أو إدخال فرق الإنشاد المتكونة من الغلمان والجواري والتقاط الصور ومقاطع الفيديو فيها أو جعلها مطعم وملهى أو ممر أو ملعب يرتع فيه المشاغبون من الولدان والشباب.
إن المساجد لم تبن لشيء من ذلك ، ما بنيت إلا لعبادة الله تعالى وإجلاله ، لذلك ينبغي أن تصان وتحفظ من ذلك ، وينبغي على أهل المسجد التعاون على ذلك ..
أيها الأخوة الكرام ؛ المساجد بيوت الله تعالى ، ومن أحبّ الله تعالى أحبّ بيوته، وأكثر من زيارتها ، متأدبا بآدابها قال تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ..}.
هذا من الآيات في فضل عمارة المساجد وأوصاف من يعمرها فوصفهم تعالى بالإيمان النافع ، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وبخشية الله التي هي أصل كل خير، فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها الذين هم أهلها، فهذه الأوصاف ، إقامة الصلاة فيها تدعوا إلى الخشوع والخضوع والسكينة والطمأنينة ، وخشية الله تعالى تدعوا إلى التعقل والورع ، وإيتاء الزكاة تدعوا إلى التلطف والرفق والمعاملة الحسنة ، وكلها تدعوا وتحث على التأدب بآداب بيوت الله في عمارتها .
عمارة المساجد : وعمارة بيوت الله عز وجل على نوعين : عمارة حسية بالرفع والبناء ، ومعنوية بالعبادة والطاعة .
1 - حسية بالبناء والرفع : أي إيجاد المساجد في الأماكن التي تحتاج إلى أما كن العبادة واجتماع المسلمين فيها ،وبعد بنائها يتطلب الأمر العناية الفائقة بها ، من تنظيفها ، وإسراجها، والمحافظة على جمالها ، وتطييبها بأجود البخور والطيب ، وفرشها ، وعدم السعي في خرابها ، وتوفير سبل الراحة والسكينة والطمأنينة لزوارها ، وغير ذلك ..
لقوله - r- : عن عُبَيْدَ اللهِ الْخَوْلَانِيَّ، يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( مَنْ بَنَا مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ - بَنَا اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )) متفق عليه ، البخاري ( 450) ومسلم (533).
كما يفعل الواحد منّا في بيته فإنه يحرص أن يكون بيته في غاية من الجمال والنظافة .
وقال : ((مَنْ بَنَا مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَا اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)) صحيح الجامع(2034) وقال (صحيح) [هـ] عن جابر. صحيح الترغيب (267).
روى الإمام أحمد(5 / 371)عَنْ عَائِشَةَ. (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِبُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ )). وأخرجه أبو داود (455) وأخرجه الترمذي (594) وابن ماجه (759) أنظر السلسلة الصحيحة (2724). وقال في صحيح أبي داود : باب اتخاذ المساجد في الدُور(480) إسناده صحيح على شرط الشيخين . وقال أبو سعيد: «كان سقف المسجد من جريد النخل» وأمر عمر ببناء المسجد وقال: «أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس» وقال أنس: «يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا» وقال ابن عباس –رضي الله عنهما -: «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» البخاري (1/96) باب بنيان المسجد.
وفي حديث دقيق عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ ...))أبو داود والترمذي وابن خزيمة في صحيحه وحسنه الشيخ الألباني ثم تراجع عن تحسينه .
2- وعمارة معنوية : المساجد بيوت الله أذن الله أن ترفع بالبناء ويذكر فيها اسمه ، يسبح له فيها بالعبادة والتعظيم والتقديس والإجلال ، بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ... بيوت الله ما وجدت إلى لأمر مقدس وعظيم وهو إفراده بالعبادة بأدب وتقدير واحترام وإجلال ، فلا تدنس بشرك ، ولا بقول زور ، ولا تكون كالأسواق يكثر فيها اللغط واللغو والهيشات ، والقذورات والنجاسات ، واللغو والمنكر والخصومات ، وإنما ينبغي أن ترفع فتكون محل تقديس وتعظيم وتقدير وطمأنينة وسكينة وخشوع ..
أيها الأخوة الكرام ؛ المكان النظيف يجذب الناس ، المكان المريح يجذب الناس ، المكان الجميل يجذب الناس ، فكما أننا نعتني ببيوتنا ؛ ننظفها ، ونطليها ، ونطيبها نصونها ونحسن صنعتها، ينبغي أن نعتني بالمساجد كي نجذب الناس إليها. فكل النّاس تعترف أنها تجد راحتها في المسجد . وأبلغ كلمة قيلت في هذا الموضوع أنه لا ينبغي أن تكون المساجد من حيث النظافة ، والأناقة ، والترتيب ، وتوفير الراحة أقل من بيوتنا ، حتى ينجذب الإنسان إلى المسجد.
أيهما أفضل العمارة الحسية أو المعنوية ؟؟ قال تعالى :{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) }.
هذه الآية نزلت لما اختلف بعض المسلمين، وبعض المشركين، في تفضيل عمارة المسجد الحرام ، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج، على الإيمان بالله والجهاد في سبيله، أخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما، فقال: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} أي: سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم، أنه المراد {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ}.
فالجهاد والإيمان بالله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة، لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.
فالجهاد والإيمان بالله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة، لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.
وأما الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل.
وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد، فلذلك .
قال: {لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر.
ثم صرح بالفضل فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ} بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة {وَأَنْفُسِهِمْ} بالخروج بالنفس {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} أي: لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم. أفاده الشيخ السعدي بتصرف .
ولأن بيوت الله هي أحب البلاد والبقاع إليه فينبغي أن نحبها ونعظمها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) . رواه مسلم.
فالمفاضلة جرت بين مسلمين وكافرين ، في أمر يتفق المسلمون أن ما فضله الله تعالى هو الأفضل ، من أن الإيمان بالله تعالى والجهاد في سبيله المنطلق من بيت الله هو أعلى وأفضل المراتب ، من مجرد سقاية الحاج وعمرة المسجد الحرام .
وأما بين المؤمنين فلا يشك أحد أن المؤمن الذي جمع بين الإيمان والعلم ، والجهاد في سبيل الله ، وعمارة بيوت الله لتعمر بالعبادة وطاعة الله وترفع بذكر الله هو أفضل عند الله ممن آمن بالله ولم يبن لله مسجدا وإن عمر المسجد بالعبادة والطاعة والذكر ..
وروى الحافظ ابن عساكر(1/382) في ترجمة عبد الله بن المبارك: قال عبد الله بن محمد قاضي نصيبين: حدثني محمد بن إبراهيم ابن أبي سكينة أنه أملى عليه عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس وواعده الخروج.
ذوأنشدها معه إلى الفضيل بن عياض في سنة سبع وسبعين ومائة. قال :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل ... فخيولهم يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رَهَج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الليل في ... أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذب قال: فلقيت الفضيل بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه فقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قلت: نعم، قال لي: اكتب هذا الحديث، وأملى عليّ الفضيل بن عياض: حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة: " أن رجلا قال: يا رسول الله علمني عملا أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله، فقال: هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ فقال: يا رسول الله أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي r: ((فوالذي نفسي بيده لو طُوِّقت ذلك ما بلغت، فضل المجاهدين في سبيل الله، أما علمت أن فرس المجاهد لَيْسَتَنُّ في طِوَله فيكتب له بذلك حسنات)).رواه البخاري.
1 - تعظيم بيوت الله: قال تعالى :{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } ( سورة الحج:32).
فأول أدب من آداب المسجد تعظيم بيوت الله جل جلاله حبا وطاعة وتقديسا؛ وإجلالا لأنها بُنيت لذكره وطاعته ، وبُنيت لعبادته ، ولتلاوة كتابه ، وأداء رسالة نبيه ، ونشر تعاليمه ، وتبليغ منهجه ، وبُنيت كي يتعارف المسلمون فيما بينهم ، مكان اللقاء والجماعة والاجتماع مكان التعارف ، مكان التناصح ، مكان البذل والعطاء، مكان التضحية ، مكان الوئام ، مكان الحب ، المسجد معشر الأحبة هو روح .المجتمع ، والقرية ، والحي ، والإمام هو روح المسجد وله دور ريادي وقيادي في تربية الأمة على الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة والمستحسنة .
وقال جلال جلاله :{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (36-37)}.النور .
بيوت الله ينبغي أن ترفع عما يجب أن ترفع بيوت النّاس مما لا يليق ببيوتهم من الأخلاق السيئة فبيت الله أولى وأولى أن فرع عن سفاسف الأمور ومحقرت الذنوب فضلا عن المعاصي والكبائر والخصومات وهيشات الأسواق والقاذورات .
ومن تعظيمها تعلق القلب بها حبا وإجلالا وتقديسا ، وأداء للعبادة ، لآن ذلك يبعث في النفس الطمأنينة والسكينة والراحة والرحمة .
وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ. يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ. وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْجِدِ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ...)). ملك والبخاري ومسلم .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)). أخرجه مسلم برقم (2699).
أيها الأحبة ؛ الضيف إذا نزل بساحة الكرماء ، ومنازل العظماء ، نال من أعطياتهم ، وغنم من جودهم وفضلهم ، فكيف بضيف نزل بأكرم الأكرمين ، وحلّ ببيت رب العالمين ؟
وقال-r - في حديث قدسي عن ربه: (( إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره ". رواه أبو داود في الزهد(1/37(465) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، أَنَّ كَعْبًا، قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ، ثُمَّ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَوَجَدْتُ فِيهِ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. .} [النور: 36] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ . ضعيف مرفوع صحيح موقوف .
إذا كان من حق الضيف أن يكرمه المضيف فإن من واجب الضيف أن يعرف قدر المزور وأن يتأدب معه ، من حق الضيف أن يُكرم من قبل صاحب البيت ، ومن واجب الضيف أن يعرف مَن صاحب البيت ، مَن الداعي ، من المزور ، أن تعرف من صاحب البيت ، وأن تتأدب معه فلا ينبغي أن تتجاوز حدود الأدب في بيته ..فكيف إذا كان من عمار المساجد وزوارها ، فجزاؤه أن يكون جارا لرب العالمين يوم لا ينفع مال ولا بنين .
قال صلى الله عليه وسلم (( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَيْنَ جِيرَانِي أَيْنَ جِيرَانِي ؛ فَيَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا وَمَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَاوِرَكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَيْنَ زُوَّارُ الْمَسَاجِدِ؟)) الصَّحِيحَة : ( 272.
فكيف إذا كان من عمارها وزوارها وتعلق قلبه بها حبا وتعظيما وتقديسا فإنه في ظلّ عرش الله جلّ جلاله آمناً مطمئناً يوم لا ظل إلا ظله .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال :((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ؛ الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ )) متفق عليه . فالإنسان الذي يحب الدنيا وزخرفها وقلبه معلق بالأماكن التي فيها الدنيا واللهو ، والإنسان الذي يحب الله ، والدار الآخرة ، قلبه معلق بأحب الأماكن إلى الله حبا وتعظيما وامتثالا للآمر والنهي ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ )) متفق عليه .
فهذه المساجد بيوت الله تبنى بقصد عمارتها بعبادة الله وذكره وحده لا شريك له ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ المساجد قبورا .
عدم اتخاذ القبور مساجد: 1 -عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: (( لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)). قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه.
2 - وَعَنْ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَبْلَ أنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: (( ... ألا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، ألا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ)). أخرجه مسلم.
وبعد بنائها بقصد العبادة لله وحده لا شريك له لا بد من عمارتها بما وجدت من أجله من أنواع العبادات ، ولعمارتها كذلك لا بد من آداب يتحلى بها القاصد بيوت الله ، وتلك الآداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ومنها ما هو محرم ومنها ما هو مكروه .
2 - الأدب الثاني من آداب المسجد :الاستعداد والتزين والتهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة ، وحسن الوضوء ، والتسوك ، ولبس الثياب النظيفة ، وتقليم الأظافر ، وترجيل الشعر والتجمل ، والتطيب .
قال تعالى:{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين }(سورة الأعراف: 31).
كيف بك إذا ذهبت إلى حفل بهيج ، أو اجتماع مع بعض المسئولين الكبار ؟ هل ستذهب هكذا دون استعداد ولا تزين ؟ فهكذا ينبغي أن نفعل إذا توجهنا إلى بيت من بيوت الله، أن نكون على أحسن حال .
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً)).رواه مسلم (2/131)(243) من مختصره . - وَعَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم – ((لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ، إلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى)). أخرجه البخاري برقم (883).
وعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا صلى أحدكم؛ فليلبس ثوبيه؛ فإن الله أحقمن يُتزَّيَّنُ له، فإن لم يكن له ثوبان؛ فليتزر إذا صلى، ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود. صححه الشيخ في صفة صلاة النبي (1/147).
3 - الأدب الثالث : السكينة والوقار عند الإتيان إلى المسجد وإذا دخلته :
إذا أتى أحدنا المسجد ومشى إليه فعليه بالسكينة والوقار ... عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذَا سَمِعْتُمُ الإقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأتِمُّوا)). متفق عليه .
فلا ينبغي أن يأتيها العبد وهو يجري ولا يلعب ولا غاضب متخاصم ، ولا متسخ بثياب العمل كما يحب هو كأنه داخل إلى ملعب أو سوق ،أو مقهى ..
فعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ سمع جلبة الرجال، فلما صلى قال: (ما شأنكم؟) قالوا: استعجلنا الصلاة، قال: (فلا تفعلوا؛ إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة؛ فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري.
حتى إذا جلست في المسجد من أجل الصلاة ومدارسة كتاب الله وطلب العلم والاستماع للخطيب ؛ فأنت في رباط وفي صلاة ، وتنزل عليك السكينة والطمأنينة وتغشاك الرحمة وتحفك الملائكة ويثني عليك الله تعالى بالذكر عند ملائكته فلا تعكر هذا الجو ولا تفسد هذا الجزاء برعونتك وأخلاقك السيئة .
قال صلى الله عليه وسلم :((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ)). مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، وَتَقُولُ المَلائِكَةُ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ)). قُلْتُ: مَا يُحْدِثُ؟ قال: (( يَفْسُو أَوْ يَضْرِطُ)). متفق عليه أخرجه البخاري برقم (176) ، ومسلم برقم (274).
فانظر إلى فضل الجلوس في المسجد على طهارة تذكر الله وأنت هادئ النفس مطمئن ساكن القلب والجوارح ، فإن الملائكة تصلي عليك وتدعو لك .
4 - الأدب الرابع :اجتناب تناول ما ينفر المصلين ويؤذيهم : أن يجتنب تناول الروائح الكريهة قبل ذهابه إلى المسجد؛ كالثوم والبصل والكراث، وما أشبه ذلك من المواد التي يسبب تناولها روائح كريهة؛ مثل الدخان وغيره..
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ أكَلَ مِنْ هَذِهِ البَقْلَةِ، الثُّومِ (وَقالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ البَصَلَ وَالثُّومَ وَالكُرَّاثَ) فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ)).متفق عليه (البخاري برقم (854)، ومسلم (564).
فإذا كان أكل الثوم والبصل وهو حلال ، لا ينبغي له أن يقرب المسجد لأن رائحتهما مؤذية للنّاس والملائكة ، فكيف بمن يشرب الدخان ويأتي إلى المسجد فيؤذي الجميع ، ولا يكتفي بذلك بل يريد أن يكون المسجد على هواه وكما يحب ، فالكثير من النّاس يريد أن يكون الإسلام لباسا على مقاسه ، مع أنه دين الله فيه الأمر والنهي ينبغي على الداخل للمسجد أن يعظمه وينقاد ويسلم للأمر والنهي على مراد الله ومراد رسوله فيتحمل الحر والقر ومشقة العبادة فعلى قدر المشقة يكون الأجر .
5 – الأدب الخامس :ـ خلع الحذاء وإزالة ما علق به ووضعه في المكان المناسب : ومن آداب المسجد خلع الحذاء (النعل )، وإزالة ما علق به ، وإطباقه ، ووضعه في المكان المناسب ، والحذر من رفعه فوق الرؤوس ، والحذر من تلويث المسجد به . نفضه ، إزالة ما علق به ، طبقه ، وضعه في المكان المناسب .
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَلاَ يُؤْذِ بهِمَا أَحَداً لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ لِيُصَلِّ فِيهِمَا». صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (655)..
فالنعل يوضع في الأماكن المخصصة لها ، وإذا خاف الرجل على نعله فليضعه في كيس زنبيل وليضعه بين رجليه إن كان في الصف وإذا كان منفردا فليضعه على يساره .
6 - الأدب السادس : الانتباه إلى نظافة الجوارب : ومن آداب المسجد الانتباه إلى نظافة الجوارب ، فكم من ضعيف في الإيمان نفر من المسجد من جورب ذي رائحة ، وكم من ضعيف في إيمانه ترك المسجد من مصلّ ذي رائحة ، لذلك ينبغي الحرص على التنَظُّف ، نظافة البدن والثياب والجوارب ، والتجمل ، والتطيب ، من آداب المسجد . وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا)) أو قال: (( فليعتزل مسجدنا أو ليقعد في بيته)) . وإن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا فقال: ((قربوها)) إلى بعض أصحابه وقال: ((كل فإني أناجي من لا تناجي)) متفق عليه . عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا صلَّى خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَخَلَعَ الْقَوْمُ نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: (مَا لَكُمْ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ)؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا قَالَ: (إني لم أخلعها مِنْ بَأْسٍ وَلَكِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ فِي نعليه فإن كان فيهما أذى فليمسحه)صحيح - ((صحيح أبي داود)) (657). فمن محاسن هذا الدين العظيم حرصه الشديد على درء كل المفاسد التي من شأنها تؤذي المؤمن في عبادته ، وراحته فإذا كانت رائحة الثوم والبصل والكراث مؤدية فكيف برائحة الدخان ورائحة الجوارب فإن بعض النّاس هدام الله لا تستطيع أن تصلي وراءه للرائحة المنبعثة من جواربه، وفي ذلك أذية وأي أذية ، مع ما يترك على فراش المسجد من وسخ ورائحة وشيئا فشيئا حتى يصبح الفراش يدخن بالرائحة الكريهة مما يسبب للمصلي بعض الأمراض وخاصة المرضى بالحساسية .
7 – الأدب السابع : الدخول إلى المسجد والخروج منه بتقديم الرجل اليمنى عند الدخول واليسرى عند الخروج :
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في كل شؤونه الطيبة ، ويترك اليسار للأمور المستقذرة ، ولذلك ينبغي للمسلم إذا جاء المسجد أن يبدأ عند دخوله المسجد برجله اليمنى، وعند خروج برجله اليسرى ، فذلك من السنة ، ويدعو بالدعاء المأثور في ذلك، فقد كان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى.
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنِّهُ كَانَ يَقُولُ: (( مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلتَ المَسْجِدَ أَنْ تَبدَأَ بِرِجْلِكَ اليُمْنَى، وَإِذَا خَرَجتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ اليُسْرَى)). أخرجه الحاكم(1/21.أنظر السلسلة الصحيحة (247.
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُل: اللَّهمَّ افْتَحْ لِي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهمَّ إِنِّي أسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ)).أخرجه مسلم برقم (713).
أنت في حالين ، في المسجد تتلقى من الله الرحمات ، وخارج المسجد تتلقى من الله الفضل.
وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ: (( أَعُوذ باللهِ العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)). صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466).
وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم).
فمن تعوذ بالله وصفاته ، وسأل الله تعالى رحمته وفضله عند الدخول والخروج وصلى على نبيه فحري به أن يعصم من الشيطان الذي ، يسوس له ويسرق من صلاته ويفسد عليه آدابه.
8 - الأدب الثامن : لا تنسى إغلاق الهاتف النقال أو جعله صامتا حتى يجنب المجسد الموسيقى والأصوات المزعجة .المؤذية للمصلين .واقطع صلتك بالنّاس لأنك في مناجاة مع رب الّناس فأنت في صلاة وهي الصلة بين العبد وربه . أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة)). صحيح الجامع 3801 وقال حسن .
وعن أَبُي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحَرِيرَ والخَمْرَ والمَعَازِفَ) صحيح ـ ((الصحيحة)) (91): خ تعليقاً.
يا أخي أنت داخل بيت الله ، وهذا الصوت مزمار الشيطان فكيف تدخل مزمار الشيطان إلى بيت الله ، وهو لا يحبه بل لعنه ، فأنت لا تحب أن يدخل أحد إلى بيت شيئا تكرهه فكيف لم ترض لنفسك ذلك ورضيته إلى ربك ؟.
9– الأدب التاسع : صلاة تحية المسجد قبل الجلوس: ومن آداب المسجد صلاة ركعتين - تحية المسجد - قبل الجلوس ، أن لا يجلس حتى يصلي تحية المسجد، فعن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) رواه البخاري.
وأخرج مسلم عن أبي قتادة صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: دخلت المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين ظهراني الناس، قال: فجلست فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس)، قال: فقلت: يا رسول الله رأيتك جالسا والناس جلوس؟ قال: (فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين). 10 – الأدب العاشر : ترك التخطي رقاب النّاس :
أن الإنسان إذا أتى المسجد متأخراً؛ فعليه أن يجلس حيث انتهى به المكان، ولا يتخطى رقاب الناس، فيؤذيهم ، ولا يفرق بين الجالسين، ولا يقيم أحداً من مكانه ليجلس هو، وخاصة يوم الجمعة؛ لما جاء في ا لحديث: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: (( اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ)). صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17674) وأخرجه أبو داود برقم (111. أي اجلس حيث انتهى بك المجلس ، وإذا أردت الصفوف المتقدمة والأولى فعليك أن تبكر ولا تتأخر ثم تأتي فتؤذي إخوانك المصلين . فقد جاء الترغيب في التنافس على الصفوف الأولى كما جاء الترغيب في التبكير إلى الصلاة وإكمال الصفوف الأول فالأول . عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً)). متفق عليه.
11 - الأدب الحادي عشر : اتخاذ السترة إذا صلى تحية المسجد أو كان متنفلا : إذا دخل وأراد أن يصلي تحية المسجد وبعدها يتطوع أو يصلي الرواتب في المسجد فعليه أن يتخذ سترة بين يديه . فعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) رواه البخاري ومسلم.
وكان يقول: (( لا تُصلِّ إلا إلى سترة، ولا تدع أحداً يمر بين يديك ، فإن أبى؛ فلتقاتله؛ فإن معه القرين ))رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1/93/1) = [2/9 - 10/800] بسند جيد.
12- الأدب الثاني عشر : عدم المرور بين يدي المصلي : فإذا صلى إلى سترة فلا يجوز لأحد أن يمر بين يديه ؛ لما جاء في الحديث من وصف المار بأنه شيطان، ولما جاء في الحديث عَنْ أبِي جُهَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - r-: ((لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْه)). قال أبُو النَّضْرِ: لا أدْرِي، أقَالَ أرْبَعِينَ يَوْماً، أوْ شَهْراً، أوْ سَنَةً. متفق عليه (أخرجه البخاري برقم (510)، ومسلم برقم (507).
ومن الأذية أيضا لجماعة المصلين : المرور بين يدي المصلي ، فإذا كان المصلي متخذا لسترة بينه وبين وقوفه بين يدي ربه فلا يجوز المرور أمامه، وفي ذلك الإثم الكبير والعقوبة البالغة فمن رد عن المرور ولم يرجع فإن دمه هدرا ..
13 – تجنب الصلاة بين السواري: بوب أبو داود باب بَابُ الصُّفُوفِ بَيْنَ السَّوَارِي (ح 673)وزاد الترمذي بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّفِّ بَيْنَ السَّوَارِي (229)عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ «فَدُفِعْنَا إِلَى السَّوَارِي، فَتَقَدَّمْنَا وَتَأَخَّرْنَا»، فَقَالَ أَنَسٌ: «كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أنس.ما خلا ابن ماجة ،فقد ورواه من حديث (1002) مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا» والأول قال الألباني : صحيح وقال في الثاني إسناده حسن . وقال الترمذي(1/443) وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ يُصَفَّ بَيْنَ السَّوَارِي، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ ، وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي ذَلِكَ. قَالَ هِشَامٌ بن حسان : سَأَلْتُ عَنْهُ ابْنَ سِيرِينَ (فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا) مصنف عبد الرزاق (2490).
وفي مصنف ابن أبي شيبة (7505 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: نا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: (( أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالصَّفِّ بَيْنَ السَّوَارِي)).
وفي سنن البيهقي (5206) عَنْ مَعْدِي كَرِبَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَصُفُّوا بَيْنَ السَّوَارِي " وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ فِي مَتْنِهِ: لَا تَصُفُّوا بَيْنَ الْأَسَاطِينِ. وَهَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ، لِأَنَّ الْأُسْطُوَانَةَ تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ وَصْلِ الصَّفِّ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ لَمْ يُجَاوِزُوا مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ لَمْ يُكْرَهْ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى .
لِمَا رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ بِلَالًا: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي فِي الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ: " بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ ". قلت : كراهية الصف بين السواري لما فيه من قطع الصف ، فإذا انتفت هذه الصفة فلا كراهة ، وهذا في صلاة الجماعة أما منفردا فيصلي بين السواري ولا حرج فقد بوب البخاري باب الصلاة بين السواري في غير جماعة (ح504). وبسنده إلى ابن عمر، قال: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وبلال فأطال، ثم خرج وكنت أول الناس دخل على أثره، فسألت بلالا: أين صلى؟ قال: بين العمودين المقدمين " وعن عبد الله بن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه، ومكث فيها، فسألت بلالا حين خرج: ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: جعل عمودا عن يساره، وعمودا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى "، وقال لنا: إسماعيل، حدثني مالك، وقال: «عمودين عن يمينه» البخاري (505) ومسلم (1329). وقال ابن حبان: وهذا الفعل ينهى عنه بين السواري جماعةً ، وأما استعمال المرء مثله منفردًا فجائز. وكذلك ترتفع الكراهة إذا ضاق المسجد وضاقت توابعه من الساحات من الجهات الثلاث اليمين واليسار والخلف ؛ وذلك باتفاق أهل العلم . وقال أبو بكر بن العربي في"العارضة" 28/ 2: ولا خلاف في جواز الصف بين السواري عند الضيق، وأما مع السعة، فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد، فلا بأس به، وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة بين سواريها.
يتبع إن شاء الله ...
تعليق