حديث مناظرة ابن عباس رضي الله عنه للخوارج
عن عكرمة بن عمار العجلي ثنا أبو زميل سماك الحنفي ثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار و هم ستة آلاف أتيت عليا فقلت : يا أمير
المؤمنين أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم .
قال : إني أخاف عليك .
قلت : كلا .
قال ابن عباس : فخرجت إليهم و لبست أحسن ما يكون من حلل اليمن. قال أبو زميل : كان ابن عباس جميلا جهيرا .
قال ابن عباس : فأتيتهم و هم مجتمعون في دارهم قائلون فسلمت عليهم
فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس فما هذه الحله ؟
قال قلت : ما تعيبون علي لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن ما يكون من الحلل و نزلت : "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق"!
قالوا : فما جاء بك ؟
قلت : أتيتكم من عند صحابة النبي صلى الله عليه و سلم من المهاجرين و الأنصار لأبلغكم ما يقولون المخبرون بما يقولون فعليهم نزل القرآن و هم أعلم بالوحي منكم و فيهم أنزل ?و
ليس فيكم منهم أحد?.
فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا فإن الله يقول : ?بل هم قوم خصمون? .
قال ابن عباس : و أتيت قوما قط أشد اجتهادا منهم مسهمة وجوههم من السهر كأن أيديهم و ركبهم تثني عليهم فمضى من حضرفقال بعضهم : لنكلمنه و لننظرن ما يقول .
قلت : أخبروني ماذا نقمتم على ابن عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و صهره و المهاجرين و الأنصار ؟
قالوا : ثلاثا !
قلت : ما هن ؟
قالوا : أما إحداهن فإنه حكم الرجال في أمر الله و قال الله تعالى: "إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ" (الأنعام آية:57)، و ما للرجال و ما للحكم .
فقلت : هذه واحدة
قالوا : و أما الأخرى فإنه قاتل و لم يسب و لم يغنم فلئن كان الذي قاتل كفارا لقد حل سبيهم و غنيمتهم و لئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم؟!
قلت : هذه اثنتان فما الثالثة ؟
قال : إنه محا نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين .
قلت : أعندكم سوى هذا ؟
قالوا : حسبنا هذا.
فقلت لهم : أرأيتم أن قرأت عليكم من كتاب الله و من سنة نبيه صلى الله عليه و سلم ما يرد به قولكم أترضون ؟
قالوا : نعم
فقلت : أما قولكم حكَّم الرجال في أمر الله، فأنا عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب و نحوها من الصيد فقال : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ"
(المائدة آية: 95)، إِلَى قَوْلِهِ: "يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ" (المائدة آية 95)، فنشدتكم الله أحكم الرجال في أرنب و نحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم و صلاح ذات بينهم؟ و أن
تعلموا أن الله لو شاء لحكم و لم يصير ذلك إلى الرجال.
و في المرأة و زوجها قال الله عز و جل: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا" (النساء آية 35)، فجعل الله حكم الرجال سنة مأمونة، أخرجت عن هذه؟
قالوا : نعم .
قال : و أما قولكم : قاتل و لم يسب و لم يغنم؛ أتسبون أمكم عائشة ثم يستحلون منها ما يستحل من غيرها، فلئن فعلتم لقد كفرتم و هي أمكم و لئن قلتم ليست أمنا لقد كفرتم فإن كفرتم
فإن الله يقول : "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" (الأحزاب آية 6) فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم إليها صرتم إلى ضلالة.
فنظر بعضهم إلى بعض قلت : أخرجت من هذه ؟
قالوا : نعم .
و أما قولكم : محا اسمه من أمير المؤمنين فأنا أتيكم بمن ترضون و رأيكم قد سمعتم أن النبي صلى الله عليه و سلم يوم الحديبية كاتب سهيل بن عمرو و أبا سفيان بن حرب فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمير المؤمنين : أكتب يا علي هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله .
فقال المشركون : لا و الله ما نعلم أنك رسول الله لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك!
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم إنك تعلم أني رسول الله أكتب يا علي هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله فو الله لرسول الله خير من علي و ما أخرجه من النبوة حين
محا نفسه.
قال عبد الله بن عباس : فرجع من القوم ألفان و قتل سائرهم على ضلالة"([1]).
([1]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (10/150، تحت رقم 1867، والنسائي، في السنن الكبرى، كتاب الخصائص، باب ذكر مناظرة عبدالله بن عباس الحرورية، واحتجاجه فيما
أنكروه على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، (7/479، حديث رقم (8522)، والطبراني (10/257، تحت رقم 1059، والحاكم في المستدرك (2/494، تحت رقم 2703،
علوش)، وأبونعيم في الحلية (1/319)، والبيهقي (8/179). وأخرج قطعة منه (قصة الحديبية) أحمد في المسند (الرسالة 5/262، تحت رقم 3187). والحديث صححه الحاكم،
وقال: " صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه"اهـ، وقال الذهبي قي التلخيص : "على شرط مسلم"اهـ، وحسن إسناد أحمد محققوالمسند.
تنبيهان :
الأول: رواية الطبراني من طريقين
أحدهما عن عبدالرزاق، والآخر عن موسى بن مسعود، ورواية أبي نعيم من طريق عبدالرزاق. ورواية البيهقي من طريق الحاكم وهو من طريق عمر بن يونس، ورواية أحمد
والنسائي عن ابن مهدي كلهم من طريق عكرمة بن عمار به.
الثاني : وقع في رواية عبدالرزاق في آخر الحديث: " فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ، فَقُتِلُوا"، وهي من طريق إسحاق الدّبري، كما صرح به في رواية الطبراني،
وأبي نعيم، وهي مخالفة لرواية الحاكم فإن فيها: "فرجع من القوم ألفان و قتل سائرهم على ضلالة"، وذكر في أولها: " و هم ستة آلاف ". والذي عند الحاكم أقرب؛ فإن رواية
عبدالرزاق من طريق الدبري، وفي روايته عن عبدالرزاق أوهام، وموسى بن مسعود صدوق سيء الحفظ، والظاهر أن الطبراني ساقه برواية عبدالرزاق.
تعليق