بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزيز الجبار، والصلاة والسلام على نبينا المختار، وعلى آله وصحبه الأخيار.
أما بعد:
ففي ظل ما نعيشه من فتن وأحداث تعصف بالبلاد، من اختلال الأمن وكثرة الهرج والمرج، وما تولد من سفك للدماء، وانتهاك للأعراض، وسرقة الأموال، وغير ذلك من الجرائم الفردية والمنظمة.
لا تكد تطلع شمس يوم إلا وفيه ما فيه من تلك الجرائم.
وفي هذه الأيام خرج مقطع فيديو يعترف فيه أحدهم باغتصاب امرأة.
وإثر هذه الجريمة البشعة التي كما قيل حدثت في معسكر عرادة، خرج الناس في حالة غضب إلي الساحات في مظاهرات تستنكر هذه الجريمة مع ما يصحبها من تكسير وتخريب وحرق كما ظهر في الصور وصدور بيانات بالتنديد على ما حصل من انتهاك لشرف تلك المرأة بل في أحد تلك البيانات تهديد المجرمين بشن حملة تقتيل لهم إن لم يسلم لهم ذلك المفترس لتلك الضحية.
بل بعد عرض المقطع بيوم أو يومين نشرت صورة ذلك الذي ادعي على نفسه تلك الجريمة مقتولا.
وبعدها هدئت العاصفة التي ولدتها العاطفة.
ولم نعد نسمع ذلك الضجيج والعويل والصراخ والبكاء وتلك التنديدات والتهديدات.
هكذا تمت تلك المسرحية الهزيلة بقتل ذلك الرجل الذي اعترف على نفسه، ولم نسمع لهؤلاء الذين هيجتهم العواطف - فخرجوا بالصراخ والعويل مع الحرق والتخريب - لم نسمع لهم حسا ولا خبرا، بل بردت قلوبهم بتلك الجريمة المتولدة من ذلك الاغتصاب، وكأن جرم الوقوع على تلك المرأة وانتهاك شرفها أشد من جريمة القتل.
يقول الله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }.
قال العلامة المفسر ابن سعدي رحمه الله في ((تفسيره)): ((تقدم أن الله أخبر أنه لا يصدر قتل المؤمن من المؤمن، وأن القتل من الكفر العملي، وذكر هنا وعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول.
فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار. فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته)) اهـ.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)) أخرجه ابن ماجه وصححه الإمام الألباني.
هذا غيض من فيض من تلك النصوص التي تحرم دم المسلم إلا بحق.
وحول ملابسات هذا القضية هناك بعض التساؤلات التي تطرح نفسها.
كم المدة التي حقق فيها مع ذلك الرجل؟
متى عقدة له محكم؟
من الذي نفذ فيه حكم القصاص؟
فهل قتل ذلك الرجل كان بحق؟
وهل كان ثيبا أم بكرا؟
فعلينا أن نستنكر بالطرق المشروعة القتل الذي لا يكد يمر يوم إلا وتسقط ضحية تنزف دما، ومنها هذه الضحية الجديدة الذي اعترف على نفسه بارتكاب ذلك الجرم العظيم، كما نستنكر اغتصاب الطاهرات العفيفات.
وليست حرمة القتل أهون من جريمة الزنا، فكل من أجرم بالقتل يستحق القصاص بالقتل، وليس كل من أشجرم بالزنا يستحق القصاص بالقتل إلا من كان محصنا.
أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة)) اهـ.
ولعظم جريمة القتل وشدة وقوعها جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)). والحديث متفق عليه.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله في ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)): ((هذا تعظيم لأمر الدماء فإن البداءة تكون بالأهم فالأهم وهي حقيقة بذلك فإن الذنوب تعظم بحسب عظم المفسدة الواقعة بها أو بحسب فوات المصالح المتعلقة بعدمها وهدم البنية الإنسانية من أعظم المفاسد ولا ينبغي أن يكون بعد الكفر بالله تعالى أعظم منه ثم يحتمل من حيث اللفظ أن تكون هذه الأولية مخصوصة بما يقع فيه الحكم بين الناس ويحتمل أن تكون عامة في أولية ما يقضى فيه مطلقا)) اهـ.
والإسلام جاء بحفظ الضروريات الخمس ومنها الأعراض وقبلها الدماء.
فالرضا بما حصل من سفك دم ذلك الرجل بهذه الطريقة الغامضة كمن باشر القتل، وكما قيل: (الرّضا بالذَّنب كفعله).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((القضاء والقدر)): ((فمثلا المعاصي من مقضيات الله ، ويحرم الرضا بالمعاصي ، وإن كانت واقعة بقضاء الله ، فمن نظر إلى المعاصي من حيث القضاء الذي هو فعل الله يجب أن يرضى ، وأن يقول : إن الله - تعالى - حكيم ، ولولا أن حكمته اقتضت هذا ما وقع ، وأما من حيث المقضي وهو معصية الله فيجب ألا ترضى به ، والواجب أن تسعى لإزالة هذه المعصية منك أو من غيرك)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأحد 12 ربيع الأول سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 11 ديسمبر سنة 2016 م
الحمد لله العزيز الجبار، والصلاة والسلام على نبينا المختار، وعلى آله وصحبه الأخيار.
أما بعد:
ففي ظل ما نعيشه من فتن وأحداث تعصف بالبلاد، من اختلال الأمن وكثرة الهرج والمرج، وما تولد من سفك للدماء، وانتهاك للأعراض، وسرقة الأموال، وغير ذلك من الجرائم الفردية والمنظمة.
لا تكد تطلع شمس يوم إلا وفيه ما فيه من تلك الجرائم.
وفي هذه الأيام خرج مقطع فيديو يعترف فيه أحدهم باغتصاب امرأة.
وإثر هذه الجريمة البشعة التي كما قيل حدثت في معسكر عرادة، خرج الناس في حالة غضب إلي الساحات في مظاهرات تستنكر هذه الجريمة مع ما يصحبها من تكسير وتخريب وحرق كما ظهر في الصور وصدور بيانات بالتنديد على ما حصل من انتهاك لشرف تلك المرأة بل في أحد تلك البيانات تهديد المجرمين بشن حملة تقتيل لهم إن لم يسلم لهم ذلك المفترس لتلك الضحية.
بل بعد عرض المقطع بيوم أو يومين نشرت صورة ذلك الذي ادعي على نفسه تلك الجريمة مقتولا.
وبعدها هدئت العاصفة التي ولدتها العاطفة.
ولم نعد نسمع ذلك الضجيج والعويل والصراخ والبكاء وتلك التنديدات والتهديدات.
هكذا تمت تلك المسرحية الهزيلة بقتل ذلك الرجل الذي اعترف على نفسه، ولم نسمع لهؤلاء الذين هيجتهم العواطف - فخرجوا بالصراخ والعويل مع الحرق والتخريب - لم نسمع لهم حسا ولا خبرا، بل بردت قلوبهم بتلك الجريمة المتولدة من ذلك الاغتصاب، وكأن جرم الوقوع على تلك المرأة وانتهاك شرفها أشد من جريمة القتل.
يقول الله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }.
قال العلامة المفسر ابن سعدي رحمه الله في ((تفسيره)): ((تقدم أن الله أخبر أنه لا يصدر قتل المؤمن من المؤمن، وأن القتل من الكفر العملي، وذكر هنا وعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول.
فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار. فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته)) اهـ.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)) أخرجه ابن ماجه وصححه الإمام الألباني.
هذا غيض من فيض من تلك النصوص التي تحرم دم المسلم إلا بحق.
وحول ملابسات هذا القضية هناك بعض التساؤلات التي تطرح نفسها.
كم المدة التي حقق فيها مع ذلك الرجل؟
متى عقدة له محكم؟
من الذي نفذ فيه حكم القصاص؟
فهل قتل ذلك الرجل كان بحق؟
وهل كان ثيبا أم بكرا؟
فعلينا أن نستنكر بالطرق المشروعة القتل الذي لا يكد يمر يوم إلا وتسقط ضحية تنزف دما، ومنها هذه الضحية الجديدة الذي اعترف على نفسه بارتكاب ذلك الجرم العظيم، كما نستنكر اغتصاب الطاهرات العفيفات.
وليست حرمة القتل أهون من جريمة الزنا، فكل من أجرم بالقتل يستحق القصاص بالقتل، وليس كل من أشجرم بالزنا يستحق القصاص بالقتل إلا من كان محصنا.
أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة)) اهـ.
ولعظم جريمة القتل وشدة وقوعها جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)). والحديث متفق عليه.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله في ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)): ((هذا تعظيم لأمر الدماء فإن البداءة تكون بالأهم فالأهم وهي حقيقة بذلك فإن الذنوب تعظم بحسب عظم المفسدة الواقعة بها أو بحسب فوات المصالح المتعلقة بعدمها وهدم البنية الإنسانية من أعظم المفاسد ولا ينبغي أن يكون بعد الكفر بالله تعالى أعظم منه ثم يحتمل من حيث اللفظ أن تكون هذه الأولية مخصوصة بما يقع فيه الحكم بين الناس ويحتمل أن تكون عامة في أولية ما يقضى فيه مطلقا)) اهـ.
والإسلام جاء بحفظ الضروريات الخمس ومنها الأعراض وقبلها الدماء.
فالرضا بما حصل من سفك دم ذلك الرجل بهذه الطريقة الغامضة كمن باشر القتل، وكما قيل: (الرّضا بالذَّنب كفعله).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((القضاء والقدر)): ((فمثلا المعاصي من مقضيات الله ، ويحرم الرضا بالمعاصي ، وإن كانت واقعة بقضاء الله ، فمن نظر إلى المعاصي من حيث القضاء الذي هو فعل الله يجب أن يرضى ، وأن يقول : إن الله - تعالى - حكيم ، ولولا أن حكمته اقتضت هذا ما وقع ، وأما من حيث المقضي وهو معصية الله فيجب ألا ترضى به ، والواجب أن تسعى لإزالة هذه المعصية منك أو من غيرك)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأحد 12 ربيع الأول سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 11 ديسمبر سنة 2016 م
تعليق