الحمد لله عظيم الإحسان، والصلاة والسلام على النبي العدنان، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
فقد أخرج مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)).
قال العلامة الإمام صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((المنحة الربانية)) (ص 165): ((أما الإحسان فيما بين العبد وبين الناس فيكون بمكافأته محسنهم، وتجاوزه عن مسيئهم، وتصدقه على محتاجهم، فيحسن إليهم بالقول وبالفعل، ويتعامل معهم التعامل الحسن، ويتقن المعاملة معهم كما أمر الله ورسوله)) اهــ.
فالإحسان إلى الناس فيه خير عظيم ودفع لشر مستطير، فكم من أناس قلوبهم غليظة وألسنتهم شديدة، لانت هذه القلوب واستعذبت هذه الألسن وتجملت لمن أحسن إليها.
كما قال الأول:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
فهذه صور من إحسان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى من فحش في القول وأغلظ بالفعل، أضعها بين يديك يا رعاك الله لتكون لك نبراسا ودرسا عمليا في سيرك في الحياة والدعوة إلى الله عز وجل.
فبعض الناس لا ينفع معه إلا أن تداريه بطيب القول وبحسن الفعل.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قسما فقلت: والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحق به منهم.
قال: ((إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني فلست بباخل)).
أخرجه مسلم وبوب عليه النووي رحمه الله (باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة).
قال النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): ((معناه: أنهم ألحوا في المسألة لضعف يمانهم، وألجأونى بمقتضى حالهم إلى السؤال بالفحش أو نسبتى إلى البخل، ولست بباخل، ولا ينبغي احتمال واحد من الأمرين ففيه مداراة أهل الجهالة والقسوة وتألفهم إذا كان فيهم مصلحة وجواز دفع المال إليهم لهذه المصلحة)) اهــ.
وأخرج الشيخان عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا.
فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي.
قال: فدعوته له فخرج إليه وعليه قباء منها.
فقال: ((خبأت هذا لك)) قال: فنظر إليه فقال: ((رضي مخرمة)).
قال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((قال بن بطال: يستفاد منه استئلاف أهل اللسن ومن في معناهم بالعطية والكلام الطيب)) اهــ.
وأخرج مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبيد *** بين عيينة والأقرع
فما كان بدر ولا حابس *** يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما *** ومن تخفض اليوم لا يرفع
قال: فأتم له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مائة.
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((ودين رابطة ومن التأليف أن نعطي شخصا للتخلص من شره ويزول ما في قلبه من الحقد على المسلمين والعداوة)) اهــ.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا عنده فقال: ((بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له)) فألان له القول.
فلما خرج قلت: له يا رسول الله قلت له ما قلت ثم ألنت له القول.
فقال: ((يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه)).
أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الإمام الألباني.
قال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وقال القرطبي في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى)) اهــ.
في هذا درس لقطع كل لسان يتربص بأهل الخير والصلاح، فالإحسان دواء لبعض من أبتلي بداء الفحش من القول وقبيح الفعل؛ فأحسنوا أحسن الله إليكم.
ثم إن بعض النفوس الخبيثة لا يصلح معهم هذا الخلق الرفيع.
وقد قيل:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا
أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته فقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدة حتى وقف على مسيلمة في أصحابه قال: ((لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن أتعدى أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيك ما أريت وهذا ثابت يجيبك عني)) ثم انصرف عنه.
فقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها)) فيه إشارة إلى خبث مسيلمة الكذاب، وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أكرم الخلق يمنع عنه الحقير من الأشياء لأنه غلب على ظنه لا ينفع فيه الإحسان، ولا خير من تأليف قلبه.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)): ((من لا يرجى إسلامه من الكفار فإنه لا يعطى أملاً في إسلامه، بل لا بد أن تكون هناك قرائن توجب لنا رجاء إسلامه، مثل أن نعرف أنه يميل إلى المسلمين، أو أنه يطلب كتباً أو ما أشبه ذلك، والرجاء لا يكون إلا على أساس؛ لأن الراجي للشيء بلا أساس إنما هو متخيل في نفسه)) اهـ.
فعليك يا عبد الله أن تنظر في حال من أسئ إليك وتتفرس فيه، هل هو ممن ينفع فيه علاج الإحسان؟
فالحكمة أن تضع الشيء في موضعه، فبعض الناس يضره إحسانك.
وقد قيل:
ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا *** مضرٌّ، كوضع السّيف في موضع النّدا
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الاثنين 24 المحرم سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 25 أكتوبر سنة 2016 م
أما بعد:
فقد أخرج مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)).
قال العلامة الإمام صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((المنحة الربانية)) (ص 165): ((أما الإحسان فيما بين العبد وبين الناس فيكون بمكافأته محسنهم، وتجاوزه عن مسيئهم، وتصدقه على محتاجهم، فيحسن إليهم بالقول وبالفعل، ويتعامل معهم التعامل الحسن، ويتقن المعاملة معهم كما أمر الله ورسوله)) اهــ.
فالإحسان إلى الناس فيه خير عظيم ودفع لشر مستطير، فكم من أناس قلوبهم غليظة وألسنتهم شديدة، لانت هذه القلوب واستعذبت هذه الألسن وتجملت لمن أحسن إليها.
كما قال الأول:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
فهذه صور من إحسان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى من فحش في القول وأغلظ بالفعل، أضعها بين يديك يا رعاك الله لتكون لك نبراسا ودرسا عمليا في سيرك في الحياة والدعوة إلى الله عز وجل.
فبعض الناس لا ينفع معه إلا أن تداريه بطيب القول وبحسن الفعل.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قسما فقلت: والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحق به منهم.
قال: ((إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني فلست بباخل)).
أخرجه مسلم وبوب عليه النووي رحمه الله (باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة).
قال النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): ((معناه: أنهم ألحوا في المسألة لضعف يمانهم، وألجأونى بمقتضى حالهم إلى السؤال بالفحش أو نسبتى إلى البخل، ولست بباخل، ولا ينبغي احتمال واحد من الأمرين ففيه مداراة أهل الجهالة والقسوة وتألفهم إذا كان فيهم مصلحة وجواز دفع المال إليهم لهذه المصلحة)) اهــ.
وأخرج الشيخان عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا.
فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي.
قال: فدعوته له فخرج إليه وعليه قباء منها.
فقال: ((خبأت هذا لك)) قال: فنظر إليه فقال: ((رضي مخرمة)).
قال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((قال بن بطال: يستفاد منه استئلاف أهل اللسن ومن في معناهم بالعطية والكلام الطيب)) اهــ.
وأخرج مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبيد *** بين عيينة والأقرع
فما كان بدر ولا حابس *** يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما *** ومن تخفض اليوم لا يرفع
قال: فأتم له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مائة.
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((ودين رابطة ومن التأليف أن نعطي شخصا للتخلص من شره ويزول ما في قلبه من الحقد على المسلمين والعداوة)) اهــ.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا عنده فقال: ((بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له)) فألان له القول.
فلما خرج قلت: له يا رسول الله قلت له ما قلت ثم ألنت له القول.
فقال: ((يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه)).
أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الإمام الألباني.
قال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وقال القرطبي في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى)) اهــ.
في هذا درس لقطع كل لسان يتربص بأهل الخير والصلاح، فالإحسان دواء لبعض من أبتلي بداء الفحش من القول وقبيح الفعل؛ فأحسنوا أحسن الله إليكم.
ثم إن بعض النفوس الخبيثة لا يصلح معهم هذا الخلق الرفيع.
وقد قيل:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا
أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته فقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدة حتى وقف على مسيلمة في أصحابه قال: ((لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن أتعدى أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيك ما أريت وهذا ثابت يجيبك عني)) ثم انصرف عنه.
فقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها)) فيه إشارة إلى خبث مسيلمة الكذاب، وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أكرم الخلق يمنع عنه الحقير من الأشياء لأنه غلب على ظنه لا ينفع فيه الإحسان، ولا خير من تأليف قلبه.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)): ((من لا يرجى إسلامه من الكفار فإنه لا يعطى أملاً في إسلامه، بل لا بد أن تكون هناك قرائن توجب لنا رجاء إسلامه، مثل أن نعرف أنه يميل إلى المسلمين، أو أنه يطلب كتباً أو ما أشبه ذلك، والرجاء لا يكون إلا على أساس؛ لأن الراجي للشيء بلا أساس إنما هو متخيل في نفسه)) اهـ.
فعليك يا عبد الله أن تنظر في حال من أسئ إليك وتتفرس فيه، هل هو ممن ينفع فيه علاج الإحسان؟
فالحكمة أن تضع الشيء في موضعه، فبعض الناس يضره إحسانك.
وقد قيل:
ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا *** مضرٌّ، كوضع السّيف في موضع النّدا
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الاثنين 24 المحرم سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 25 أكتوبر سنة 2016 م