هذه كلمة أثنى عليها الشيخ عبد الحكيم كثيرا وأوصى بنشرها
للشيخ الفاضل توفيق عمروني
افتتاحية العدد الخمسين من مجلة الاصلاح
العلماءُ هُم ورَثةُ الأنبيَاء، وهُم أولياءُ الله؛ والخائب الخاسر مَن اتَّخذهم عدوًّا؛ ففي البخاري (6502) قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله قال: مَن عادَى لي وليًّا فقَد آذنْتُه بالحَرب».
وإنَّ عداوةَ العلمانيِّين والتَّغريبيِّين ومَن على شاكلَتهم للعُلماء أمرٌ ليس بمُستَغْرب؛ لكنَّ العجَب لا ينقَضي من أقوام ينتَسبون إلى العلم الشَّرعي والسَّلفيَّة وهم قَد نصبوا العداء السَّافر للعُلماء، يحملُون لهم الضَّغينَةَ والحقدَ، ويُطلقون ألسنَتُهم في أعراضهم؛ ويجرؤُون على وصفهم بأوصَاف، لا يُعلمُ أنَّ أحَدًا مِن أهل العلم المعتَبرين قد نطقَ بمثلها، وإنَّ شخصًا وقَع في هذَا الوَحَل يكونُ قَد سَدَّ على نفسه بابَ الفَلاح، وجانَبَ طريقَ الهداية والصَّواب، وشابَهَ أهلَ البدَع في أعظم علاماتهم وهيَ الوقيعَة في أهل الأثر؛ ولله دَرُّ زَيْد بن سنَان رحمه الله لما قال: «إذا كانَ طالبُ العلم لا يتعلَّمُ أو قَبل أنْ يتَعَلَّمَ مسألَةً في الدِّين، يتَعلَّمُ الوقيعَة في النَّاس؛ متَى يُفْلح؟!» [«ترتيب المدارك» (4 /104)].
والَّذي يزيد في عجبك إذا علمتَ أنَّ مُثير هذِهِ العَداوَة هو عدمُ تحمُّل شدَّةِ العالم في الحقِّ، والتَّضايُق من ردوده وعدم سكُوتِه عن المُبْطِلين، فهذه الغَيْرةُ على الحقِّ والسُّنَّة عوَضَ أن تكونَ محَلَّ محمَدةٍ، تحوَّلَت عند هؤُلاء العاقِّين مذمَّةً ونقيصةً، وكانَ الأَوْلى بهم أن يعتَرفُوا للعَالم بالفَضل والتَّقَدُّم، لا أن يعُودوا عليه بالسَّبِّ والتَّلوُّم، ثمَّ إنْ لم يعتَرفُوا لأهل الفَضل بالفَضل، فليسَ لهم أن يعتَرضُوا بمثل هذَا الأسلوب الغَريب عن نَفَس العلم ومسالِكِ أهلِه؛ لكنَّ المرءَ إذا اعتراه سوءُ الظَّنِّ، أو سوءُ الفَهم، أو سوءُ القَصْد يسهُلُ عليه ركوبُ الشَّناعات، ويتحلَّلُ مِن الآداب المرعيَّات الدَّاعية إلى سَلِّ سخَائم الصُّدُور، وسَدادِ الألسُن.
إنَّ طالبَ العلم الزَّكيَّ لا يستَعملُ من الأحكَام والأوصاف إلا ما سُبق إليه، وما أجدَرَهُ أن يَرِقَّ لفظُه في حقِّ العُلماء، ولهذا لم يَعبْ أحَدٌ على الإمام البُخاري رحمه الله تلطُّفَه في العبارة عند التَّجريح، بل عُدَّ ذلكَ مِن توقِّيه الزَّائد، وتحرِّيه البَليغ؛ فالعالم الَّذي لم يتَّسِع صدْرُكَ لقَبُولِ قَوله، لا تسمَح لنفسك أن تقول فيه قولاً غير لائق، حتَّى لا تجعَلَ بينَكَ وبينَ المجرمين علائق، وتكون ظهيرًا لهم على هدم الإسلام والسُّنَّة.
فالنَّصيحَةُ لمن انطوَت نفسُه على هذِه العَداوَة أن يُبادرَ إلى إخلاءِ صَدْره منهَا، وليَحْذَر مِن أن يقْدَمَ على الله وفي قَلبه شُحْنةٌ منها، فإنَّ الإمامَ ابن المباركِ رحمه الله يقُول: «مَنِ اسْتَخفَّ بالعُلماء ذهَبَت آخرتُه».
وعلى الموفَّق أن يسُدَّ منافذَ تسلُّل هذه العَداوة الذَّميمة، ومن منافذها مصاحبة أصحاب قالة السُّوء في العلماء، فإنَّ صُحبَةَ الأشرار تُورثُ سوءَ الظَّنِّ بالأخيَار؛ فانظُر مَن تَصْحَب حتَّى لا تقَع في هذا المعْطَب؛ والله المستعان.
من مجلة الاصلاح عدد 50
للشيخ الفاضل توفيق عمروني
افتتاحية العدد الخمسين من مجلة الاصلاح
العلماءُ هُم ورَثةُ الأنبيَاء، وهُم أولياءُ الله؛ والخائب الخاسر مَن اتَّخذهم عدوًّا؛ ففي البخاري (6502) قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله قال: مَن عادَى لي وليًّا فقَد آذنْتُه بالحَرب».
وإنَّ عداوةَ العلمانيِّين والتَّغريبيِّين ومَن على شاكلَتهم للعُلماء أمرٌ ليس بمُستَغْرب؛ لكنَّ العجَب لا ينقَضي من أقوام ينتَسبون إلى العلم الشَّرعي والسَّلفيَّة وهم قَد نصبوا العداء السَّافر للعُلماء، يحملُون لهم الضَّغينَةَ والحقدَ، ويُطلقون ألسنَتُهم في أعراضهم؛ ويجرؤُون على وصفهم بأوصَاف، لا يُعلمُ أنَّ أحَدًا مِن أهل العلم المعتَبرين قد نطقَ بمثلها، وإنَّ شخصًا وقَع في هذَا الوَحَل يكونُ قَد سَدَّ على نفسه بابَ الفَلاح، وجانَبَ طريقَ الهداية والصَّواب، وشابَهَ أهلَ البدَع في أعظم علاماتهم وهيَ الوقيعَة في أهل الأثر؛ ولله دَرُّ زَيْد بن سنَان رحمه الله لما قال: «إذا كانَ طالبُ العلم لا يتعلَّمُ أو قَبل أنْ يتَعَلَّمَ مسألَةً في الدِّين، يتَعلَّمُ الوقيعَة في النَّاس؛ متَى يُفْلح؟!» [«ترتيب المدارك» (4 /104)].
والَّذي يزيد في عجبك إذا علمتَ أنَّ مُثير هذِهِ العَداوَة هو عدمُ تحمُّل شدَّةِ العالم في الحقِّ، والتَّضايُق من ردوده وعدم سكُوتِه عن المُبْطِلين، فهذه الغَيْرةُ على الحقِّ والسُّنَّة عوَضَ أن تكونَ محَلَّ محمَدةٍ، تحوَّلَت عند هؤُلاء العاقِّين مذمَّةً ونقيصةً، وكانَ الأَوْلى بهم أن يعتَرفُوا للعَالم بالفَضل والتَّقَدُّم، لا أن يعُودوا عليه بالسَّبِّ والتَّلوُّم، ثمَّ إنْ لم يعتَرفُوا لأهل الفَضل بالفَضل، فليسَ لهم أن يعتَرضُوا بمثل هذَا الأسلوب الغَريب عن نَفَس العلم ومسالِكِ أهلِه؛ لكنَّ المرءَ إذا اعتراه سوءُ الظَّنِّ، أو سوءُ الفَهم، أو سوءُ القَصْد يسهُلُ عليه ركوبُ الشَّناعات، ويتحلَّلُ مِن الآداب المرعيَّات الدَّاعية إلى سَلِّ سخَائم الصُّدُور، وسَدادِ الألسُن.
إنَّ طالبَ العلم الزَّكيَّ لا يستَعملُ من الأحكَام والأوصاف إلا ما سُبق إليه، وما أجدَرَهُ أن يَرِقَّ لفظُه في حقِّ العُلماء، ولهذا لم يَعبْ أحَدٌ على الإمام البُخاري رحمه الله تلطُّفَه في العبارة عند التَّجريح، بل عُدَّ ذلكَ مِن توقِّيه الزَّائد، وتحرِّيه البَليغ؛ فالعالم الَّذي لم يتَّسِع صدْرُكَ لقَبُولِ قَوله، لا تسمَح لنفسك أن تقول فيه قولاً غير لائق، حتَّى لا تجعَلَ بينَكَ وبينَ المجرمين علائق، وتكون ظهيرًا لهم على هدم الإسلام والسُّنَّة.
فالنَّصيحَةُ لمن انطوَت نفسُه على هذِه العَداوَة أن يُبادرَ إلى إخلاءِ صَدْره منهَا، وليَحْذَر مِن أن يقْدَمَ على الله وفي قَلبه شُحْنةٌ منها، فإنَّ الإمامَ ابن المباركِ رحمه الله يقُول: «مَنِ اسْتَخفَّ بالعُلماء ذهَبَت آخرتُه».
وعلى الموفَّق أن يسُدَّ منافذَ تسلُّل هذه العَداوة الذَّميمة، ومن منافذها مصاحبة أصحاب قالة السُّوء في العلماء، فإنَّ صُحبَةَ الأشرار تُورثُ سوءَ الظَّنِّ بالأخيَار؛ فانظُر مَن تَصْحَب حتَّى لا تقَع في هذا المعْطَب؛ والله المستعان.
من مجلة الاصلاح عدد 50
تعليق