زواج الإنس بالجن بين الواقع والخيال!
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه مباحث مختصرة جمعتها من عدة مصادر وليس لي فيها إلا الإنتقاء والإختصار والترتيب.
أبو أسامة سمير الجزائري
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "وصَرعُهُم للإنس قد يكون عن شهوةٍ وهوى وعشقٍ، كما يتَّفِقُ للإنس مع الإنس".
زواج الإنسي بجنية لا يجوز شرعا
مسألة زواج الإنس من الجن لم تثبت ، ولا يوجد دليل صحيح عليها ، ولذلك اختلف فيها الفقهاء ، وجمهور الفقهاء يرون عدم جوازه وأنه حرام ، ولكن روي عن البعض جوازه، ورأي الجمهور هو الأصح والراجح ،.
جاء في مغني المحتاج ، للخطيب الشربيني ـ الشافعي
موانع النكاح كما عبر بها في الروضة ، وهي قسمان : مؤبد ، وغير مؤبد ، ومن الأول اختلاف الجنس ، فلا يجوز للآدمي نكاح جنية كما قاله العماد بن يونس ، وأفتى به ابن عبد السلام خلافا للقمولي . قال تعالى : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها } [ الأعراف ] وقال تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها } [ النساء ] .
وفي رد المحتار على الدر المختار ، لابن عابدين ـ الحنفي
النكاح عند الفقهاء : عقد يفيد ملك المتعة ، أي حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي . فخرج الذكر والخنثى المشكل لجواز ذكورته والوثنية والمحارم والجنية لاختلاف الجنس ، لأن قوله تعالى { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } بين المراد من قوله { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وهو الأنثى من بنات آدم، فلا يثبت حل غيرها بلا دليل ولأن الجن يتشكلون بصور شتى فقد يكون ذكرا تشكل بشكل أنثى .
وفي الأشباه ـ وهو كتاب قواعد فقهية لابن نجيم ـ:
لا تجوز المناكحة بين بني آدم والجن ، لاختلاف الجنس . ا هـ . ومفاد المفاعلة ـ كلمة: مناكحة ـ أنه لا يجوز للجني أن يتزوج إنسية أيضا لنفس التعليل أيضا.
وفي كتاب الأشباه والنظائر ، للإمام السيوطي ـ الشافعي
وهذه فروع : الأول : هل يجوز للإنسي نكاح الجنية ؟ قال العماد بن يونس: نعم .
وفي المسائل التي سأل الشيخ جمال الدين الإسنوي عنها قاضي القضاة شرف الدين البارزي
إذا أراد أن يتزوج بامرأة من الجن - عند فرض إمكانه - فهل يجوز ذلك أو يمتنع فإن الله تعالى قال { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا } فامتن الباري تعالى بأن جعل ذلك من جنس ما يؤلف . فإن جوزنا ذلك - وهو المذكور في شرح الوجيز لابن يونس - فهل يجبرها على ملازمة المسكن أو لا !!؟ وهل له منعها من التشكل في غير صور الآدميين عند القدرة عليه ، لأنه قد تحصل النفرة أو لا! ، وهل يعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها عن الموانع أو لا !!، وهل يجوز قبول ذلك من قاضيهم أو لا !!، وهل إذا رآها في صورة غير التي ألفها وادعت أنها هي ، فهل يعتمد عليها ويجوز له وطؤها أو لا!! ، وهل يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم ، كالعظم وغيره إذا أمكن الاقتيات بغيره أو لا!!
فأجاب : ـ لا يجوز له أن يتزوج بامرأة من الجن ... كما قال تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } أي من الآدميين ؛ ولأن اللاتي يحل نكاحهن : بنات العمومة وبنات الخؤولة ، فدخل في ذلك من هي في نهاية البعد كما هو المفهوم من آية الأحزاب { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } والمحرمات غيرهن ، وهن الأصول والفروع ، وفروع أول الأصول وأول الفروع من باقي الأصول ، كما في آية التحريم في النساء ، فهذا كله في النسب ، وليس بين الآدميين والجن نسب .
هذا جواب البارزي . فإن قلت: ما عندك من ذلك ؟
قلت : الذي أعتقده التحريم ، لوجوه :
منها : ما تقدم من الآيتين .
ومنها : ما روى حرب الكرماني في مسائله عن أحمد وإسحاق قالا : حدثنا محمد بن يحيى القطيعي حدثنا بشر بن عمر حدثنا ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن الزهري قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن } والحديث وإن كان مرسلا فقد اعتضد بأقوال العلماء .
وروي المنع منه عن الحسن البصري ، وقتادة ، والحكم بن عيينة وإسحاق بن راهويه ، وعقبة الأصم
وقال الجمال السجستاني من الحنفية . في كتاب " منية المفتي عن الفتاوى السراجية " لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن ، لاختلاف الجنس .
ومنها : أن النكاح شرع للألفة ، والسكون ، والاستئناس ، والمودة ، وذلك مفقود في الجن ، بل الموجود فيهم ضد ذلك ، وهو العداوة التي لا تزول.
ومنها : أنه لم يرد الإذن من الشرع في ذلك ، فإن الله تعالى قال { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } والنساء : اسم لإناث بني آدم خاصة ، فبقي ما عداهن على التحريم ؛ لأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يرد دليل على الحل.
ومنها ومنها أنه قد منع من نكاح الحر للأمة ؛ لما يحصل للولد من الضرر بالإرقاق ، ولا شك أن الضرر بكونه من جنية وفيه شائبة من الجن خلقا وخلقا!!!! ، وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق الذي هو مرجو الزوال بكثير ، فإذا منع من نكاح الأمة مع الاتحاد في الجنس للاختلاف في النوع ، فلأن يمنع من نكاح ما ليس من الجنس من باب أولى . وهذا تخريج قوي ، لم أر من تنبه له.
ويقويه أيضا أنه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل ، وعلة ذلك : اختلاف الجنس وكون المتولد منها يخرج عن جنس الخيل ، فيلزم منه قلتها ، وفي حديث النهي { إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون } فالمنع من ذلك فيما نحن فيه أولى . وإذا تقرر المنع ، فالمنع من نكاح الجني الإنسية أولى وأحرى .
لكن روى أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي ، في كتاب : الإلهام والوسوسة ، فقال : حدثنا مقاتل ، حدثني سعيد بن داود الزبيدي قال : كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن ، وقالوا: إن ههنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال ، فقال " ما أرى بذلك بأسا في الدين ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل ، قيل لها : من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد في الإسلام بذلك " (انتهى كلام الإمام السيوطي).
و هذه فوائد من كلام الإمام الألباني رحمه الله باختصار مني –أبو أسامة-:
ذكر الألباني حديثاً في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (12/ 601 - 603 ح 5776) بلفظ: ( لاتقوم الساعة حتى تكثر فيكم أولاد الجن من نسائكم ، ويكثر نسبهم فيكم حتى يجادلوكم بالقرآن ؛ حتى يردوكم عن دينكم ) .
ثم قال الألباني: منكر جداً .
( (فائدة ) : ذكر الذهبي في (( الميزان )) من رواية الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد قال : سمعت شيخنا أبا محمد بن عبد السلام السلمي ( يعني : عز الدين ) يقول - وجرى ذكر ابن عربي الطائي - :
وهو شيخ سوء شيعي كذاب . فقلت له : وكذاب أيضاً ؟ قال : نعم ؛ تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن ، فقال ابن العربي : هذا محال ؛ لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف ، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف . ثم بعد قليل رأيته وبه شجة ! فقال : تزوجت جنية فرزقت منها ثلاث أولاد ، فاتفق يوماً أني أغضبتها ، فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة ، وانصرفت ، فلم أرها بعد... .والغرض من ذكر هذه الفائدة إنما هو تذكير القراء بأن العلماء يستنكرون أشد الاستنكار إمكانية التزاوج بين الإنس والجن ؛ لاختلاف طبيعة خلقهما ، حتى اتهموا من ادعى ذلك بالكذب أو بنوع من الجنون ، وأحلاهما مر.
فما نسمعه في هذا الزمان من أن بعض النسوة يشعرن وهن في فراش الزوجية بالمجامعة ممن لا يرينه ، إن هو إلا من وسوسة الشيطان ، وتلاعبه ببني الإنسان ، ويستغل ذلك بعض أولئك الذين يتعاطون مهنة استخراج الجني من الإنسي ، ويرتكبون في أثناء ذلك أموراً - غير تلاوة القرآن والمعوذات - مما هو غير واردٍ في السنة ، مثل : مكالمة الجني وسؤاله عن بعض الأمور الخفية ، وعن دينهم ومذهبهم ! وتصديقهم في كل ما يخبرون به ! وهم من عالم الغيب ، لا يمكن للإنس أن يعرفوا مؤمنهم من كافرهم ، والصادق من الكاذب منهم ، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حرم إتيان الكهان وتصديقهم ؛ لأنهم ممن يوالون الجن ، وهؤلاء كانوا يسترقون السمع ويلقون إلى أوليائهم من الإنس ما استرقوا ويخلطون معه أكثر من مئة كذبة ؛ كما في الصحيح
أقول : إذا كان إتيان هؤلاء محرماً ؛ فبالأولى أن يكون محرماً إتيان أوليائهم من الإنس الذين يخاطبون الجن مباشرة ويستخدمونهم ، ويقضون لهم بعض مصالحهم ، ليضلوهم عن سبيل الله ؛ كما كان الأمر في الجاهلية ، وذلك قوله تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } . ) إنتهى
ثم ذكر العلامة الألباني حديثاً بعد هذا مباشرة في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (12/ 603 - 608 ح 5777) بلفظ: ( إذا جامع الرجل ولم يسم ؛ انطوى الجان على إحليله ، فجامع معه ، فذلك قوله : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) } .
ثم قال: ( منكر مقطوع ).
...واعلم أن إيرادي لهذا الأثر في هذه (( السلسلة )) - وإن كان ليس من شرطي ، فقد وجدت نفسي مضطراً لتخريجه والكشف عن وهائه - ؛ لأنني رأيت بعض العلماء من المفسرين وغيرهم قد ساقوه مساق المسلمات ؛ كالقرطبي في (( جامعه )) ( 10 / 289 ) ، والشوكاني في (( فتح القدير )) ( 3 / 233 ) ، والآلوسي في (( روح المعاني )) ( 14 / 119 ) ! وفسروا به قوله تعالى لإبليس الرجيم في سورة الإسراء : { . . . وشاركهم في الأموال والأولاد } بل وكذلك الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) ( 9 / 229 ) لما ذكر اختلاف العلماء في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم - :
(( لم يضره شيطان أبداً ؛ ((في دعاء إتيان الرجل أهله .
...على أنه لو صح ذلك عنه ؛ فهو مقطوع موقوف عليه ، فلا حجة فيه ، ولو أنه رفعه ؛ لكان مرسلاً ، والمرسل ضعيف عند المحدثين ، ولا سيما في مثل هذا الأمر الغيبي الغريب ، وهذا كله لو صح السند بذلك إليه ، فكيف وهو مقطوع واهٍ ؟ ! وقد أشار العلامة الآلوسي إلى رده بقوله : (( ثم إن دعوى أن الجن تجامع نساء البشر جماعاً حقيقياً مع أزواجهن إذا لم يذكروا اسم الله تعالى غير مسلّمة عند جميع العلماء ، وقوله تعالى : { وشاركهم في الأموال والأولاد } غير نصٍّ في المراد كما لا يخفى )) ..
...ثم إن الآلوسي - رحمه الله - جاء بغريبة أخرى ؛ فقال : (( ولا شك في إمكان جماع الجني إنسية بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى ، ويدل على ذلك ما رواه أبو عثمان سعيد بن داود الزبيدي قال : كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن ، وقالوا إن هاهنا رجلاً من الجن يزعم أنه يريد الحلال ؟ ( ! ) فقال : ما أرى بذلك بأساً في الدين ؛ ولكن أكره إذا وجدت امرأةُ حامل قيل : من زوجكِ ؟ قالت : من الجن ! فيكثر الفساد في الإسلام))
ووجه الغرابة استدلاله على الإمكان المذكور بهذا الأثر عن مالك ! وهو باطل - في نقدي - سنداً ومتناً
أما السند ؛ فإن سعيد بن داود الزبيدي ضعفه ابن المديني ، وكذبه عبد الله ابن نافع الصائغ في قصةٍ مذكورة في ترجمته في (( تاريخ بغداد )) و (( التهذيب )) . وقال الحاكم : (( روى عن مالك أحاديث موضوعة )) . وقال الخطيب وغيره : (( حدث عن مالك ، وفي أحاديثه نكرة )) . وقال ابن حبان في (( الضعفاء )) ( 1 / 325 ) : (( لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار)).
وأما المتن ؛ فإني أستبعد جداً - على فقه الإمام مالك - أن يقول في تزويج الإنسية بالجني : (( ما أرى بذلك بأساً في الدين )) ! ذلك لأن من شروط النكاح - كما هو معلوم - الكفاءة في الدين على الأقل . فلا يجوز تزويج مسلمة بكافر ، بل ولا بفاسق ، فمن أين لوليها وللشهود أيضاً أن يعلموا أن هذا الجني كفؤ لها ، وهم لا يعرفونه ؟ ! فإنه قد ظهر لهم بصورة رجل خاطب وجميل ! ولا يمكن رؤيته على حقيقته بنص القرآن .
وقد يتمثل بصورة أخرى إنسانية أو حيوانية ، وحينئذٍ كيف يمكن تطبيق الأحكام المعروفة في الزوجين - كالطلاق والظهار والنفقة وغيرها - مع اختلاف طبيعة خَلْقِهِما ؟ ! تالله ! إنها من أغرب الغرائب أن يخفى مثل هذا البُطل - بل السُّخف - على العلامة الآلوسي - غفر الله لنا وله - .
وأغرب من ذلك كله قول ابن تيمية في رسالة (( إيضاح الدلالة في عموم الرسالة )) ( ص 125 - مجموعة الرسائل المنيرية ): (( وقد يتناكح الإنس والجن ، ويولد بينهما ولد ، وهذا كثير معروف )) ! !
وأقول : نعم ؛ هو معروف بين بعض النسوة الضعيفات الأحلام والعقول ، ولكن أين الدليل الشرعي والعقلي على التوالد أولاً ، وعلى التزواج الشرعي ثانياً ؟ ! هيهات هيهات !
وقد علمت مما ذكرته تحت الحديث السابق قبل هذا إنكار العز بن عبد السلام والذهبي على ابن عربي الصوفي ادعاءه أنه تزوج جنية ! ! وأنه رزق منها ثلاثة أولاد ! ! وأنه لم يعد يراها فيما بعد ! ! ! وانظر كلام المازري المُبْطِل لدعوى ابن عربي فيما يأتي تحت الحديث التالي ، وهو من الأحاديث التي تساعد على تصديق خرافة التزاوج بين الإنس والجن ؛ كمثل أثر مجاهد هذا والحديث الذي قبله . ) إنتهى
ثم ذكر الألباني حديثا ثالثاً - وهو الأخير في هذا الشأن - في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (12/ 608 - 611 ح 577 بلفظ: ( كان أحد أبوي بلقيس جنياً ) .
ثم قال الألباني: منكر .
... وقد أشار إلى ذلك أبو حيان في تفسيره (( البحر المحيط )) ( 7 / 67 ) بعد أن ذكر معنى هذا الأثر: (( وقد طولوا في قصصها بما لم يثبت في القرآن ولا في الحديث الشريف)).
وقال الماوردي: (( والقول بأن أم بلقيس جنية مستنكر من العقول ؛ لتباين الجنسين واختلاف الطبعين ، وتفارق الحِسِّيْن ؛ لأن الآدمي جسماني والجن روحاني ، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار ، وخلق الجان من مارج من نار ، ويمتنع الامتزاج مع هذا التباين ، ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف)).
حكاه القرطبي عنه ( 13 / 213 ) ، ثم رده بما لا يسمن ولا يغني من جوع فقال: (( العقل لا يحيله مع ما جاء من الخبر في ذلك )) .
فأقول : نعم العقل لا يحيله ، ولكنه أيضاَ لا يدركه ؛ بل إنه يستبعده كما تقدم ، فالإيمان به يتطلب نصاً صحيحاً صريحاً ، والخبر الذي أشار إليه لا يصح ، وهو حديث أبي هريرة هذا .
ثم أشار إلى أثر مجاهد المخرج قبله ، وقد عرفت نكارته ، وإلى النص القرآني : { وشاركهم في الأموال والأولاد } ، وسبق جواب العلامة الألوسي عنه تحت الأثر المذكور... .
ومن هذا يتلخص لنا أن زواج الإنسي بالجنية محرم :
1- لمفهوم قوله تعالى: ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) [النحل:72] وقوله سبحانه: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) [الروم: 21] قال المفسرون في معنى الآيتين: ( جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقكم.
2- قال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر: ( فإن قلت: ما عندك من ذلك؟ قلت: الذي أعتقده التحريم، واستدل بالآيتين المتقدمتين: ثم قال: فروي المنع منه عن الحسن البصري، وقتادة، والحكم بن عيينة، وإسحاق بن راهويه.
3-وقال الجمال السجستاني من الحنفية في كتاب ( منية المغني عن الفتاوى السراجية) لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن، وإنسان الماء لاختلاف الجنس. وذكر وجوهاً أخرى للمنع منها: أن النكاح شرع للألفة، والسكون، والاستئناس، والمودة، وذلك مفقود في الجن.
4- ومنها: أنه لم يرد الإذن من الشرع في ذلك، فإن الله تعالى قال: ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) [النساء:3] والنساء اسم لإناث بني آدم خاصة، فبقي ما عداهن على التحريم، لأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يرد دليل على الحل.
5- ومنها: أنه قد منع من نكاح الحر للأمة، لما يحصل للولد من الضرر بالإرقاق، ولا شك أن الضرر بكونه من جنية وفيه شائبة من الجن خَلقاً وخُلقاً !!!، وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق الذي هو مرجو الزوال بكثير، ثم قال: وإذا تقرر المنع، فالمنع من نكاح الجني الأنسية أولى وأحرى) انتهى ملخصاً.
6- ولئلا تقول المرأة إذا وجدت حاملاً إنها حامل من زوجها الجني فيكثر الفساد.
7- وقال الماوردي بخصوص المناكحة بين بني آدم والجن:
( وهذا مستنكر للعقول، لتباين الجنسين، واختلاف الطبعين، إذ الآدمي جسماني، والجني روحاني. وهذا من صلصال كالفخار، وذلك من مارج من نار، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع، والتناسل مع الاختلاف ممنوع ( نقله عنه صاحب أضواء البيان ) (3/241).
وأخيراً نقول: إن زواج الإنسي بالجنية على فرض إمكانية وقوعه - وهو مستبعد جداً - يترتب عليه مفاسد كثيرة، لقدرة الجنية على التشكل بصورة أخرى، وكيف يثق أن التي تخالطه هي زوجته حقاً، ربما كانت غيرها، ولأن الزواج لا بد فيه من ولي وشاهدي عدل كشرط صحة للنكاح، ولا بد من خلو المرأة من الموانع، وربما تعذر تحقق كل ذلك لاختلاف طبيعة الجن عن الإنس، إلى غير ذلك من الأمور.
أبو أسامة سمير الجزائري
محرم 1434 الموافق: ديسمبر 2012