قال الشيخ العثيمين رحمه الله و أسكنه فسيح جناته في شرحه لكتاب الكبائر للذهبي عند الكبيرة التاسعة عشرة "شرب الخمر":
الخمر: كل ما أسكرفهو خمر، سواء كان من العنب أو من التمر أو من الشعير أو من البرأو من غير ذلك. كل ما أسكر فهو خمر، قال النبي صلى الله عليه و سلم: "كل مسكر خمر، و كل مسكر حرام" رواه مسلم و أبوداود و الترمذي عن ابن عمر.
و الإسكار هو: تغطية العقل على وجه اللذة و الطرب، ليس مجرد تغطية العقل، و لهذا البنج ليس مسكراو إن كان يغطي العقل.
و المبنج لا يدري ماذا حصل له، لكن الخمر نسأل الله العافية، يجد الإنسان من السكر لذة وطربا و نشوى حتى يتصور أنه ملك من الملوكو أنه فوق الثراياي و ما أشبه ذلك. كما قال في هذا:
و نشربها فنزلنا ملوكا.
و كما قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه لابن أخيه النبي صلى الله عليه و سلم فقال له حمزة و هو سكران، : هل أنتم إلا عبيد أبي. و هذه كلمة بشعة لكنه سكران. و السكران لا يؤاخذ بما يقول . و هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
و كان الخمر على أربعة مراحل:
- المرحلة الأولى: إباحة. أن الله أباحه للعباد إباحة طيبة فقال تعالى: (و من ثمرات النخيل و الأعناب تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا) - النحل- ، يعنى تشربونه فتسكرون و تتجرون به فتحصلون رزقا.
- المرحلة الثانية: تعريض الله تعالى بتحريمه، وقال تعالى (و يسألونك عن الخمر و اليسر، قل فيهما إثم كبير و منافع للناس، و إثمهما أبر من نفعهما ) البقرة. و لم ينه عنهما في هذه المرحلة.
- المرحلة الثالثة: قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى ختى تعلموا ما تقولون)- النساء- ، فنهى عن قربان الصلاة في حال السكر و هذا يقتضي أنه يباح في غير أوقات الصلاة.
- المرحلة الرابعة: التحريم (البائن) قال تعالى في سورة المائدة و هي آخر ما نزل: قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)، فاجتنبه الناس، لكن لما كانت النفوس تدعو إليها -إلى الخمر- و شربها جعل لها رادع يردع الناس عن شربها، و هو العقوبة.
و لم يُقدر لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فعوقبة الشارب ليست حدا، لكنها تعزير، و لهذا جيء برجل شرب الخمر فقال النبي صلى الله عليه و سلم: اضربوه. و لا قال : أربعين و لا ثمانين و لا مائة و لا عشرة. فقاموا يضربونه، منهم الضارب بثوبه، و منهم الضارب بيده، و منهم الضارب بنعله. لكن ضربوه نحو أربعين جلدة، فلما انصرفوا و انصرف الرجل، قال رجل من القوم: أخزاه الله، يعنى أذله و فضحه. فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تقل هكذا، لا تدع عليه بالخزي. رجل شرب مسكر و جلد و تطهر بالجلد، لا تعينوا عليه الشيطان. فنهاهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يسبوه مع أنه شرب الخمر.
إذا ما موقفنا من شارب الخمر. موقفنا أن ندعو له بالهداية. قل: اللهم اهده، اللهم أصلحه، اللهم أبعده عن هذا، و ما اشبه ذلك. أما ان تدعو عليه، فإنك تعين عليه الشيطان.
و في هذا دليل على أن الخمر محرم، و أن عليه عقوبة، لكن في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتشرت الفتوحات و دخل في دين الإسلام أناس جدد، و كثر شرب الخمر في عهده، و كان رضي الله عنه -لورعه و تحرزه- جمع الصحابة، أي جمع ذوي الرأي. و ليس المراد كل الصحابة، لأن السوقة و عامة كل الناس لا يصلحون لمثل هذه الأمورو لا لأمور السياسة. و ليس لعامة الناس أن يلوكوا ألسنتهم بسياسة ولاة الأمور، السياسة لها أناس و الصحون و القدور لها اناس آخرون. و لو ان السياسة صارت تلاك بين ألسن عامة الناس فسدت الدنيا. لأن العامي ليس عنده علم و ليس عنده عقل و ليس عنده تفكير، و عقله و فكره لا يتجاوز قدمه، و يدل لهذا قول الله تعالى (و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) و نشروه. قال تعالى ( و لو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).
دل هذا على أن العامة ليسوا كأولي الأمرو أولي الرأي و المشورة، فليس الكلام في السياسة من المجالات العامة. و من أراد أن تكون العامة مشاركة لولاة الأمور في سياساتها و في رأيها و فكرها، فقد ضل ضلالا بعيدا و خرج عن هدي الصحابة و هدي الخلفاء الراشدين و هدي سلف الأمة.
فالمهم أن عمر بن الخطاب لحزمه جمع ذوي الرأي من الصحابةو فال لهم ما معناه: "كثر شرب الخمر" . و إذا قل الوازع الديني، يجب أن يقوى الوازع السلطاني، يعني إذا ضعف الأمر من الناحيتين، الوازع الديني و الرادع السلطاني، فسدت الأمة. فاستشارهم ماذا يصنع؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، أخف الحدود ثمانون جلدة، إرفع العقوبة إلى ثمانين جلدة. و هذا كالنص الصريح على أن عقوبة شارب الخمر ليست حدا. بل هي صريح لأنه قال: أخف الحدود ثمانين، ووافقه الصحابة على هذا. و لم يقل عمر رضي الله عنه: أنه ليس كذلك. فرفعه عمر و جعل ثمانين جلدة من أجل ان يرتدع الناس. و قد جاء في السنة أن شارب الخمر إذا شرب فجلد، ثم شرب فجلد، ثم شرب فجلد، ثم شرب الرابعة، فإنه يجب قتله، هكذا جاء في السنة و أخذ بظاهره الظاهرية، و قالوا: شارب الخمر إذا جلد فيقتل في الرابعة لأنه أصبح عنصرا فاسدا، لم ينفع فيه الإصلاح و التقويم.
و قال جمهور العلماء: لا يقتل بل يكرر عليه الجلد. و توسط شيخ الإسلام رحمه الله. فقال: إذا كثرشرب الخمر في الناس، و لم ينته الناس بدون القتل فإنه يقتل في الرابعة، و هذا قول وسط جمع فيه بين المصلحتين، مصلحة ما يدل عليه بعض النصوص الصريحة لأن عمر لم يرفع العقوبة إلى القتل. مع أنه يقول إن الناس كثر شربهم. و بين هذا الحديث الذي اختلف الناس في صحته و في بقاء حكمه، هل هو منسوخ أو غير منسوخ. و هل هو صحيح أو غير صحيح، فعلى كل حال، فالذي اختاره شيخ الإسلام هو عين الصواب. أنه إذا كثر شرب الناس للخمر و لم ينته الناس بدون قتل فإنه يقتل في الرابعة.
و ليت ولاة الأمور يعملون هذا العمل. و لو عملوا هذا العمل لحصل خير كثير، و اندرأ شر، و قل شرب الناس للخمرالذي بدأ ينتشر و العياذ بالله، و في بعض البلاد الإسلامية انتشر كانتشار الشراب المباح كعصير الليمون و عصير البرتقال، و ما أشبه ذلك. و هذا لا شك انه مظهر غير مظهر المسلمين، و ان استباحته له في الواقع كونه يصبح منشورا بين الناس، يفتح الإنسان الثلاجة و يشرب الخمر و العياذ بالله. هكذا كأنه استباحه، و هذا ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه و سلم، " ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر و الحرير و الخمر المعازف" رواه البخاري.