إخواني القرّاء ، وأنا أطالع في كتاب " الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السامع " للخطيب البغدادي ( ت 463 ) رحمه الله ، استوقفتني هذه المذاكرة الطريفة بين الحافظين أبي القاسم الطبراني ( ت 360 ) و أبي بكر الجعابي ( ت 355 ) ، بحضرة الوزير ابن العميد ( ت 360 ) ، فأحببت أن أنقلها كاملة حتى تعمّ الفائدة .
قال الخطيب :
حدثني أبو النجيب عبد الغفّار بن عبد الواحد الأرمويّ مذاكرة ، قال سمعت الحسن بن علي بن المقرئ يقول : سمعت أبا الحسين بن فارس اللغوي يقول : سمعت الأستاذ ابن العميد يقول : " ما كنت أظن أنّ في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة و الوزارة التي أنا فيها ، حتى شاهدت مذاكرة سليمان بن أحمد الطبراني ، و أبي بكر الجعابي بحضرتي ، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه ، وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد ، حتى ارتفعت أصواتهما ، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه ، فقال الجعابي : عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي ! فقال : هاته ، فقال : نا أبو خليفة ، نا سليمان بن أيوب - وحدّث بالحديث - فقال الطبراني : أنا سليمان بن أيوب ! و منّي سمع أبو خليفة ، فاسمع منّي حتى يعلو إسنادك ! فإنّك تروي عن أبي خليفة عنّي ، فخجل الجعابي وغلبه الطبراني . قال ابن العميد : فوددت في مكاني أن الوزارة والرئاسة ليتها لم تكن لي ، و كنت الطبراني ، وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث ، أو كما قال " انتهى . [ الجامع للخطيب ،ط دار الكتب العلمية ، بترقيم صلاح عويضة ، رقم 1849 ص 411 ]
قال الخطيب :
حدثني أبو النجيب عبد الغفّار بن عبد الواحد الأرمويّ مذاكرة ، قال سمعت الحسن بن علي بن المقرئ يقول : سمعت أبا الحسين بن فارس اللغوي يقول : سمعت الأستاذ ابن العميد يقول : " ما كنت أظن أنّ في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة و الوزارة التي أنا فيها ، حتى شاهدت مذاكرة سليمان بن أحمد الطبراني ، و أبي بكر الجعابي بحضرتي ، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه ، وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد ، حتى ارتفعت أصواتهما ، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه ، فقال الجعابي : عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي ! فقال : هاته ، فقال : نا أبو خليفة ، نا سليمان بن أيوب - وحدّث بالحديث - فقال الطبراني : أنا سليمان بن أيوب ! و منّي سمع أبو خليفة ، فاسمع منّي حتى يعلو إسنادك ! فإنّك تروي عن أبي خليفة عنّي ، فخجل الجعابي وغلبه الطبراني . قال ابن العميد : فوددت في مكاني أن الوزارة والرئاسة ليتها لم تكن لي ، و كنت الطبراني ، وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث ، أو كما قال " انتهى . [ الجامع للخطيب ،ط دار الكتب العلمية ، بترقيم صلاح عويضة ، رقم 1849 ص 411 ]
ولما أكملت قراءتها ، ذكرت ما قرأت منذ مدة عن الخليفة العبّاسي أبي جعفر المنصور ( ت 158 ) في ترجمته من " البداية والنهاية " في أحداث سنة مئة و ثمان وخمسين للهجرة .
قال ابن كثير :
" وقال المنصور أيضا - يوما - لابنه المهدي - : يا بنيّ لاتجلس مجلسا إلا و عندك من أهل الحديث من يحدّثك ، فإنّ الزهري قال : علم الحديث ذكر لا يحبّه إلا ذكران الرجال ! ولا يكرهه إلا مؤنّثوهم ! وصدق أخو زهرة . وكان المنصور في شبيبته يطلب العلم من مظانّه والحديث والفقه فنال جانبا جيّدا و طرفا صالحا ، وقد قيل له يوما : يا أمير المؤمنين هل بقي شيء من اللّذات لم تنله ؟ قال شيء واحد ، قالوا : و ما هو ؟ قال : قول المحدّث للشيخ : ( من ذكرت رحمك الله ) . فاجتمع وزراؤه و كتّابه وجلسوا حوله وقالوا : ليمل علينا أمير المؤمنين شيئا من الحديث ، فقال : لستم بهم ، إنما هم الدّنسة ثيابهم ، المشققة أرجلهم ، الطويلة شعورهم ، روّاد الآفاق و قطّاع المسافات ، تارة بالعراق ، وتارة بالحجاز ، وتارة بالشام ، وتارة باليمن . فهؤلاء نقلة الحديث " انتهى . [ البداية والنهاية ط مكتبة المعارف بيروت 9/358 ]
قال ابن كثير :
" وقال المنصور أيضا - يوما - لابنه المهدي - : يا بنيّ لاتجلس مجلسا إلا و عندك من أهل الحديث من يحدّثك ، فإنّ الزهري قال : علم الحديث ذكر لا يحبّه إلا ذكران الرجال ! ولا يكرهه إلا مؤنّثوهم ! وصدق أخو زهرة . وكان المنصور في شبيبته يطلب العلم من مظانّه والحديث والفقه فنال جانبا جيّدا و طرفا صالحا ، وقد قيل له يوما : يا أمير المؤمنين هل بقي شيء من اللّذات لم تنله ؟ قال شيء واحد ، قالوا : و ما هو ؟ قال : قول المحدّث للشيخ : ( من ذكرت رحمك الله ) . فاجتمع وزراؤه و كتّابه وجلسوا حوله وقالوا : ليمل علينا أمير المؤمنين شيئا من الحديث ، فقال : لستم بهم ، إنما هم الدّنسة ثيابهم ، المشققة أرجلهم ، الطويلة شعورهم ، روّاد الآفاق و قطّاع المسافات ، تارة بالعراق ، وتارة بالحجاز ، وتارة بالشام ، وتارة باليمن . فهؤلاء نقلة الحديث " انتهى . [ البداية والنهاية ط مكتبة المعارف بيروت 9/358 ]
تعليق