قال: أنت تقول: إذا أردت أن تنصر الأمة الإسلامية، وتنصر السنة على الشيعة ذكرت فقط طبق السنة على نفسك وأدناك فأدناك؛
أين الجهاد، أليس الجهاد من السنة؟! مقاتلة المشـركين أليست من السنة؟! نصر المستضعفين أليس بسنة؟!
«أتعرف لماذا نحن المسلمين الآن هكذا حالنا؟ بسبب بعدنا عن الله، وتركنا لأهم أمور ديننا، وهو: الجهاد؟».
قلت: لا، ليس الأمر ما قلت!
بل نحن والحمد لله نعرف الله، ونعرف رسولنا، وعلى بصيرة -إن شاء الله- من ديننا، ونعلم أن سبب هذا الضعف ما بينه الرسول -صلى الله عليه
وسلم- في الأحاديث وهو البعد عن الدين، والجهل به، فإذا أردنا العزة للإسلام والمسلمين فلابد من العودة إلى الدين، سبب ما نحن فيه الجهل
بالدين، حتى يأتي أناس متحمسون جاهلون بالدين يقاتلون الناس ويسمون هذا القتال جهادًا، ويأتي من لا يعرف معاني الولاء والبراء والحكم بغير
ما أنزل الله،
فيتسلط على أهل الإسلام فيكفر المجتمعات والدول والحكام، و يستبيح الخروج عليهم، وتهراق دماء المسلمين بسبب فكره ونظرته التي يدعي أنها تمثل الإسلام.
اسمع هداك الله، أخرج أحمد في المسند أحمد (الميمنيةظ¢/ ظ¤ظ¢، ظ¨ظ¤ )، (الرسالة ظ©/ ظ¥ظ،، ظ£ظ©ظ¦، تحت رقم ظ¥ظ*ظ*ظ§، ...ظ¥ظ¥ظ¦ظ¢)، وأبو داود في سننه في (كتاب
البيوع)، باب في النهي عن العينة، حديث رقم (ظ£ظ¤ظ¦ظ¢) عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».
(والحديث صححه محقق (جامع الأصول) (ظ،ظ،/ ظ§ظ¦ظ¥)، وضعفه محققو المسند، من أجل أن في سنده شهر بن حوشب، وأبا جناب، لكن أورد
له الألباني طريقين آخرين، انظر (سلسلة الأحاديث الصحيحة) تحت رقم (ظ،ظ،)، فيرتقي الحديث إلى درجة الصحيح لغيره).
فأرشد إلى رفع الذل والهوان بالعودة إلى الدين.
ما هو الدين؟
في حديث جبريل الطويل الذي هو أم السنة، بعد أن ذكر أركان الإيمان، والإسلام، والإحسان قال: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم». (أخرجه
البخاري في (كتاب الإيمان)، باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان، حديث رقم (ظ¥ظ*)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان
الإيمان والإسلام والإحسان، حديث رقم (ظ©، ظ،ظ*). كلاهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. وأخرجه مسلم في (كتاب الإيمان) باب بيان
الإيمان والإسلام والإحسان، حديث رقم (ظ¨)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه)!
فالرسول -عليه الصلاة والسلام- أخبر بأمر سيكون، وأخبر بالنتيجة، ودلّ وأرشد إلى سبيل الخلاص؛فالداء وأعراضه هي:
- «إذا تبايعتم بالعينة» والعينة:
نوع من أنواع البيوع، تباع فيها السلعة، ويبقى عينها عند بائعها، ويشتريها البائع ممن اشتراها منه، كأن يذهب إنسان إلى صاحب سيارات وهو
محتاج فلوس فيقول لصاحب السيارات: «بعني هذه السيارة بالتقسيط بعشرين ألف». فيبيعه بعشرين ألف، وصاحب السيارة عارف أنه ما يريد
السيارة يريد الفلوس، فيقول له: «أنا اشتري منك هذه السيارة نقداً بخمسة عشر ألفاً». فيصير في الحقيقة أنه أخذ خمسة عشر ألفاً حاله بعشرين
ألف مؤجلة. ألم يحصل هذا؟! سمي عينة؛ لأن عين السلعة المباعة لم تنتقل من حرز مالكها.
والرسول -عليه الصلاة والسلام- عنون ببيع العينة من باب الإشارة إلى تفشي أنواع البيوع المحرمة؛ لأنه لا يوجد عندنا في المعاملات في البيع
والشراء إلا بيع وربا، فعنوان البيوع المحرمة: الربا، ومنه: بيع العينة.
- «واتبعتم أذناب البقر» كانوا في السابق ولا يزال إلى الآن في بعض البلاد المحراث يجره بقر وثور، فيأتي المزارع يمشي خلف البقر، ويمسك
المحراث، ويغرزه في الأرض حتى يقلبها، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- عبر عن الركون إلى الدنيا والأرض باتباع أذناب البقر، يعني: تصيروا
أهل زرع، وأهل دنيا، وأهل مال؛ فتجلسوا في الأرض، وتتركوا الجهاد.
- «وتركتم الجهاد»
فتضمن الحديث ثلاثة أعراض لحال المسلمين:
1ـ إذا تبايعتم بالعينة! قلنا: هذا عنوان البيوع المحرمة الربوية.
2ـ واتبعتم أذناب البقر! معناه: الركون إلى الدنيا.
3ـ وتركتم الجهاد.
والنتيجة لهذه الأمور: «سلط الله عليكم ذلاً».
والعلاج كيف يكون:
- «لا يرفعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم».
العودة إلى الدين سبب في رفع الذل عنا.
والدين هو ما جاء في حديث جبريل الطويل، (أم السنة). وهذه أهم ما في الدين، معرفة: أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وركن الإحسان،
والاستعداد لليوم الآخر وعلاماته.
والحال أن المسلمين في ضعف لا يقدرون عليه، ومعلوم أن القدرة مناط التكليف! بل ترك الجهاد عرض من الأعراض، إنما الداء هو: ترك الدين،
والجهل به، والانغماس في الدنيا، والعلاج: بالعودة إلى الدين، وتحقيق الإسلام بأركانه، والإيمان بأركانه، والإحسان بركنه، والاستعداد لليوم الآخر
وعلاماته.
فليس السبيل هو رفع راية الجهاد، وليس هو أهم أمور ديننا!
كيف يترك الرسول صلى الله عليه وسلم في العهد المكي الجهاد وهو أهو أمور الدين؟! هذا غير صحيح.
ولذلك النصر والتمكين بالرجوع إلى الدين وتعلم العلم الشرعي الواجب وإقامته على النفس ثم الأدنى فالأدنى،
قال تعالى: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى
لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ" (النور:55).
والجهاد في إقامة الدين على النفس، هو أول جهاد على المسلم أن يفعله، فكل مسلم في جهاد، ولن يحرمه الله أجر المجاهدين، إن صدق وأخلص.
خاصة في هذا الزمن الذي ضعف فيه المسلمون، فإن أول طريق قوتهم الرجوع إلى الدين وإقامته على النفس، والجهاد في ذلك.
وبالله التوفيق.
أمّا من يحمل السلاح ويريد يقاتل ويظن ما يفعله هو طريق نصرة الإسلام والمسلمين، بدون أن يتعلم العلم الشرعي ويقيمه على نفسه، والذي فيه
شروط الجهاد، ومتى يكون بالقتال ومتى لا يكون، من لا يتعلم هذا ويقيمه على نفسه فقد ضل الطريق، وأخطأ قدمه السبيل، و لا حول و لا قوة إلا
بالله.
عن فَضَالَة بْنَ عُبَيْدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي اللَّهِ». (أخرجه أبوداود (2500)، وابن
حبان (الإحسان 4624). وصححه كذلك الألباني ومحقق الإحسان).
منقول من صفحة الشيخ