بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المؤمنون : إن المؤمن ليتقلب في هذا الزمان و يمد الله له في الأجل ، وكل يوم يعيشه في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لآخرته ، ويبذرَ فيه من الأعمال ما استطاعتُه نفسه و تحملته . فحري بالمؤمن الذي يرجو نجاة نفسه مما ستلقاه من المخاوف ألا يدع فرصة للطاعة وموسما من مواسم الأعمال الصالحة وإلا واغتنمه ليجد ذلك مكتوبا في صحفة أعماله يوم القيامة. ثم اعلموا عباد الله أن شهر شعبان شهر عظيم و موسم من مواسم الأعمال الصالحة التي يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان ولا يعمل فيه إلا من وفقه الله ، فعن أسامة ين زيد قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من شهور ما تصوم من شعبان قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان و هو شهر تُرفع في الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يُرفع عملي و أنا صائم (رواه النسائي .حديث حسن تمام المنة /412).
ففي هذا الحديث أيها المؤمنون أن هذا الشهر شهر شعبان فيه تُرفع الأعمال الصالحة إلى الله عز وجل وإن من الأعمال الصالحة التي ترفع إلر رب العالمين : الصوم فيستحب الصوم من هذا الشهر ، وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يصوم أكثر هذا الشهر لما روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم حتى نقول لا يُفطر ويُفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان" ، و قالت أيضا رضي الله عنها : "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان " رواهما البخاري في صحيحه 213/4 .
ففي هذه الأحاديث أيها المؤمنون استحباب صوم أيام من هذا الشهر ، شهر شعبان اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم ، ورجاء أن ترفع أعمالنا فيه إلى الله عز وجل فتدركنا رحمته ومغفرته سبحانه وتعالى .
أيها المؤمنون : قد يتساءل بعض الإخوة فيقولون : هل الصوم في شعبان جائز مطلقا من أول الشهر إلى نهايته ؟! أم هل الصوم يكون في بدائته فقط ؟! وهل الناس في صيام هذا الشهر سواء ؟! أم يختلفون وتختلف أحكام صومهم فيه ؟! وللإجابة على هذه التساؤلات نلخص ما ذكره أهل العلم رحمهم الله في صيام هذا الشهر جمعا وتوفيقا بين الأحاديث فنقول:
الناس في صيام هذا الشهر على أقسام
1- فمنهم من لم تكن له عادة في الصيام قبله ودخل عليه شعبان وهو مستمر في عدم الصيام : فهذا ترك فضلا عظيما وأمرا مستحبا مرغب فيه فلا يحرم نفسه هذا الفضل .2-و منهم من كانت له عادة في الصيام قبل شعبان : مثل أن يكون قد اعتاد صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، أو يكون قد اعتاد صيام يومي الإثنين و الخميس ، أو يكون قد اعتاد صوم يوم و إفطار يوم ، و دخل عليه شعبان فليستمر في صيامه وليواضب على عادته التي كان قد اعتادها .
3-ومن الناس من لم يكن له عادة في الصيام قبل هذا الشهر لكن لما انتصف شعبان بدأ يصوم : فهذا ننصحه بترك الصيام لأنه ارتكب أمرا منهيا عنه فقد جاء في الحديث الصحيح الوارد في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا "( المشكاة 1974) .
4- ومنهم من لم تكن له عادة في الصوم ولكن لما بقي على نهاية شهر شعبان يوم أو يومان صام هذين اليومين أو هذا اليوم من أجل أن يحتاط لرمضان : فهذا الأمر الذي فعله عده العلماء بدعة في دين الله عز و جل لأنه قد أتى بمحدثة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا أحد من أصحابه رضوان الله عليهم وهو قد وقع في الأمر الذي حذر منه النبي صلى الله عليه و سلم حيث جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصم ذلك اليوم (متفق عليه ) فهذا نهي صريح من النبي صلى الله عليه و سلم عن التقدم على شهر رمضان بيوم أو يومين إلا من كان له اعتياد قبل ذلك كما تقدم معنا .
أيها المؤمنون كما أنه لا يجوز للمسلم صيام يوم الشك وهو اليوم الثلاثون من شعبان إذا لم يُرَ الهلال في ليلته بسبب غيم أو ساتر أم نحوه فيجوز أن يكون من رمضان و يجوز أن يكون من شعبان ، فهذا جاء النهي عن صومه صريحا في قول عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم (رواه أبو داود و الترمذي و هو حديث صحيح ) الإرواء 961 ، أما لو تبين بعد ذلك أنه يوم من رمضان فيقضى مكانه يوما بعد رمضان ، فاحرصوا أيها المؤمنون على الصوم في شعبان واغتنموا هذه الأيام التي جعلها الله تعالى مواسم للخيرات يتزود منها المرء لآخرته.
ــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين و على آله و صحبه أجمعين أيها الناس : اتقوا الله تعالى و تمسكوا بكتابه و سنة نبيه ففيهما الكفاية و الهدى و النور. أيها الإخوة المؤمنون : اغتنموا هذا الشهر ففيه ترفع الأعمال إلى رب الأعمال ، فكونوا ممن يُرفع له عمل صالح في هذا الشهر عن أسامة ين زيد رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ! لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال :"ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين و أحب أن يرفع عملي و أنا صائم" ( رواه النسائي الترغيب 1022 حسن ).
قال بعض العلماء ( إن أعمال الأسبوع تعرض على الله كل اثنين و خميس ، وأعمال السنة كلها تعرض في شعبان ) شرح النسائي بتصرف. و قوله "يغفل الناس عنه" فيه : أن إحياء أزمة الغفلة فيه أجر كبير إذا ورد فيها أثر عن نبينا صلى الله عليه وسلم. ومثل ذلك ما ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "العبادة في الهرج كهجرة إليّ " والهرج : هو زمن الفتن وكثرة اختلاط أمور الناس ، ففيها يغفل الناس عن عبادة الله تعالى.
ومثل قوله عليه الصلاة و السلام "" من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وخده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة ""(1684 حسن لغيره -الترغيب) ، فالسوق موطن من مواطن الغفلة حيث البيع و الشراء و غفله الناس عن ذكر الله تعالى ، والغفلة عن الله وعن مراقبته تورث الوقوع في المعاصي واقترافها ، فصار الذّاكر فيها لله بلسانه أو بعبادته عظيم الأجر مضاعف الثواب ، وهذا لا يحصل إلا لمن كان دائم الحذر مما هو مقدم عليه من الأهوال العظيمة في قبره و يوم يقوم العباد لربهم خائفين وجلين يطلبون السلامة مما أمامهم مترقبين منازلهم التي سينزلون فيها ، ففريق في الجنة وفريق في السعير ، وقانا الله وإياكم وسائر المسلمين من غضبه وعقابه ومن شرور أنفسنا ومن غفلتنا ومعاصينا ، ورزقنا تدارك الأعمار فيما يقرب إليه سبحانه ووفقنا بمنّه وكرمه للتوبة والإنابة قبل الممات إنه سميع قريب مجيب الدعاء .
مطوية خطبة جمعة : أبو عبد الله اليماني
راجعها الشيخ :
محمد بن عمر بازمول -حفظه الله -
وكتبها على الآجري
أخوكم:"ستر الله عيوبه"
محمّد عوّاد
راجعها الشيخ :
محمد بن عمر بازمول -حفظه الله -
وكتبها على الآجري
أخوكم:"ستر الله عيوبه"
محمّد عوّاد
تعليق