بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد:
سبب كتابتي في هذا الموضوع هو أن أحد أئمة المساجد ممن يزعم أنه طالب علم خرج مرة في ليلة جمعة وقبل إقامة صلاة العشاء فقال للمصلين غذًًا – إن شاء الله - الجمعة نصلي صلاة الاستسقاء ، وهي واجبة ، بل هي كالجمعة أو أشد ، فلما سمعته قف شعر رأسي وحوقلت لهذا الجهل ، ولما استفسرت منه من أين أخذ ذلك فالمعروف عند أهل العلم أنها سنة ، جاء بجواب أغرب من الأول مما يكشف عن مدى جهله وجرأته على أهل العلم فقال : لأن ولي الأمر أمر بها ، وإذا كان الأمر كذلك فتصبح واجبة مثل الجمعة تماما أو أشد ،فقلت له من إمامك في ذلك ، فغضب ورفع صوته واتهمني بأنني أتتبع عورته ، وأُفسد عليه عمله الدعوي وأنني حدادي وغير ذلك من الألقاب الشنيعة فكتب له هذه الرسالة مع أخت لها وسلمتهما له ولم يجبني بأي جواب فحسبي الله من هذا وأمثاله وما أكثرهم - لا كثرهم الله - إذا عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة لجئوا إلى الصخب والقوة ، والسب والشتم والاتهام بالباطل .ولا حول ولا قوة بالله .
نعمة المطر وأنه رحمة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده .
اعلموا – رحمني الله وإياكم – أن الماء نعمة عظيمة ومنة منه سبحانه وتعالى منّ بها على خلقه ، تستوجب الشكر الخالص ، والحمد التام ، فإذا كفروها ، بالشرك بالله بنسبتها لغيره ، وبمعاصيه بتطفيف الميزان ونقص المكيال ، والخروج عن سلطانه وحكمه وعدم تحكيم شرعه ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منعها عنهم وذلك من سنن الله تعالى في خلقه حتى يحدثوا توبة نصوحا ورجوعا صادقا صريحا ، واستغفارا ولهجا بذكره وتضرعا إليه وحده لا شريك له .
وقد شرع لهم الاستسقاء بالدعاء والصلاة ، والخروج إلى الصحراء والجبان لذلك متذللين خاشين منكسرين مستغفرين، وقد شرع لهم دعاءه وحده وطلبه منهم، ووعدهم بالإجابة بشرط أن يتوبوا وأن يقلعوا عما كان منهم من شرك ومعاص إنه سبحانه غفور حليم ، تواب رحيم .
قال تعالى عن هود أنه قال لقومه {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ }(52)سورة هود.
قال ابن كثير (4/329) ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ الَّذِي فِيهِ تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ، وَبِالتَّوْبَةِ عَمَّا يَسْتَقْبِلُونَ [مِنَ الْأَعْمَالِ السَّابِقَةِ] وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَحَفِظَ [عَلَيْهِ] شَأْنَهُ [وَقُوَّتَهُ] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نُوحٍ:11] .
و كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: << مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَنْ كُلِّ هَم فَرَجًا، وَمَنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ>>. ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع وضعيف الترغيب والترهيب وضعيف أبي داود . أنظر الضعيفة (706).
وفي سورة نوح :{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا }(10- 13) نوح.
قال ابن كثير(8/232) ارْجِعُوا إِلَيْهِ وَارْجِعُوا عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ، فَإِنَّهُ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ مَهْمَا كَانَتْ فِي الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ. وَلِهَذَا قَالَ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} أَيْ: مُتَوَاصِلَةَ الْأَمْطَارِ.
وَلِهَذَا تُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ هَذِهِ السُّورَةِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ لِيَسْتَسْقِيَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الاستغفار، وقرأ الآيات في الاستغفار. هَذِهِ الْآيَةُ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}.
ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْغَيْثَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي سَتُنْزِلُ بِهَا الْمَطَرَ. ضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (3/141)(673).
وَقَوْلُهُ: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} أَيْ: إِذَا تُبْتُمْ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفَرْتُمُوهُ وَأَطَعْتُمُوهُ، كَثُرَ الرِّزْقُ عَلَيْكُمْ، وَأَسْقَاكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبَتَ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، وَأَنْبَتَ لَكُمُ الزَّرْعَ، وَأَدَرَّ لَكُمُ الضَّرْعَ، وَأَمَدَّكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ، أَيْ: أَعْطَاكُمُ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ، وَجَعَلَ لَكُمْ جَنَّاتٍ فِيهَا أَنْوَاعَ الثِّمَارِ، وَخَلَّلَهَا بِالْأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهَا.
وقال السعدي (1/889) ورغبهم أيضا، بخير الدنيا العاجل، فقال: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} أي: مطرا متتابعا، يروي الشعاب والوهاد، ويحيي البلاد والعباد.
{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم، {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها.
إن الغيث هو حياة الأرض الميتة الهامدة اليابسة الجافة فإذا أنزله الله عليها اهتزت بالحياة وتحركت بالبركات فأنبتت من كل زوج بهيج يبهج الناظرين، ويسر المتأملين ، فتسعد به النفوس وترتاح له القلوب ، وتعمر الأرض بالإيمان والتوحيد فكل شيء يسبح لله ويشكره ويثني عليه ، إلا من كفر بالله وكفر هذه النعمة العظيمة ونسبها لغيره سبحانه .
قال تعالى :{وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }(5) الحج .
وقال عز وجل :{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(39) فصلت .
{وَمِنْ آيَاتِهِ} الدالة على كمال قدرته ورحمته ، وانفراده بالملك والتدبير والوحدانية، {أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً} أي : لا نبات فيها ولا حركة {فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ} أي: المطر {اهْتَزَّتْ} أي: تحركت بالنبات {وَرَبَتْ} ثم: أنبتت من كل زوج بهيج، فيحيي به العباد والبلاد.
فنزول المطر رحمة من الله ونعمة عظيمة يمن بها على من يشاء من عباده متى شاء بقدر ما يشاء وكذلك يبتلي بها من يشاء فيمنعها عمن يشاء متى شاء وكيفما شاء لينظر كيف تعملون وهو الحكيم الخبير ، ولكن الله تعالى ما منعها عن قوم إلا لأسباب تجري وفق مسبباتها ولا تخرج عن علمه وقدرته سبحانه .
الأسباب المانعة للمطر .
لا يشك مسلم أن هناك أسباب مانعة من نزول المطر ينبغي على الأئمة والدعاة والمشايخ وطلبة العلم أن يذّكروا بها تكرارا ومرارا، ويحثوا القوم الواقعين فيها على التوبة والاستغفار منها والرجوع عنها ..
وقبل ذكر تلك الأسباب المانعة للمطر لابد من الجواب على شبهة يرددها بعض من جهل ، فيقول: ها قد استجاب الله دعاء المستسقين ، والحال على ما هو عليه من الذنوب والمعاصي ؟ وآخر يقول: هذه أوروبا الكافرة غارقة في سيول الأمطار فما لله يحجزها عن المسلمين ؟؟وثالث يقول إذا لم ينزل المطر بعد الاستسقاء ها قد استسقيتم ولم يستجيب لكم ، فما الجواب .
الجواب أن يقال :أولا : ينبغي إحسان الظن بما تبقى من الخير في هذه الأمة ؛ لأن الخير في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا ينقطع إلى قيام الساعة كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك الخير متمثل في الطائفة المنصورة ، وهم أهل العلم والحديث وليس من شك أن في الأمة منهم ولا يخلو زمان أو مكان من أفراد منهم .
ثانيا : إذا كان حقيقة أن الله استجاب دعاء المستسقين فإنما استجاب دعوة الصالحين منهم الأتقياء الأخفياء ، وربما استجاب دعوة شيخ كبير مُغيب عنا يبيت راكعا وساجدا لله ، أو دعوة طفل صغير لا يعرف معصية الله تعالى ، أو حيوان مضطر كما في قصة سليمان مع النملة
وليس من شرط الاستجابة للبعض أن يكون الكل على حالة صلاح وتقوى واستغفار . وإن كان ذلك فهو الأكمل والأفضل .
ثالثا : هذه الاستجابة تكون حجة عليهم ، لأنه إذا رأيت العبد يقيم على معاصي الله تعالى والله يغدق عليه ويمده بالنعم فاعلم أن ذلك استدراج منه سبحانه كحال الكفار الذين يسقيهم الله تعالى وهم على الكفر والشرك به .
رابعا : قد تكون الاستجابة نسبية أي من البعض ، ويعم المطر ، لأن الداعي دعا للجميع وقد تكون الاستجابة نسبية وينزل الله تعالى شيئا من القطر يغيث به قوما دون آخرين ، ويستفيد به قوما دون آخرين ، وقد ينزل المطر ولا يستفيدون منه شيئا ، وإذا كان الأمر كذلك فلا تعتبر حينئذ سقيا ، لأنه ربما نزل المطر بأسبابه الكونية وليست الشرعية .
خامسا : أ- نزول المطر في الدول الكافرة والمشركة ليس دليلا على أن الله يحبهم أو هو راض عنهم ، بل ذلك ابتلاء وامتحان لهم ليكون حجة عليهم يوم القيامة ،حتى يزاد لهم في العذاب.
ب : أن الله يجازي الكافر على عمله الصالح في الدنيا ،ويعجل لهم طيباتهم لأنها جنتهم يتمتعون فيها كما تتمتع البهائم ثم مصيرهم إلى النار وبأس المصير إذا ماتوا على ذلك الكفر والشرك كما قال سبحانه وتعالى :{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا
وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ }(20) الأحقاف .
ج : منعه عن المسلمين ليذكرهم ويشعرهم بحاجتهم إلى ربهم ورجوعهم إليه وتضرعهم له وأنهم في فقر دائم مستمر إلى الملك الغني الذي بيده كل شيء والمتصرف في كل شيء ومن خزائن السموات والأرض بيده ، لما عندهم من إيمان وإسلام .
أما الكفار لو منعها عنهم فهم لا يتعظون ولا يعتقدون حاجة رجوعهم إلى الله ، ويعتقدون أن الطبيعة هي التي شحت عنهم ، وأن تغير الأحوال وتقلبها بسبب الطبيعة لا غير.
الأسباب المانعة لنزول الغيث :
وهذه الأسباب هي :
أولها . الشرك بالله فإن قوم نوح وقوم هود لما كان ذنبهم الشرك الله تعالى منع عنهم القطر وطلب منهم التوبة والاستغفار حتى يسقيهم .
1 – الشرك والكفر بنوعيه : قال تعالى : {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ }(52)سورة هود.
قال ابن جزير الطبري (15/35 قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هود لقومه: (ويا قوم استغفروا ربكم) ، يقول: آمنوا به حتى يغفر لكم ذنوبكم.
والاستغفار: هو الإيمان بالله في هذا الموضع، لأن هودًا صلى الله عليه وسلم إنما دعا قومه إلى توحيد الله ليغفر لهم ذنوبهم، كما قال نوح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [سورة نوح: 3: 4].
وقوله: (ثم توبوا إليه) ، يقول: ثم توبوا إلى الله من سالف ذنوبكم وعبادتكم غيره بعد الإيمان به (يرسل السماء عليكم مدرارا) ، يقول: فإنكم إن آمنتم بالله وتبتم من كفركم به، أرسل قَطْر السماء عليكم يدرَّ لكم الغيثَ في وقت حاجتكم إليه، وتحَيَا بلادكم من الجدب والقَحط.
وفي صحيح الجامع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :<< أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا.. وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب>>.
قال الألباني: (صحيح) [حم ق د ن هـ] عن زيد بن خالد. مختصر مسلم( 56) الإرواء (681)والحديث متفق عليه .
قلت : وإن كان هذا الكفر في هذا الحديث هو كفر النعمة وليس بكفر خارج عن الملة . كما قال الشيخ زيد المدخلي- رحمه الله- في منظومة الفروق .
وما سواها فكفر عملي - - فافهم وحقق يا وريث الرسل
ككفر نعمة وقتل المسلم - - ورغبة عن والد فلتعلم
ومن يقل بالنوء قد مطرنا - - فذاك كافر كما علمنا.
فمن باب أولى الشرك والكفر الأكبر كما في آية هود ونوح ففيهما دليل على أنهم لمّا أشركوا بالله تعالى منع عنهم القطر من السماء حتى أجذبوا وطلب منهم الاستغفار والتوبة والرجوع إلى عبادة الله وحده لأن هود ونوح إنما كانت دعوتهما لقومهما إلى توحيد الله تعالى والتوبة من الشرك والكفر .
ثانيا : التطفيف في الميزان ونقص الكيل ببخس الناس حقوقهم .. فقد عاقب الله أمة بكاملها فقطع دابرها من الأرض بسبب تطفيفهم في الكيل والميزان .
قال جل في علاه :{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }(6) المطففين .
وقد أمر الله-تعالى-بالوفاء في الكيل والميزان، فقال: {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا} [الإسراء: 35] ، وقال: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها} [الأنعام: 152] ، وقال: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} [الرحمن: 9] . وأهلك الله قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في المكيال والميزان. تفسير ابن كثير .
ثالثا : عدم إخراج الزكاة ومنعها عن أهلها المستحقين لها ، وهذا السبب والذي قبله والذي بعده هي أسباب ثبت بالسنة فقد جاءت في الحديث .
ففي صحيح الترغيب والترهيب (2187 )وقال (صحيح لغيره) عن ابن عمر –رضي الله عنهما - قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :(( كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن ؛ ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم ، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم>>.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي حَدِيثٍ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: << لَمْ يُنْقِصْ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا>> رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ(1343) .قال الألباني حسن ((الصحيحة (106)).
قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/5) قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ نَقْصَ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ سَبَبٌ لِلْجَدْبِ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السَّلَاطِينِ .
وقَوْلُهُ: (وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِمَنْعِ قَطْرِ السَّمَاءِ .
قَوْلُهُ: (وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ نُزُولَ الْغَيْثِ عِنْدَ وُقُوعِ الْمَعَاصِي إنَّمَا هُوَ رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْبَهَائِمِ.فإذا استسقى النّاس ثم سقاهم الله تعالى وهم على معصيته مقيمون فليعلموا أنما سقى البهائم ..
رابعا : المعاصي والذنوب من سب الله ، والاستهزاء بالدين ، وأكل الربا والرشوة ، والزنا واللواط والخمور ، والإعلان بذلك ، وعقوق الوالدين ، والبدع والمحدثات ، وغيرها من الفساد الذي ظهر في البر والبحر .
خامسا : ترك أسباب وشروط استجابة الدعاء ، فإن الله أمر بالدعاء ووعد بالاستجابة ولكن ذلك لا يكون إلا بتوفير شروط الاستجابة وأسبابها وانتفاء الموانع وهي كثيرة .
منها :1 – الإخلاص - 2- التقوى - 3 - عدم الاعتداء في الدعاء - 4 -طيب المطعم والمشرب والملبس - 5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - 6- عدم غفلة القلب وتلهيه أثناء الدعاء – 7 - اختيار المكان المناسب - 8 – اختيار الزمان المناسب – 9 – أن لا يدعو بمعصية أو قطيعة رحم .وكل هذه الشروط دلت عليها أدلة صحيحة .
صلاة الاستسقاء:
قَالَ فِي الْفَتْحِ: الِاسْتِسْقَاءُ لُغَةً: طَلَبُ سَقْيِ الْمَاءِ مِنْ الْغَيْرِ لِلنَّفْسِ أَوْ لِلْغَيْرِ وَشَرْعًا طَلَبُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حُصُولِ الْجَدْبِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ انْتَهَى .
قَالَ الرَّافِعِيُّ: هُوَ أَنْوَاعٌ أَدْنَاهَا الدُّعَاءُ الْمُجَرَّدُ وَأَوْسَطُهَا الدُّعَاءُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَأَفْضَلُهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِرَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ، وَالْأَخْبَارُ وَرَدَتْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ انْتَهَى..
وكذلك قال كثير من العلماء غيره ينقلها بعضهم عن بعض ومنهم ابن عبد البر في التمهيد وابن حجر في الفتح .
متى يشرع الاستسقاء: يشرع الاستسقاء إذا أجدبت الأرض ، وانقطع المطر، أو غارت مياه العيون والآبار، أو جفت الأنهار، أو نقص ماؤها، أو تغير بملوحة، وتأخر المطر عن زرعهم ، وقحط الناس من قلة الماء ونحو ذلك...
أنواع الاستسقاء: الدعاء بطلب السقي من الله عز وجل له ثلاث حالات أو مراتب :
الأولى: صلاة الاستسقاء جماعة مع الخطبة والدعاء، وهذه أكملها وأفضلها.وهذا في الصحيحين والسنن وغيرهما .
ففي البخاري (1026)( بَابُ صَلاَةِ الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ: << أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ>> ومسلم (894).
الثانية : الدعاء بطلب الغيث فوق المنبر في خطبة الجمعة كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم- والحديث في الصحيحين .
ففي البخاري (1033)بَابُ مَنْ تَمَطَّرَ فِي المَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ :
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ المَالُ، وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قَالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَفِي الغَدِ، وَمِنْ بَعْدِ الغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ - أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا» .
قَالَ: فَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ، حَتَّى صَارَتِ المَدِينَةُ فِي مِثْلِ الجَوْبَةِ حَتَّى سَالَ الوَادِي، وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا، قَالَ: فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ.ومسلم (897).
الثالثة: الدعاء بطلب السقي من الله في أي وقت من غير صلاة ولا خطبة في المسجد وخارج المسجد
وهذا ورد في بعض الأحاديث في السنن .وذكر ابن القيم في الزاد (1/439-441)أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها على ستة أوجه فقال :
(فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاسْتِسْقَاءِ):ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ اسْتَسْقَى عَلَى وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ، وَقَالَ : << اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا>> .
الْوَجْهُ الثَّانِي: << أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ إِلَى الْمُصَلَّى، فَخَرَجَ لَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مُتَوَاضِعًا، مُتَبَذِّلًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَرَسِّلًا،مُتَضَرِّعًا، فَلَمَّا وَافَى الْمُصَلَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ - إِنْ صَحَّ، وَإِلَّا فَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَكَبَّرَهُ، وَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَدُعَائِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ، اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَهُ عَلَيْنَا قُوَّةً لَنَا وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ>>(1).
----------------
1 – قوله: إن صح وإلا ففي القلب منه شيء- فهو حديث حسن وهذا لفظه عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال: ((إنكم شوكتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله سبحانه أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم.
ثم قال: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين} . لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين )).
ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله عز وجل سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال:أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله. رواه أبو داود (1173وهو في صحيحه (1064) واللفظ له ،والطحاوى (1/192) والبيهقى (3/349) والحاكم أيضا (1/32. وهو حديث حسن انظر الإرواء (66 وتخريج الكلم الطيب ( 152 ).
ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَأَخَذَ فِي التَّضَرُّعِ وَالِابْتِهَالِ وَالدُّعَاءِ وَبَالَغَ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ إِذْ ذَاكَ رِدَاءَهُ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، وَظَهْرَ الرِّدَاءِ لِبَطْنِهِ، وَبَطْنَهُ لِظَهْرِهِ،وَكَانَ الرِّدَاءُ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ،َأَخَذَ فِي الدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالنَّاسُ كَذَلِكَ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَلَا نِدَاءٍ الْبَتَّةَ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَقَرَأَ فِي الْأُولَى بَعْدَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] .
=============================
صفحة جديدة .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- << اسْتَسْقَى عَلَى مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ >> اسْتِسْقَاءً مُجَرَّدًا فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَحُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ حِينَئِذٍ:<< اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍ>>(1).
----------------
1 – ضعيف بهذا اللفظ ، الإرواء(1 / 145 - 146)ولكن ورد بلفظ صحيح عند أبي داود: " اللهم! اسقنا غيثاً مُغِيثاً مَرِيئاً، نافعاً غير ضارٍّ، عاجلاً غير آجل ".قال: فأطبقت عليهم السماء.
===============================
صفحة جديدة .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :<< اسْتَسْقَى عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ>> وَهِيَ خَارِجُ بَابِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُدْعَى الْيَوْمَ بَابَ السَّلَامِ نَحْوَ قَذْفَةِ حَجَرٍ، يَنْعَطِفُ عَنْ يَمِينِ الْخَارِجِ مِنَ الْمَسْجِدِ.(1).
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَسْقَى فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ لَمَّا سَبَقَهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى الْمَاءِ فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ الْعَطَشُ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَاسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ كَمَا اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: << أَوَقَدْ قَالُوهَا؟ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَسْقِيَكُمْ ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ وَدَعَا>> فَمَا رَدَّ يَدَيْهِ مِنْ دُعَائِهِ حَتَّى أَظَلَّهُمُ السَّحَابُ وَأُمْطِرُوا، فَأَفْعَمَ السَّيْلُ الْوَادِيَ، فَشَرِبَ النَّاسُ فَارْتَوَوْا.
----------------
1 - خريج المشكاة(1504) (صَحِيح) عَن عُمَيْر مولى آبي اللَّحْم أَنَّهُ(( رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْقِي عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي رَافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ)). صحيح أبي داود(1059)صحيح وضعيف الترمذي (557)صحيح وضعيف النسائي(1514).
==========================
صفحة جديدة
حكمة مشروعية الاستسقاء: نعمة الماء نعمة عظيمة ورحمة وفيض من أكبر نعم الله على عباده وخلقه ، وهي تستلزم دوام الشكر الخالص والحمد التام ،مع المحافظة عليها وعدم الإسراف فيها ، وتأخر نزول المطر إنما هو ابتلاء من الله سبحانه لعباده واختبار لهم ؛ هل يرجعون له من الذنوب والمعاصي إلى الطاعات والتوبة والاستغفار ، ويستغفرونه ويسألونه أن يغيثهم ؟ أم يلجئون إلى غيره المخلوقات سواء كانت آلهة أو غير آلهة مثل الكواكب والأنواء ..
وفي منع القطر والغيث عن عباده تذكير لهم بحاجتهم الشديدة وفقرهم وعجزهم على الدوام إلى ربهم سبحانه في نفعهم وغناهم وبقائهم، وحفظهم بإمدادهم، فإنهم لو لم يرحمهم بالغيث لتضرروا وهلكوا ..
ومن رحمة الله أن شرع لهم من الصلاة والدعاء ما يستجلبون به الغيث منه سبحانه وحده وفي ذلك إفراده بالدعاء والالتجاء إليه والتضرع والتبرؤ من الحول والقوة والاستغفار..
وذلك من أعظم العبادة ، بإقرارهم بكمال ربوبيته وغناه، وشدة حاجتهم إليه. باعتقادهم أنه المدبر لشؤونهم المتصرف في جميع أحوالهم .
حكم صلاة الاستسقاء: صلاة الاستسقاء سنة باتفاق وذهب بعض الحنابلة إلى أنها سنة مؤكدة ، وهذا لا يخالف الاتفاق فهم يلتقون مع القول بالسنية وإنما يؤكدونه على الرجال والنساء عند الحاجة للماء، ويسن الاستسقاء جماعة، ويصح منفرداً، ويسن بصلاة، ويصح بدون صلاة، ويسن في الصحراء، ويصح في المسجد في غير الجمعة ، ويسن في خطبة الجمعة، ويصح في غيرها.وصلاة الاستسقاء جماعة في الصحراء أفضل وأبلغ في الخشوع، وأقرب إلى التواضع.
عَنْ عَبْداللهِ بن زَيْدٍ المَازِنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ. متفق عليه.
َقَالَ أَبُو عُمَرَ في الاستذكار (2/427)وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ رَكْعَتَانِ يُجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. (17/172).
وقال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة (1/210) باب صلاة الاستسقاء : وصلاة الاستسقاء سنة مسنونة إذا احتبس الغيث في زمانه أو تأخر نزول ماء السماء في أوانه وخشي الناس فوات وقت زراعتهم ، أو قحطت زروعهم فخافوا هلاكها ، يبرزون ضحوة في ثياب تواضع إلى حيث تصلى العيد .
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/324)فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا.
قَالَ البغوي رَحِمَهُ اللَّهُ شرح السنة (4/105): أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، وَآكَدُهَا بَعْدَ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ، مَا يُؤَدَّى جَمَاعَةً مِنَ السُّنَنِ، وَهِيَ خَمْسٌ: صَلاةُ الْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفَيْنِ، وَالاسْتِسْقَاءِ.
وقال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة (1/51) باب في صلاة الاستسقاء:وصلاة الاستسقاء سنة تقام يخرج لها الإمام كما يخرج للعيدين ضحوة فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة..
وجاء في التلقين لعبد الوهاب المالكي البغدادي (1/54) باب صلاة الاستسقاء :وصلاة الاستسقاء سنة تفعل عند تأخير المطر والحاجة إليه..
ومن عجائب الزمان وغرائبه أني سمعت إماما يُذكّر بموعد صلاة الاستسقاء ثم عقب على التذكير بقوله : أن صلاة الاستسقاء واجبة بل هي مثل الجمعة بل (أو ربما ) أشد هكذا قال دون أن يذكر أدلة على ذلك ، وأحسست من تذكيره بنبرة حادة شديدة غليظة فهمت من خلالها أنه يريد تخويف الناس بهذه الأحكام الثلاثة الشديدة لأن الغالب في الناس أنهم لا يحضرونها ...
وهذه الأحكام التي ذكرها غير صحيحة بل هي باطلة وأخشى أن تكون من التشريع في شرع الله ما لم يأذن به الله ، فلم أعرف ولم اطلع في حدودي علمي القاصر بعد طول بحث على أحد من أهل العلم قال بهذه الأحكام الجائرة المحدثة ..
وهذا الكلام الخطير الذي صدر منه نُذكره وغيره ممن يجرءون على الله ، بالله تعالى أن يتقوه وأن يرجعوا إلى العلماء قبل إصدار أي حكم يجهلونه فهذا خير لهم ..
وذلكم الإمام قد كاتبه وبينت له خطر قوله فإن لم يرجع عنه فهو يعتبر مشرعا أحكاما لم يأت بها الشرع ولم يقل بها إمام قبله..
فصلاة الاستسقاء سنة بإجماع ، وزاد بعض الحنابلة – كما قلت – آنفا تأكيدها فقالوا بأنها سنة مؤكدة كما في المغني وغيره ، أما أن تكون واجبة فلا ؛ فلم يقل بالوجوب أحد ، وإذا كان عنده علم عن أحد من العلماء فليبينه لنا وإلا فهو متقول مشرع للبدع .
وقد زاد الطين بلة بقوله أن الاستسقاء مثل الجمعة أو أشد وهذا أخطر ، بمعنى من تركها أثم ومن تأخر عنها فهو آثم لأن تارك الواجب أو الوجوب عن عمد يأثم بإجماع.
كما قال العمريطي :
فالواجب المحكوم بالثواب -- في فعله والترك بالعقاب .
وهذا الحكم أيضا لم يقل به أحد في حدود علمي فأين الاستسقاء مما ورد في الجمعة من فضل وترغيب ، ووعيد في تركها وترهيب ، وتصريح بوجوبها ووجوب الغسل لها أين هذا من ذاك ولم يرد شيء في الاستسقاء مثل ذلك إلا الأحاديث التي تدل على مشروعيتها ؟؟
والجمعة تفارق الاستسقاء في كثير من الأحكام ، أهمها الوجوب ، والغسل لها والآذان والإقامة والإنصات وغيرها من الأحكام ، والاستسقاء لا يشترط لها ذلك شرط وجوب ولا شرط صحة ..
فالمقارنة بالجمعة لا تصح بل هو قول باطل ما قال به أحد من أهل العلم ، وإنما قال بعضهم أن صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد في التكبيرات وفي تقديمها على الخطبة ..
والحكم الثالث الذي جاء به ذالكم الإمام – هداه الله - أن صلاة الاستسقاء أشد من الجمعة أي حكما بمعنى أن المتأخر عنها حكمه في الإثم أشد ممن يتأخر عن الجمعة ، وهذا عين التقول على الشرع والتقرير لأحكام ما أنزل الله بها من سلطان ، وهي مدعاة لاعتقاد الجهال بهذا الحكم وتقريره وهو حكم خارج عن حكم الشرع لم يقل به أحد فيما أعلم. فمن سلفك في هذا يا هذا ؟؟
وقد نقل الإجماع على سنية الاستسقاء جماعة من العلماء أنقل طرفا من أقوالهم هنا :
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ في الاستذكار (2/426)أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَالْبُرُوزَ عَنِ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالدُّعَاءِ وَالضَّرَاعَةِ فِي نُزُولِ الْغَيْثِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَلَهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ .التمهيد (17/172)
قال النووي في شرح مسلم (6/187)(كتاب صلاة الاستسقاء أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ سُنَّةٌ ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ تُسَنُّ لَهُ صَلَاةٌ أَمْ لَا ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُسَنُّ لَهُ صَلَاةٌ بَلْ يُسْتَسْقَى بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ تُسَنُّ الصَّلَاةُ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَتَعَلَّقَ بِأَحَادِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ .
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ فَبَعْضُهَا مَحْمُولٌ عَلَى نِسْيَانِ الرَّاوِي وَبَعْضُهَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ وَيَتَعَقَّبُهُ الصَّلَاةُ لِلْجُمُعَةِ فَاكْتَفَى بِهَا وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا كَانَ بَيَانًا لِجَوَازِ الِاسْتِسْقَاءِ بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ الْمُثْبِتَةُ لِلصَّلَاةِ مُقَدَّمَةً).
وقال القاضي عياض كما في إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/312): لا خلافَ في جواز الاستسقاء، وأنه سنة..
وقال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد(1/244) الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]:
ِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ، وَالْبُرُوزَ عَنِ الْمِصْرِ، وَالدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّضَرُّعَ إِلَيْهِ فِي نُزُولِ الْمَطَرِ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الْخُرُوجِ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ الصَّلَاةُ. ثم ذكر سبب الخلاف فليرجع إليه .
وفي القوانين الفقهية لابن جزي المالكي (1/60) الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي الاستسقاء وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول :
(الْفَصْل الأول) فِي أَحْكَام صَلَاة الاستسقاء وَهِي سنة اتِّفَاقًا ..وكذلك في التاج والأكليل لمختصر خليل (2/593).
وقال العيني في شرح أبي داود (5/5): فأجمع العلماء على أنه سُنَّة. وأما كيفيته: فقال مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد: السُنَّة: أن يصلي الإمام ركعتن بجماعة كهيئة صلاة العيد. وقال أبو حنيفة: الاستسقاء استغفار ودعاء.
وقال في عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/19): وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/9) وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ أَيْضًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ كَمَا حَكَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ..
وممن حكى الإجماع الباجي في شرح الموطأ (1/646).
وقال صديق حسن خان في الروضة الندية شرح الدرر البهية (1/415): شرحا لقول الشوكاني في المتن : متى تسن صلاة الاستسقاء ؟ وكم عدد ركعاتها ؟
قال : وهذه الصلاة مسنونة ( تسن عند الجذب) لعدم ورود ما يدل على الوجوب .
قلت : وهذا الكتاب علق عليه كل من الشيخ أحمد شاكر ، والشيخ الألباني ولم يتعقبوا الماتن ولا الشارح بشيء كعادتهم إذا رأوا مخالفة للسنة أو شيئا يحتاج إلى توضيح أو بيان .
وسئل الشيخ ابن باز – رحمه الله - عن صلاة الاستسقاء وحكمها والتفصيل فيها كما في مجموع في فتواه فقال :
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعـد: فصلاة الاستسقاء سنة قد فعلها المصطفى- عليه الصلاة والسلام - لما أجدبت المدينة، خرج بالناس بعد ارتفاع الشمس وصلى بهم ركعتين مثل صلاة العيد، هذا هو السنة، يصلي ركعتين ثم يخطب الناس ويذكرهم ويكثر في خطبته من الدعاء وسؤال الله الغيث والنبي- صلى الله عليه وسلم - لما صلى خطب الناس وذكرهم ورفع يديه ودعا ..
وقال: << اللهم أسقنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً طبقاً عاماً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجلاً تحيي به البلاد وتسقي به العباد..>> إلى آخر دعواته الكثيرة عليه الصلاة والسلام. إلى آخر ما قال حول كيفيتها ووقتها ..
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد عنها هذا السؤال فأجاب كما في شرح سنن أبي داود (23/145) السؤال : ما حكم صلاة الاستسقاء؟ وإذا أمر بها الإمام هل تخرج النساء في الاستسقاء؟
الجواب :
صلاة الاستسقاء هي سنة، وليست واجبة أبداً، بل هي سنة مستحبة، ولو أمر بها الإمام فهي سنة، ولا يلزم أنها تكون واجبة، لكن الإمام هو الذي يأمر بها والناس يخرجون بناءً على أمر الإمام، كما في فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم- فهو الذي وعدهم يوماً يخرجون فيه، لكنه لا أحد يقول بوجوبها.وأما بالنسبة للنساء فلا أعلم شيئاً يمنع النساء من الخروج.
سنن صلاة الاستسقاء :
1 - الخروج إلى المصلى .
ففي البخاري (1027 ): بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي المُصَلَّى :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: << خَرَجَ النَّبِيُّ - r- إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ >> قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي المَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «جَعَلَ اليَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ>>.
2 – الخروج مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مَنَعَهُ أَنْ يَسْأَلَنِي؟قَالَ:<<خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ-r-مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا،فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ، وَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ>>أبو داوود(1165)وابن ماجة (1266).
وهذا الحديث وإن كان فيه مقال .إلا أن الحال تستوجب أن يخرج إلى الاستسقاء كذلك والتبذل : ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع.بمعنى لا يلبس أحسن الثياب ويتطيب بأحسن ما يجد من الطيب كما يفعل في الجمعة وصلاة العيدين .
3- الاستسقاء في المسجد :
الاستسقاء في المسجد أي أداء صلاة الاستسقاء في المسجد في غير الجمعة ، أما يوم الجمعة فيكفى بالدعاء فوق المنبر فقط .
بوب البخاري في صحيحه : بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ .
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - r- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ- r- يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا» قَالَ أَنَسُ: وَلاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلاَ قَزَعَةً وَلاَ شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ، وَلاَ دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ، انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -r- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - r– يَدَيْهِ..
ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» قَالَ: فَانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ.
4 - استقبال القبلة بَابُ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ:
البخاري 1028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا - أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ - اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا مَازِنِيٌّ، وَالأَوَّلُ كُوفِيٌّ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ»
ومسلم(894) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، يَدْعُو اللهَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ...>>
5- صلاة ركعتين فقط : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: <<خَرَجَ النَّبِيُّ - r- إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ>>. تخريجه في الحديث الآتي بعده.
6- الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء
عن عباد بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَهَرَ بالقراءة .صحيح ـ ((صحيح أبي داود)) (1053).
7 - قلب الرداء بجعل اليمين على الشمال : ففي البخاري 1005 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ:<<خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْقِي وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ>> .
ومسلم(894) أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ>>.
8- فِي أَيِّ وَقْتٍ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ إِذَا اسْتَسْقَى : ففي سنن أبي داود : جُمَّاعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَتَفْرِيعِهَا:
(ح1166)عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : << خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ>>.
وفيه (1167)عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيَّ، يَقُولُ: << خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ>>.
9- بَابُ رَفْعِ الإِمَامِ يَدَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ:
ففي البخاري (1031) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ>>.
ومسلم : بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بِالدُّعَاءِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ (895) ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: <<رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ>>
وفيه (895) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ نَبِيَّ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ».متفق عليه .
10– رفع اليدين وظاهر الكفين إلى السماء وباطنهما إلى الأرض :
ففي مسلم : (895) وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، << أَنَّ النَّبِيَّ - r- اسْتَسْقَى، فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ>> أخرجه البخاري (1/262) ومسلم (3/24) وكذا أبو داود (1170) والنسائي (1/224) والدارمي (1/361) والبيهقي (3/357) وأحمد..
11- بَابُ رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ دون مبالغة في الرفع:
ففي مسلم (1029 – 1030) قَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ، هَلَكَ العِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ، «فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ، يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ»، قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَشِقَ المُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ .
12 - إلى أي حد يرفع يديه في دعاء الاستسقاء حتى يجمع بين ظهور الإبطين وحد الرفع.
في سنن أبي داود بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وحد رفعهما :( 116 عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى بَنِي آبِي اللَّحْمِ، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَسْقِي عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ قَائِمًا، يَدْعُو يَسْتَسْقِي رَافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ، لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ>>. صحيح أبي داود (1059)ومشكاة المصابيح (1504) وقال الألباني صحيح .
عَنْ أَنَسٍ، << أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا - يَعْنِي - وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ>> وقال الألباني في الإرواء إسناده صحيح صحيح أبي داود (1063).
13 - رفع اليدين في الدعاء فوق المنبر في دعاء الاستسقاء :
ففي البخاري(1033) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا»، قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ
السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: فَلَا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ حَوْلَنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللهُمَّ عَلَى الْآكَامِ، وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»
فَانْقَلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
14 - الأدعية الوارد في الاستسقاء :
عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبٍ: يَا كَعْبُ بْنَ مُرَّةَ حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْذَرْ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ فَقَالَ: << اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مَرِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ>> ، قَالَ: فَمَا جَمَّعُوا حَتَّى أُحْيُوا، قَالَ: فَأَتَوْهُ فَشَكَوْا إِلَيْهِ الْمَطَرَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ.
فَقَالَ: << اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا>> قَالَ: فَجَعَلَ السَّحَابُ يَنْقَطِعُ يَمِينًا وَشِمَالًا. وأبو داود (1169) وهو حديث صحيح .وأصله في الصحيحين .
فائدة : -قال محمد فؤاد عبد الباقي في ترتيبه وتعليقه على سنن ابن ماجة(1/404) قوله (مريئا) أي محمود العاقبة. (مريعا) بضم الميم وفتحها من الريع وهو الزيادة. (طبقا) أي مائلا إلى الأرض مغطيا. يقال غيث طبق أي عام واسع. (رائث) أي بطيء متأخر.
ومنها في سنن أبي داود( 1173) عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: << إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ >>.
ثُمَّ قَالَ: << الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ>>.
ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ، أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ
وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.
فَقَالَ: << أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ>>، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقْرَءُونَ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لَهُمْ>>
صحيح أبي داود(1064)وقال : إسناده حسن. وصححه ابن حبان، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي ) ،و قال في مشكاة المصابيح (150حسن .
ومنها : ما سنن أبي داود (1176)عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَسْقَى، قَالَ: << اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ، وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ>>، هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مَالِكٍ .قال الألباني:(حسن)[د] عن ابن عمرو. المشكاة (1506)، صحيح أبي داود (1061).
15- بَابُ مَا يُقَالُ إِذَا مَطَرَتْ:
ففي البخاري (1032) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r-
كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» تَابَعَهُ القَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ، وَعُقَيْلٌ، عَنْ نَافِعٍ .
وبوب البخاري رحمه الله - بَابُ الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ المَطَرُ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا.
وإذا زاد المطر عن الحد الذي تحتاجه الأرض بحيث تضرر به بعض الزرع والبناء وانقطعت الطرق يقول : اللهم حوالينا ولا علينا .
وذلك لما رواه البخاري ومسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» وفي رواية «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ».
16 - من السنن المفقودة بعد نزول المطر :
1 – إظهار الفرح بالابتسامة والضحك . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ، فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» البخاري (3582) وفي رواية فَقَالَ: غَرِقْنَا، فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» البخاري( 6093)
وفي حديث عائشة المتقدم: ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ، أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ..
فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.
فَقَالَ: << أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))صحيح أبي داود(1064)وقال : إسناده حسن.
ب – حسر الثوب :ففي صحيح الأدب المفرد 259- باب من استمطر في أول المطر.
(571 )عن أنس رضي الله عنه قَالَ: أَصابَنا مَع النَّبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَطرٌ فَحسرَ النَّبيُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوبه عَنه حَتى أَصابهَ المَطرُ قُلنا لِم فَعلت؟ قَالَ: (لأنَّه حَديثُ عَهدٍ بِربِّه).صحيح ـ «الظلال» (622) ( [مسلم : 9 ـ ك صلاة الاستسقاء , ح 13].
مخالفات يقع فيها كثير من الأئمة فضلا عن النّاس في صلاة الاستسقاء .
1 – اعتقاد بعض الأئمة أن صلاة الاستسقاء واجبة ، أو أنها في الحُكم مثل الجمعة أو أشد منها ، بمعنى أن من تخلف عنها فهو آثم ، وهذا قول باطل لم يقل به في حدود علمي أحد ، ومن كان له اطلاع على ذلك فليفدني به وجزاه الله خيرا ، فإن لم يوجد وأصر صاحبه على القول به فهو مُحدث مبتدع .
2- إقامة صلاة الاستسقاء يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة مباشرة ، بمعنى إذا سلّم من الجمعة قال للمصلين مكانكم لنصلي صلاة الاستسقاء ، ولو كان ذلك على وجه القضاء – زعم - لأنه فاته صلاتها في وقت الضحى ..
3- وهناك من يعتقد أن صلاة الاستسقاء يوم الجمعة ضحى فيها مزية وفضيلة لأنها تكسب فضيلتها من فضيلة الجمعة ، وهذا غير صحيح فإن صلاة الاستسقاء تؤدى في أي وقت وفي سائر الأيام عند الحاجة وحصول الجفاف وتأخر الأمطار عن وقتها ..
والاستسقاء يوم الجمعة ينبغي أن يقتصر فيه على الدعاء فوق المنبر أثناء الخطبة ، هذه سنة النبي - r- فلم يثبت عنه أنه جمع في يوم الجمعة بين صلاة الاستسقاء وصلاة الجمعة فيخطب خطبتين للاستسقاء ضحى ، وخطبتين للجمعة وقت الجمعة مثل العيدين تماما.
مع إلزام الناس بالحضور إليها ، فإذا كان النبي - r- لم يلزم الناس بالحضور للجمعة إذا اجتمع معها العيد ، وخير الناس في ذلك فكيف يلزم الناس بصلاة الاستسقاء التي لم يثبت أن النبي - r- صلاها يوم الجمعة .
4- تخصيص الجمعة بصلاة الاستسقاء بحجة أن الناس في سائر الأيام مشغولين بأعمالهم فلا يحضرون للصلاة ، لذلك تجعل يوم الجمعة لأنه يوم عيد ويوم عطلة ، وهذا التخصيص محدث ، وإن كان ولابد من الاستسقاء في الجمعة فليقتصر على الدعاء فوق المنبر دون صلاة ولا خطبة ، وهذا هو الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم -.
5- جعل للاستسقاء خطبتين بعد الصلاة أو قبلها مع أن السنة خطبة واحدة ،
6- تخصيصها بالمسجد فقط في كل مرة يكون الاستسقاء من دون حاجة ولا ضرورة .. فالسنة فيها أن تصلى في المصلى ، فإذا دعت الضرورة فلا بأس من صلاتها في المسجد ، أما المواظبة عليها في المسجد من غير ضرورة ولا حاجة فهو خلاف السنة .
7- الذهاب إليها دون تذلل ولا تخشع ... فالسنة الخروج إليها بتذلل وتخشع وانكسار ، واستغفار .... بل هناك من يلبس لها الجديد ويتعطر لأنه يراها مثل الجمعة .
8- الاعتداء في الدعاء في الاستسقاء ، فترى كثيرا من الأئمة يدعون بغير المشروع فيها ، مع أنه ثبت عن النبي - r- فيها أدعية متنوعة في الصحيحين والسنن .وقد سقت لك طائفة منها .
9- قلب ما فوق الرأس ، من الطواقي وكذلك نزع الأقمصة وقلبها ، مع أن هذا القلب خاص بالإمام ، وعلى فرض التسليم للقائلين به فإنما تقلب الأردية وما كان في حكمها .
10- اعتقاد كثير من الناس أن الزمان قد خلى من الصالحين ومجابين الدعاء ، وما دام الأمر كذلك فلا حاجة لهذه الصلاة .وقد أثبت الواقع أنهم صلوا كثيرا فلم يستجب لهم .
11- تحويل الناس أرديتهم وهم وقوف قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/429) وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْإِمَامَ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ وَهُوَ قَائِمٌ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ وَهُمْ جُلُوسٌ.
وقال الباجي في شرح الموطأ(1/332) (فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَهُمْ قُعُودٌ وَهَذَا أَيْضًا سُنَّةُ النَّاسِ فِي تَحْوِيلِهِمْ أَرْدِيَتَهُمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُنَّتُهُ الْقِيَامُ فِي دُعَائِهِ فَكَانَ تَحْوِيلُهُ رِدَاءَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِ الدُّعَاءِ وَلِأَنَّ النَّاسَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ يُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ وَهُمْ قُعُودٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَائِلٌ يَقُولُ لَا يُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ يُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ قِيَامًا.
12 - ليس من سنتها أن تجمع في يوم الجمعة فيجمع بهم الإمام جماعة ويصلي ويخطب ، ثم بعدها يصلي الجمعة فهذه الصفة تكون للعيد والجمعة إذا اجتمعا فخير الإمام الناس في حضور الجمعة وعدم حضورها ويجمع هو بالناس ، أما أن يجمع بهم في صلاة الاستسقاء ويصلي بهم ويدعو في المسجد ثم يذهب ويعود للجمعة ؛ فهذا لم يرد وإنما اقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة في الاستسقاء بالدعاء فقط فوق المنبر هذه سنته ، وكذا خلفاؤه ومن خالف فهو المخالف .
تنبيه ثاني : الرجل جاء بهذه الأحكام الجائرة الباطلة ليخوف الناس الذين لا يحضرون هذه الصلاة ، وذلك إما لجهلهم بفضلها وسنيتها .. وإما لاعتقادهم أنه إذا قام بها البعض سقط الواجب عن الباقي ، ولم يتصوروا قط أنها مثل الجمعة أو أشد منه ، فإنهم لم يسمعوا بهذا عن أحد من أهل العلم ..
وكان المفروض عليه أن يبين لهم حكمها شرعا وأن يبسطها في درس أو درسين وأن يرغبهم فيها ويحثهم عليها وأنهم كلما كان عددهم أكثر كان أفضل وكلما استجابوا لذلك وجاءوا على الهيئة المشروعة مع تقديم بعض الصدقات بين يديها كان أدعى للقبول وهكذا يتكون دعوة النّاس لأحياء هذه السنن وليس تخويفهم بما لم يشرعه الله تعالى مثل ما كان يفعله الصوفية القصاص على مر التاريخ إلى يوم النّاس هذا أنهم يضعون قصصا مخوفة وأخرى مشوقة من أجل الترغيب والترهيب ، وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات والأحاديث فيه غنية وكفاية للوعظ والترغيب والترهيب ومن لم يكفيه ذلك فلا كفاه الله تعالى بشيء .
فرجاء استجابة الدعاء بهذه الطرق من غير تحقيق شروط القبول غير صحيح ومخالف لما كان عليه هديه صلى الله عليه وسلم .
تمت بحمد لله وعونه والحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا .
وكتب :
أبو بكر يوسف لعويسي
الجزائر العاصمة (5/1/1436هـ