كلنا فداء لمحمد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
أبو عمر أسامة بن عطايا العتيبي
أبو عمر أسامة بن عطايا العتيبي
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِن حماية جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحفظ حقه،وتوقيره، والذب عَنْهُ، وجهاد أعدائه مطلب شرعي، وواجب ديني، وَهُوَ مِنْ حقوقشهادة أَنَّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن الله جل وعلا مدح نبيه وأثنى عليه الثناء الجميل فقال جل وعلا:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤].
وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[الأحزاب:٤٥–٤٨].
والله تعالى قَدْ أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة لعالمين، وداعية إِلَى السلم والأمان المتحققين باستسلام الناس للهرب العالمين.
قَالَ تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:١٠٧]، وَقَالَ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً }[البقرة:٢٠٨].
وقال نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»[انظر:صحيح الجامع:4110]، وقال صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»[سلسلة الأحاديث الصحيحة:2924].
الوعيد الشديد لِمَنْ يؤذي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
قَدْ توعد الله من يؤذي رسوله وخليله محمداً صلى الله عليه وسلم بالعذاب الأليم فقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }[الأحزاب: ٥٦ – ٥٨].
وَقَدْ أوجب ديننا، ونبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم احترام الأنبياء والمرسلين، وجعل مَنْ يطعن فِي نبي مِنَْ الأنبياءخارجاً عَنْ ملة الإسلام، مستحقاً لأشد العقوبات.
قَالَ شَيْخُ الإسْلامِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي مَجْمُوعِ الفَتَاوَى(13/171-173) : «والله سبحانه قد أخبر أنه: { أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}[التوبة:٣٣]، وأخبر أنه {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَ}[غافر: ٥١]والله سبحانه يجزي الإنسان بجنس عمله، فالجزاء من جنس العمل، فمن خالف الرسلعوقب بمثل ذنبه،فإن كان قد قدح فيهم ونسب ما يقولونه إلى أنهجهل وخروج عن العلم والعقل ابتلى في عقله وعلمه، وظهر من جهله ما عوقب بِهِ. ومن قال عنهم: إنهم تعمدوا الكذب؛ أظهر الله كذبه. ومن قَالَ: إنهم جهال؛ أظهر الله جهله.
ففرعون وهامان وقارون لما قالوا عن موسى: إنه ساحر كذاب؛ أخبر الله بذلك عنهم فيقَوْلُهُ: {وَلَقَد أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[غافر:٢٣–٢٤]
وطلب فرعون إهلاكه بالقتل، وصار يصفه بالعيوب؛ كقوله: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر: ٢٦]، وَقَالَ: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }[الزخرف:٥٢]أهلك اللهُ فرعونَ،وَأَظْهَرَ كذبه وافتراءه على الله وعلى رسله وأذله غاية الإذلالِ، وأعجزه عنالكلام النافع فلم يبين حجة.
وفرعون هذه الأمة أبو جهل كان يسمى أبا الحكم، ولكن النبِيَّ صلى الله عليه وسلم سماه أبا جهل ، وهو كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو جهل، أهلك به نفسه وأتباعه في الدنيا والآخرة.
والذين قالوا عن الرسول أنه أبتر، وقصدوا أنه يموت فينقطع ذكره ؛ عوقبوابانبتارهم، كما قال تعالى : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[الكوثر:٣].
فلا يوجد من شنأ الرسولَ إلا بَتَرَهُ اللهُ، حتى أهل البدع المخالفون لسنته،قيل لأبي بكر بن عياش: إن بالمسجد قوماً يجلسون للناس، ويتكلمون بالبدعة، فَقَالَ: من جلس للناس جلس الناس إِلَيْهِ، لكن أهل السنة يبقون ويبقى ذكرهم، وأهل البدعةيموتون ويموت ذكرهم».
عقوبة الله لِمَنْ يسب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم
وَلَم يُظْهِرْ قوم سبَّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ أذلهم اللهُ، وعجَّل بهلاكهم، فالله كافٍ عبده وخليله محمداً صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر:٣٦].
قال شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُاللهُ- فِي الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم 2/233)): «فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم إنه ما كان يدري إلا ما كتب لَهُ؛ قصمه الله ، وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفنمرارا، وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله، وأنه كانكاذبا، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هَذَا، وان هذا الجرم أعظم من مجرم الارتداد، إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هَذَا.
وإن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه، ومظهر لدينه،ولكذبِ الكاذبِ إذا لم يمكن الناسُ أن يقيموا عليه الحد.
ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مراتمتعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية.
لما حصر المسلمون فيها بنيالأصفر في زمانناقالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهرأو أكثر من الشهر، وهو ممتنع علينا، حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسولالله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحه، وتيَسَّرَ،ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك ، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهمملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه معامتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فِيْهِ.
وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارىكذلك، ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عِنْدِهِ، وتارة بأيدي عبادهالمُؤْمِنِينَ». انْتَهَى كلامُ شَيخِ الإِسْلامِ.
فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أَنْ ينتقم مِمَّن طعن فِي نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلمأَوْ أساء إِلَى جنابه صلى الله عليه وسلم.
أهمية معرفة صفات وأخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
والواجب عَلَى المسلم أن يناصر نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وَأَنْ يذب عن عرضه صلى الله عليه وسلم، وَأَنْ يحرص عَلَى اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، ومعرفة شمائله، وصفاته، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم.
وسأذكر شيئاً مِنْ ذَلِكَ ذكرى لِكُلِّ مُسْلِمٍ محبٍّ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ لعائشة رَضِيَ الله عَنْهَا:يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ»[صحيح مُسْلِمٍ:746].
قَالَ الْبَرَاءُرضي الله عنه: كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ الناس وَجْهًا، وأحسنهم خَلْقًا، ليس بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ ولا بِالْقَصِيرِ»[البُخَارِيّ:3356، وَمُسْلِم:2337].
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عَنْهُمَا: كان النبي صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاس، وَأَجْوَدُ ما يَكُونُ في رَمَضَانَ حين يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكان جِبْرِيلُ عليه السَّلَام يَلْقَاهُ في كل لَيْلَةٍ من رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ من الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ[البُخَارِيّ:3361، وَمُسْلِم:2308].
وَقَالَ عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عَنْهُمَا: «لم يَكُنْ النبي صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا، ولا مُتَفَحِّشًا، وكان يَقُول: «إِنَّ من خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا»»[البُخَارِيّ:3366، وَمُسْلِم:2321].
وقالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «مَا خُيِّرَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بين أَمْرَيْنِ إلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، ما لم يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كان إِثْمًا كان أَبْعَدَ الناس مِنْهُ، وما انْتَقَمَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا»[صحيح البُخَارِيّ:3367، وَمُسْلِم:2327].
الخاتمة
فهذه نبذة مِنْ أخلاق الرَّسُول الكَرِيم نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ينبغي عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ أن يتعلمها.
ويجب عَلَى المسلم أن يبذل وسعه فِي نصرة رسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنْ يجتهد فِي ذَلِكَ، وأنْ يعلم أن الله معزٌّ جنده، وناصر أولياءه، ومنتقم مِنْ أعدائه.
وأسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعل مَا كتبته نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خالصاً لوجه الله تَعَالَى.
وصلى الله وسلم عَلَى نبينا مُحَمَّد
وهنا رابط المقال على وورد والآيات بالرسم العثماني وبدونه وعلى شكل مطوية:
http://otiby.net/book/files/kollnh.rar
تعليق