الحمد لله ،
فهذا جمع لما كتبه شيخنا الدكتور عرفات بن حسن المحمديّ على قناته بالتليقرام سائلين الله جلّ وعلا أن ينفع به كاتبه وقارئه.
بِسْم الله الرحمن الرحيم
[اتفاق الفقهاء على المسح على الجبيرة في حال العذر]
وتحته ستة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الجبيرة.
المطلب الثاني: نقل الاتفاق على المسح.
المطلب الثالث: أدلة هذا الاتفاق.
المطلب الرابع: ذكر من خالف الاتفاق.
المطلب الخامس: أدلة المخالف.
المطلب السادس: الخاتمة والترجيح.
المطلب الأول: تعريف الجبيرة
الجبيرة: والجمع جبائر، ويقال: الجبارة، وهي: أخشاب أو نحوها تجبر بها العظام، وتربط على الكسر ونحوه، ويقوم اليوم بدلها ما يسمى بالجبس. ([1])
المطلب الثاني: نقل الاتفاق على المسح على الجبيرة.
قال القرافي -رحمه الله- في الذخيرة (1/320):
(الإجماع منعقد على جواز الصلاة بالمسح على الجبيرة).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-في المغني (1/313):
(ولأنه قول ابن عمر، ولم يُعرف له في الصحابة مخالفٌ).
وهو مذهب الأئمة الأربعة. ([2])
المطلب الثالث: الأدلة على اتفاق العلماء:
الدليل الأول:
عموم نصوص الشريعة التي تدل على سماحة هذا الدين ويسره، كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ([3]).
وقد تقرر عند أهل العلم أنَّ المشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع ([4]).
الدليل الثاني:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
"خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منَّا حجرٌ فشجَّه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال:
هل تجدون لي رخصة في التيمم؟
فقالوا: ما نجدُ لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي ﷺ، أُخبر بذلك فقال:
"قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده"([5]).
الدليل الثالث:
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
انكسرت إحدى زندي ([6])، فسألتُ فأمرني النبي ﷺ أنْ أمسح على الجبائر ([7]).
ووجه الاستدلال من الحديثين أنَّهما قد تعاضدا على وجوب المسح على الجبائر بالماء ([8]).
ونوقش:
بأنَّه ضعيف لا تقوم به حجة، بل ولا يثبت في هذا الباب ([9]) شيء عن النبي ﷺ.
الدليل الرابع:
أثر ابن عمر رضي الله عنه أنه قال:
من كان به جرح معصوب فخشي عليه العنت، فليمسح ما حوله، ولا يغسله ([10]).
وفي لفظ قال: من كان له جرح معصوب عليه، توضأ ومسح على العصاب.
ونوقش:
بأنه فعل منه رضي الله عنه وليس إيجابًا للمسح عليها، وقد صحَّ عنه أنه كان يدخل الماء في باطن عينيه في الوضوء والغسل، ولا يشرع ذلك فضلاً عن أن يكون فرضًا ([11]).
وأجيب:
بأنَّ فعله رضي الله عنه لم ينكره أحدٌ من الصحابة فكان إجماعًا ([12]).
المطلب الرابع: ذكر من خالف الاتفاق
ذهب ابن حزم إلى أنه لا يشرع المسح على الجبائر ([13])، فيسقط المسح عن العضو والغسل.
المطلب الخامس: أدلة هذا القول
الدليل الأول:
قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا). [البقرة 286]
وقال ﷺ: "وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"([14]).
كل ما عجز عنه المرء كان التعويض منه شرعاً، والشرع لا يلزم إلا بقرآن أو سنة ولم يأت قرآن ولا سنة بتعويض المسح على الجبائر ([15]).
ونوقش:
بأنَّ هذا التعليل ضعيف؛ لأنَّ العضو موجود ليس بمفقود حتى يسقط فرضه، فإذا عجز عن تطهيره بالماء تطهر ببدله ([16]).
المطلب السادس: الخاتمة والترجيح:
الذي يظهر –والله أعلم- أن الاتفاق قائم وثابت على المسح على الجبائر،
فالعضو ستر بما يسوغ ستره به شرعاً فجاز المسح عليه كالخفين،
والمسح على الخفين من باب الرخصة، بخلاف المسح على الجبيرة فهو من باب الضرورة،
ولاسيما وأن هذا القول هو الذي عليه جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة، وإن لم تصح الأحاديث المرفوعة إلا إنه قد صحَّ عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولا مخالف ([17]).
كتبه: عرفات بن حسن المحمدي.
المدينة النبوية / في فجر السادس من صفر 1437 هـ.
قناة الشيخ بالتيليقرام: http://telegram.me/arafatbinhassan
__________________________________
[1] - سورة البقرة: 185
[2] - انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص/75).
[3] - أخرجه أبو داود (336)، والدارقطني (729)، والبيهقي (1/227).
[4] - قلت: في إسناده الزبير بن خُريق.
[5] - أخرجه أبو داود (336)، والدارقطني (729)، والبيهقي (1/227).
قلت: في إسناده الزبير بن خُريق.
قال الدارقطني: (ليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء، عن ابن عباس وهو الصواب). وضعفه البيهقي، والألباني.
انظر: نصب الراية (1/187)، البدر المنير (2/615)، إرواء الغليل (1/142).
[6] - الزَّند: -بالفتح-موصل طرف الذراع في الكف، وهما زندان الكوع والكرسوع، فطرف الزند الذي يلي الإبهام هو الكوع وطرف الزند الذي يلي الخنصر كرسوع. انظر: القاموس المحيط (2/480)، عون المعبود (1/356).
[7] - أخرجه عبد الرزاق (623)، وابن ماجه (657)، والدارقطني (87، والبيهقي (1/22. في علل لابن أبي حاتم (1/556): (باطل لا أصل له).
وقال النووي في خلاصة الأحكام (1/223-224): (واتفقوا على ضعفه).
وقال الحافظ في بلوغ المرام حديث رقم (135): (رواه ابن ماجه بسند واهٍ جدًا).
وانظر: مصباح الزجاجة (1/143).
[8] - سبل السلام (1/17.
[9] - انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/28.
[10] - أخرجه ابن أبي شيبة (145، والبيهقي (1/22. والأثر صححه البيهقي، وابن الملقن، والألباني. انظر: البدر المنير (2/614)، تمام المنة (134).
[11] - انظر: المحلى (1/317-31، تمام المنة (135).
[12] - انظر: المغني 1/313.
[13] - انظر: المحلى (1/316).
[14] - أخرجه البخاري (728، ومسلم (1337).
[15] - المحلى (1/316).
[16] - انظر: الشرح الممتع (1/246).
[17] - الشرح الممتع (1/244-245).
فهذا جمع لما كتبه شيخنا الدكتور عرفات بن حسن المحمديّ على قناته بالتليقرام سائلين الله جلّ وعلا أن ينفع به كاتبه وقارئه.
بِسْم الله الرحمن الرحيم
[اتفاق الفقهاء على المسح على الجبيرة في حال العذر]
وتحته ستة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الجبيرة.
المطلب الثاني: نقل الاتفاق على المسح.
المطلب الثالث: أدلة هذا الاتفاق.
المطلب الرابع: ذكر من خالف الاتفاق.
المطلب الخامس: أدلة المخالف.
المطلب السادس: الخاتمة والترجيح.
المطلب الأول: تعريف الجبيرة
الجبيرة: والجمع جبائر، ويقال: الجبارة، وهي: أخشاب أو نحوها تجبر بها العظام، وتربط على الكسر ونحوه، ويقوم اليوم بدلها ما يسمى بالجبس. ([1])
المطلب الثاني: نقل الاتفاق على المسح على الجبيرة.
قال القرافي -رحمه الله- في الذخيرة (1/320):
(الإجماع منعقد على جواز الصلاة بالمسح على الجبيرة).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-في المغني (1/313):
(ولأنه قول ابن عمر، ولم يُعرف له في الصحابة مخالفٌ).
وهو مذهب الأئمة الأربعة. ([2])
المطلب الثالث: الأدلة على اتفاق العلماء:
الدليل الأول:
عموم نصوص الشريعة التي تدل على سماحة هذا الدين ويسره، كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ([3]).
وقد تقرر عند أهل العلم أنَّ المشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع ([4]).
الدليل الثاني:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
"خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منَّا حجرٌ فشجَّه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال:
هل تجدون لي رخصة في التيمم؟
فقالوا: ما نجدُ لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي ﷺ، أُخبر بذلك فقال:
"قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده"([5]).
الدليل الثالث:
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
انكسرت إحدى زندي ([6])، فسألتُ فأمرني النبي ﷺ أنْ أمسح على الجبائر ([7]).
ووجه الاستدلال من الحديثين أنَّهما قد تعاضدا على وجوب المسح على الجبائر بالماء ([8]).
ونوقش:
بأنَّه ضعيف لا تقوم به حجة، بل ولا يثبت في هذا الباب ([9]) شيء عن النبي ﷺ.
الدليل الرابع:
أثر ابن عمر رضي الله عنه أنه قال:
من كان به جرح معصوب فخشي عليه العنت، فليمسح ما حوله، ولا يغسله ([10]).
وفي لفظ قال: من كان له جرح معصوب عليه، توضأ ومسح على العصاب.
ونوقش:
بأنه فعل منه رضي الله عنه وليس إيجابًا للمسح عليها، وقد صحَّ عنه أنه كان يدخل الماء في باطن عينيه في الوضوء والغسل، ولا يشرع ذلك فضلاً عن أن يكون فرضًا ([11]).
وأجيب:
بأنَّ فعله رضي الله عنه لم ينكره أحدٌ من الصحابة فكان إجماعًا ([12]).
المطلب الرابع: ذكر من خالف الاتفاق
ذهب ابن حزم إلى أنه لا يشرع المسح على الجبائر ([13])، فيسقط المسح عن العضو والغسل.
المطلب الخامس: أدلة هذا القول
الدليل الأول:
قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا). [البقرة 286]
وقال ﷺ: "وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"([14]).
كل ما عجز عنه المرء كان التعويض منه شرعاً، والشرع لا يلزم إلا بقرآن أو سنة ولم يأت قرآن ولا سنة بتعويض المسح على الجبائر ([15]).
ونوقش:
بأنَّ هذا التعليل ضعيف؛ لأنَّ العضو موجود ليس بمفقود حتى يسقط فرضه، فإذا عجز عن تطهيره بالماء تطهر ببدله ([16]).
المطلب السادس: الخاتمة والترجيح:
الذي يظهر –والله أعلم- أن الاتفاق قائم وثابت على المسح على الجبائر،
فالعضو ستر بما يسوغ ستره به شرعاً فجاز المسح عليه كالخفين،
والمسح على الخفين من باب الرخصة، بخلاف المسح على الجبيرة فهو من باب الضرورة،
ولاسيما وأن هذا القول هو الذي عليه جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة، وإن لم تصح الأحاديث المرفوعة إلا إنه قد صحَّ عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولا مخالف ([17]).
كتبه: عرفات بن حسن المحمدي.
المدينة النبوية / في فجر السادس من صفر 1437 هـ.
قناة الشيخ بالتيليقرام: http://telegram.me/arafatbinhassan
__________________________________
[1] - سورة البقرة: 185
[2] - انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص/75).
[3] - أخرجه أبو داود (336)، والدارقطني (729)، والبيهقي (1/227).
[4] - قلت: في إسناده الزبير بن خُريق.
[5] - أخرجه أبو داود (336)، والدارقطني (729)، والبيهقي (1/227).
قلت: في إسناده الزبير بن خُريق.
قال الدارقطني: (ليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء، عن ابن عباس وهو الصواب). وضعفه البيهقي، والألباني.
انظر: نصب الراية (1/187)، البدر المنير (2/615)، إرواء الغليل (1/142).
[6] - الزَّند: -بالفتح-موصل طرف الذراع في الكف، وهما زندان الكوع والكرسوع، فطرف الزند الذي يلي الإبهام هو الكوع وطرف الزند الذي يلي الخنصر كرسوع. انظر: القاموس المحيط (2/480)، عون المعبود (1/356).
[7] - أخرجه عبد الرزاق (623)، وابن ماجه (657)، والدارقطني (87، والبيهقي (1/22. في علل لابن أبي حاتم (1/556): (باطل لا أصل له).
وقال النووي في خلاصة الأحكام (1/223-224): (واتفقوا على ضعفه).
وقال الحافظ في بلوغ المرام حديث رقم (135): (رواه ابن ماجه بسند واهٍ جدًا).
وانظر: مصباح الزجاجة (1/143).
[8] - سبل السلام (1/17.
[9] - انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/28.
[10] - أخرجه ابن أبي شيبة (145، والبيهقي (1/22. والأثر صححه البيهقي، وابن الملقن، والألباني. انظر: البدر المنير (2/614)، تمام المنة (134).
[11] - انظر: المحلى (1/317-31، تمام المنة (135).
[12] - انظر: المغني 1/313.
[13] - انظر: المحلى (1/316).
[14] - أخرجه البخاري (728، ومسلم (1337).
[15] - المحلى (1/316).
[16] - انظر: الشرح الممتع (1/246).
[17] - الشرح الممتع (1/244-245).