العلاج مجاني والداء بثمن (الحلقة الثانية)
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت قبل فترة تحدثت عن إحدى الكلمات التي سمعتها عبر تسجيلٍ من أخينا (أمير محدث) المغني الأمريكي التائب والمشهور سابقاً باسم (لُوْن)، فكّ الله أسره من أيدي الأعداء وثبته على الدين، آمين، وهي مقولته بالإنجليزية قبل أن يسجنه العدو وذلك عندما سئل عن سبب تركه للغناء واعتناقه للإسلام، فقال: "الناس تدفع النقود من أجل الداء ولكن العلاج مجاني".
كم يحزنني أن الكثير من الخلق الذين يعانون من أمر يسمونه "الكآبة"، وهم لم يعرفوا حقيقة ما أصابهم وحقيقة هذه الــ "كآبة"، فهي في حقيقتها مرض القلب من الإعراض عن ذكر الله، لكنهم هم غافلون عن ذلك، ويظنون أن هذه الـــ "كآبة" هي عارض قلبي يحصل في القرن الحديث علاجه -كما يزعمون- عند الأطباء النفسيين وفي النزهات والسفريات وفي تجربة الجديد والحديث. فسمعت مرات كثيرة تلك الكلمة من هذا وذاك: "أعاني من الكآبة"، أو "فلان يعاني من الكآبة"، أو "فلان يتعالج"، ويقصدون بهذه الكآبة: ضيق الصدر، وهم لا يشعرون بأنه مرض القلب بعينه وأن سببه الحقيقي هو الإعراض عن ذكر الله.
كم يحزنني أمر هؤلاء الذين انخدعوا بالثقافة الغربية وانبهروا بها، فهم لم يتعظوا بأخينا (أمير محدث) الذي تبصر بحقيقةٍ هم غافلون عنها، هي أمام أعينهم ولكنهم لا يرونها ولا يعرفون أنها هي العلاج، قال عليه الصلاة والسلام: ((قل آمنت بالله ثم استقم))، فلقد عرفها أخونا (أمير محدث) عند اعتناقه لهذا الدين، وغفل عنها الكثير ممن ولد ونشأ في هذا الدين، ولغفلتهم الشديدة وقعوا فيما وقعوا فيه، حتى أنه صار بعضهم يدّعي علاج هذه الــ "كآبة" بالنزهات والسفريات، وأنها هي ما تعالج القلب وتجعله يطمئن ويرتاح، ولكن ليس هذا ما قاله الله عز وجل في كتابه، فقد قال الرب المعظم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، ولم يقل سبحانه وتعالى بأن بالنزهات والسفريات يكون اطمئنان القلب، بل جعل اطمئنان القلب بذكره عز وجل، فإن ظنوا بأن النزهات والسفريات هي التي ستعالج مرض قلوبهم، فعند عودتهم من هذه النزهات سوف يعود ويصيبهم نفس المرض.
لقد نسي هؤلاء بأن ابن تيمية رحمه الله هو مثال يحتذى به في هذا الشأن، فعندما سُجن في قلعة دمشق كان شغله الشاغل القرآن العظيم، كلام الله، رغم أنه كان يعيش في مكان مغلق ومنعزل فهو من باب أولى أن يكون معرّضاً أكثر منهم لما يسمونه بالـ "كآبة"، ولكن إن كان هناك من يتأمل القرآن ويتدبره ويتلوه بصدق وإخلاص ويقين، فإن قلبه سيحيى به ولو كان يعيش تحت الأرض في مكان مظلم، حتى أن ابن تيمية خاتمته التي كانت منه قد لا تحصل لأولئك الذين أكثروا من النزهات والسفريات ومن وصفات الأطباء النفسيين ومن تجربة كل ما هو جديد وغريب وحديث ليزيلوا عنهم هذه الــ "كآبة"، وهم في حقيقة أمرهم مُعرِضون عن أصل الدواء الذي جعله الله لحياة القلوب واطمئنانها وشفائها.
لقد انتحر الكثير من مشاهير الولايات المتحدة بسبب مرض قلوبهم، حيث عندما كانوا يملكون أموالاً كثيرة لم تنفعهم هذه الأموال، رغم شهرتهم الواسعة في بلادهم ورغم إعجاب المعجبين بهم، إلا أن نهاية الكثير منهم كانت هي الانتحار، فحياتهم التي عاشوها قبل انتحارهم هي حياة من مات قلبه، فهم لم يقرؤوا كتاب الله وأبوا أن يستمعوا إليه، فكانت العاقبة هي ضيق شديد في الصدر كما أخبر ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}، حتى أنه بلغنا أن بعض الأطباء من المسلمين فتح مركزاً طبياً وصار يطبّق الرقية الشرعية على بعض الكفار في الولايات المتحدة من باب علاجهم.
وأما ما يظنه البعض من أن تجربة كل جديد وحديث هو الحل لطمئنة القلب وشفائه، فقد وصف هذا الأمر أخونا (أمير محدث) حيث قال بما مفاده بأنه كان مما يصنعه هو ورفقته المغنّون أنهم كانوا يشترون أحدث السيارات ويجربون ما هو جديد وحديث ويسعون وراء ملاذهم، فكانوا من أغنياء الولايات المتحدة وكل ما يطلبونه يكون عندهم حاضراً من الملذات والشهوات، ولكن لم يجد هو حقيقة الراحة القلبية في ذلك، حتى هداه الله ووصل به الأمر إلى القناعة بهذا الدين، وبأنه ليس الحل يكمن في السعي وراء الملاذ والشهوات وتجربة كل ما هو جديد لكي تحيى القلوب، إنما هو في هذا الدين، في الإقبال على الله عز وجل.
فأين الغافلون عن هذه الكلمات؟ وأين من يتعظ ويلتفت إلى هذا الأمر ممن كان كذلك حاله؟ إني لكم من الناصحين والمذكّرين.
العودة إلى كتاب الله عز وجل... تلاوة وتدبراً وعملاً بإخلاص ويقين هو الحل.
أقول ختاماً ونصيحةً وتذكيراً: بعض المسلمين يفتحون المصحف وما أن يبدؤوا بالقراءة حتى يغلقوه ويملّوا من القراءة، وهذا يكمن في عدة أسباب، أحدها أن الشيطان يوسوس لهم في ذلك حتى يثبطهم، وثانيها كما سمعناه من شيخنا ماهر القحطاني بأن الكثير من الناس لا يفهمون ما معنى كلام الله وما تفسيره فما أن يبدأ أحدهم بالقراءة حتى يصيبه الملل لأنه لم يفهم فيغلق المصحف، فعليهم أن يقرؤوا كذلك في تفسير القرآن ويحفظوا معاني الكلمات، وثالثها ظن البعض بأنه بمجرد قراءة صفحة أو صفحتين فإن ذلك يكون كافياً، ولكن هو لا يدري بأن قلبه محتاج إلى تلاوة المزيد من الآيات والسور حتى يشعر بالاطمئنان، فعليه أن يستمر في القراءة. رابعها أن البعض قد يقرأ القرآن وهو لا يستحضر النية أو تكون نيته غير خالصة لله. خامسها أن البعض يفتح المصحف ويقرأ القرآن في قلبه من غير تحريك لسان أو يتمتم بشفتيه أو يقرأ بسرعة، فكيف يحصل اطمئنان القلب والحال كذلك؟!
والله الهادي والموفق،،
كتبه/ محمد بن صالح الدهيمان
1435
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت قبل فترة تحدثت عن إحدى الكلمات التي سمعتها عبر تسجيلٍ من أخينا (أمير محدث) المغني الأمريكي التائب والمشهور سابقاً باسم (لُوْن)، فكّ الله أسره من أيدي الأعداء وثبته على الدين، آمين، وهي مقولته بالإنجليزية قبل أن يسجنه العدو وذلك عندما سئل عن سبب تركه للغناء واعتناقه للإسلام، فقال: "الناس تدفع النقود من أجل الداء ولكن العلاج مجاني".
كم يحزنني أن الكثير من الخلق الذين يعانون من أمر يسمونه "الكآبة"، وهم لم يعرفوا حقيقة ما أصابهم وحقيقة هذه الــ "كآبة"، فهي في حقيقتها مرض القلب من الإعراض عن ذكر الله، لكنهم هم غافلون عن ذلك، ويظنون أن هذه الـــ "كآبة" هي عارض قلبي يحصل في القرن الحديث علاجه -كما يزعمون- عند الأطباء النفسيين وفي النزهات والسفريات وفي تجربة الجديد والحديث. فسمعت مرات كثيرة تلك الكلمة من هذا وذاك: "أعاني من الكآبة"، أو "فلان يعاني من الكآبة"، أو "فلان يتعالج"، ويقصدون بهذه الكآبة: ضيق الصدر، وهم لا يشعرون بأنه مرض القلب بعينه وأن سببه الحقيقي هو الإعراض عن ذكر الله.
كم يحزنني أمر هؤلاء الذين انخدعوا بالثقافة الغربية وانبهروا بها، فهم لم يتعظوا بأخينا (أمير محدث) الذي تبصر بحقيقةٍ هم غافلون عنها، هي أمام أعينهم ولكنهم لا يرونها ولا يعرفون أنها هي العلاج، قال عليه الصلاة والسلام: ((قل آمنت بالله ثم استقم))، فلقد عرفها أخونا (أمير محدث) عند اعتناقه لهذا الدين، وغفل عنها الكثير ممن ولد ونشأ في هذا الدين، ولغفلتهم الشديدة وقعوا فيما وقعوا فيه، حتى أنه صار بعضهم يدّعي علاج هذه الــ "كآبة" بالنزهات والسفريات، وأنها هي ما تعالج القلب وتجعله يطمئن ويرتاح، ولكن ليس هذا ما قاله الله عز وجل في كتابه، فقد قال الرب المعظم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، ولم يقل سبحانه وتعالى بأن بالنزهات والسفريات يكون اطمئنان القلب، بل جعل اطمئنان القلب بذكره عز وجل، فإن ظنوا بأن النزهات والسفريات هي التي ستعالج مرض قلوبهم، فعند عودتهم من هذه النزهات سوف يعود ويصيبهم نفس المرض.
لقد نسي هؤلاء بأن ابن تيمية رحمه الله هو مثال يحتذى به في هذا الشأن، فعندما سُجن في قلعة دمشق كان شغله الشاغل القرآن العظيم، كلام الله، رغم أنه كان يعيش في مكان مغلق ومنعزل فهو من باب أولى أن يكون معرّضاً أكثر منهم لما يسمونه بالـ "كآبة"، ولكن إن كان هناك من يتأمل القرآن ويتدبره ويتلوه بصدق وإخلاص ويقين، فإن قلبه سيحيى به ولو كان يعيش تحت الأرض في مكان مظلم، حتى أن ابن تيمية خاتمته التي كانت منه قد لا تحصل لأولئك الذين أكثروا من النزهات والسفريات ومن وصفات الأطباء النفسيين ومن تجربة كل ما هو جديد وغريب وحديث ليزيلوا عنهم هذه الــ "كآبة"، وهم في حقيقة أمرهم مُعرِضون عن أصل الدواء الذي جعله الله لحياة القلوب واطمئنانها وشفائها.
لقد انتحر الكثير من مشاهير الولايات المتحدة بسبب مرض قلوبهم، حيث عندما كانوا يملكون أموالاً كثيرة لم تنفعهم هذه الأموال، رغم شهرتهم الواسعة في بلادهم ورغم إعجاب المعجبين بهم، إلا أن نهاية الكثير منهم كانت هي الانتحار، فحياتهم التي عاشوها قبل انتحارهم هي حياة من مات قلبه، فهم لم يقرؤوا كتاب الله وأبوا أن يستمعوا إليه، فكانت العاقبة هي ضيق شديد في الصدر كما أخبر ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}، حتى أنه بلغنا أن بعض الأطباء من المسلمين فتح مركزاً طبياً وصار يطبّق الرقية الشرعية على بعض الكفار في الولايات المتحدة من باب علاجهم.
وأما ما يظنه البعض من أن تجربة كل جديد وحديث هو الحل لطمئنة القلب وشفائه، فقد وصف هذا الأمر أخونا (أمير محدث) حيث قال بما مفاده بأنه كان مما يصنعه هو ورفقته المغنّون أنهم كانوا يشترون أحدث السيارات ويجربون ما هو جديد وحديث ويسعون وراء ملاذهم، فكانوا من أغنياء الولايات المتحدة وكل ما يطلبونه يكون عندهم حاضراً من الملذات والشهوات، ولكن لم يجد هو حقيقة الراحة القلبية في ذلك، حتى هداه الله ووصل به الأمر إلى القناعة بهذا الدين، وبأنه ليس الحل يكمن في السعي وراء الملاذ والشهوات وتجربة كل ما هو جديد لكي تحيى القلوب، إنما هو في هذا الدين، في الإقبال على الله عز وجل.
فأين الغافلون عن هذه الكلمات؟ وأين من يتعظ ويلتفت إلى هذا الأمر ممن كان كذلك حاله؟ إني لكم من الناصحين والمذكّرين.
العودة إلى كتاب الله عز وجل... تلاوة وتدبراً وعملاً بإخلاص ويقين هو الحل.
أقول ختاماً ونصيحةً وتذكيراً: بعض المسلمين يفتحون المصحف وما أن يبدؤوا بالقراءة حتى يغلقوه ويملّوا من القراءة، وهذا يكمن في عدة أسباب، أحدها أن الشيطان يوسوس لهم في ذلك حتى يثبطهم، وثانيها كما سمعناه من شيخنا ماهر القحطاني بأن الكثير من الناس لا يفهمون ما معنى كلام الله وما تفسيره فما أن يبدأ أحدهم بالقراءة حتى يصيبه الملل لأنه لم يفهم فيغلق المصحف، فعليهم أن يقرؤوا كذلك في تفسير القرآن ويحفظوا معاني الكلمات، وثالثها ظن البعض بأنه بمجرد قراءة صفحة أو صفحتين فإن ذلك يكون كافياً، ولكن هو لا يدري بأن قلبه محتاج إلى تلاوة المزيد من الآيات والسور حتى يشعر بالاطمئنان، فعليه أن يستمر في القراءة. رابعها أن البعض قد يقرأ القرآن وهو لا يستحضر النية أو تكون نيته غير خالصة لله. خامسها أن البعض يفتح المصحف ويقرأ القرآن في قلبه من غير تحريك لسان أو يتمتم بشفتيه أو يقرأ بسرعة، فكيف يحصل اطمئنان القلب والحال كذلك؟!
والله الهادي والموفق،،
كتبه/ محمد بن صالح الدهيمان
1435
تعليق