بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
أيها الإخوة : ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يجعل هذه المواسم - مواسم الخير - أن يجعلها له إلى الخيرات سلَّما وأن يجعلها أيضاً وقت مغنمٍ له يغتنمها ولا يضيِّعها ، وربما لا تتكرر لك هذه العشر في حياتك مرة ثانية ، قد تكون هي آخر عشر تدركها في حياتك قد لا يتهيأ لك أن تدركها مرة ثانية ، ولهذا كما يقال " الإنسان ابن يومه ، ولم يقتل الناس مثل التسويف والتأجيل " ، أنت الآن تعيش في الأيام العشر ، تعيش هذا الوقت الفاضل لا تؤجل ، أنت ابن يومك لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد بل جاهد نفسك على اغتنام هذه العشر بالخيرات وأنواع الطاعات وصنوف القربات التي تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى .
وقد جعل الله سبحانه بمنِّه وكرمه خاتمة هذه العشر يوم عيدٍ للناس ، ويوم العيد يأتي في تمام هذه العشر ، ويأتي أيضاً عقب فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وهي فريضة الحج ،كما أن عيد الفطر يأتي عقب فريضة من فرائض الله عز وجل وهي فريضة الصيام ، فيوم العيد يوم فرح ويوم سرور ويوم بهجة لأهل الإيمان يأتي على أعقاب هذه الطاعات العظيمة ، ولهذا كان السلف - الصحابة ومن اتبعهم بإحسان - يتلاقون يوم العيد مهنئين بعضاً بقولهم (تقبل الله منا ومنكم) لماذا ؟ لأن يوم العيد جاء في خاتمة أيام فاضلة وأوقاتٍ شريفة وأيام عمل ، يوم عيد الفطر جاء بعد عملٍ كبير في شهر رمضان ؛ صيامٌ في نهاره وقيامٌ في لياليه ، ثم يتلاقى الناس يوم عيد الفطر مهنئين بعضا داعين لبعض بالقبول (تقبل الله منا ومنكم) ، ويأتي عيد الأضحى أيضاً عقب هذا الموسم العظيم .
يوم عيد الفطر يأتي عقب أفضل الليالي العشر في السنة ، ويوم عيد الأضحى يأتي في نهاية أفضل أيامٍ عشرٍ في السنة ؛ وهذا تشابه بين العشر والعشر ، نهاية كل عشرٍ عيد وتهنئة بين أهل الإيمان بهذه الفضائل ، يوم العيد الذي هو يوم النحر يقال فيه (تقبل الله منا ومنكم) ، تقبل الله منا ومنكم ماذا ؟ إذا جاء المضيِّع الذي ضاعت عشره الفاضلة ، بل ربما مضت في المعاصي والذنوب والعياذ بالله وهذا يحصل من بعض الناس ، شهر رمضان يضيع منه في المعاصي والذنوب ! والعشر الفاضلة من أيام ذي الحجة أيضاً تضيع في المعاصي والذنوب ! ثم يوم العيد يقول (تقبل الله منا ومنكم) !! ، أليس مثله حقيق بأن يعضَّ أصابع الندم والتفريط على ضياع الأيام الفاضلة والأوقات الشريفة ؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ)) ؛ ولهذا يوم العيد الذي يدعو فيه المسلمون لبعضهم بالقبول ينبغي أن يُهيأ له أعمال يسعد المسلم يوم العيد بأنه كان قد قدَّمها وفرح بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بها وجدَّ واجتهد في تحقيقها ؛ فيدعو لنفسه ويدعو لإخوانه بالقبول (تقبل الله منا ومنكم) أي تقبل الله منا ومنكم الطاعات . أما ما يقع فيه الإنسان من السيئات والانهماك في الذنوب والانصراف عن الطاعات ثم يأت يوم العيد ويفرح !! يفرح بماذا ؟ فينتبه المسلم لنفسه في هذا الجانب بأن يجتهد حتى يكون من أهل العيد حقاً وصدقاً بما قدمه من أعمال وطاعات وقربات إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام العشر الفاضلة .
ويوم العيد - أعني عيد الأضحى - ليس عيدا للحجاج ! عيدا لأمة الإسلام في كل مكان ، الحاج يقول بعضهم لبعض (تقبل الله منا ومنكم) ، وأيضاً المسلمون في البلدان يقول بعضهم لبعض (تقبل الله منا ومنكم) ؛ فهو عيدٌ للجميع وفرحة للجميع ، وكما أن الحجاج فازوا بأداء فريضة الحج وأداء طاعة الحج فإن عموم المسلمين أيضاً كتب الله لهم ويسَّر لهم في عشر ذي الحجة أعمالاً صالحةً عديدة يتقربون بها إلى الله ، وأيضا ما قام في قلوبهم من الرغبة والحرص على مشاركة الحجاج في هذا المنسك العظيم لكن منعهم منه مانع أو موانع .
فالشاهد أن المسلم في هذه العشر ينبغي أن يحرص على استغلالها واغتنامها والجدِّ والإجتهاد فيها حتى يكون يوم العيد رابحاً غانماً بإذن الله تبارك وتعالى .
من محاضرة : فضل عشر ذي الحجة
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى