السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد ...
فهذه بشارة لمن أراد الحج ولم يحج..
ذكرها فضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله
في محاضرة له بعنوان : " فضل عشر ذي الحجة "
أما بعد ...
فهذه بشارة لمن أراد الحج ولم يحج..
ذكرها فضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله
في محاضرة له بعنوان : " فضل عشر ذي الحجة "
...أهل العلم ألمحوا هنا إلى لطيفةٍ عظيمة في بيان كرم الله سبحانه وتعالى وفضله على عباده ؛ قال بعض أهل العلم: إن نفوس المسلمين في الدنيا كلها في هذه الأيام - أيام العشر الأول من ذي الحجة - تتوق قلوبهم لرؤية بيت الله وتشتاق نفوسهم لأداء الحج والقيام بهذه الطاعة وأداء هذه المناسك العظيمة ؛ ولكن هذا الأمر ليس متيسراً لكل الناس ليس متهيئاً لكل المسلمين ، ولهذا لم يفرض تبارك وتعالى حج بيته على الناس إلا مرة واحدة في العمر كله في حق المستطيع {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] ، لم يفرضه تبارك وتعالى في العمر كله إلا مرةً واحدةً في حق المستطيع ، ولما كانت نفوس الناس تشتاق شوقاً عظيما أن تقدُم لأداء هذا المنسك العظيم والمشاركة في هذه الطاعة الجليلة والعبادة الجليلة ، لما كان غير متهيئاً لهم ذلك أكرمهم الله عز وجل بهذه العشر الفاضلة التي هي مواسم للخيرات وللعتق من النار والفوز بعالي الدرجات وتكفير الذنوب والخطيئات أكرمهم الله سبحانه وتعالى بذلك ؛ فجعل لهم هذه العشر الفاضلة ، وجعل لهم يوم عرفة يصومونه ، واحتسب نبينا عليه الصلاة والسلام أن يكون مكفراً لسنة قبله وسنة بعده .
وشرع لهم أيضا الأضاحي في يوم العيد وأيام التشريق ؛ لما كان الحجيج يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بنحر الهدايا شرع الله سبحانه وتعالى لعموم المسلمين في أرجاء المعمورة بنحر الضحايا، يشاركون الحجيج في هذا العمل الذي هو نحر الضحايا وإراقة دمائها تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى وطلبا لرضاه {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وهذه من كرم الله سبحانه وتعالى وفضله على عباده .
بل إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على عبده أنَّ قلبه إذا أحب طاعة وأقبل عليها ورغب فيها وحرِص على القيام بها ولكن منعه منها مانع من مرض أو غير ذلك من الموانع كُتب له الأجر ، وفضل الله سبحانه وتعالى واسع، ولهذا بعض الناس تجده مع الحجاج وهو في بلاده ، قلبه مع الحجاج وإن كان بدنه في بلده !! لكن قلبه مع الحجاج في المشاعر وفي المناسك وفي عرفات وفي منى وفي المزدلفة وفي الطواف وفي السعي قلبه يهفهف مع الحجاج ولكن مانعٌ منعه وحابسٌ حبسه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)) أي وإن لم يعمل ذلك . فإذا كان هناك حابس مع شدة الرغبة وعظيم الحرص على الأمر فضل الله سبحانه وتعالى واسع ومنُّه سبحانه وتعالى جزيل .
كما أن من حرص على الذنب وعلى الخطيئة ومنعَه منها عدم القدرة عليها يؤاخذ بها فالشأن كذلك في أمور الطاعات ، وقد قال عليه الصلاة والسلام عندما ذكر الرجلين يقتل أحدهما الآخر قال : كلاهما يدخل النار فتعجب الصحابة قالوا ما بال المقتول ؟ القاتل واضح أمره ما بال المقتول أيضاً يدخل النار !! قال ((إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)) ، فإذا كان هذا في أمور الذنوب والمعاصي حرص عليها ولكنه لا يفعلها لعدم القدرة أو لوجود المانع يؤاخَذ ، فكيف الشأن بأمور الطاعات والعبادات !! ولهذا كون الإنسان يكون في قلبه رغبة وحرص ومحبة لأداء هذه الشعيرة ولكنه لا يذهب لمانع ، أو حتى لا يذهب تيسيراً على الحجاج مع كثرة الزحام وكثرة الناس وتخفيفاً عليهم ويحتسب ذلك عند الله جل وعلا وهو عنده قدرة أن يسافر لكنه يحتسب يُرجى له في ذلك بإذن الله تبارك وتعالى خيراً وفضلاً عظيما.