بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مقال يحكي عن مجلس صلح بين الإخوة السلفيين بمدينة مستغانم أشرف على إنجاحه شيخنا ووالدنا عبد الحكيم دهاس حفظه الله.
=====
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، { يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ}، {يَا أَيُهَا اْلنَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ اْلذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا - وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً}، {يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُّطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد؛
فالحمد لله على ما أكرمنا به، ونعم الله لا تحصى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. ولا شك أن من أعظم النعم في هذه الدنيا أن يوفق العبد للانتماء إلى الإسلام والسنة. لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقوله {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. ثم هو ليس بنافعه ذلك حتى يثبت عليه، بأن يعصمه تبارك وتعالى من الانحراف عنهما ذات اليمين أو ذات الشمال. فكم من محروم هو غافل عن أخراه الباقية، فرح بما عجل له في هذه الدنيا الفانية {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} وكم من مخذول وكله الله إلى نفسه وضاع مع أهل البدع {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}. {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}.
وإن مما يعين على الثبات: التآلف والتراحم والاجتماع على الحق والتعاون على البر والتقوى والتناصح في ذلك. وهؤلاء، صفات عباد الله المؤمنين. قال تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يألف ويؤلف» والمؤمنون كرجل واحد، كما قال صلى الله عليه وسلم أيضا: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
هذا، ولما أخبر سبحانه عن الكفار والمنافقين وصفهم بقوله {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} ولا شك أن لأهل البدع نصيب من ذلك بل وحظ وافر منه، فهم مخالفون ومختلفون، يدرك ذلك كل من له نظر واطلاع في مقالات أصحاب تلك النحل.
وتأمل كيف أن الخوارج افترقوا طوائف وفرق، منهم الحرورية والأزارقة والإباضية ومنها القاعدة وداعش والاخوان والقطبية والحدادية، ولكل قوم وارث. وإذا نظرت في الشيعة، فكذلك افترقوا إلى رافضة سبئية وإمامية، خشبية، وزيدية. وانظر إلى الصوفية كم هي طوائف شتى، ولا يعلم طائفة أشد افتراقا منها: تيجانية، وشاذلية، وعليوِية، وبوزيدية، ورحمانية، ورفاعية، ونقشبندية، وجشتية، وسهروردية، وقادرية وإلى طرق كثيرة لا كثرهم الله. وهكذا هم أصحاب الكلام، معتزلة وجهمية وأشعرية وماتريدية، يبدع بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا.
ومن أعلام النبوة، قوله صلى الله عليه وسلم: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة» وفي رواية مفسرة «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» أي عقيدة ومنهجا وعبادة وخلقا وسلوكا.
وإذا أنصف القوم فلن يجدوا في هذه الأمة الإسلامية من أول تاريخها إلى يوم الناس، من هم أولى بهذا الوصف المحمدي سوى أهل السنة والجماعة، السلفيون، أتباع السلف الصالح، فما أحدثوا شيئا في العقيدة التي كان عليها جماعة المسلمين الأولى من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، الذين شهدوا الوحي وعلموا منه ما لا مزيد عليه، فإن سبيلهم الأقوم ومنهجهم الأصلح، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. فسبيل المؤمنين عصمة للأمة، وأول من يدخل في هذا الخطاب –أي سبيل المؤمنين- هم صحابة الرسول رضوان الله عليهم. الذين جمعوا بين العلم والعمل. قال الشيخ العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- في الحث على المودة والاتلاف، مخاطبا السلفيين: "فاحرصوا أن تكونوا من هذا الطراز".
والمقصود أن هذه الجماعة المذكورة في الحديث هي الفرقة الناجية والطائفة المنصورة لتمسكها بالوحي قرآنا وسنة، فهي منصورة بالحجة والبيان، وبالسيف والسنان في بعض أحيانها. وهي ناجية لِبُعدها عن التفرق والاختلاف عن سبيل المؤمنين. وإذا أصاب بعض أفرادها شيء من التشتت، فسببه نقص التقوى وضعف الإيمان والاسترسال مع النفس والغفلة عن مكايد الشيطان، فإنه أيس في أن يدع السلفيون الصادقون، عقيدتهم ومنهجهم ولزوم غرز علمائهم، فهو لم يزل ساع في التحريش بينهم والوقيعة بهم في البغضاء والشحناء والعداوة {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} ويستعمل في هذا تارة بعض مرضى القلوب من أهل الأهواء والأغراض، وبعض من يستفزهم ويؤزهم من الغوغاء والدهماء.
ولكن الله محبط كيده وكيدهم ومُتمٌ نوره ولو كره المبطلون المرجفون. وأما عن الصادقين فإن الله يوفقهم للتوبة والإنابة والاجتماع بعد الفرقة.
وبعد هذه التقدمة،
فإني ها هنا أزف هذه البشرى لكل سلفي صادق، للذين يحترمون هذه الدعوة السلفية المباركة وهذا المنهج السلفي القويم، أنه قد تم في مجلس من مجالس شيخنا ووالدنا عبدالحكيم دهاس -حفظه الله ورعاه - في بيته العامر في مدينة وهران -حرسها الله- الصلح بين الإخوة السلفيين بمدينة مستغانم -أزاح الله عنها بمنِّه وكرمه مظاهر الشرك والوثنية- وكان ذلك يوم الجمعة 15 شوال بعد العصر.
وكان من الحاضرين: الأخ المكرم عبد المجيد أبو العباس والأخ المكرم ربيع بن محمد أبو محمد، والإخوة الفضلاء: بدر الدين أبوعبدالله، وشريف أبو إسحاق، ومصطفى عبدالمحسن وأخوه محمد، وغير هؤلاء. حفظهم الله وسدد خطاهم ووفقهم لصالح العلم والعمل.
كما وجه شيخنا ووالدنا في ذلك الاجتماع أبنائه الحضور بوصايا -ينتفع بها السلفيون جميعا ويعملون بها-
1- وجوب حرص الإخوة جميعا على التواد والتراحم ولتتسع صدورهم لبعضهم البعض.
2- وجوب التناصح والتعاون على البر والتقوى مع التواصل والتشاور فيما يستجد لهم.
3- ترك العجلة والتسرع في ردود الأفعال.
4- التأكيد على أن السلفي - مَنْ كان- عرضة للوقوع في الخطأ، فالواجب على السلفيين التّأني والتّؤدة، وتدارك الأخطاء بعد ثبوتها، وردها، ومحاولة العلاج بما لا يثير الفتن. وأما ما استشكل يرفع لأهل العلم ويَعمل الجميع بفتواهم.
5- التحذير من إفشاء القالة وإشاعة الفاحشة بين السلفيين، خاصة أوقات الفتن. فإنه يقع في النّهي، كمن يبيع السلاح في الفتنة. وأنه ليس كل ما يُعلم يُقال. ولكل مقال مقام.
6- ثم في نصائح عدة قيمة نافعة - في معرض حديث شيخنا ووالدنا عبد الحكيم حفظه الله-، حث الجميع على مواصلة الجهود في التدريس والإفادة والتعاون في القيام بواجب الدعوة ونشر التوحيد والتحذير من الشرك خاصة وأن أحياءنا تعج به. وأيضا كان الحث منه -حفظه الله- على تعليم الناس السنة وتحذيرهم من المخالفة، والجد والاجتهاد في ذلك.
وخلص المجلس بعد هذا، على التوافق بين الإخوة -حفظهم الله وسدد خطاهم-. والرغبة كانت قوية من جميعهم في طيّ هذه الصفحة وإخماد هذه الفتنة - عصمنا الله والجميع من لئوائها-
فشكر الله لشيخنا -حفظه الله- على ما بذله وما يبذله في الإصلاح بين أبنائه.
سدد الله خطى الجميع ونفع بهم حيثما حلوا وأينما ارتحلوا. والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه. والحمد لله رب العالمين.
وكتبه بعدما حضر المجلس المذكور
حميد بن مصطفى أبوعبدالله
ليلة 18 شوال 1436 / 02 أغسطس 2015
مستغانم.
هذا مقال يحكي عن مجلس صلح بين الإخوة السلفيين بمدينة مستغانم أشرف على إنجاحه شيخنا ووالدنا عبد الحكيم دهاس حفظه الله.
=====
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، { يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ}، {يَا أَيُهَا اْلنَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ اْلذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا - وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً}، {يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُّطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد؛
فالحمد لله على ما أكرمنا به، ونعم الله لا تحصى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. ولا شك أن من أعظم النعم في هذه الدنيا أن يوفق العبد للانتماء إلى الإسلام والسنة. لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقوله {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. ثم هو ليس بنافعه ذلك حتى يثبت عليه، بأن يعصمه تبارك وتعالى من الانحراف عنهما ذات اليمين أو ذات الشمال. فكم من محروم هو غافل عن أخراه الباقية، فرح بما عجل له في هذه الدنيا الفانية {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} وكم من مخذول وكله الله إلى نفسه وضاع مع أهل البدع {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}. {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}.
وإن مما يعين على الثبات: التآلف والتراحم والاجتماع على الحق والتعاون على البر والتقوى والتناصح في ذلك. وهؤلاء، صفات عباد الله المؤمنين. قال تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يألف ويؤلف» والمؤمنون كرجل واحد، كما قال صلى الله عليه وسلم أيضا: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
هذا، ولما أخبر سبحانه عن الكفار والمنافقين وصفهم بقوله {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} ولا شك أن لأهل البدع نصيب من ذلك بل وحظ وافر منه، فهم مخالفون ومختلفون، يدرك ذلك كل من له نظر واطلاع في مقالات أصحاب تلك النحل.
وتأمل كيف أن الخوارج افترقوا طوائف وفرق، منهم الحرورية والأزارقة والإباضية ومنها القاعدة وداعش والاخوان والقطبية والحدادية، ولكل قوم وارث. وإذا نظرت في الشيعة، فكذلك افترقوا إلى رافضة سبئية وإمامية، خشبية، وزيدية. وانظر إلى الصوفية كم هي طوائف شتى، ولا يعلم طائفة أشد افتراقا منها: تيجانية، وشاذلية، وعليوِية، وبوزيدية، ورحمانية، ورفاعية، ونقشبندية، وجشتية، وسهروردية، وقادرية وإلى طرق كثيرة لا كثرهم الله. وهكذا هم أصحاب الكلام، معتزلة وجهمية وأشعرية وماتريدية، يبدع بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا.
ومن أعلام النبوة، قوله صلى الله عليه وسلم: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة» وفي رواية مفسرة «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» أي عقيدة ومنهجا وعبادة وخلقا وسلوكا.
وإذا أنصف القوم فلن يجدوا في هذه الأمة الإسلامية من أول تاريخها إلى يوم الناس، من هم أولى بهذا الوصف المحمدي سوى أهل السنة والجماعة، السلفيون، أتباع السلف الصالح، فما أحدثوا شيئا في العقيدة التي كان عليها جماعة المسلمين الأولى من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، الذين شهدوا الوحي وعلموا منه ما لا مزيد عليه، فإن سبيلهم الأقوم ومنهجهم الأصلح، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. فسبيل المؤمنين عصمة للأمة، وأول من يدخل في هذا الخطاب –أي سبيل المؤمنين- هم صحابة الرسول رضوان الله عليهم. الذين جمعوا بين العلم والعمل. قال الشيخ العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- في الحث على المودة والاتلاف، مخاطبا السلفيين: "فاحرصوا أن تكونوا من هذا الطراز".
والمقصود أن هذه الجماعة المذكورة في الحديث هي الفرقة الناجية والطائفة المنصورة لتمسكها بالوحي قرآنا وسنة، فهي منصورة بالحجة والبيان، وبالسيف والسنان في بعض أحيانها. وهي ناجية لِبُعدها عن التفرق والاختلاف عن سبيل المؤمنين. وإذا أصاب بعض أفرادها شيء من التشتت، فسببه نقص التقوى وضعف الإيمان والاسترسال مع النفس والغفلة عن مكايد الشيطان، فإنه أيس في أن يدع السلفيون الصادقون، عقيدتهم ومنهجهم ولزوم غرز علمائهم، فهو لم يزل ساع في التحريش بينهم والوقيعة بهم في البغضاء والشحناء والعداوة {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} ويستعمل في هذا تارة بعض مرضى القلوب من أهل الأهواء والأغراض، وبعض من يستفزهم ويؤزهم من الغوغاء والدهماء.
ولكن الله محبط كيده وكيدهم ومُتمٌ نوره ولو كره المبطلون المرجفون. وأما عن الصادقين فإن الله يوفقهم للتوبة والإنابة والاجتماع بعد الفرقة.
وبعد هذه التقدمة،
فإني ها هنا أزف هذه البشرى لكل سلفي صادق، للذين يحترمون هذه الدعوة السلفية المباركة وهذا المنهج السلفي القويم، أنه قد تم في مجلس من مجالس شيخنا ووالدنا عبدالحكيم دهاس -حفظه الله ورعاه - في بيته العامر في مدينة وهران -حرسها الله- الصلح بين الإخوة السلفيين بمدينة مستغانم -أزاح الله عنها بمنِّه وكرمه مظاهر الشرك والوثنية- وكان ذلك يوم الجمعة 15 شوال بعد العصر.
وكان من الحاضرين: الأخ المكرم عبد المجيد أبو العباس والأخ المكرم ربيع بن محمد أبو محمد، والإخوة الفضلاء: بدر الدين أبوعبدالله، وشريف أبو إسحاق، ومصطفى عبدالمحسن وأخوه محمد، وغير هؤلاء. حفظهم الله وسدد خطاهم ووفقهم لصالح العلم والعمل.
كما وجه شيخنا ووالدنا في ذلك الاجتماع أبنائه الحضور بوصايا -ينتفع بها السلفيون جميعا ويعملون بها-
1- وجوب حرص الإخوة جميعا على التواد والتراحم ولتتسع صدورهم لبعضهم البعض.
2- وجوب التناصح والتعاون على البر والتقوى مع التواصل والتشاور فيما يستجد لهم.
3- ترك العجلة والتسرع في ردود الأفعال.
4- التأكيد على أن السلفي - مَنْ كان- عرضة للوقوع في الخطأ، فالواجب على السلفيين التّأني والتّؤدة، وتدارك الأخطاء بعد ثبوتها، وردها، ومحاولة العلاج بما لا يثير الفتن. وأما ما استشكل يرفع لأهل العلم ويَعمل الجميع بفتواهم.
5- التحذير من إفشاء القالة وإشاعة الفاحشة بين السلفيين، خاصة أوقات الفتن. فإنه يقع في النّهي، كمن يبيع السلاح في الفتنة. وأنه ليس كل ما يُعلم يُقال. ولكل مقال مقام.
6- ثم في نصائح عدة قيمة نافعة - في معرض حديث شيخنا ووالدنا عبد الحكيم حفظه الله-، حث الجميع على مواصلة الجهود في التدريس والإفادة والتعاون في القيام بواجب الدعوة ونشر التوحيد والتحذير من الشرك خاصة وأن أحياءنا تعج به. وأيضا كان الحث منه -حفظه الله- على تعليم الناس السنة وتحذيرهم من المخالفة، والجد والاجتهاد في ذلك.
وخلص المجلس بعد هذا، على التوافق بين الإخوة -حفظهم الله وسدد خطاهم-. والرغبة كانت قوية من جميعهم في طيّ هذه الصفحة وإخماد هذه الفتنة - عصمنا الله والجميع من لئوائها-
فشكر الله لشيخنا -حفظه الله- على ما بذله وما يبذله في الإصلاح بين أبنائه.
سدد الله خطى الجميع ونفع بهم حيثما حلوا وأينما ارتحلوا. والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه. والحمد لله رب العالمين.
وكتبه بعدما حضر المجلس المذكور
حميد بن مصطفى أبوعبدالله
ليلة 18 شوال 1436 / 02 أغسطس 2015
مستغانم.