شوَّالُ(1) في السّنَّة
الحمدُ لله خَلَقَ كلَّ الأَشْيَاءِ سواء،ثم فضّل ما شاءَ منْها على ما شاء، ثمّ الصّلاة والسَّلام على أفضل الأنْبياء محمّد وعلى آله وأصْحابه والأوْلياء.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ اللهَ جلَّ وعلا قد تعبَّد عباده بالزَّمن(2) فليس شيء من العبادات التّي تعبّدهم بها إلاّ وقد تعبّدهم بها في زمن لا تصحّ قبله ولا تقبل بعده إلاّ لعذر
والزّمن المتعبّد فيه: إمّا سنَّة، أو شهر، أو يوم، أو ساعة. فالزّكاة تعبّد الله بها عباده في السّنة، والصّوم تعبّدهم به سبحانه في شهر هو رمضان، والحجّ تعبّدهم به في أشهر ثلاث هي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والصّلاة تعبّدهم بها في كلّ يومٍ في ساعات خاصّة منه
والسّنة هي السّنة لا فضل لسنة على سنة إلا بالتّقوى وما عٌمِل فيها ، والسّنة اثتا عشرة شهرا
قالَ جلَّ وعلا:﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾[التّوبة ]
فأعلمَ اللَّه جلَّ وعزَّ: أنّ عدّة شهور المسلمين، الذين تُعُبِّدُوا بَأن يجعلوا لِسَنَتِهِمْ - اثنا عشر شهراً، على منازل القمر، و بعض تلك الشّهور أفضل من بعض بما خصّها الله به من فضائل، وأفضلها شهر رمضان لما خصّه الله به من فريضة الصيّام،وهكذا باقي الشّهور بعضها أفضل من بعض بحسب ما جعل الله فيها من فضائل
وهذا شهر شوال شهر حوى فضائل وحفظ شمائل
فهو: أول أشهر الحج
قال سبحانه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة ]
والمعنى: الحج إنما يكون في أشهر معلومات لا يصح ولا يقبل في غيرها وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
والحجّ خامس أركان الإسلام فمن حج في شوال كان شوال له من أفضل الشهور لأنه أدى فيه فرضا من فرائض الله والله جل وعلا يقول في الحديث القدسي : « وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه » .
وشوّال شهر الاعتكاف لمن فاته الاعتكاف في رمضان
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً، فَأَذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الأَخْبِيَةَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ» فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. رواه البخاري ومسلم
وشهر شوال خِلْفةٌ لمن فاته الصوم في شهر شعبان
عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ - أَوْ لِآخَرَ -: «أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِشَعْبَانَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ»رواه مسلم
والمعنى: إذا لم تصم أيام البيض في شعبان ثم صمت رمضان أفطرت منه فصم يومين من شوال
وشوّال شهر النكاح
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟»، قَالَ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ». رواه مسلم
وكان أهل الجاهليّة يكرهون النّكاح في شوّال ويطّيّرون منه يقولون: إنه يشول بالمرأة فعافه الجهّال منهم وتركوا النكاح فيه فأبطل الله هذا التطير بزواج النّبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها.
وشهر شوال كان شهرا مميزا عند العرب في الجاهلية لأن فيه كان:
أعظم مواسم العرب حيث كانوا يجتمعون في سوق عكاظ وَهُوَ نَخْلٌ فِي وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ فَكانُوا يُقِيمُونَ بِهِ جَمِيعَ شَوَّالٍ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَفَاخَرُونَ وَتُنْشِدُ الشُّعَرَاءُ مَا تَجَدَّدَ لَهُمْ ،قَالَ الْبَكْرِيُّ: أَوَّلُ مَا أُحْدِثَتْ قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ تَزَلْ سُوقًا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَخَرَجَ الْخَوَارِجُ الحرورية فنهبوها فَتركت إِلَى الْآن.
وقد كان النّبي صلى الله عليه وسلّم يذهب إليه وفي طريقه إليه كانت قصة استماع الجن للقرآن ونزول سورة الجن كما في البخاري
وَفِي شَوَّال كَانَ "حلف الفضول" وَهو أشرف حلف عرفته العرب وأعظمه بركَة حيث اجتمعت بَنو هَاشم وَأسد وزهرة وتميم فتعاقدوا وتحالفوا أن لَا يُظلم بِمَكَّة غَرِيب وَلَا قريب وَلَا حر وَلَا عبد إلا كَانُوا مَعَه حَتَّى يَأْخُذُوا لَهُ بِحقِّهِ ويردوا إِلَيْهِ مظلمته من أنفسهم وَمن غَيرهم ثمَّ عَمدُوا إِلَى مَاء زَمْزَم فجعلوه فِي جَفْنَة ثمَّ بعثوا بِهِ إِلَى الْبَيْت فغسلت بِهِ أَرْكَانه ثمَّ أَتَوا بِهِ فشربوه فَحدث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لقد شهِدت فِي دَار عبد الله بن جدعَان من حلف الفضول مَا لَو دعيت إِلَيْهِ لاجبت وَمَا أحب أَن لي بِهِ حمر النعم
وسمي بحلف الفضول لأنه شابه حلفا آخر سبقه دعا إليه ثلاثة نفر اشتق اسمهم من الفضل
وأسماهم الْفضل بن شراعة وَالْفضل ابْن ودَاعَة وَالْفضل بن قضاعة
ويقال له أيضا "حلف المطيبّين" ذلك أن بَنو هَاشم و بنو زهرة وَبنو تَمِيم اجتمعوا فِي دَار ابْن جدعَان فِي الجاهلة وَجعلُوا طيبا فِي جَفْنَة وغمسوا أَيْديهم فِيهِ وتحالفوا على التناصر وَالْأَخْذ للمظلوم من الظَّالِم فسموا المطيبين، وفيه قال النّبي صلى الله عليه وسلم:" شهدت حلف المطيبين مع عمومتي - وأنا غلام - فما أحب أن لي حمر النعم وأنيأنكثه ". رواه أحمد وغيره وصححه الألباني
والحديث يدل على أن العمل بهذا الحلف استمر بعد مجيء الإسلام
قال ابن حبان: لَمْ يَشْهَدْ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ لِأَنَّ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِلْفَ الْفُضُولِ، وَهُمْ مِنَ الْمُطَيَّبِينَ.(3)
ومن يستقصي فضائل شوال وما جاء فيه من شمائل يجد غير ما ذكرنا،ولا شك أن الاعتناء بمعرفة فضائل الشهور والأيام من أفضل ماينبغي للمسلم أن يشتغل به، ولا يوفق لذالك إلا من أحبه الله
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.