التّقريب والتّسديد في حكم اجتماع الجمعة مع العيد
الحمد الله دعا عباده إلى الاجتماع والإتلاف، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف، ثم الصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :
أما بعد: فلا يخفى على مسلم - إن شاء الله !- أن اجتماع الكلمة و وحدة الصّف بين المسلمين من أعظم مقاصد الشّريعة الإسلامية. والله جلّ علا قد أمر به وباعتباره في غير ما آية من كتابه قال سبحانه:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ وقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
ولأن السنّة صنوُ القرآن قال - صلّى الله عليه وسلم-: «لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخوانا» وقال عليه السلام لمعاذ وأبي موسى - رضي الله عنهما- لما بعثهما إلى اليمن: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وتطاوعا ولا تختلفا» رواه مسلم
ومن أعظم أسباب وحدة المسلمين وجمع كلمتهم أنّ الله جعل أمرهم لإمامهم ما استقام على شريعته فأوجب عليهم طاعته و اتباعه وإن خالف أمره وحاله اعتقادهم ومذاهبهم ما كان أمره وحاله موافقا للكتاب والسنّة قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)﴾
وجعل النّبي - صلّى الله عليه وسلم- طاعة ولي الأمر من طاعته - صلّى الله عليه وسلم- ؛فقال:«مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» رواه مسلم
قال الشيخ العنزي - رحمه الله- :"وطاعة ولي الأمر فيما لم يتضمن ترك واجب أو فعل محرم واجبة".إ.هـ
والذي قال الشيخ - رحمه الله- هو محل اتفاق بين أهل العلم
والذي قال الشيخ - رحمه الله- هو محل اتفاق بين أهل العلم
قال الشيخ الجابري: الذي عرفناه عن أئمتنا وعلمائنا بل هو مقتضى دلالة الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح أن ما يصدر عن ولي الأمر لا يخرج عن أحوالٍ ثلاث:
الأول: أن يكون طاعة لله واجباً أو مندوباً فتجب لهم الطاعة فيه ، طاعةً لله ولرسوله وكذلك لو كان نهى ولي الأمر عن شيء محرم أو مكروه، ترى أنت أنه مكروه ولا يصل إلى التحريم فيجب عليك السمع والطاعة فيه .
الثاني: أن يكون ما يأمر به ولي الأمر أو ينهي عنه من مسائل النزاع والخلاف فلكلٍ من الفريقين من علماء الإسلام أدلة تسوغُه، تسوغ مذهبه، فعزم ولي الأمر ومن حوله من أهل العلم على أحد القولين، فكذلك تجب لهم السمع والطاعة فيه جمعاً للكلمة.
الثالث: أن يكون هذا الذي يصدر عن وليّ الأمر هو معصية لله، فهذا لا تجب لهم الطاعة فيه بل تحرم طاعتهم فيه لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) هذا باتفاق أهل العلم.إ.ه
الثاني: أن يكون ما يأمر به ولي الأمر أو ينهي عنه من مسائل النزاع والخلاف فلكلٍ من الفريقين من علماء الإسلام أدلة تسوغُه، تسوغ مذهبه، فعزم ولي الأمر ومن حوله من أهل العلم على أحد القولين، فكذلك تجب لهم السمع والطاعة فيه جمعاً للكلمة.
الثالث: أن يكون هذا الذي يصدر عن وليّ الأمر هو معصية لله، فهذا لا تجب لهم الطاعة فيه بل تحرم طاعتهم فيه لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) هذا باتفاق أهل العلم.إ.ه
وتتأكد الطّاعة إذا تعلق الأمر بمسائل أمن المسلمين وخوفهم فحينها تكون طاعته آكد ويكون أمر من خالفه عظيم .
وقد يجتمع هذه السنّة عيد الفطر مع الجمعةوهي مسألة خلافية بين أهل العلم تشابكت فيها آراؤهم واختلفت عليها أقوالهم ، كما هو مبسوط في كتب الفقه وبعض النّاس خصها بجزء أو رسالة(١)
وأكثر أهل العلم من أهل الاجتهاد في هذا الزّمن على أنّ الجمعة تسقط على من صلّى العيد مع الإمام ويصليها ظهرا وهو مشهور مذهب الإمام أحمد-رضي الله عنه -، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وعلى ذلك اجتمع رأي هيئة كبار العلماء.
قال الشيخ ابن باز- رحمه الله- :إذا وافق العيد يوم الجمعة جاز لمن حضر العيد أن يصلي جمعة وأن يصلي ظهرا؛ لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في هذا، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه رخص في الجمعة لمن حضر العيد وقال: «اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شهد العيد فلا جمعة عليه » ، ولكن لا يدع صلاة الظهر، والأفضل أن يصلّي مع النّاس جمعة، فإن لم يصلّ الجمعة صلى ظهرا، أما الإمام فيصلي بمن حضر الجمعة إذا كانوا ثلاثة فأكثر منهم الإمام، فإن لم يحضر معه إلا واحد صليا ظهرا . إ.هـ.
وذهب الإمام مالك - رحمه الله تعالى- إلى عدم الإجزاء. قال في المدونة: قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ إذَا اجْتَمَعَ الْأَضْحَى وَالْجُمُعَةُ أَوْ الْفِطْرُ و الْجُمُعَةُ فَصَلَّى رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْحَضَرِ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ لَا يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ، هَلْ يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ شُهُودُهُ صَلَاةَ الْعِيدِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ؟
قَالَ: لَا وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَوَالِي إلَّا عُثْمَانَ. وبمثل قول مالك قال أبو حنيفة والشافعي مع تفصيل غير مقصود.
وقد انتصر إمام المغرب أبو يوسف ابن عبد البر لقول الإمام مالك فقال بعد أن ذكر أدلة المخالفين: " وَإِذَا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآثَارُ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَجُزْ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَوْمَ عِيدٍ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ تَجِبُ حُجَّتُهُ فَكَيْفَ بِمَنْ ذَهَبَ إِلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ بِأَحَادِيثَ لَيْسَ مِنْهَا حَدِيثٌ إِلَّا وَفِيهِ مَطْعَنٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ.إ.هـ.
قال النووى في "المجموع":لَكِنْ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ السُّنَّةِ مَرْفُوعٌ وَتَأْوِيلُهُ أضعف.إ.هـ.
يقصد- رحمه الله - : مارواه أبوداود وغيره وصححه الألباني -رحمه الله تعالى-
عن وَهْبٍ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: «اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ فَأَطَالَ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ لِلنَّاسِ يَوْمَئِذٍ الْجُمُعَةَ»، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ.
"وليس المقصود استيفاء أدلة الطرفين أو الترجيح بين القولين فلذلك أقوام لست منهم وإنما المقصود التّنبيه إلى أنه يجب على النّاس اتباع أمر إمامهم فإن أمر إمامهم بإقامة الجمعة وجبت طاعته وحرم خلافه لما في خلافه من الفُرقة والفتن التى حرّمها الله جل وعلا وهذا محل اتفاق بين أهل العلم".
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
تعليق