فضل البلد أو الزمان الذي يكون فيه عالم
شرح الشيخ عبد الرحمن بن صالح الحجي
بسم الله الرحمن الرحيم. قال المصنف رحمه الله تعالى:
باب: لا يكون بدعة
حدثني محمد بن وضاح، قال: حدثنا محمد بن سعيد، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مبرد: إن الناس نودي فيهم بعد ليلة،أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة، فانطلق النساء والرجال، حتى امتلأ المسجد قياما يصلون.
قال أبو إسحاق: إن أمي وجدتي فيهم. فأتي ابن مسعود فقيل له: أدرك الناس. قال: مالهم؟ قيل: نودي فيهم بعد ليلة أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة. فخرج ابن مسعود يشير بثوبه: ويلكم اخرجوا لا تعذبوا، إنما هي نفخة من الشيطان، إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ولا ينزل بعد نبيكم. فخرجوا.
وجلسنا إلى عبد الله فقال: إن الشيطان إذا أراد أن يوقع الكذب انطلق فتمثل رجلا،ثم يلقى آخر فقال له: أما بلغك الخبر؟ فيقول الرجل: وما ذاك؟ فيقول: كان من الأمركذا وكذا، فانطلق فحدث أصحابك. قال: فينطلق الآخر فيقول: لقد لقيت رجلا إني لأتوهمهأعرف وجهه، زعم أنه كان من الأمر كذا وكذا، وما هو إلا الشيطان.
***************************************
هذا أيها الإخوة من الآثار التي تنتخب وتنتقى، كان ابن مسعود في الكوفة،كان مسؤولا في الكوفة عن بيت المال، ثم كان أميرا وعالما ومفتيا رضي الله عنه وأرضاه، وهو من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فالناس نودي فيهم بعد نومة، إما نومة القيلولة يعني قبل الظهر، أو نومة قبل الفجر مثلا، جاء الشيطان وألقى فيهم، تمثل لأحدهم وقال: كذا وكذا، أن من صلى في الجامع الكبير في الكوفة دخل الجنة. انظروا كيف يعني هو الناس حديثي عهد بالنبوة في وقت النبوة، لكن كما سيأتي الآن أن الشيطان يستخف الناس بهذه البدع.
أن من صلى بالمسجد الجامع الأعظم، الذي نسميه نحن الآن الجامع الكبير، يعني أكبرمسجد في البلد، في الكوفة، من صلى فيه دخل الجنة، فذهب الناس الرجال والنساء، خاصة أهل الجهل والعامة، يقول أبو إسحاق السبيعي، وهو أحد رواة هذا الأثر، يقول: إن أمي وجدتي فيهم معهم، فأتي ابن مسعود فقيل له: أدرك الناس، فقيل لهم أخبروه بالخبر،فخرج عليهم ابن مسعود يشير بثوبه، من كثرة الناس يشير بثوبه ويقول: ويلكم، اخرجوا لا تعذبوا. حتى خرجوا، ثم قال: إنما هي نفخة الشيطان، إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ولا ينزل بعد نبيكم، الأمر فرغ منه، يعني أين الأصول؟ أين نشر السنن عند الناس؟ لوكان الناس يعرفون هذا يعني قد تأصل فيهم، يعرفون من أين أتى هذا؟ أن من صلى في مسجد الكوفة دخل الجنة، والكوفة لم تبن إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصلا إنما مصرها عمر، فيقول: من أين لم ينزل كتاب بعد نبيكم، ثم رجعوا خرجوا وجلسوا عند عبد الله بن مسعود، فقال: إن الشيطان إذا أراد أن يوقع الكذب انطلق فتمثل رجلا، يتمثل رجلا، كما حصل في دار الندوة، تمثل وشاركهم لما أرادوا إخراج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يلقى آخر ويقول: أما بلغك الخبر، ما دريت، ما علمت، فيقول: وما ذاك؟ فينشرفيه ما يريد، ثم تنتقل الخبر هكذا إشاعات حتى يقول إذا سئل أولهم قال: إني لقيت رجلا أتوهمه ولا أعرف وجهه، يعني ما أتأكد منه، وزعم أنه كان من الأمر كذا وكذا، وما هو إلا الشيطان.
في هذا الأثر فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى: فضل البلد أو الزمان الذي يكون فيه عالم، يا إخواني تأملوا في هذا، فضل البلد الذي يكون فيه عالم، أو الزمن الذي يكون فيه عالم، فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد؛ لأن العالم يكون ... النبوة، ويتخذ الشيطان عدوا، كلما أحدث الشيطان شيئا قام العالم وهدم ما بناه هذا الشيطان، فانظروا هنا ابن مسعود ماذا فعل؛ خرج وقال: اخرجوا لا تعذبوا، ويلكم. لو لم يكن عندهم عالم انتشرت هذه البدعة وتأصلت، وشب عليها الصغير، ومات عليها الكبير، وأنتم لاحظوا البلد اللي يكون فيه عالم راسخ في العلم تقل فيه البدع، تقل فيه المشتبهات، يقل فيه الجدل والخلاف، يعني يكون مرجعا للناس، يكون من أوتاد الأرض.
ولـولاهم كادت تلوذ بأهلها
ولكن رواسيها وأوتادها همُ
ولذلك يقول ابن عباس في آخر حياته، يقول: إني لأظن أن الشيطان لا يتمنى أحد يموت في الدنيا كما يتمنى موتي، يقول ابن عباس، قيل: لم يا أبا عباس؟ قال: كلما يحدث بدعة في مشرق الأرض أو مغربها كتبوا إلي فبينت لهم وجه الأمر، فهدمت ما بنى.
فلوخير الشيطان الآن: من أفضل واحد تتمنى أن يموت قال: ابن عباس. لأنه يهدم ما يبني.
هذا أثر العالم، وأنتم لاحظوا الفرق بين البلدان التي يكون فيها عالم أو طالب علم، والبلدان الخالية من العلم، تجدون أن الشبهات والبدع والأهواء والخلاف والجدل يكثر في البلدان التي ليس فيها عالم، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كل أمصار المسلمين خرج منها بدع إلا المدينة النبوية؛ لكثرة ما فيها من نور النبوة وأبناءالصحابة، الكوفة خرج منها بدع كثيرة، مثل بدعة التشيع، الرافضة، والبصرة خرج منها أيضا بدعة القدر والاعتزال وغيرها، والشام خرج فيه بدع، ومصر خرج فيه بدع، أما دارالهجرة المدينة فإنها منذ العصر الأول ما خرج منها بدع، لا يعرف فيه بدعة نشأت في المدينة؛ لكثرة العلم الذي فيها، وكثرة نور النبوة الذي بقي فيها وأبناء الصحابة.
هذه الفائدة الأولى: فضل العالم أو فضل حتى الزمن، تجدون مع وجود العلماءالراسخين تقل البدع، تقل الاختلافات، تقل المشتبهات، معهم نور يفصلون بينهم وبين الناس، معهم فرقان، وإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رءوسا جهالا، وانتشرت البدع والأهواء.
الفائدة الثانية: أن الشيطان قد يتمثل على شكل بشر، وقد يوحي وحيا، قد يتمثل بشرا ويلقى الناس، وقد يوحي وحيا، يعني كما قال تعالى: (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) وقال تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَ ائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) يوحي وحيا، كما أن عباد الله الصالحين تنطق السكينة على ألسنتهم، كما قال علي: كنا نظن أن السكينة تنطق على لسان عمر. يعني الملائكة تسدده.
فكذلك أولياء الشياطين، تنطق الشياطين على ألسنتهم، تتخذهم مطايا وهم لا يعلمون، ولذلك لما قالوا لابن عباس: إن المختار بن أبي عبيد يدعي أنه يوحى إليه فقال: صدق. فارتاب بعض الناس يظنون ابن عباس اختلف عنده شيء، قال: صدق، يوحى إليه. ثم تلا هذه الآية: (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍزُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) الآن يمكن الشيطان في عصرنا ما عاد يحتاج أنه يتمثل بشرا، جاء الله له بالإنترنت، وجاء الله برسائل الجوال، ممكن هو على لوحة المفاتيح يكتب بحوثا ويكتب فتاوى وينشرها ولا حد يقول: من أين هذه. بحوث أبو فلان وأبو فلان وما أحد يدري، هذه فرصة للشيطان هذه، يبث في الناس هذه الأهواء، قبل سنتين في آخر يوم من ذي الحجة جاءتنا رسائل بالجوال: ننصحكم بصيام آخر يوم من السنة حتى يقفل الملف على صيام. وانتشرت، لا وإذا جاءتك رسالة انشر حتى تكسب أجرا، حتى وصلت إلى عالم ثم ردها عليهم وقال: من نشرها فإنه مبتدع ويساعد على البدعة، من أين لكم هذا؟! وكذلك في الإنترنت الآن.
والمخرج إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، إذا ما أتاك العلم من شخص تعرف نسبه في العلم، من أين أخذ علمه واشتهر بالسنة، ولا تأخذ من مجاهيل، قد يكون شيطانا كما قال هنا ابن مسعود في آخر الأثر، يقول: إن الشيطان يتمثل بشرا ويقول للشخص: انطلق وحدث أصحابك، حتى إن الشخص يقول: رأيت رجلا أتوهمه وما أعرف وجهه، وإنما هو الشيطان.
وفيه أيضا قال ابن مسعود في مقدمة صحيح مسلم قال: إن الشيطان يتمثل في صورةالرجل، فيأتي القوم ويحدثهم بالكذب فيتفرقون، مثل هذا الأثر، وهذا في مقدمة صحيح مسلم.
وقال عبد الله بن عمرو في مقدمة صحيح مسلم أيضا، وهذه المقدمة بعض أهل العلم يرى أنها في درجة الصحيح، وبعضهم يقول: لا، في مقدمة صحيح مسلم قال عبد الله بن عمرو: إن سليمان بن داود عليه السلام أوثق شياطينه في البحر، يوشك أن تخرج على الناس فتقرأ عليهم قرآنا، شياطين سليمان أوثقها، قال: يوشك أن تخرج على الناس فتقرأ عليهم قرآنا وتكتب لهم بحوثا، وتنشر فيهم فتاوى، وهم لا يدرون مصدرها، فالإنسان يأخذ الدين ممن عرف نسبه في الدين.
الفائدة الثالثة: مسارعة الناس للباطل؛ لخفته عليهم، وثقل الحق عليهم، الناس يسارعون دائما في الباطل، الباطل خفيف والحق ثقيل، الحق ثقيل، ولذلك هنا انطلقوا كلهم خاصة النساء والصبيان، وهذا أكثر ما يتبع الدجال من هؤلاء النساء والضعفاء والأعراب والجهلة، هؤلاء هم اللي يتبعون الدجال، ما عندهم نور من نور النبوة، فيكثرون سواد أهل البدع، فالناس يسارعون في الباطل حتى يأتيهم من يردهم.
الفائدة الرابعة: أن بعض الناس يتصرف وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث بعد، من تصرفاته تفهم أنه ما يدري أن النبي بعث وأن الأمر انتهى وختم، فتجد أنه يحدث العبادة أو في الدعوة أو في الجهاد أو في غيره، تقول: يا أخي، محمد بعث صلى الله عليه وسلم والدين أكمل وختم.
ولهذا قال ابن مسعود هنا: إنه لم ينزل كتاب بعد نبيكم ولن ينزل، انتهى الأمر،وإنما عليكم بما قد نزل واكتمل.
والفائدة الخامسة: عدم التهاون في المحدثات، ولو كان ظاهرها الخير، وأصحابها نيتهم الخير، الآن هذه ظاهرة خير أنهم يجتمعون في المسجد ويصلون ويقرءون ونيتهم الخير، يريدون الجنة، ومع ذلك شدد عليهم ابن مسعود، أخذ يشير بثوبه ويقول: ويلكماخرجوا لا تعذبوا.
وهذه الفائدة السادسة قوله: اخرجوا لا تعذبوا، حتى لو كنت تصلي وجالس في المسجد قد تعذب. قوله: اخرجوا لا تعذبوا. قد تعذب لأنك الآن تغير نظام الإسلام، تأتي بأشياء محدثة نعم.
والآن قصة أخرى لابن مسعود، وابن مسعود هو كما قلت مرارا ابن مسعود وحذيفة خبراء في الفتن والمحدثات والأهواء، لو أن شخصا يتتبع آثارهم وكلامهم هذا جيد، وقد كانت محاضرة في هذا المسجد قبل سنوات طويلة لفضيلة الشيخ صالح آل الشيخ اسمها عهد ابن أم عبد، جمع فيها بعض الآثار عن ابن مسعود جيدة. نعم.
---------------------------------------------------------
"التحذير من البدع " شرح الشيخ عبد الرحمن بن صالح الحجي
http://www.taimiah.com/display.asp?PageID=7036&SearchText=الصبيان&SearchT ype=phrase&SearchLevel=Allword&cam=&CollectionName =Taimiah7
تعليق