الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه ، أما بعد:
فقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين بشيراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، أرسله بالهدى والرحمة ودين الحق وسعادة الدنيا والآخرة لمن آمن به وأحبه واتبع سبيله صلى الله عليه وسلم ، ولقد بلّغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، فجزاه الله عن ذلك خير الجزاء وأحسنه وأكمله .
وطاعته صلى الله عليه وسلم ، وامتثال أمره واجتناب نهيه من أهم فرائض الإسلام ، وهي المقصود من رسالته ، والشهادة له بالرسالة تقتضي محبته واتباعه والصلاة عليه في كل مناسبة ، وعند ذكرة ، لأن في ذلك أداء لبعض حقه صلى الله عليه وسلم ، وشكرا لله على نعمته علينا بإرساله صلى الله عليه وسلم .
وفي الصلاة عليه ، فوائد كثيرة منها : امتثال أمر الله سبحانه وتعالى ، والموافقة له في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، والموافقة لملائكته أيضا في ذلك ، قال الله تعالى : (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)[الأحزاب 56].
ومنها أيضا مضاعفة أجر المصلي عليه ، ورجاء إجابة دعائه ، وسبب لحصول البركة ، ودوام محبته صلى الله عليه وسلم ، وزيادتها وتضاعفها ، وسبب هداية العبد وحياة قلبه ، فكلما أكثر الصلاة عليه وذكره استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ، ولا شك في شيء مما جاء به .
كما أنه صلوات الله وسلامه عليه رغب في الصلاة عليه بأحاديث كثيرة ثبتت عنه ، منها ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً) وعنه رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً ، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( رَغِمَ أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل ِّ عليَّ ) .
وبما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في الصلوات في التشهد ، ومشروعة في الخطب والأدعية ، والإستغفار ، وبعد الأذان ، وعند دخول المسجد . والخروج منه ، وعند ذكره وفي مواضع أخرى ، فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب ، أو مؤلف ، أو رسالة ، أو مقال ، أو نحو ذلك ؛ لما تقدم من الأدلة ، والمشروع أن تكتب كاملة تحقيقا لما أمرنا الله تعالى به ، وليتذكرها القارئ عند مروره عليها ، ولا ينبغي عند الكتابة الإقتصار في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على كلمة ( ص ) أو ( صلعم ) وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين ؛ لما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله : ( صَلّوا عليه وَسَلِّموا تسلِيماً )[الأحزاب:56] . مع أنه لا يتم بها المقصود وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة صلى الله عليه وسلم كاملة ، وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها ، علماً بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذروا منه .
فقد قال ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث ، المعروف بمقدمة ابن الصلاح ، في النوع الخامس والعشرين من كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده ، قال ما نصه : ( التاسع : أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره ، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك فقد حرم حظاً عظيماً . وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه ، فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية ولا يقتصر فيه على ما في الأصل . وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه ، نحو عزل وجل وتبارك وتعالى وما ضاهى ذلك ) إلى أن قال : ( ثم ليتجنب في إثباتها نقصين : أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة رامزاً إليها بحرفين أو نحو ذلك . والثاني : أن يكتبها منقوصة معنى بألا يكتب وسلم ، وروي عن حمزة الكناني رحمه الله تعالى أنه كان يقول : كنت أكتب الحديث وكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه ولا أكتب وسلم ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، في المنام فقال لي مالك لا تتم الصلاة علي ّ؟ قال : فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه إلا كتبت وسلم ) إلى أن قال ابن الصلاح : قلت : ( ويكره أيضا الإقتصار على قوله (عليه السلام ) والله أعلم ) . انتهى المقصود من كلامه – رحمه الله تعالى – ملخصا .
وقال العلامة السخاوي رحمه الله تعالى في كتابه فتح المغيث في شرح ألفية الحديث للعراقي ما نصه : ( واجتنب أيها الكاتب ( الرمز لها ) أي الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في خطك ، بأن تقتصر منها على حرفين ونحو ذلك فتكون منقوصة صورة كما يفعله ( الكسائي ) والجهلة من أبناء العجم غالبا ، وعوام الطلبة ، فيكتبون بدلاً من صلى الله عليه وسلم ، ( ص ) أو ( صم ) أو ( صلعم ) فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتاب خلاف الأولى ) .
وقال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي : ( ويكره الإقتصار على الصلاة والتسليم هنا وفي كل مرة موضع شرعت فيه الصلاة ، كما في شرح مسلم وغيره لقوله تعالى : ( صَلّوا عَلَيه وَسَلِّموا تَسلِيماً ) [ الأحزاب56 ] . إلى أن قال : ( ويكره الرمز إليها في الكتابة بحرف أو حرفين كمن يكتب ( صلعم ) بل يكتبها بكمالها ) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخصا .
هذا وصيتي لكل مسلم وقارئ وكاتب ، أن يلتمس الفضل ويبحث عما فيه زيادة أجره وثوابه ، ويبتعد عما يبطله أو ينقصه . نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا إلى ما فيه رضاه ؛ إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى
المصدر العدد ( 111 ) ربيع الأول 1434هـ من مجلة الجندي المسلم صفحة 19
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه ، أما بعد:
فقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين بشيراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، أرسله بالهدى والرحمة ودين الحق وسعادة الدنيا والآخرة لمن آمن به وأحبه واتبع سبيله صلى الله عليه وسلم ، ولقد بلّغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، فجزاه الله عن ذلك خير الجزاء وأحسنه وأكمله .
وطاعته صلى الله عليه وسلم ، وامتثال أمره واجتناب نهيه من أهم فرائض الإسلام ، وهي المقصود من رسالته ، والشهادة له بالرسالة تقتضي محبته واتباعه والصلاة عليه في كل مناسبة ، وعند ذكرة ، لأن في ذلك أداء لبعض حقه صلى الله عليه وسلم ، وشكرا لله على نعمته علينا بإرساله صلى الله عليه وسلم .
وفي الصلاة عليه ، فوائد كثيرة منها : امتثال أمر الله سبحانه وتعالى ، والموافقة له في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، والموافقة لملائكته أيضا في ذلك ، قال الله تعالى : (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)[الأحزاب 56].
ومنها أيضا مضاعفة أجر المصلي عليه ، ورجاء إجابة دعائه ، وسبب لحصول البركة ، ودوام محبته صلى الله عليه وسلم ، وزيادتها وتضاعفها ، وسبب هداية العبد وحياة قلبه ، فكلما أكثر الصلاة عليه وذكره استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ، ولا شك في شيء مما جاء به .
كما أنه صلوات الله وسلامه عليه رغب في الصلاة عليه بأحاديث كثيرة ثبتت عنه ، منها ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً) وعنه رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً ، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( رَغِمَ أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل ِّ عليَّ ) .
وبما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في الصلوات في التشهد ، ومشروعة في الخطب والأدعية ، والإستغفار ، وبعد الأذان ، وعند دخول المسجد . والخروج منه ، وعند ذكره وفي مواضع أخرى ، فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب ، أو مؤلف ، أو رسالة ، أو مقال ، أو نحو ذلك ؛ لما تقدم من الأدلة ، والمشروع أن تكتب كاملة تحقيقا لما أمرنا الله تعالى به ، وليتذكرها القارئ عند مروره عليها ، ولا ينبغي عند الكتابة الإقتصار في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على كلمة ( ص ) أو ( صلعم ) وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين ؛ لما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله : ( صَلّوا عليه وَسَلِّموا تسلِيماً )[الأحزاب:56] . مع أنه لا يتم بها المقصود وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة صلى الله عليه وسلم كاملة ، وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها ، علماً بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذروا منه .
فقد قال ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث ، المعروف بمقدمة ابن الصلاح ، في النوع الخامس والعشرين من كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده ، قال ما نصه : ( التاسع : أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره ، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك فقد حرم حظاً عظيماً . وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه ، فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية ولا يقتصر فيه على ما في الأصل . وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه ، نحو عزل وجل وتبارك وتعالى وما ضاهى ذلك ) إلى أن قال : ( ثم ليتجنب في إثباتها نقصين : أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة رامزاً إليها بحرفين أو نحو ذلك . والثاني : أن يكتبها منقوصة معنى بألا يكتب وسلم ، وروي عن حمزة الكناني رحمه الله تعالى أنه كان يقول : كنت أكتب الحديث وكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه ولا أكتب وسلم ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، في المنام فقال لي مالك لا تتم الصلاة علي ّ؟ قال : فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه إلا كتبت وسلم ) إلى أن قال ابن الصلاح : قلت : ( ويكره أيضا الإقتصار على قوله (عليه السلام ) والله أعلم ) . انتهى المقصود من كلامه – رحمه الله تعالى – ملخصا .
وقال العلامة السخاوي رحمه الله تعالى في كتابه فتح المغيث في شرح ألفية الحديث للعراقي ما نصه : ( واجتنب أيها الكاتب ( الرمز لها ) أي الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في خطك ، بأن تقتصر منها على حرفين ونحو ذلك فتكون منقوصة صورة كما يفعله ( الكسائي ) والجهلة من أبناء العجم غالبا ، وعوام الطلبة ، فيكتبون بدلاً من صلى الله عليه وسلم ، ( ص ) أو ( صم ) أو ( صلعم ) فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتاب خلاف الأولى ) .
وقال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي : ( ويكره الإقتصار على الصلاة والتسليم هنا وفي كل مرة موضع شرعت فيه الصلاة ، كما في شرح مسلم وغيره لقوله تعالى : ( صَلّوا عَلَيه وَسَلِّموا تَسلِيماً ) [ الأحزاب56 ] . إلى أن قال : ( ويكره الرمز إليها في الكتابة بحرف أو حرفين كمن يكتب ( صلعم ) بل يكتبها بكمالها ) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخصا .
هذا وصيتي لكل مسلم وقارئ وكاتب ، أن يلتمس الفضل ويبحث عما فيه زيادة أجره وثوابه ، ويبتعد عما يبطله أو ينقصه . نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا إلى ما فيه رضاه ؛ إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى
المصدر العدد ( 111 ) ربيع الأول 1434هـ من مجلة الجندي المسلم صفحة 19