د.يوسف بن عبدالله الأحمد
الاختلاط في المستشفيات
صوره , حكمه بالأدلة , الفتوى
الاختلاط المحرم في المستشفيات بين الرجال والنساء له صور كثيرة ؛ منها :
* أول مراحل الاختلاط يبدأ في كلية الطب في السنة الثالثة أو الرابعة ، وفي كليات العلوم الطبية ، ويتم ذلك من خلال ترويض الطلاب والطالبات عليه، (الاختلاط في الممرات، وفي القاعات؛ فيمكن أن يدرس الطالبات رجل، ويمكن أن يدرس الطلاب امرأة ، فينكسر بذلك شبح الاختلاط، وتجرؤ المرأة على ترك عباءتها بين الرجال .
* الاختلاط في اجتماعات الأقسام الطبية ، وفي المحاضرات والندوات .
* الاختلاط في قاعات الدراسات العليا، التي تجمع عدداً قليلاً من الأطباء والطبيبات ، مع تبادل الحديث العلمي بينهم .
* اجتماع الطبيب بالممرضات ، أو أن يكون لكل طبيب ممرضةٌ في عيادته .
* أن يكون للطبيب سكرتيرة من النساء.
* اختلاط الرجال بالنساء في الأعمال الإدارية .
* تمريض النساء للرجال ، وتمريض الرجال للنساء.
* وتطبيبُ الرجال للنساء ، وتطبيب النساء للرجال .
* الاختلاط في أقسام العمليات بين الأطباء والفنيين والممرضين ، وبين الطبيبات والممرضات ، في غرف العمليات ، وغرفة الراحة .
* تخيير المريض بين الطبيب الرجل أو المرأة.
* تخيير طالبات الطب في فحص المرضى بين الرجل والمرأة . ويقولون : المرأة غير ملزمة بفحص الرجال .
(والصحيح المرأة لا تفحص إلا النساء) .
* إلزام الطبيبة بالكشف على الرجال .
وكل ما تقدم من صور الاختلاط محرم لا يجوز ، ومن الأدلة على تحريم الاختلاط :
الدليل الأول : قوله تعالى : ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن )) (الأحزاب) .
الدليل الثاني : حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : (( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ)) متفق عليه .
وما يحصل في المستشفيات من اختلاط، مخالف صراحة لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثالث : حديث أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ((رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ )) أخرجه أبو داود وغيره، وإسناده حسن بمجموع طرقه كما قال الألباني في الصحيحة .
الدليل الرابع : حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : ((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ)) أخرجه الترمذي بسند صحيح .
الدليل الخامس : حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ : ((رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ ، قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ )) أخرجه أبو داود بسند صحيح .
الدليل السادس : حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ )) أخرجه البخاري .
وفي رواية له تعليقاً بصيغة الجزم أنها قَالَتْ : (( كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) .
وروايةُ النَّسائي وسندُها جيد : ((إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الصَّلَاةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ)) .
فالنبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن دخول الرجال على النساء .
وفي المسجد لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال، و لا تؤذنَ لهم، ولا تقيم .
وجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- صفوف الرجال في الأمام، وصفوف النساء في الخلف ، ونظم الخروج من المسجد؛ يخرج النساء أولاً بعد السلام مباشرة قبل قيام الإمام، وما كان الناس يقومون حتى يقوم النبي- صلى الله عليه وسلم-، بل كان النساء ينصرفن فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولما حصل الاختلاط مرة في الطريق نهى عنه النبي- صلى الله عليه وسلم- ، وبين كيف يكون الحال إذا تقابل رجال ونساء في الطريق : أن النساء يكون لهن حافات الطريق، وخصص- عليه الصلاة والسلام- باباً للنساء في المسجد.
و لاحظ أن هذا كان في الإتيان إلى المساجد ، وفي زمن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- والصحابة ، والنساء في غاية الحشمة والحجاب، فهذه أدلة ظاهرة على حرمة الاختلاط لمن تجرد في ابتغاء الحق .
أما أصحاب الأهواء فلا يقنعهم شيء .
ومن أدلة حرمة الاختلاط: الآثار السلبية المترتبة عليه ، فقد شاهدت تبادل الضحكات بين الأطباء والطبيبات ؛ وبين الأطباء وطالبات الامتياز، وغير ذلك مما يدل على أن الحواجز قد كسرت بينهم .
ومن الآثار السلبية للاختلاط : ضعفُ الحجاب، والوقوعُ في التبرج من بعض النساء ؛ فإن المرأة ضعيفة ، يستشرفها الشيطان إذا خرجت بين الرجال، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
فأول الأمر نقاب ، ثم المكياج لما خرج من النقاب، ثم اللثام، ثم كشف الوجه، ثم كشف الناصية، ثم كشف الرأس كاملاً .
والتدرج يحصل كذلك في نوع اللباس: من اللون الأسود إلى الألوان الزاهية الجميلة، ولبس البنطال، حتى الرداء الطبي الأبيض، يحرص بعضهن أن يلبسنه أقصر مما هو على الرجال .
ويتزامن غالباً ضعف الحجاب من بعضهن، مع بداية الاختلاط أثناء الدراسة في كلية الطب، وأول خطوة في الاختلاط هي أن يتولى تدريس طالبات الطب رجل داخل القاعة.
وأصعب شيء تفعله طالبة الطب في السنة الرابعة هو: طي عباءتها في الحقيبة، عند دخولها في أول يوم للكلية المختلِطة، والمستشفى التعليمي، وهو أخطر قرار تتخذه طالبة الطب في سلم التسامح في الحجاب .
وحدثني عدد من الاستشاريين عن كثرة وجود العلاقات العاطفية، والتي تبدأ بأعلى درجاتها في سنة الامتياز، ونهاياتِها المشؤومة داخل المستشفيات وخارجها .
ومن الآثار السلبية للاختلاط : سلسلة طويلة من التحرش بالطبيبات، والعاملات، والمريضات كما أخبرني بذلك عدد من الاستشاريين، والإداريين في مستشفيات مختلفة.
وسمعت منهم قصصاً يشيب لها الرأس، ويتفطر لها قلب المؤمن .
ذكروا أن التحرشَ والاعتداء يكون غالباً بأحد طريقين :
الأول : طريق الابتزاز، ويحصل مع العاملات في الميدان الطبي،
الثاني : الاستغفال، ويحصل مع المرضى .
أما التوافق والعلاقاتُ العاطفية فله حديث آخر .
* والمجتمعات الغربية، تئن بسبب كثرة حمل السفاح، وكثرة الإجهاض ، والأرقام والدراسات لمعدل الاغتصاب والتحرش في الغرب لا تنقطع الصحف والمجلات عن ذكرها، كل ذلك بسبب الاختلاط .
وفي أحد التقارير السنوية لعدد الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية : أن عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها (180) مائة وثمانون حالةً يومياً .
علماً بأن الحالات المبلغ عنها أقل من10% من الواقع الفعلي ، فالعدد الفعلي إذن على أقل تقدير (1800) ألفٌ وثمانُمائة ، حتى بلغ عندهم عدد المراكز الطبية لعلاج آثار الاغتصاب أكثر من (700) سبعِمِائةِ مركز لعلاج ضحايا الاغتصاب .
وجاء في التقرير أن (2740) ( ألفين وسبعَمائةٍ وأربعين) مراهقة يومياً يحملن من السفاح .
أما الوقوع في الزنا بالتراضي، فهذا لا يذكره الغرب في هذه الدراسات؛ لأنه لا يعتبر جريمة عندهم، ولكن بدأ التحذير منه لأنه أعظمُ أسباب انتشار مرض الإيدز .
ونظراً لهذا كله بدأ الاتجاه في بعض المدارس، والجامعات إلى فصل الرجال عن النساء تماماً .
وأقول : لو لم يكن في منع الاختلاط إلا الآثارُ السلبية لكان كافياً في منعه .
ويَرِدُ على بعض العامة بشأن الاختلاط شبهتان :
الشبهة الأولى : أن الطواف بالبيت مختلط .
والجواب عن هذه الشبهة : أن الاختلاط الواقعَ اليوم في الطوافِ غيرُ جائز .
والطواف بالبيت لم يكن مختلطاً زمنَ النبي- صلى الله عليه وسلم- . فالنساء يطفن وحدهن دون الرجال .
كما قالت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- : ((كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله- صلى الله عليه- وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه )) . أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن .
وهذا ظاهر في أن النساءَ في مناسك الحج كنَّ على هيئةِ الجماعة، بعيدات عن الرجال، وقد حصل شيء من الاختلاط بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكره الخليفة .
قال ابن حجر : ((روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: : نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء ، قال : فرأى رجلاً معهن فضربه بالدَرَّة )) .
وسُئل عطاءُ ابنُ أبي رباح - التابعيُ الثقة - عن اختلاطِ نساءِ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرجال في الطواف فقال : (( لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ )) [1].
وهل أصرح من هذا الجواب .
ومعنى حجرة : أي معتزلة في ناحية ، أما الواقع فالواجب إصلاحه بما أمدنا الله جل وعلا من وسائل وإمكانات .
والشبهة الثانية التي تروجُ على بعضِ العامة في جوازِ الاختلاط : مداواةُ النساء للجرحى من الرجال في الجهاد في سبيل الله زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن هذه الشبهة يسير جداً : فإن المداواة هنا للضرورة ، أما الرجال فالجيش بأمس الحاجة إليهم في قتال الكفار .
قال ابنُ حجر في الفتحِ تعليقاً على حديث مداواة الجرحى : " وفيه جوازُ معالجةِ المرأة الأجنبية الرجلَ الأجنبيَ للضرورة .
قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم، ثم بالمُتجالات منهن (وهن كبيرات السن اللواتي لا يحتجبن كالشابات)، لأن موضعَ الجرحِ لا يلتَذُّ بلمسه، بل يَقشعر منه الجلد ، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة، ولا مس " أهـ كلامُ ابنِ بطال نقلاً عن الفتح .
فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم ، وهل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة، على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات، والسكرتارية، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة .
والسؤال هنا كيف يتم تصحيح حال المستشفيات من واقع الاختلاط ؟.
يتمنى كثير من الأطباءُ الأخيار، والطبيباتُ الخيرات ، وغيرُهم : منعَ الاختلاطِ في المستشفيات، لكنهم يشعرون بصعوبة التغيير .
وأطرح هنا حلاً للمتفائلين، وهو أن يكون التصحيح على مرحلتين :
* المرحلة الأولى على المدى القريب .
* المرحلة الثانية تكون على المدى البعيد .
أما المدى البعيد: فهو ما نادى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- ومن قبله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم- رحمه الله- وهو إيجادُ مستشفى خاصٍ بالنساء، وآخرُ بالرجال .
ويبدأ ذلك من دراسة الطب: كلية خاصة للنساء، وأخرى للرجال ، ومستشفى تعليمي للنساء، وآخرُ للرجال .
أما الحل الذي يكون على المدى القريب فيكون بأمور :
أولاً : وجودُ القناعة الشرعية بحرمةِ الاختلاط بالأدلةِ الشرعية كما سبق ذكره .
وتكرارُ الوعي فيه بين العاملين في الميدانِ الطبي وغيرِهم .
ثانياً : أن يقومَ ببيان ذلك للأطباء وطلاب الطب الأطباءُ أنفسُهم . فلابد أن يسمعَ طالب الطبِ من أستاذِه الصالح : أن الاختلاط محرمٌ شرعاً، وأن هذا الواقع لابد من إصلاحِه، و أن الجميع يتحمل واجب تغييره، وأنه لابد أن يتحقق إن شاء الله في يوم من الأيام .
وبيان ذلك من أساتذة الطب لطلابهم هو أفضل طريق لتخلص طلابِ الطب من عقدة الانهزامية في طرح القضايا الشرعية نظرياً أو عملياً، كموضوع منع الاختلاط ،وحفظ العورات.
وبعضُ الأطباء الصالحين لا يريد أن ينتقد فيسكت، أو يبرر واقع الاختلاط ، أو يقول بأن التغيير مستحيل، فينشر التثبيط وهو لا يشعر، والصواب أن لا يذكر ذلك حتى لو كانت هذه قناعته الشخصية، لأن الله قد يفتح على غيره من معرفة طرق الإصلاح ما لا يعلم .
ثالثاً : التدرج في منع الاختلاط: نتدرج مع الناس، ومع الأطباء ، فإنهم بحاجة لأن يتدرجوا مع أنفسهم في منع الاختلاط، لطول ما نشاؤا عليه، فيضع الأخيار تخطيطاً متدرجاً حتى يتم قبوله من الكثير.
فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها في المراحل الأولى؛ ومنها الدروس النظرية التي يقدمها أساتذة الطب لطالبات الطب، فهذه يجب أن تكون من وراء الهاتف أو الشبكة .
واجتماعات الأقسام اليومية أو الدورية، أو المحاضرات الطبية، ما المانع أيضاً أن تكون من وراء حجاب كما أمر الله تعالى، فيكون للنساء غرفة، وأخرى للرجال، ويكون النقاش من خلال الهاتف .
ومن الأمور اليسيرة في قسم العمليات : أن تخصص غرف للمريضات، وأخرى للرجال، فالتي تكون للنساء لا يدخلها إلا النساء من الطبيبات والفنيات والممرضات، وما دعت إليه الضرورة من الرجال .
وهكذا، فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها، وأخرى يسهل تقليل الاختلاط فيها، فإذا كان عدد الرجال الذين يتولون تدريس الطالبات الدروس العملية مثلاً خمسة، وأمكن تقليلهم إلى ثلاثة فهذا نجاح وخطوة إلى الأمام .
ومن التدرج : إلزام الطبيبات، والفنيات ، والممرضات المسلمات وغير المسلمات لباساً ساتراً وموحداً في لونه وصفته، وأن يكون التزامها بذلك في تقويمها الإداري أو الدراسي إن كانت طالبة .
وهذا كله كما بينت على سبيل التدرج ، وليس هو الأمر المنشود ، فالأصل ألا تخالط المرأةُ الرجال .
رابعاً : السعي في إنشاء كليات طب النساء والولادة ، كما هو الحال في كليات طب الأسنان، (ولكن تكون كليات طب النساء والولادة للطالبات فقط، ويتبعها مستشفى تعليمي للنساء والولادة )، وهذه الفكرة يتبناها عدد من أساتذة الطب الكبار عندنا، ( ويوجد في اليابان سبعة عشرة كلية لطب النساء والولادة ، ولا يدخلها إلا الطالبات فقط ) .
والسعي في أن تكون جميع كليات الطب على هذا الفصل .
خامساً : الانتفاع بالتعاميم الإدارية الصادرة من وزارة الصحة ، والكليات الطبية، وهي كثيرة ولله الحمد ، وعلى رأسها تعميم رئيس مجلس الوزراء وفقه الله رقم (759/8 في 5/10/1421هـ ) .
المتضمن : اعتماد منع الاختلاط بين النساء والرجال في الإدارات الحكومية ، أو غيرها من المؤسسات العامة، أو الخاصة أو الشركات، أو المهن ، ونحوها ومحاسبةُ المخالف كرامةً للأمة وإبعاداً لها عن أسباب الفتن والشرور ، كما جاء في نص التعميم .
سادساً : الانتفاع بفتاوى أهل العلم ونشرها بين طلاب الطب، والعاملين في المستشفيات، وأنقل ثلاث فتاوى :
الأولى: للإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ- رحمه الله- وجاء فيها : " .. وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلاج، ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص من المستشفى؛ فقسم الرجال لا يقربه النساء بحال ، ومثله قسم النساء؛ حتى تؤمن المفسدة، وتسير مستشفيات البلاد على وضع سليم من كل شبهة ، موافقاً لبيئة البلاد ودينها، وطبائع أهلها ، وهذا لا يكلف شيئاً، ولا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان ، فإن الإدارة واحدة ، والتكاليف واحدة ، مع أن ذلك متعين شرعاً مهما كلف"، انتهى كلام الإمام محمد بن إبراهيم رحمه الله .(13/221) .
والفتوى الثانية ، فتوى الإمام عبد العزيز بن باز- رحمه الله- ، وهذا نص السؤال : ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجل في مجال طب الأسنان ، هل يجوز ؟ علماً بأنه يتوافر أطباء من الرجال في نفس المجال ، ونفس البلد .
فأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز : لقد سعينا كثيراً مع المسؤولين لكي يكون طب الرجال للرجال، وطب النساء للنساء، وأن تكون الطبيبات للنساء، والأطباء للرجال في الأسنان وغيرها، وهذا هو الحق ؛ لأن المرأة عورة وفتنة إلا من رحم الله ، فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى، إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل ، فهذا لا بأس به ، والله يقول : ((وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )) (الأنعام 119) .
وإلا فالواجب أن يكون الأطباء للرجال، والطبيبات للنساء ، وأن يكون قسم الأطباء على حدة ، وقسم الطبيبات على حدة .
أو أن يكون مستشفى خاصاً للرجال، ومستشفى خاصاً للنساء حتى يبتعد الجميع عن الفتنة والاختلاط الضار .
هذا هو الواجب على الجميع ، انتهت فتوى الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله .
والفتوى الثالثة : فتوى اللجنة الدائمة في جوابها على استفتاء مدير جامعة الملك سعود، عن حكم تدريس الرجل للطالبات؟
الفتوى رقم (13947)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من معالي مدير جامعة الملك سعود ، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (432) في 25/ 5/ 1411هـ وقد سأل معاليه سؤالاً هذا نصه :
تعلمون سماحتكم أن جامعة الملك سعود تستوعب العدد الأكبر من الطالبات، مقارنة بغيرها من جامعات المملكة ، حيث تضم أكثر من (11000) طالبة؛ وذلك انطلاقاً من حاجة هذا البلد لإتاحة الفرصة للطالبات في مواصلة تعليمهن ، ولما للعلم من أهمية للمرأة المسلمة،
ولسد حاجة هذا البلد من المهن التي تحتاجها المرأة ، والاستغناء عن ظاهرة استقدام الأجنبيات؛ لتجنب السلبيات الناتجة عن ذلك، وكذلك لتوفير التعليم للطالبات السعوديات داخل المملكة؛ حتى لا يضطررن إلى السفر خارجها ، والدارسة في بيئات مختلفة العقيدة والعادات والثقافة، وحرصاً منا على سلامة منهج الجامعة، ورغبة في أن تتم جميع أمورها في إطار من نظرة الإسلام الخالدة للإنسان، وتنظيمه لشؤون حياته كلها، واستكمالاً للمفاهمة مع سماحتكم حول بعض المشكلات التي تواجهها الجامعة في تدريس الطالبات ، ومنها تدريس المقررات العلمية والطبية ومواد الدراسة العليا، والمواد الأخرى التي يصعب فيها شرح تلك العلوم بواسطة الدائرة التلفزيونية ؛ حين أن المحاضرة تكون معتمدة على تجارب حيوية يصعب توصيلها بالصورة، مثل مادة التشريح وغيرها، إلى جانب السلبيات الكثيرة التي بدت للجامعة، من التدريس بواسطة التلفاز، ولما يرافقه من مشكلات، منها متعلقة بالتشغيل، فكثيراً ما ينقطع الإرسال، أو يشوش على الطالبات، مما يتأثر به الجدول الدراسي، إذ تتداخل المحاضرات ، ومنها تشويش الطالبات بعضهن على بعض أثناء هذه المحاضرة، وعدم إيلائهن المحاضر الاهتمام الكافي، وصعوبة ضبط الفصل، وخاصة بالنسبة للمشرفات، وهن قلة في الجامعة، إلى جانب التكاليف الكبيرة في إنشاء أماكن البث والاستقبال، وهي كثيرة لكثرة أعداد الطالبات، والمتاعب الوفيرة في الصيانة، وصعوبة استقدام الفنيين المؤهلين بمرتبات عالية، أو التعاقد مع شركات الصيانة الباهظة الثمن، مما يكلف الجامعة الكثير، وحيث إن ذلك كله حادث بسبب قلة عضوات هيئة التدريس وندرتهن، وعدم تمكن كثير منهن من الحضور إلى المملكة في الأوقات المحددة، إلى جانب عدم الثقة المطلقة بمن يستقدمن من الخارج ، وخاصة الأجنبيات اللاتي تختلف ديانتهن وأخلاقهن ، وعاداتهن عما نسير عليه في هذا البلد الآمن ، الأمر الذي يستدعي أن تكثف الجهود لتخريج عضوات هيئة تدريس سعوديات مؤهلات، لتولي مهام التدريس للطالبات في المستقبل، وحتى نتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة إن شاء الله، بزمن قصير؛ لا بد من تمهيد الطريق إلى تلك المرحلة، بإعادة النظر في تدريس الطالبات بما يتفق، ونظر الشرع الكريم، سواء في المرحلة الجامعية أو ما بعد المرحلة الجامعية ، وحيث أن ديننا الإسلامي كما تعلمون سماحتكم يتميز ولله الحمد عن الأديان الأخرى باليسر المتمثل في قوله تعالى : ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) (سورة التغابن : 16) .
فإننا نعرض على سماحتكم هذه المشكلة، ونود أن تفيدونا وفقكم الله برأيكم الشرعي في إمكانية أن يقوم عضو هيئة التدريس الرجل، (في حالة الضرورة التي لا يتوافر فيها مدرسات) بتدريس الطالبات مباشرة، على أن يكنّ هؤلاء الطالبات محجبات حجاباً كاملاً، أو متنقبات تظهر أعينهن فقط؛ من أجل متابعة الشرح على السبورة، وخاصة من هن في نهاية المقاعد ،وكما يحدث عند الوعظ في المساجد، مع وضع الضوابط الكافية لحسن اختيار عضو هيئة التدريس من حيث نزاهته واستقامته، ومراقبة الطالبات مراقبة صارمة، من حيث المحافظة على الحجاب، والاحتشام الكامل، ومعاقبة المخالفات منهن بالحرمان من الامتحان، أو الطرد من الجامعة إذا تكررت مخالفتهن ، وغير ذلك من ضوابط يمكن أن تبحث عند تطبيق هذا النظام .
إننا نعتقد أن سماحتكم يشاركنا المشكلة التي يتعرض لها تعليم البنات في جامعة الملك سعود، كما نعتقد أنكم حريصون على مصلحة هذه الأمة ، نساءً ورجالاً، ومن هذا المنطلق فاتحنا سماحتكم بهذه الفكرة، راجين التكرم بالنظر فيها بما يحقق المصلحة للجميع، سائلين الله أن يثيبكم ، وأن يوفقكم لخير الدارين، إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بأنه لا يجوز للرجل تدريس البنات مباشرة، لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
عضو
نائب رئيس اللجنة
الرئيس
عبد الله بن غديان
عبد الرزاق عفيفي
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[1] أخرجه البخاري ح 1618.
منقول
الاختلاط في المستشفيات
صوره , حكمه بالأدلة , الفتوى
الاختلاط المحرم في المستشفيات بين الرجال والنساء له صور كثيرة ؛ منها :
* أول مراحل الاختلاط يبدأ في كلية الطب في السنة الثالثة أو الرابعة ، وفي كليات العلوم الطبية ، ويتم ذلك من خلال ترويض الطلاب والطالبات عليه، (الاختلاط في الممرات، وفي القاعات؛ فيمكن أن يدرس الطالبات رجل، ويمكن أن يدرس الطلاب امرأة ، فينكسر بذلك شبح الاختلاط، وتجرؤ المرأة على ترك عباءتها بين الرجال .
* الاختلاط في اجتماعات الأقسام الطبية ، وفي المحاضرات والندوات .
* الاختلاط في قاعات الدراسات العليا، التي تجمع عدداً قليلاً من الأطباء والطبيبات ، مع تبادل الحديث العلمي بينهم .
* اجتماع الطبيب بالممرضات ، أو أن يكون لكل طبيب ممرضةٌ في عيادته .
* أن يكون للطبيب سكرتيرة من النساء.
* اختلاط الرجال بالنساء في الأعمال الإدارية .
* تمريض النساء للرجال ، وتمريض الرجال للنساء.
* وتطبيبُ الرجال للنساء ، وتطبيب النساء للرجال .
* الاختلاط في أقسام العمليات بين الأطباء والفنيين والممرضين ، وبين الطبيبات والممرضات ، في غرف العمليات ، وغرفة الراحة .
* تخيير المريض بين الطبيب الرجل أو المرأة.
* تخيير طالبات الطب في فحص المرضى بين الرجل والمرأة . ويقولون : المرأة غير ملزمة بفحص الرجال .
(والصحيح المرأة لا تفحص إلا النساء) .
* إلزام الطبيبة بالكشف على الرجال .
وكل ما تقدم من صور الاختلاط محرم لا يجوز ، ومن الأدلة على تحريم الاختلاط :
الدليل الأول : قوله تعالى : ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن )) (الأحزاب) .
الدليل الثاني : حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : (( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ)) متفق عليه .
وما يحصل في المستشفيات من اختلاط، مخالف صراحة لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثالث : حديث أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ((رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ )) أخرجه أبو داود وغيره، وإسناده حسن بمجموع طرقه كما قال الألباني في الصحيحة .
الدليل الرابع : حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : ((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ)) أخرجه الترمذي بسند صحيح .
الدليل الخامس : حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ : ((رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ ، قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ )) أخرجه أبو داود بسند صحيح .
الدليل السادس : حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ )) أخرجه البخاري .
وفي رواية له تعليقاً بصيغة الجزم أنها قَالَتْ : (( كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) .
وروايةُ النَّسائي وسندُها جيد : ((إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الصَّلَاةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ)) .
فالنبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن دخول الرجال على النساء .
وفي المسجد لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال، و لا تؤذنَ لهم، ولا تقيم .
وجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- صفوف الرجال في الأمام، وصفوف النساء في الخلف ، ونظم الخروج من المسجد؛ يخرج النساء أولاً بعد السلام مباشرة قبل قيام الإمام، وما كان الناس يقومون حتى يقوم النبي- صلى الله عليه وسلم-، بل كان النساء ينصرفن فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولما حصل الاختلاط مرة في الطريق نهى عنه النبي- صلى الله عليه وسلم- ، وبين كيف يكون الحال إذا تقابل رجال ونساء في الطريق : أن النساء يكون لهن حافات الطريق، وخصص- عليه الصلاة والسلام- باباً للنساء في المسجد.
و لاحظ أن هذا كان في الإتيان إلى المساجد ، وفي زمن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- والصحابة ، والنساء في غاية الحشمة والحجاب، فهذه أدلة ظاهرة على حرمة الاختلاط لمن تجرد في ابتغاء الحق .
أما أصحاب الأهواء فلا يقنعهم شيء .
ومن أدلة حرمة الاختلاط: الآثار السلبية المترتبة عليه ، فقد شاهدت تبادل الضحكات بين الأطباء والطبيبات ؛ وبين الأطباء وطالبات الامتياز، وغير ذلك مما يدل على أن الحواجز قد كسرت بينهم .
ومن الآثار السلبية للاختلاط : ضعفُ الحجاب، والوقوعُ في التبرج من بعض النساء ؛ فإن المرأة ضعيفة ، يستشرفها الشيطان إذا خرجت بين الرجال، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
فأول الأمر نقاب ، ثم المكياج لما خرج من النقاب، ثم اللثام، ثم كشف الوجه، ثم كشف الناصية، ثم كشف الرأس كاملاً .
والتدرج يحصل كذلك في نوع اللباس: من اللون الأسود إلى الألوان الزاهية الجميلة، ولبس البنطال، حتى الرداء الطبي الأبيض، يحرص بعضهن أن يلبسنه أقصر مما هو على الرجال .
ويتزامن غالباً ضعف الحجاب من بعضهن، مع بداية الاختلاط أثناء الدراسة في كلية الطب، وأول خطوة في الاختلاط هي أن يتولى تدريس طالبات الطب رجل داخل القاعة.
وأصعب شيء تفعله طالبة الطب في السنة الرابعة هو: طي عباءتها في الحقيبة، عند دخولها في أول يوم للكلية المختلِطة، والمستشفى التعليمي، وهو أخطر قرار تتخذه طالبة الطب في سلم التسامح في الحجاب .
وحدثني عدد من الاستشاريين عن كثرة وجود العلاقات العاطفية، والتي تبدأ بأعلى درجاتها في سنة الامتياز، ونهاياتِها المشؤومة داخل المستشفيات وخارجها .
ومن الآثار السلبية للاختلاط : سلسلة طويلة من التحرش بالطبيبات، والعاملات، والمريضات كما أخبرني بذلك عدد من الاستشاريين، والإداريين في مستشفيات مختلفة.
وسمعت منهم قصصاً يشيب لها الرأس، ويتفطر لها قلب المؤمن .
ذكروا أن التحرشَ والاعتداء يكون غالباً بأحد طريقين :
الأول : طريق الابتزاز، ويحصل مع العاملات في الميدان الطبي،
الثاني : الاستغفال، ويحصل مع المرضى .
أما التوافق والعلاقاتُ العاطفية فله حديث آخر .
* والمجتمعات الغربية، تئن بسبب كثرة حمل السفاح، وكثرة الإجهاض ، والأرقام والدراسات لمعدل الاغتصاب والتحرش في الغرب لا تنقطع الصحف والمجلات عن ذكرها، كل ذلك بسبب الاختلاط .
وفي أحد التقارير السنوية لعدد الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية : أن عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها (180) مائة وثمانون حالةً يومياً .
علماً بأن الحالات المبلغ عنها أقل من10% من الواقع الفعلي ، فالعدد الفعلي إذن على أقل تقدير (1800) ألفٌ وثمانُمائة ، حتى بلغ عندهم عدد المراكز الطبية لعلاج آثار الاغتصاب أكثر من (700) سبعِمِائةِ مركز لعلاج ضحايا الاغتصاب .
وجاء في التقرير أن (2740) ( ألفين وسبعَمائةٍ وأربعين) مراهقة يومياً يحملن من السفاح .
أما الوقوع في الزنا بالتراضي، فهذا لا يذكره الغرب في هذه الدراسات؛ لأنه لا يعتبر جريمة عندهم، ولكن بدأ التحذير منه لأنه أعظمُ أسباب انتشار مرض الإيدز .
ونظراً لهذا كله بدأ الاتجاه في بعض المدارس، والجامعات إلى فصل الرجال عن النساء تماماً .
وأقول : لو لم يكن في منع الاختلاط إلا الآثارُ السلبية لكان كافياً في منعه .
ويَرِدُ على بعض العامة بشأن الاختلاط شبهتان :
الشبهة الأولى : أن الطواف بالبيت مختلط .
والجواب عن هذه الشبهة : أن الاختلاط الواقعَ اليوم في الطوافِ غيرُ جائز .
والطواف بالبيت لم يكن مختلطاً زمنَ النبي- صلى الله عليه وسلم- . فالنساء يطفن وحدهن دون الرجال .
كما قالت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- : ((كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله- صلى الله عليه- وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه )) . أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن .
وهذا ظاهر في أن النساءَ في مناسك الحج كنَّ على هيئةِ الجماعة، بعيدات عن الرجال، وقد حصل شيء من الاختلاط بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكره الخليفة .
قال ابن حجر : ((روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: : نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء ، قال : فرأى رجلاً معهن فضربه بالدَرَّة )) .
وسُئل عطاءُ ابنُ أبي رباح - التابعيُ الثقة - عن اختلاطِ نساءِ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرجال في الطواف فقال : (( لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ )) [1].
وهل أصرح من هذا الجواب .
ومعنى حجرة : أي معتزلة في ناحية ، أما الواقع فالواجب إصلاحه بما أمدنا الله جل وعلا من وسائل وإمكانات .
والشبهة الثانية التي تروجُ على بعضِ العامة في جوازِ الاختلاط : مداواةُ النساء للجرحى من الرجال في الجهاد في سبيل الله زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن هذه الشبهة يسير جداً : فإن المداواة هنا للضرورة ، أما الرجال فالجيش بأمس الحاجة إليهم في قتال الكفار .
قال ابنُ حجر في الفتحِ تعليقاً على حديث مداواة الجرحى : " وفيه جوازُ معالجةِ المرأة الأجنبية الرجلَ الأجنبيَ للضرورة .
قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم، ثم بالمُتجالات منهن (وهن كبيرات السن اللواتي لا يحتجبن كالشابات)، لأن موضعَ الجرحِ لا يلتَذُّ بلمسه، بل يَقشعر منه الجلد ، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة، ولا مس " أهـ كلامُ ابنِ بطال نقلاً عن الفتح .
فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم ، وهل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة، على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات، والسكرتارية، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة .
والسؤال هنا كيف يتم تصحيح حال المستشفيات من واقع الاختلاط ؟.
يتمنى كثير من الأطباءُ الأخيار، والطبيباتُ الخيرات ، وغيرُهم : منعَ الاختلاطِ في المستشفيات، لكنهم يشعرون بصعوبة التغيير .
وأطرح هنا حلاً للمتفائلين، وهو أن يكون التصحيح على مرحلتين :
* المرحلة الأولى على المدى القريب .
* المرحلة الثانية تكون على المدى البعيد .
أما المدى البعيد: فهو ما نادى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- ومن قبله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم- رحمه الله- وهو إيجادُ مستشفى خاصٍ بالنساء، وآخرُ بالرجال .
ويبدأ ذلك من دراسة الطب: كلية خاصة للنساء، وأخرى للرجال ، ومستشفى تعليمي للنساء، وآخرُ للرجال .
أما الحل الذي يكون على المدى القريب فيكون بأمور :
أولاً : وجودُ القناعة الشرعية بحرمةِ الاختلاط بالأدلةِ الشرعية كما سبق ذكره .
وتكرارُ الوعي فيه بين العاملين في الميدانِ الطبي وغيرِهم .
ثانياً : أن يقومَ ببيان ذلك للأطباء وطلاب الطب الأطباءُ أنفسُهم . فلابد أن يسمعَ طالب الطبِ من أستاذِه الصالح : أن الاختلاط محرمٌ شرعاً، وأن هذا الواقع لابد من إصلاحِه، و أن الجميع يتحمل واجب تغييره، وأنه لابد أن يتحقق إن شاء الله في يوم من الأيام .
وبيان ذلك من أساتذة الطب لطلابهم هو أفضل طريق لتخلص طلابِ الطب من عقدة الانهزامية في طرح القضايا الشرعية نظرياً أو عملياً، كموضوع منع الاختلاط ،وحفظ العورات.
وبعضُ الأطباء الصالحين لا يريد أن ينتقد فيسكت، أو يبرر واقع الاختلاط ، أو يقول بأن التغيير مستحيل، فينشر التثبيط وهو لا يشعر، والصواب أن لا يذكر ذلك حتى لو كانت هذه قناعته الشخصية، لأن الله قد يفتح على غيره من معرفة طرق الإصلاح ما لا يعلم .
ثالثاً : التدرج في منع الاختلاط: نتدرج مع الناس، ومع الأطباء ، فإنهم بحاجة لأن يتدرجوا مع أنفسهم في منع الاختلاط، لطول ما نشاؤا عليه، فيضع الأخيار تخطيطاً متدرجاً حتى يتم قبوله من الكثير.
فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها في المراحل الأولى؛ ومنها الدروس النظرية التي يقدمها أساتذة الطب لطالبات الطب، فهذه يجب أن تكون من وراء الهاتف أو الشبكة .
واجتماعات الأقسام اليومية أو الدورية، أو المحاضرات الطبية، ما المانع أيضاً أن تكون من وراء حجاب كما أمر الله تعالى، فيكون للنساء غرفة، وأخرى للرجال، ويكون النقاش من خلال الهاتف .
ومن الأمور اليسيرة في قسم العمليات : أن تخصص غرف للمريضات، وأخرى للرجال، فالتي تكون للنساء لا يدخلها إلا النساء من الطبيبات والفنيات والممرضات، وما دعت إليه الضرورة من الرجال .
وهكذا، فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها، وأخرى يسهل تقليل الاختلاط فيها، فإذا كان عدد الرجال الذين يتولون تدريس الطالبات الدروس العملية مثلاً خمسة، وأمكن تقليلهم إلى ثلاثة فهذا نجاح وخطوة إلى الأمام .
ومن التدرج : إلزام الطبيبات، والفنيات ، والممرضات المسلمات وغير المسلمات لباساً ساتراً وموحداً في لونه وصفته، وأن يكون التزامها بذلك في تقويمها الإداري أو الدراسي إن كانت طالبة .
وهذا كله كما بينت على سبيل التدرج ، وليس هو الأمر المنشود ، فالأصل ألا تخالط المرأةُ الرجال .
رابعاً : السعي في إنشاء كليات طب النساء والولادة ، كما هو الحال في كليات طب الأسنان، (ولكن تكون كليات طب النساء والولادة للطالبات فقط، ويتبعها مستشفى تعليمي للنساء والولادة )، وهذه الفكرة يتبناها عدد من أساتذة الطب الكبار عندنا، ( ويوجد في اليابان سبعة عشرة كلية لطب النساء والولادة ، ولا يدخلها إلا الطالبات فقط ) .
والسعي في أن تكون جميع كليات الطب على هذا الفصل .
خامساً : الانتفاع بالتعاميم الإدارية الصادرة من وزارة الصحة ، والكليات الطبية، وهي كثيرة ولله الحمد ، وعلى رأسها تعميم رئيس مجلس الوزراء وفقه الله رقم (759/8 في 5/10/1421هـ ) .
المتضمن : اعتماد منع الاختلاط بين النساء والرجال في الإدارات الحكومية ، أو غيرها من المؤسسات العامة، أو الخاصة أو الشركات، أو المهن ، ونحوها ومحاسبةُ المخالف كرامةً للأمة وإبعاداً لها عن أسباب الفتن والشرور ، كما جاء في نص التعميم .
سادساً : الانتفاع بفتاوى أهل العلم ونشرها بين طلاب الطب، والعاملين في المستشفيات، وأنقل ثلاث فتاوى :
الأولى: للإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ- رحمه الله- وجاء فيها : " .. وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلاج، ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص من المستشفى؛ فقسم الرجال لا يقربه النساء بحال ، ومثله قسم النساء؛ حتى تؤمن المفسدة، وتسير مستشفيات البلاد على وضع سليم من كل شبهة ، موافقاً لبيئة البلاد ودينها، وطبائع أهلها ، وهذا لا يكلف شيئاً، ولا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان ، فإن الإدارة واحدة ، والتكاليف واحدة ، مع أن ذلك متعين شرعاً مهما كلف"، انتهى كلام الإمام محمد بن إبراهيم رحمه الله .(13/221) .
والفتوى الثانية ، فتوى الإمام عبد العزيز بن باز- رحمه الله- ، وهذا نص السؤال : ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجل في مجال طب الأسنان ، هل يجوز ؟ علماً بأنه يتوافر أطباء من الرجال في نفس المجال ، ونفس البلد .
فأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز : لقد سعينا كثيراً مع المسؤولين لكي يكون طب الرجال للرجال، وطب النساء للنساء، وأن تكون الطبيبات للنساء، والأطباء للرجال في الأسنان وغيرها، وهذا هو الحق ؛ لأن المرأة عورة وفتنة إلا من رحم الله ، فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى، إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل ، فهذا لا بأس به ، والله يقول : ((وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )) (الأنعام 119) .
وإلا فالواجب أن يكون الأطباء للرجال، والطبيبات للنساء ، وأن يكون قسم الأطباء على حدة ، وقسم الطبيبات على حدة .
أو أن يكون مستشفى خاصاً للرجال، ومستشفى خاصاً للنساء حتى يبتعد الجميع عن الفتنة والاختلاط الضار .
هذا هو الواجب على الجميع ، انتهت فتوى الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله .
والفتوى الثالثة : فتوى اللجنة الدائمة في جوابها على استفتاء مدير جامعة الملك سعود، عن حكم تدريس الرجل للطالبات؟
الفتوى رقم (13947)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من معالي مدير جامعة الملك سعود ، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (432) في 25/ 5/ 1411هـ وقد سأل معاليه سؤالاً هذا نصه :
تعلمون سماحتكم أن جامعة الملك سعود تستوعب العدد الأكبر من الطالبات، مقارنة بغيرها من جامعات المملكة ، حيث تضم أكثر من (11000) طالبة؛ وذلك انطلاقاً من حاجة هذا البلد لإتاحة الفرصة للطالبات في مواصلة تعليمهن ، ولما للعلم من أهمية للمرأة المسلمة،
ولسد حاجة هذا البلد من المهن التي تحتاجها المرأة ، والاستغناء عن ظاهرة استقدام الأجنبيات؛ لتجنب السلبيات الناتجة عن ذلك، وكذلك لتوفير التعليم للطالبات السعوديات داخل المملكة؛ حتى لا يضطررن إلى السفر خارجها ، والدارسة في بيئات مختلفة العقيدة والعادات والثقافة، وحرصاً منا على سلامة منهج الجامعة، ورغبة في أن تتم جميع أمورها في إطار من نظرة الإسلام الخالدة للإنسان، وتنظيمه لشؤون حياته كلها، واستكمالاً للمفاهمة مع سماحتكم حول بعض المشكلات التي تواجهها الجامعة في تدريس الطالبات ، ومنها تدريس المقررات العلمية والطبية ومواد الدراسة العليا، والمواد الأخرى التي يصعب فيها شرح تلك العلوم بواسطة الدائرة التلفزيونية ؛ حين أن المحاضرة تكون معتمدة على تجارب حيوية يصعب توصيلها بالصورة، مثل مادة التشريح وغيرها، إلى جانب السلبيات الكثيرة التي بدت للجامعة، من التدريس بواسطة التلفاز، ولما يرافقه من مشكلات، منها متعلقة بالتشغيل، فكثيراً ما ينقطع الإرسال، أو يشوش على الطالبات، مما يتأثر به الجدول الدراسي، إذ تتداخل المحاضرات ، ومنها تشويش الطالبات بعضهن على بعض أثناء هذه المحاضرة، وعدم إيلائهن المحاضر الاهتمام الكافي، وصعوبة ضبط الفصل، وخاصة بالنسبة للمشرفات، وهن قلة في الجامعة، إلى جانب التكاليف الكبيرة في إنشاء أماكن البث والاستقبال، وهي كثيرة لكثرة أعداد الطالبات، والمتاعب الوفيرة في الصيانة، وصعوبة استقدام الفنيين المؤهلين بمرتبات عالية، أو التعاقد مع شركات الصيانة الباهظة الثمن، مما يكلف الجامعة الكثير، وحيث إن ذلك كله حادث بسبب قلة عضوات هيئة التدريس وندرتهن، وعدم تمكن كثير منهن من الحضور إلى المملكة في الأوقات المحددة، إلى جانب عدم الثقة المطلقة بمن يستقدمن من الخارج ، وخاصة الأجنبيات اللاتي تختلف ديانتهن وأخلاقهن ، وعاداتهن عما نسير عليه في هذا البلد الآمن ، الأمر الذي يستدعي أن تكثف الجهود لتخريج عضوات هيئة تدريس سعوديات مؤهلات، لتولي مهام التدريس للطالبات في المستقبل، وحتى نتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة إن شاء الله، بزمن قصير؛ لا بد من تمهيد الطريق إلى تلك المرحلة، بإعادة النظر في تدريس الطالبات بما يتفق، ونظر الشرع الكريم، سواء في المرحلة الجامعية أو ما بعد المرحلة الجامعية ، وحيث أن ديننا الإسلامي كما تعلمون سماحتكم يتميز ولله الحمد عن الأديان الأخرى باليسر المتمثل في قوله تعالى : ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) (سورة التغابن : 16) .
فإننا نعرض على سماحتكم هذه المشكلة، ونود أن تفيدونا وفقكم الله برأيكم الشرعي في إمكانية أن يقوم عضو هيئة التدريس الرجل، (في حالة الضرورة التي لا يتوافر فيها مدرسات) بتدريس الطالبات مباشرة، على أن يكنّ هؤلاء الطالبات محجبات حجاباً كاملاً، أو متنقبات تظهر أعينهن فقط؛ من أجل متابعة الشرح على السبورة، وخاصة من هن في نهاية المقاعد ،وكما يحدث عند الوعظ في المساجد، مع وضع الضوابط الكافية لحسن اختيار عضو هيئة التدريس من حيث نزاهته واستقامته، ومراقبة الطالبات مراقبة صارمة، من حيث المحافظة على الحجاب، والاحتشام الكامل، ومعاقبة المخالفات منهن بالحرمان من الامتحان، أو الطرد من الجامعة إذا تكررت مخالفتهن ، وغير ذلك من ضوابط يمكن أن تبحث عند تطبيق هذا النظام .
إننا نعتقد أن سماحتكم يشاركنا المشكلة التي يتعرض لها تعليم البنات في جامعة الملك سعود، كما نعتقد أنكم حريصون على مصلحة هذه الأمة ، نساءً ورجالاً، ومن هذا المنطلق فاتحنا سماحتكم بهذه الفكرة، راجين التكرم بالنظر فيها بما يحقق المصلحة للجميع، سائلين الله أن يثيبكم ، وأن يوفقكم لخير الدارين، إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بأنه لا يجوز للرجل تدريس البنات مباشرة، لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
عضو
نائب رئيس اللجنة
الرئيس
عبد الله بن غديان
عبد الرزاق عفيفي
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[1] أخرجه البخاري ح 1618.
منقول