التِّبيان لأسماء شهر شعبان
الحمدُّ لله الذي له الأسماء الحسنى، أحمده سبحانه أن أحيا وأفنى، ثم أحمده جل في علاه أن أغنى وأقنى ، ثم الصلاة والسلام على ذي المقام الأسنى؛محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تسنّى.
أما بعد:
فإنّ ممّا أجمع عليه أهل العقول أنّ الشيء إنما يحب ويمدح أو يذمّ ويقبّح باعتبار ما أحاط به من صفات فإن اتّصف بصفات الجمال والنّوال أحبّته القلوب وتاقت إليه النّفوس وإن اتّصف بصفات القبح والشّر رغبت عنه النّفوس وكرهته القلوب،
وحبّ كلّ شيء في الدنيا أو كرهه منوط بصفاته، وليس شيء في الوجود يُحب ويُمدح لذاته إلا الله جلّ في علاه.
وشهر شعبان شهر قد اقترنت به أسماء وصفات رفعت بين الشّهور مقامه وحبّبت إلى النّاس ساعاته وأيّامه،ومن تلك الأسماء:
العاذل:وسمي بذلك لأن فيه يكون أول الحّر و هو أول أشهر الصيف قال ابن فارس: الْعَيْنُ وَالذَّالُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى حَرٍّ وَشِدَّةٍ فِيهِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يُقَارِبُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ اعْتَذَلَ الْحَرُّ: اشْتَدَّ.
قال عبد الله بن المعتز
أُوْلَى الشُّهُورِ بِشُرْبٍ ... شَعْبانُ فِي أَيْلُولِ
قَدْ زَادَ فِي اللَّيْلِ لَيْلٌ ... وَطَابَ ظِلُّ الَمقِيلِ
والعرب قديما كانت تحب الحر وتمدحه مالم يفحش بخلاف البرد. قاله صاحب "الأزمنة".
واستمر ذلك في العرب إلى يوم النّاس هذا حتى أنّك تسمعهم اليوم يقولون فلان حار:يريدون أنه فحل غيور لا يرضى بالدّون وفلان بارد: يقولون هو ناقص
ويسمّى الوَعِلُ:والوعل بكسر العين الملجأ ذلك أن شهر شعبان يأتي بعد شهر رجب والعرب في الجاهلية تسميه الأصملأَنَّ السلاحَ يُغْمَدُ فيه فلا يُسْمَعُ وَقْع الحديدِ بَعْضِهِ على بَعْضٍ، ويُسَمَّى مُنْصِلَ الأَسِنَّةِ، لأنَّهُ كانتْ تُنزَعُ فيه الأَسِنَّةُ للأمْنِ والكَفِّ عن القتالِ.
و رجب من الأشهر الحرم التي حرَّم الله فيها القتال فإذا انقضى حلّ القتال كما قال الله عز وجل:﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ فاحتاج النَّاس لذلك إلى ملاجىء يلجئون إليهافسمّي الشّهر بذلك.
ويُسمّى شهر شعبان بالعجلان :وذلك لسُرْعَة نَفَادِ أَيَّامه؛ قَالَ ابْنُ سِيده "المحكم والمحيط الأعظم": وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بقَوِيٍّ لأَن شَعْبان إِن كَانَ فِي زَمَنِ طُول الأَيام فأَيَّامُه طِوالٌ وإِن كَانَ فِي زَمَنِ قِصَر الأَيام فأَيَّامُه قِصارٌ، قال ابن منظور: وَهَذَا الَّذِي انْتَقَدَه ابنُ سِيدَهْ لَيْسَ بِشَيْءٍ لأَن شَعْبَانَ قَدْ ثَبَتَ فِي الأَذهان أَنه شَهْرٌ قَصِيرٌ سَرِيعُ الِانْقِضَاءِ فِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ لأَن الصومَ يَفْجَأُ فِي آخِرِهِ فَلِذَلِكَ سُمِّي العَجْلان.إ ه
وأكثر من يحس بسرعة مرور أيام شعبان من صام أيامه،وكذالك القراء الذين يجعلون من هذا الشهر شهرا لمراجعة كتاب الله جل وعلا.
ويسمّى: شهرُ التّحول لأنه فيه حولت القبلة من من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ، وذلك فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ.
قال الشيخ أحمد سحنون الجزائري
ته دلالا شعبان في كل عام … حزت ما تستحق من إكرام
في تاريخ الإسلام قد كنت … تحويلا لإرساء منهج الإسلام
حولت قبلة الصلاة من "القدس" … إلى "مكة" لمعنى سام
هو تحويل دعوة الحق من أبناء … إسحاق بعد طول مقام
ليقوم بها بنو الأخ إسماعيل … آباء يعرب بدوام
فبشعبان حولت قبلة الدين … وفيه قد كان فرض الصيام
وهو باب لشهر رمضان شهر … الخير شهر الصيام شهر القيام
ويسمى شهر القراء: قال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القرّاء .وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن
وأنا لازلت أرى القراء خاصة الذين يصلّون بالناس القيام في رمضان إذا دخل عليهم شهر شعبان تفرغوا لمراجعة القرآن حتى يقوموا به للنّاس في شهر رمضان
ويسمى شهر الغفلة: لقول النّبي صلّى الله عليه وسلم:" ذلك شهر يغفل الناس عنه"
والعبادة حين غفلة الناس من أفضل العبادات وأحبها إلى الله جل وعلا
عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، رَدَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»رواه مسلم
قال النووي- رحمه الله-: وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ النّاس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد.
ولو لم يكن لهذ الشهر فضيلة سوى أنه دفّة شهر رمضان العليا لكفته، وأي شهر أعظم من شهر رمضان ودفة الشيء منه ألم تر إلى قول النّبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل:أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: «شَعْبَانُ لِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ»رواه الترمذي وضعفه الألباني
فتعظيم شعبان من تعظيم رمضان فعظموا ما عظم الله ورسوله فإن ذلك من تقوى القلوب.