بسم الله الرحمن الرحيم
محاضرة بعنوان
أسباب محبة الله للعبد
لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
رابط الصوتية
المدة: 1:18:22
محاضرة بعنوان
أسباب محبة الله للعبد
لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
رابط الصوتية
المدة: 1:18:22
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين هذا الموضوع ، موضوع مهم جدا ، وهو أسباب محبة الله للعبد ولكن قبل ذلك لابد أن نبين محبة العبد لله عز وجل لأن هذا هو أصل العبادة ، أصل العبادة محبة الله سبحانه وتعالى ، محبة العبد لله عزوجل ، فالعبادة أصلها الحب ثم بالخوف والرجاء والرغبة والرهبة والتوكل الخ أنواع العبادة ولكن أساسها ومدارها على المحبة ، محبة الله سبحانه وتعالى .
فالعبادة هي غاية الحب مع غاية الذل لله سبحانه وتعالى كما قال الإمام ابن القيم :
وعبادة الرحمن غاية حبــه ـ ـ ـ ـ مع ذل عابــده هما قطبــــان
وعليهما فلك العبادة دائـــر ـ ـ ـ ـ ما دار حتى قامت القطبـــان
ومداره بالأمر أمر رسوله ـ ـ ـ ـ لا بالهوى والرأي والشيطـان
فمحبة الله تقتضي الذل له سبحانه وتعالى والخضوع بين يديه والتقرب إليه بما شرع من أنواع العبادات الكثيرة قال الله سبحانه وتعالى : (( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله)) لأن المشركين يحبون الله ولكنهم أحبوا معه غيره ، من الأصنام والأنداد ، يحبونهم كحب الله ، أما المؤمنون فإن محبتهم خالصة لله عزوجل (( أشد حبا لله )) من محبة أصحاب الأصنام لله لأن محبة المؤمنين خالصة ومحبة المشركين لله مشتركة ، فالله جل وعلا يُحَب لذاته ، ولأسمائه وصفاته ولأفعاله سبحانه وتعالى ، أما محبة المال ومحبة الولد ومحبة الوالدين هذه محبة طبيعية ليس معها ذل ولا خضوع ولا تعبد ، محبة طبيعية بموجب القرابة والإحسان فلا يلام الإنسان عليها ، إنما المحبة الشركية هي محبة العبادة هذه هي المحبة الشركية التي كان عليها المشركون .
فالمؤمن يحب الله محبة خالصة وكذلك يحب من يحبه الله من ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده الصالحين وهذا يسمى الحب في الله .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " من أحب في الله ووالى في الله وعاد في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك " . تنال ولاية الله ـ أي محبته للعبد ـ بذلك أي بهذه الأمور، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ".
هذه علامات المحبة ، وعلامة محبة الله اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم قالت اليهود والنصارى أنهم يحبون الله فامتحنهم الله بقوله : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) (( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )) .
فعلامة محبة الله محبة صحيحة حقيقية اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمن ادّعى أنه يحب الله ولكنه لا يتبع الرسول فهذا كذاب ومثله من يدّعي أنه يحب الله ويتقرب إلى الله بالبدع والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، الله جلّ وعلا لا يرضى إلا بما شرع فمن يحب الله يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وأما من جاء بالبدع والمحدثات والمخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم فليس بمحب لله وإن ادّعى أنه يحب الله عزوجل ، فهذه محبة الله سبحانه وتعالى ، محبة العبد لله عزوجل وهذه علامتها (( قل إن كنتم تحبون الله )) وهذا ليس خاصا باليهود والنصارى وإنما هو عام لكل من يدّعي أنه يحب الله وهو لا يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فليس صادقا لأن علامة محبة الله حقيقة اتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا جانب ، محبة العبد لله عزوجل ، وليس العبادة قاصرة على محبة الله عز وجل بل المحبة هي الأساس ومعها أنواع العبادة كالخوف والرجاء .
فالرسل والأنبياء والصالحون يحبون الله وهم مع محبتهم لله يخافونه ويرجونه (( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا )) .
فلابد من الخوف والرجاء مع المحبة وكذلك بقية أنواع العبادة ، أما الصوفية فإنهم يقولون نحن لا نعبد الله خوفا ولا رجاء لا طمعا في جنته ولا خوفا من ناره وإنما نعبده لأننا نحبه فقط ، فهذا ضلال والعياذ بالله ، يعني هم خير من الرسل والأنبياء يرجون رحمته ويخافون عذابه قال تعالى : (( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين )) .
فهذه محبة الله محبة العبد لله عز وجل فمن أحب الله وأقام الدليل على ذلك على صدق محبته لله ، فإن الله يحبه سبحانه وتعالى ، من أحب الله صادقا وقام بعبادته أحبه الله عز وجل ، وإذا أحبه الله فإنه يسعد سعادة لا شقاء بعدها ، إذا أحبه الله كان الله معه يسدده ويوفقه ويرشده ويهديه كما في الحديث القدسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والحديث في صحيح البخاري قال إن الله جل وعلا قال : " من عادى لي وليا فقد بارزته بالمحاربة وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه " . فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم كنت سمعه وبصره ويده ورجله معناه أن الله يوفقه ويسدده في أقواله وأعماله ويكون معه بالنصر والتأييد والحفظ هذا معناه ، ولهذا قال في آخر الحديث ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ، فآخر الحديث يفسر أوله ، أن معنى كون الله مع من أحبه ويكون سمعه وبصره ويده ورجله أي أن الله يوفقه في كل أقواله وأفعاله ونياته ومقاصده .
فدلّ هذا الحديث العظيم على أن من أعظم أسباب محبة الله للعبد أن يتقرب إليه بالنوافل بعد الفرائض ، يتقرب إليه بنوافل العبادات بعد فرائضها أما من يتقرب إلى الله بالنوافل مع إضاعة الفرائض فالله لا يقبل منه ، لابد من الفرائض أولا ، ثم بعد الفرائض يتقرب إلى الله بنوافل العبادات ، فحينئذ يحبه الله وإذا أحبه الله سدّده ووفقه وأعانه وكان معه سبحانه وتعالى .
هذا من أسباب محبة الله للعبد تقرب إليه بالفرائض ثم بالنوافل والمداومة على ذلك .
من أسباب محبة الله للعبد الجهاد في سبيل الله قال تعالى : (( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص )) وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )) .
فذكر سبين من أسباب محبة الله للعبد : السبب الأول أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وهذا معناه الولاء والبراء فيكونون أذلة على المؤمنين بمعنى أنهم يحبونهم ويوالونهم ويواسونهم ، أعزة على الكافرين يتبرئون منهم ويجاهدونهم ويقاتلونهم ويتبرئون منهم ومن دينهم ، هذا السبب ، الولاء والبراء الذي تنال به محبة الله عزوجل لعبده .
الأمر الثاني : يجاهدون في سبيل الله ، لا يجاهدون طلبا للمال ولا طلبا للمدح والثناء وطلب المال والغنيمة فقط ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم ما يلتفتون إلى من يثبطهم ومن يخذلهم ومن يتهاون بالجهاد في سبيل الله ولا يرى الجهاد في سبيل الله لا يرى له قيمة أو يعتبره وحشية أو يعتبره قسوة كما ينادي به من ينادي اليوم من الذين ينكرون الجهاد في سبيل الله ويقولون الإسلام ليس دين جهاد ولا دين قتال إنما هو دين تسامح ودين محبة ، هذا من جهلهم أو ضلالهم والعياذ بالله ، فالجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله هذا هو أعظم أسباب محبة الله جلّ وعلا لعبده وكفى بهذا شرفا الجهاد في سبيل الله .
كذلك الله سبحانه وتعالى أخبر أنه يحب المتقين ويحب المحسنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين هذه كلها أسباب محبة الله لعبده أن يكون من المتقين ، والتقوى هي فعل ما أمر الله جل وعلا به ، رجاء ثوابه وترك ما نهى الله عنه خوفا من عقابه ، هذه هي التقوى سميت تقوى لأنها تقي العبد مما يخاف ، تقيه من النار ، تقيه من غضب الله ، تقيه مما يكره فهي وقاية ، (( قوا أنفسكم وأهليكم نارا )) بماذا نقي أنفسنا وأهلينا النار ؟ بتقوى الله سبحانه وتعالى ، بطاعة الله ، (( قوا أنفسكم وأهليكم نارا )) فسميت تقوى لأنها تقي من عذاب الله ومن غضب الله ، ومن المكروهات فالله يحب المتقين الذين يؤدون ما أوجب الله عليهم طمعا في ثواب الله ويتركون ما نهاهم الله عنه خوفا من عقاب الله ، لهذا يحبهم الله سبحانه وتعالى ، يحب المتقين .
يحب التوابين الذين يقعون في الذنوب ثم يتوبون خوفا من الله سبحانه وتعالى، وانظروا إلى سعة فضل الله ، أنهم عصوا الله وخالفوا أمره لكن لما تابوا تاب الله عليهم ، وأحبهم ، يحب التوابين ، أي الذين يتوبون من ذنوبهم لأن الإنسان ليس معصوما يقع منه الخلل ، يقع منه المخالفة لكنه إذا تاب إلى الله تاب الله عليه وأحبه ، يحب التوابين ، التوابين كثيري التوبة (( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون )) وكلما أذنبوا ذنبا تابوا إلى الله ، توبة صحيحة فتاب الله عليهم ، وأحبهم وغفر لهم، وأكرمهم هذا من حلمه سبحانه ، وفضله وإحسانه ورحمته بعباده ، يحب التوابين . ويحب المتطهرين ، المتطهرين من الذنوب الطهارة المعنوية ، المتطهرين من الذنوب والخطايا ، المتطهرين بالطاعات والقربات ، يحب المتطهرين الطهارة المعنوية بتزكية نفوسهم بالأعمال الصالحة وفعل الخيرات ، ويحب المتطهرين الطهارة الحسية ، من النجاسات والخبائث ، فيتطهرون من النجاسات ، يتطهرون من الحدث الأكبر والأصغر للصلاة ، بالوضوء وبالإغتسال ويتطهرون من النجاسات التي تصيب ثيابهم أوأبدانهم فيغسلونها ويتطهرون منها طاعة لله سبحانه وتعالى ، هؤلاء يحبهم الله ، يحب التوابين ويحب المتطهرين .
الله جلّ وعلا يحب المحسنين ، الذين يفعلون الإحسان والإحسان هو الإتقان ، والإتمام وبدل الخير للمحتاجين ، فالإحسان يكون بين العبد وبين ربه ، وذلك بعبادة الله وإخلاص الدين لله وإتقان العمل لله عزوجل وصلاح النية ، والقصد كما في الحديث ، قال : (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك) هذا فيما بين العبد وبين ربه ، هذا هو الإحسان بين العبد وبين ربه ، أن يعبد الله مخلصا له ، موقنا بما عنده كأنه يراه ، رؤية عين . فإن لم يبلغ هذه المرتبة فليعلم أن الله يراه فيخاف من الله ، يخاف من الله عزوجل لأنه يراه ويبصره في تصرفاته وتقلباته ، حتى ما في قلبه ، يراه الله ويعلمه الله سبحانه وتعالى ، وأما الإحسان فيما بين العبد وبين الخلق فهو أن يبذل لهم النفع ، يبذل لهم ما فيه نفع وخير ويدفع عنهم ما فيه شر وأذى ، هذا هو الإحسان فيما بين العبد وبين الناس ، أولا يؤدي إليهم حقوقهم التي لهم عليه ، يؤديها لهم ، هذا من الإحسان ، ثانيا : يسدي إليهم المعروف ، بالمال وبالجاه وبالعلم ، وبالدعوة إلى الله وبالتعليم، هذا من الإحسان إلى الخلق تعلم الجاهل ، تُذكر الغافل تأمر بالمعروف تنهى عن المنكر لأجل إنقاذ أخيك ، مما وقع فيه هذا من الإحسان إليه ، وليس من الإحسان إليه أن تسكت عنه ، وأن تجامله وأن تستحي منه تقول هذا من الإحسان إليه ، لا ، هذا من الغش لكن يكون ذلك فيما بينك وبينه وبطريقة سرية وبطريقة الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، هذا من الإحسان إلى الخلق ، أعظم الإحسان إلى الخلق أن تسدي إليهم الخير في دينهم ، تعليمهم ، نصحهم ، أمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر هذا أعظم من أن تبذل لهم المال ، وإن كان المال فيه خير وفيه منفعة لكن الإحسان إليهم بالنوع الأول هذا أعظم وجوه الإحسان ، وكذلك تحسن إليهم بالمال ، تتصدق ، على المحتاج ، تساعد المدين المعسر تسامح من لك عليك حق تسامحه ، تخفف عنه فتحسن الإقتضاء منه هذا من الإحسان إليه ، بل لا يقتصر الإحسان على الإنسان بل يتعدى إلى البهائم ، تحسن إلى البهائم حتى إلى الكلاب إلى القطط تحسن إليها قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ". تحسن إلى البهائم بإطعامها وسقيها ، ودفع الضرر عنها ، فهذه امرأة بغي من بني إسرائيل لما رأت كلبا يلهث وردت على ماء في بئر وشربت منه ، فلما ظهرت من البئر رأت كلبا يلهث من شدة العطش ويمص التراب من شدة العطش ، فنزلت إلى البئر مرة ثانية ، وملئت خفها بالماء ثم خرجت به وسقت الكلب فشكر الله لها ذلك وغفر لها . بينما عذب الله امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض فدخلت النار والعياذ بالله . فالذي يقوم بهذه الأعمال مع الله أولا، ثم مع خلقه ، ثم مع البهائم ،(..) فإنه من المحسنين فيحبه الله سبحانه وتعالى .
والله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا أمر الملائكة أن تحبه في السماء ثم يأمر من في الأرض أن يحبوهم إني أحب فلانا فأحبوه ، فيضع الله له القبول في الأرض فيحبه الناس (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )) .
فالذي يريد محبة الله عزوجل يتقرب إليه ، بهذه الأنواع من العبادات وفي غيرها ، تقرب إلى الله حتى يكون ممن يحبهم الله ويحبونه .
ومحبة الله جل وعلا صفة من صفاته ، محبته لعباده صفة من صفاته ، ليست كمحبة المخلوق ، فمحبة المخلوق صفة من صفات المخلوق تليق به ، محبة الله صفة من صفاته سبحانه تليق بالله ليست كمحبة المخلوق للمخلوق ، لما بين الخالق والمخلوق من الفرق العظيم ، فهذه بعض أسباب محبة الله لعبده .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم حبه وحب من يحبه ، وحب عمل يقربنا إلى حبه سبحانه وتعالى ، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
المصدر :
شريط بعنوان أسباب محبة الله للعبد
لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
قام بالتفريغ كمال زيادي بقسنطينة 11 ذو القعدة 1432 هـ .