العلماءُ زينةُ البلادِ
الحمد لله رب العالمين، و صلى الله و سلم على نبينا محمد الأمين، و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإنه من الحكم التي لأجلها خلق الله تعالى النجوم أن جعلها علامات يهتدى بها في ظلمات البر و البحر قال الله تعالى {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل 16]، و كذلك جعلها زينة للسماء و رجوما للشياطين قال الله عز و جل {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} [الملك 5]، قال قتادة : "{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} خلق هذه النجوم لثلاث : جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به" رواه البخاري في صحيحه.
و كذلك العلماء كالنجوم؛ فهم هداة مهديون، رجوم لأهل البدع و الأهواء و الإلحاد، و زينة في الأرض و البلاد.
قال الإمام ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/17 : "أما تشبيه العلماء بالنجوم فإن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وكذلك العلماء، والنجوم زينة للسماء و كذلك العلماء زينة للأرض، وهي رجوم للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحي الوارد إلى الرسل من الله على أيدي ملائكته وكذلك العلماء رجوم لشياطين الإنس الذين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا فالعلماء رجوم لهذا الصنف من الشياطين".
أما تشبهيهم بالنجوم في كونهم علامات يهتدى بهم و أنهم رجوم لشياطين الإنس فظاهر بيِّن.
أما كونهم زينة للأرض، فإنه مما خطر ببالي فترة تظهر فيها هذه الميزة جليا، و هي فترة الحج، حيث يذهب أكثر علماء البلد و مشايخه إلى الحج لأداء المناسك، فتبقى البلاد دون علمائها، و يصير من لم يرحل لأداء المناسك مضطربا حائرا، ذهبت عنه اللذة التي كان يجدها بجنب العلماء و المشايخ في حلق العلم و التعلم، و يصير البلد مظلما ضيقا، و تفقد الأرض بهاءها، كل ما ينتظره رجوع العلماء و المشايخ سالمين غانمين مفيدين مستفدين حتى ينهل من علمهم و يتمتع بأدبهم، فيذهب عنه الغم و تفرج عنه الكرب.
إخواني، إذا كان هذا الشعور بسبب رحيل العلماء و غيابهم لفترة وجيزة عن البلد، فكيف بنا إذا رحلوا إلى الأبد؟!.
اللهم احفظ علماءنا و مشايخنا و أطل عمرهم في طاعتك و ارزقهم مرضاتك و أدخلهم جناتك.
سبحانك اللهم و بحمد أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه.
يوسف صفصاف
09 شعبان 1436
27 ماي 2015