في حكم رياضة «تاي شي شوان»
الشيخ محمد على فركوس حفظه الله
السؤال:
ما حكمُ مُمارَسة هذا الأمرِ مع العلم:
أوَّلًا: أنها مُمارَسةٌ رياضيَّةٌ أنشأها الرهبانُ الطاوِيُّون وطوَّروها، فهي مُسْتَمَدَّةٌ مِن عقيدتهم وفلسفتهم.
ثانيًا: تختلف هذه المُمارَسةُ الرياضيةُ عن الفنون القتاليةِ الأخرى التي تُعْنَى بالجسم، فهي تعتني ـ كما يزعمون ـ بالروح والطاقة.
ثالثًا: يمكن لمن يُمارِسُ هذا الأمرَ ـ بالتمارين المُسْتمِرَّةِ ـ أَنْ يقوم ببعض الأمورِ الخارقةِ للعادة كتحريك إنسانٍ آخَرَ دون لَمْسِه، أو ضَرْبِ خصمٍ بواسطة الطاقة الكهربائية المتواجدةِ في جسم الإنسان، أو الدفاعِ عن النفس دون أَنْ يَقْدِرَ الخصمُ لَمْسَه.
رابعًا: إذا نُوقِشَ أحَدُهم حول هذه الأمورِ التي تُعتبر مِن خوارق العادات يجيب بأنَّ هذا يمكن تفسيرُه علميًّا، ويمكن فعلُه دون الاستعانة بالشياطين، وأنَّ الأمور الخارقة للعادة أمرٌ نسبيٌّ بين الناس.
هذه المحاور ـ شيخَنا ـ هي مِن أهَمِّ ما يُلاحَظُ على هذه المُمارَسةِ الرياضية، وإلَّا فهناك مَسائِلُ أخرى لو ذُكِرَتْ لكان السؤالُ أَطْوَلَ مِن هذا. وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
فالمعلوم أنَّ الرياضاتِ ـ بمُخْتَلَفِ أشكالها وأنواعِها ـ وسائِرَ الألعابِ داخلةٌ في عموم الأفعال، لا تخرج عن الأصل المقرَّر مِن الحِلِّ والإباحة، ولا تنصرف إلى التحريمِ والمنع إلَّا إذا اكتنفها محذورٌ شرعيٌّ يرجع ـ عادةً ـ إلى الضرر أو الظلم، سواءٌ في ظلمِ العبدِ لربِّه أو ظلمِ العبد لغيره مِن عباد الله ومخلوقاته أو ظلمِ العبد لنَفْسِه، وكما وَرَدَ في السؤال فإنَّ مَنْشأَ مُمارَسةِ رياضة «التاي شي شوان» مِن الرهبان الطاوِيِّين، بل إنَّ مذهب الطاوِيَّة أصلٌ لجملةٍ مِن التطبيقات الرياضية والاستشفائية ك: «الريكي» و«التشي كونغ» و«اليوجا» وغيرِها، وكثيرٌ ممَّن يُمارِسُ رياضةَ «التاي شي شوان» لا يعرف أنه يُمارِسُ ـ بطريقٍ أو بآخَرَ ـ عبادةَ الطاويَّةِ بِمُعْتَقَدِها الفاسد؛ ذلك لأنَّ الطاويِّين يعتقدون أنَّ أصل كُلِّ الأشياءِ ومَرَدَّها في الوجود إلى ما يُسَمَّى ب: «الطاو»(1)، وكُلُّ ما في الكون ينبني على تحقيق المُوازَنةِ بين قوَّةِ «اليِنْ» الذي يمثِّل القمرَ والأنوثةَ والسكونَ والبرودةَ، وبين قوَّةِ «اليانج» التي تُقابِلُه وتُضادُّه، فهي تمثِّل الشمسَ والذكورةَ والحركة والحرارة.
وتنبع فلسفةُ الطاقة ـ عند الطاويِّين ـ مِن هذه القُوَى الثنائيةِ المُتناقِضةِ، بحيث تَتبلورُ ـ مِن خلالِ هذه الثنائية ـ مَهَمَّةُ «الطاو» المتمثِّلةُ في التوازن المثاليِّ بين هاتين القُوَّتين المُتعارِضتَيْن بإحداث التفاعل التجانسيِّ بين النقيضين على وجه الانسجام والتكامل.
فهذه الرياضة ـ في حدِّ ذاتها ـ ضربٌ مِن الطقوس الوثنية تقوم على الترويج والدعاية لأديانِ شرقِ آسيا عمومًا، والطاويةِ والهندوسيةِ والبوذيةِ والشِّنْتُوِية خصوصًا، وهذه المذاهبُ وثنيةٌ ـ لا ريب فيها ـ قائمةٌ على مُعْتَقَداتٍ فاسدةٍ، جائرةٍ في حقِّ الله على عباده، ومُنافِيةٍ للتوحيد الخالص لله تعالى، علمًا أنَّ هذه الرياضةَ تصحبها أمورٌ خارقةٌ للعادة يُجْرِيها الجنُّ والشياطينُ على يَدِ المُمارِسين لها المُعْتَقِدين لفلسفتها الوثنية، وهي تُشْبِهُ خوارقَ الطُّرُق الصوفية إلى حدٍّ كبيرٍ، ولا يُسْتَبْعَدُ تأثُّرُ الصوفيةِ بهم في هذا الجانبِ العقديِّ بوجهٍ مُباشِرٍ أو غيرِ مُباشِرٍ.
هذا، وعلى فَرْضِ تجريدِ هذه الرياضة مِن الترانيم والطقوسِ الوثنية بالنسبة لِمُمارِسِ نشاطها الرياضيِّ والاكتفاءِ بترويضِ الجسم بالحركات، إلَّا أنَّ تلك الحركاتِ الرياضيةَ ـ في حدِّ ذاتها ـ لا تخلو مِن شُبُهاتٍ؛ لِما في مَعاني تلك الحركاتِ التفاعليةِ مِن التعبير عن التوازن المثاليِّ ـ بزعمهم ـ بين القوى الثنائيةِ السالفةِ البيانِ، التي مَنْشَأُها الثقافةُ الصينيةُ القديمةُ ذاتُ المُعْتَقَداتِ الوثنية؛ ولا يُلْحَقُ بحكمِ المنعِ الفنونُ القتاليةُ الآسيويةُ بأنواعها إذا ما رُوعِيَتْ فيها الضوابطُ الشرعية؛ لأنَّ حركاتِها معلَّلةٌ بالتعرُّف على طُرُقِ التصدِّي للعدوِّ وإجادةِ فنون القتال.
هذا، وحريٌّ بالمسلم ـ والحالُ هذه ـ اتِّقاءُ الشُّبُهاتِ والحذرُ مِن الوقوعِ في مَكايِدِ الشيطان وشِراكِه بتزيينه للعمل الضالِّ وتحسينِه بالشُّبُهات؛ وقوفًا عند حدوده، وعملًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ»(2)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»(3).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 26 ربيع الثاني 1436ه
الموافق ل: 15 فبراير 2015م
(1) ويَعْنُون به الهديَ أو الطريق أو الطريقة، و«الطاو» ليس إلهًا في مذهب الطاوية؛ لأنهم يُنْكِرون وجودَ إلهٍ بشبهةِ أنه لا ضِدَّ له.
(2) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» باب فضلِ مَنِ استبرأ لدينه (52)، ومسلمٌ في «المساقاة» (1599)، مِن حديث النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما.
(3) أخرجه الترمذيُّ في «صفة القيامة» (251، والنسائيُّ في «الأشربة» باب الحثِّ على تركِ الشبهات (5711)، مِن حديث الحسن بنِ عليٍّ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (337.
تعليق