التَّطرُّف
الحمد لله الذي جعلنا أمة وسطا ثم الصّلاة والسّلام على خير من توسّط محمّد وعلى آله وأصحابه و من وسَطَ أما بعد:
فإنه قد شاع على ألسنة النّاس إطلاق لفظ التّطرف على من فعل فعلا يرونه تشدّدا في دين الله جل وعلا
والتطرّف من الطَّرَف وهو جانب الشّيء وناحيته وحرفه
وفي التَّنزيل : ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِها﴾
والمتطرِّف: من اتخذ الطّرف أو الحرف دينا أو مَنهجًا أو خُلقا أو مَسكنًا وفي التنزيل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾
والتّطرف كاصطلاحيدلُّ على انحراف فرد أو جماعة في العقيدة أو السُّلوك بغلو أو جفاء ،وهو اصطلاح مُحدثٌ لم يعرفه السَّلف الصّالح - رضي الله عنهم-.
وأصلُ استِعْمالِ هذا اللّفظ لم يكن من أهل العلم بالشّرع ، وإنما استعمله رجال السّياسة ومفكّروها استعمالا سيّئا وآخر حسنا،والسّيئ أكثر،ذلك أنهم رموا به في كثيرا من الأحيان أهل الحقّ والسنّة،والغالب على هؤلاء أنهم يطلقون التطرف على المفرط الزائد الغالي بزعمهم(1) ومثله مصطلح الإرهاب، ومها يكن من شيء فإنه لا ينبغي تجاوز الشّرع في الوصف والنّبي صلى الله عليه وسلّم قد وصف التّشدّد في الدّين بالغلوّ
عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحج: «أمثال هؤلاء فارموا , وإياكم والغلو في الدين , فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه.
وكذلك علينا أن نصفهم كما وصفهم نبينا صلّى الله عليه وسلّم ولا نتقدم بين يديه. قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
"وتحذير النّبي صلّى الله عليه وسلّم لنّا من الغلوّ ليْس تحذيرا من مجهول أو متشابه وإنما هو تحذير من معلوم فمن وقع فيه فلِعَيْب فيه وقع لا لخفاء الغلوّ"
وليس مطلوبا من كل مسلم أن يكون عالما بتفاصيل ودقائق ما يكون غلوا في الدّين وإنما حسبه أن يتّبع قول الله جلّ وعلا:﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ لأن ما يحذَرُه المسلم من الغلوّ والفتن مما بجب عليه أن يسأل عنه حتى لا يقع فيه.
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان النّاس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"رواه البخاري ومسلم
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ قَالَ: « أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني
والحمد لله رب العالمين
-------------------------------------------------
) فتاوى الإمام ابن باز- رحمه الله- 1)