هل احتفل السلف بالمولد النبوي؟؟؟
أيها الأحبة:هذه كلمات لكبار العلماء على مر العصور السالفة تبين أن الأحتفال بالمولد ليس من هدي السلف الصالح وإنما هو أمر أُوحدث من بعدهم،ولو كان فيه خيراً لسبقونا أليه فهم أولى بكل خير ومكرمة،
وهم أحب وأتبع للهادي البشير عليه الصلاة والسلام.
ودونكم أقوال هؤلاء الجهابذة التي هي الفيصل في الحكم ببدعية هذا الأحتفال لأنهم لم يجدوا له مستند لا من الكتاب العزيز،ولا من السنة الشريفة،ولا من هدي القرون النيرة الفاضلة.
قال ابن تيمية-رحمه الله-في(اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)(295)
(( لم يفعله السلف الصالح مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-وتعظيماً له من وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمهِ في متابعتهِ وطاعته وأتباع أمره وأحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فان هذهِ هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)).
وقال أيضاً في(الفتاوى المصرية)(1\312)
(( وأما أتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الابرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها)).
وقال العلامة عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني في رسالته(المورد في الكلام على عمل المولد)
(( أما بعد فأنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الاول ويسمونه المولد هل له أصل في الشرع أو هو بدعة وحدث في الدين وقصدوا الجواب عن ذلك مبيناً والايضاح عنه معيناً فقلت وبالله التوفيق:
لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب الله ولا سنة رسول الله ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكين بآثار المتقدمين بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا أما ان يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً أو محرماً
فهو ليس بواجب إجماعاً ولا مندوب لان حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى أن عنه سُئلتُ،ولا جائز أن يكون مباحاً لان الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين فلم يبقى ألا أن يكون مكروهاً.....والمحتفلون به يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات فأنا لله وإنا إليه راجعون
بدأ الاسلام غريباً وسيعود كما بدا ولله در القشيري حيث يقول:
قد عُرف المنكر واستنكر المعروف***في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وهدة***وصار أهل الجهل في رتبة
حادوا عن الحق فما للذي***ساروا به فيما مضى نسبة
فقلت للأبرار أهل التقى***والدين لما اشتدت الكربة
لا تنكروا أحوالكم قد أتت***نوبتكم في زمن الغربة
ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء حيث يقول:
لايزال الناس بخير ما تُعجب من العجب،هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه)).
وقال أبو عبدالله محمد الحفار كما نقله العلامة أحمد بن يحيى الونشريسي في كتابه(المعيار المعرب والجامع المُغَرب من فتاوى علماء افريقية والأندلس والمغرب)(7\99)
(( ليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُعَظمُ الا بالوجه الذي شرع به تعظيمه وتعظيمهُ من أعظم القرب الى الله لكن يتقرب الى الله جل جلاله بما شرع،والدليل على أن السلف لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها فقيل إنه صلى الله عليه وسلم ولد في رمضان وقيل في ربيع الأول واختلف في أي يوم ولد فيه على أربعة أقوال،فلو كانت تلك الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها عبادة بولادة خير الخلق صلى الله عليه وسلم لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها أختلاف ولكن لم تشرع فيها عبادة وحدث الأختلاف)).
قال الشيخ محمد عبد السلام خضر الشقيري في كتابه(السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات)(138-139)في الفصل الذي عقده لشهر ربيع الأول وبدعة المولد فيه.
(( لا يختص هذا الشهر بصلاة ولا بذكر ولا بعبادة ولا نفقة ولا صدقة ولا هو موسم من مواسم الأسلام كالجمع والأعياد التي رسمها لنا الشارع صلوات الله وتسليماته عليه وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين ففي هذا الشهر ولد صلى الله عليه وسلم وفيه توفي فلماذا يفرحون بميلاده ولا يحزنون لوفاته فأتخاذ مولده موسماً والأحتفال به بدعة منكرة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل ولو كان في هذا خير كيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم رحمهم الله جميعاً.
فلا شك أنه ما أحدثهُ ألا المتصوفون الأكالون البطالون أصحاب البدع وتبع الناس بعضهم بعضاً فيه ألا من عصمه الله ووفقه لفهم حقائق دين الإسلام )).
قال الحافظ بن حجر في فتواه في عمل المولد التي ساقها السيوطي في كتابه(حسن المقصد في عمل المولد)
(( أصل عمل المولد بدعة لم ينقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة )).
وقال السخاوي في فتاويه
(( عمل المولد الشريف لم ينقل عن إحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعد )).
وقال الشيخ نصير الدين المبارك الشهير بأن الطباخ في فتوى بخطه
(( ليس هذا - أي عمل المولد - من السنن )).
أيها الأحبة:بهذه النقول يتضح أن السلف الصالح لم يحتفلوا بالمولد بأي شكل من أشكال الأحتفال التي تنوعت وتعددت وغيرت أسمائها والمقصد واحد،بل تركوه وما تركوه لا يمكن أن يكون تركهم إياه ألا لكونه لا خير فيه،
وقد أوضح ذلك أبن الحاج في كتابه(المدخل)(4\27 فقال:
(( ماحدث بعد السلف رضي الله عنهم لا يخلو إما أن يكونوا علموه وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به ومعاذ الله أن يكون ذلك إذا إنه يلزم منهُ تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم ومعلوم أنهم أكمل الناس في كل شيء وأشدهم إتباعاً .
وأما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به ولم يتركوه ألا لموجب أوجب تركه فكيف يمكن فعله هذا مما لا يتعلل.
وإما أن يكونوا لم يعلموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وأفضل وأعرف بوجوه البر وأحرص عليها ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم،وقد قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: (عقول الناس على قدر أزمنتهم) ولأجل هذا المعنى لم يكن عندهم إشكال في الدين ولا في الأعتقادات لوفور عقولهم وإنما حدثت الشبه بعدهم لما خالطت العجمة الألسن فلنقصان عقول من بعدهم عن عقولهم وقع ما وقع)).
ما أدق هذا الكلام وأثبته وأبينه جزى المولى قائله خير الجزاء،وهو فيه دليل على أن ما تركه السلف الصالح لا بد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تركه وتركهُ سنة،كما أن فعله سنة،فمن استحب فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق،كما بين ذلك
العلامة ابن القيم في كتابه(إعلام الموقعين)(2\390-391)
(( فأن قيل من أين لكم أنه لم يفعله-المولد-وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم،فهذا سؤال بعيد جداً عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه ولو صح هذا السؤال وقُبل لأستحب لنا مستحب الأذان للتراويح وقال من أين لكم أنه لم ينقل واستحب،واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة وقال من أين لكم أنه لم ينقل،واستحب لنا مستحب آخر النداء بعد الذان للصلاة بيرحمكم الله ورفع بها صوته وقال من أين لكم أنه لم ينقل،واستحب لنا مستحب آخر لبس السواد والطرحة للخطيب وخروجه بالشاويش بين يديه ورفع المؤذنين أصواتهم كلما ذكر الله واسم الرسول جماعة وفرادى وقال من أين لكم أن هذا لم ينقل،واستحب لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال من أين لكم أن أحياءها لم ينقل،وانفتح باب البدعة وقال كل من دعا إلى بدعة من أين لكم أن هذا لم ينقل ومن هذا تركه أخذ الزكاة من الخضراوات والمباطخ وهم يزرعونها بجواره بالمدينة كل سنة فلا يطالبهم بزكاة ولا هم يؤدونها إليه)).
إذاً كما قال العلامة الجليل ابن باز رحمه الله رحمة واسعة:
(( أن السلف الصالح الذين هم أعلم الناسبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكملهم حباً له ومتابعة لشرعهِ لم يحتفلوا بذلك اليوم ولم يدعوا إلى الأحتفال به وأنما أحدث الاحتفال به بعدهم وفي ذلك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل به ولم يَدعُ إلى الاحتفال به.
-ثم بين الشيخ ونبه على أمرين هامين هما:-
أحدهما:أن الاحتفال بذلك اليوم لا يحقق المراد من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنما يحققه أتباعه وطاعته.
الثاني:أن كثرة المحتفلين به وكثرة الدعاة إلى الاحتفال به لا تدل على أن الاحتفال به حق فإن كثرة المرتكبين الشيء وكثرة الدعاة إليه لا تدلان على كونهِ حقاً وإنما يدل على كونه حقاً الأدلة الشرعية)).
أخوكم المحب:عماد بن زكلاب بن محمد الحديدي