... ما هكذا يا سعد تورد الإبل
الحمد لله الذي علَّم وفهَّم حمدا كثيرا لما والى وأنعم وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
قبل أيام قام أخوان مسلمان باقتحام صحيفة فرنسية كانت تسيء فيما تنشر للإسلام فقتلوا من فيها وقالوا للعالم أجمع أنهم فعلوا ذلك نصرة للدّين وانتقاما لسيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
وكان من نتيجة ذلك:
أن أعادت الصحيفة الكافرة نشر الإساءات بل زادت عليها فأحدث ذلك بلبلة لدى عامّة النّاس حتى إنّ كثيرا منهم صحّح فعل الأخوين ورآه حسنا، والصّحيح الذي لا ريب أن قتل هؤلاء الصّحفيين ليس فيه نصرة لدين الله جل وعلا ولا تعزيرٌ للنّبي صلى الله عليه وسلم والدّليل ثمرة هذا الفعل و عاقبته، فقد زادت شهرة هذه الجريدة فبعد أن كانت مغمورة لا تطبع سوى آلاف النّسخ صارت تطبع مئآت الآلاف من النسخ ، وبعد أن كادت أن تفلس ويغادرها صحفيوها تلقت ملايين الدولارات كمساعدات، والأسوء من ذلك كله الأذى الذي لحق بالمسلمين المقيمين في البلاد الغربية،مع تشويه صورة الإسلام.
فأي نصر لدين الله هذا؟
وحتى لو فرضنا أنّ كل ذلك لم يكن ،وأن الصّحيفة بقتل صحفييها كفّت عن الإساءة للإسلام والنّبي محمد صلى الله عليه وسلم،وكان أثر فعلهم هذا محمودا على الإسلام وأهله،لم يكن فعلهم هذا جائزا، لأن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة
بل قاعدة الإسلام أن:"الأثر المحمود لا يصحّح العمل المردود" ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» (1)
فسماه فاجرا مع أنّ الله أعز بفعله الدّين.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»(2) ومعنى هذه القاعدة أن من عمل عملا ردا شرعا فكانت آثار هذا العمل الرّد خيرا على الإسلام والمسلمين فإن هذا الأثرالنافع للإسلام والمسلمين لا يرفع عن ذلك الفعل المردود شرعا صفة الرد. ولا عن مرتكبه صفة الفجور، وبهذا يرد على أولئك الذين يدافعون عن بعض من يخرب أو يفجر في بلاد الغرب بحجة أنه قد كان في فعلهم هذا مصلحة للإسلام والمسلمين .
والنبي صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بربّه وأحرصهم على فعل ما فيه عز الإسلام والمسلمين وقد آذه الكفار أذى كثيرا هو أعظم من أذية هذه الصّحيفة وقد حكى الله سبحانه في القرآن شيئا من ذلك للإعتبار
فقال:﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾[سورة التوبة]
قال ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: يعنون أنه يسمع من كل أحد
قال ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: يعنون أنه يسمع من كل أحد
وقال:﴿ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾[سورة: ص ]
وقال: ﴿ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ [سورة القلم]
وقال:﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)﴾
بل أخبرنا الله جل وعلا أن أذية الكفار لنا حاصلة لا محالة مؤكدا ذلك باللام والنون، وأوصانا سبحانه بالصبر على ذلك ما دمنا ضعافا لا نقدر على رد أذيتهم حتى يفتح الله بيننا وبنيهم وهو خير الفاتحين كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
وإن لم يعجبك كل ما سبق و كان مخالفا لما تعتقد فلا يجوز لي ولك أن تختلف على أن هذه المسألة من مسائل الأمن والخوف التي يجب على المسلمين رد الكلام فيها إلى أهل الاستنباط من أهل العلم لأن الله أمر بذلك
قال سبحانه: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)﴾[سورة النساء]
وقبل أن تقول شيئا أو تفعله تذكر قول الله جل وعلا:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) ﴾[ سورة الأحزاب]
والحمد لله رب العالمين ----------------------------------------------------
1) متفق عليه
2) متفق عليه