أأعداء كما كنا ؟!!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أبي بكر، وعمر ،وعثمان، وعلي ،والباقين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد:
أأ عداء كما كنا؟ أكفارا يضرب بعضنا رقاب بعض؟ إنّه - والله – أيّها المسلون الويح بل لعلّه الويل(1) الذي حذّرنا منه النَّبيي صلى الله عليه وسلم
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:
« وَيْحَكُمْ - أَوْ قَالَ: وَيْلَكُمْ - لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ » رواه مسلم(120) واتفقا عليه من حديث جرير
وكانت هذه آخر وصية منه صلى الله عليه وسلم لأمته وهم مجتمعون:لا ترجعوا بعدي كما كنتم وكان آباؤكم أعداء كفارا يقتل بعضكم بعضا، وكأنه صلى الله عليه وسلم يذكّرهم بقول الله جل وعلا:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾ قبل الإسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾ بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه الصلاة والسلام ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ﴾قبل الإسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام﴿فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه الصلاة والسلام﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[آل عمران]
وقد كان العرب قبل الإسلام من أذل الأمم، وأحقرها، وأجهلها، وأفقرها ...
قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامة السَّدوسي، - رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي تفسير قول الله جل وعلا :﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) ﴾ [الأنفال]
قال رحمه الله: كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْعَرَبِ (يعني مكة) أَذَلَّ النَّاسِ ذُلا وَأَشْقَاهُ عَيْشًا، وَأَجْوَعَهُ بُطُونًا، وَأَعْرَاهُ جُلُودًا، وَأَبْيَنَهُ ضَلَالًا مَكْعُومِينَ عَلَى رَأْسِ حَجَرٍ، بَيْنَ الْأَسَدَيْنِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَلَا وَاللَّهِ مَا فِي بِلَادِهِمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ شَيْءٍ يُحْسَدُونَ عَلَيْهِ، مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَاشَ شَقِيًّا، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رُدِّيَ فِي النَّارِ، يُؤْكَلُونَ وَلَا يَأْكُلُونَ، وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ قَبِيلا مِنْ حَاضِرِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ كَانُوا أَشَرَّ مَنْزِلًا مِنْهُمْ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَكَّنَ بِهِ فِي الْبِلَادِ، وَوَسَّعَ بِهِ فِي الرِّزْقِ، وَجَعَلَهُمْ بِهِ مُلُوكًا عَلَى رِقَابِ النَّاسِ. وَبِالْإِسْلَامِ أَعْطَى اللَّهُ مَا رَأَيْتُمْ، فَاشْكُرُوا لِلَّهِ نِعَمَهُ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ مُنْعِم يُحِبُّ الشُّكْرَ، وَأَهْلُ الشُّكْرِ فِي مَزِيدٍ مِنَ اللَّهُ تَعَالَى
ولم يختلف حال عرب المدينة؛الأوس والخزرج عن قريش بل زادوا عليهم أنهم كانوا في قتال دائم وعداوة مستمرة.
قال ابن جرير:حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة، حتى قام الإسلام وهم على ذلك، فكانت حربهم بينهم وهم أخوان لأب وأم، فلم يسمع بقوم كان بينهم من العداوة والحرب ما كان بينهم. ثم إن الله عز وجل أطفأ ذلك بالإسلام، وألف بينهم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
فبالإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم عزّ العرب، وبالإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلّم سادوا وملكوا وتأمروا، وبالإسلام ومحمد صلّى الله عليه وسلم أكلوا وشبعوا،وبالإسلام ومحمد صلّى الله عليه وسلم تحابوا وتآخوا فأمنوا...
قال أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه: «إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ العَرَبِ، كُنْتُمْ عَلَى الحَالِ الَّذِي عَلِمْتُمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالقِلَّةِ وَالضَّلاَلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.» رواه البخاري(7112)
وهذا الكلام نحن أحق به معشر الخلف، وأما السَّلف الصالح رضى الله عنهم، الصّحابة منهم خاصةفقد كانوا رضي الله عنهم على ما أمرهم به ربهم جل وعلا معتصمين بالإسلام معتزين به عارفين قدر نبيهم صلى الله عليه وسلم معزّرين،وناصرين ،ومتبعين، حامدين الله جل وعلا على هاتين النّعمتين العظيمتين ؛نعمة الإسلام ،ونعمة محمد صلى الله عليه وسلم،حتى روي عن الحسن البصري أنه كان لا يبدأ حديثه إلا بعد حمد الله جل وعلا على هاتين النعمتين.
عن عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَفْتَتِحُ مَجْلِسَهُ وَحَدِيثَهُ بِأَنْ يَقُولَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ بِالْإِسْلَامِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بِالْقُرْآنِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،» الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد(1041)
فكان لهم جزاءَ ذلك: العزّ والنّصر والتمكين الذي لم يكن لأحد من الأمم قبلهم ،ثم لازال أمر العرب في رجوع ونكول زمنا بعد زمن حتى جاء هذا الزمن الذي لا يخفى فيه حال العرب على أحد...
أخ يقتل أخاه أمه أباه من أجل بعرة.....
مسلم يقتل مسلما لأنه يختلف معه في فكرة.....
والخلاصة زمن صارت فيه أخوة الإسلام هباء، وأصبح فيه دم القرابة ماء، والأعظم من ذلك كله سوء فهم للإسلام، فترى كثيرا من المسلمين يعبدون القبور يعتقدون أنه لبّ التوحيد، وترى كثيرا منهم يكفّرون إخوانهم المسلمين يعتقدون أنه الولاء والبراء، وترى غير قليل منهم يفجرون ويقتلون في بلاد الغرب ظنا منهم أنه بهذا تكون نصرة الدين وتعزير سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وهنا لابد لي من وقفة..
أقفها معكم في المقالة القادمة إن شاء الله
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
------------------------------------------------------------
(1) جاء في اللسان: قال الأزهري: ... وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَيْحٍ وَوَيْلٍ أَن وَيْلًا تُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة أَو بَلِيَّةٍ لَا يترحم عليه، ووَيْح تُقَالُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ فِي بَلِيَّةٍ يُرْحَمُ ويُدْعى لَهُ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهَا، أَلا تَرَى أَن الْوَيْلَ فِي الْقُرْآنِ لِمُسْتَحَقِّي الْعَذَابَ بِجَرَائِمِهِمْ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ويْلٌ لِلَّذِينِ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَمَا أَشبهها؟ مَا جاءَ وَيْلٌ إِلا لأَهلِ الْجَرَائِمِ، وأَما وَيح فإِن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهَا لعَمَّار الْفَاضِلِ كأَنه أُعْلِمَ مَا يُبْتَلى بِهِ مِنَ الْقَتْلِ، فَتَوَجَّعَ لَهُ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ