الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
قال الامام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة:
178-حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال حديثنا الفضل بن زياد أنه قال: سألت أبا عبدالله، عن عباس النرسي، فقلت: كان صاحب سنة؟ فقال رحمه الله: قلت: بلغني عنه أنه قال: ما قولي: القرآن غير مخلوق إلا كقولي: لا إله إلا الله، فضحك أبو عبدالله، وسُر بذلك.
قلت: يا أبا عبدالله، أليس هو كما قال؟ قال: بلى، ولكن هذا الشيخ دلنا عليه لوين على شيء لم نفطن له، قوله: إن أول ما خلق الله من شيء خلق القلم، والكلام قبل القلم، قلت: يا أبا عبدالله، أنا سمعته يقوله. قال: سبحان الله، ما أحسن ما قال، كأنه كشف عن وجهي الغطاء، ورفع يده إلى وجهه.
قلت: إنه شيخ قد نشأ بالكوفة، فقال: إن واحد الكوفة واحد، ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أول ما خلق الله من شيء القلم فقال أبو عبدالله أحمد بن حنبل: كم ترى كتبناه؟ ثم قال: نظرت فيه، فإذا رواه خمسة عن ابن عباس
(1).
قال الإمام الربيع حفظه الله في الذريعة ج1ص376-378:
وقوله: "سألت أبا عبدالله، عن عباس النرسي" هذا الفضل بن زياد يقول سألت أبا عبدالله يعني الامام أحمد بن حنبل عن عباس النرسي فقال:كان صاحب سنة، فقال رحمه الله: قلت: بلغني عنه أنه قال: ما قولي: القرآن غير مخلوق إلا كقولي: لا إله إلا الله.
يعني : هذا توحيد وهذا توحيد، وكلاهما عير مخلوق وهذا مقتضى الايمان ، هذا الذي يظهر لي من هذا الكلام، فضحك أبو عبدالله وسُر بذلك ، قلت يا أبا عبدالله: أليس كما قال؟ قال: بلى.
وجه هذا : أن لا إله إلا الله توحيد، والقول بأن القرآن كلام الله توحيد كلاهما عير مخلوق ، أظن هذا قصده والله أعلم ،هذا الذي ظهر لي واسألوا عن هذا إن كان له تفسير آخر.
"ولكن هذا الشيخ دلنا عليه لوين" أحد الأفاضل من أهل الحديث دل أحمد بن حنبل على عباس النرسي،ثم دلنا على شيئ لم نفطن له،قوله: إن أول ما خلق الله تعالى من شيئ خلق القلم ، والخلق قبل القلم ،يعني هذا وجه الاستدلال بالحديث : إن الكلام كان قبل القلم والقلم أول المخلوقات و ما قبل هذه المخلوقات إلا الله تبارك وتعالى وصفاته ومنها الكلام ، لكن كلام الله أزلي وهو يتكلم متى شاء و اذا شاء ، فالصفة قائمة بذاتها أزلية،والكلام تابع لاختياره و مشيئته ، فمتى شاء تكلم سبحانه وتعالى.
الى أن قال حفظه الله:
فقال :قلت إنه نشأ بالكوفة، فقال أبي عبدالله: إن واحد الكوفة واحد ، يعني :الكوفة أكثرهم شيعة فيهم ضلال، عندهم كذب وعندهم بلايا،لكن اذا نشأ رجل سلفي بالكوفة يكون فردا من الأفراد وفذا من الأفذاذ ، ولهذا قال : إن واحد الكوفة واحد وهذا مدح ، لأنه والله أعلم يعيش في بيئة ضالة، فيحتاج الى التفكير والمناظرة والاستدلال فيكون فحلا،لأن البيئة هي التي تدفعه الى التفكير والتدبر والتأمل في النصوص والبحث عن الحجج.
ثم ذكر - حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أول ما خلق الله من شيء القلم ) فقال: كم ترى كتبناه، يعني: كم كتب من الحديث يقول: كتبنا كثيراً وما كنا نتفطن لما فيه من الحجة حتى نبهنا عليها هذا الكوفي، ولهذا قال: ( واحد الكوفة واحد )، فأحمد يقول والله كتبنا هذا الحديث وحفظناه وكتبناه ونردده، لكن ما انتبهنا لما تضمنه من الحجة، فقال: ( هو الذي نبهنا، وكأنما كشف شيئاً عن وجهي ) هذا اعتراف لأهل الفصل بالفضل، وتجد بعض الناس يتلقى الفكرة من غيره وينسبها لنفسه.
انظروا إلى إمامة أحمد، كم عنده من الأدلة ومن الحجج والبراهين، وقاوم أهل البدع أكثر من عباس النرسي هذا، لكن الله فطنه للحجة من هذا الحديث فعرف الإمام أحمد فضل هذا الرجل، لأنه نبهه إلى هذه الحجة، ولم ينسبها لنفسه كما يفعله بعض الناس.
--------------------------------------------
(1):أرجو أن يكون صحيحا لأن الفضل بن زياد من أفاضل أصحاب أحمد والمقدمين عنده، وله منزلة عند الحنابلة
تعليق