بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمابعد :
جاء في صحيح مسلم : باب النهي عن الحديث بكل ما سمع
عن حفص بن عاصم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )) .
و قال أخبرنا ابن وهب قال قال لي مالك اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ولا يكون إماما أبدا وهو يحدث بكل ما سمع.
قال النووي رحمه الله تعالى : قوله : ( بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ )
و بإسكان السين ومعناه يكفيه ذلك من الكذب ، فإنه قد استكثر منه ، وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن . وقد تقدم أن مذهب أهل الحق أن الكذب : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ، ولا يشترط فيه التعمد لكن التعمد شرط في كونه إثما والله أعلم .
وأما قوله : ( ولا يكون إماما وهو يحدث بكل ما سمع ) فمعناه أنه إذا حدث بكل ما سمع كثر الخطأ في روايته فترك الاعتماد عليه والأخذ عنه .أهـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ؛ فأما أحدهما فبثثـتُـه ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم . رواه البخاري .
قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري : قوله : ( قطع هذا البلعوم ) زاد في رواية المستملي : قال أبو عبد الله - يعني المصنف - البلعوم مجرى الطعام ، وهو بضم الموحدة ، وكنى بذلك عن القتل . وفي رواية الإسماعيلي " لقطع هذا " يعني رأسه . وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم ، كقوله : أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة . واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة ،... إلى أن قال ...وإنما أراد أبو هريرة بقوله : " قطع " أي : قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم ، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم . وقال غيره : يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان ، فينكر ذلك من لم يألفه ، ويعترض عليه من لا شعور له به .إهـ
وقال رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين
:وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ومثله قول بن مسعود : ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم فتنة . رواه مسلم
وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ومالك في أحاديث الصفات وأبو يوسف في الغرائب ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد فالامساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب
وقال شيخ الإسلام في حديث أبي هريرة : كان فى ذلك الجراب أحاديث الفتن التى تكون بين المسلمين فإن النبى أخبرهم بما سيكون من الفتن التى تكون بين المسلمين ومن الملاحم التى تكون بينهم وبين الكفار ولهذا لما كان مقتل عثمان وفتنة ابن الزبير ونحو ذلك قال ابن عمر لو أخبركم أبو هريرة انكم تقتلون خليفتكم وتهدمون البيت وغير ذلك لقلتم كذب أبو هريرة فكان أبو هريرة يمتنع من التحديث بأحاديث الفتن قبل وقوعها لأن ذلك مما لا يحتمله رؤوس الناس وعوامهم .
وكذلك في حديث من شهد أن لا إله إلا الله .. قال معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم أفلا أخبر الناس : قال لا تخبرهم فيتكلوا . والله أعلم
وجاء في كتاب التوحيد للشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال لا تبشِّرهم فيتكلوا" أخرجاه في الصحيحين.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التوحيد استدلالا بهذا الحديث
المسالة السادسة عشرة : جواز كتمان العلم للمصلحة
قال ابن تيمية ( لا يخاطب الإنسان بما يعجز عن فهمه فيضل بسببه أو يوقعه في الشك والحيرة ، وان كان ذلك الامر في نظر الداعية أمراً مهماً ، لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ) ( الفتاوى الكبرى -1/141)
قال ابن عثيمين ( هذه ليست على إطلاقها ، إذ إن كتمان العلم على سبيل الإطلاق لايجوز لأنه ليس بمصلحة ، ولهدْا أخبر النبي معادْا ولم يكتم دْلك مطلقا ، وأما كتمان العلم في بعض الأحوال ، أو عن بعض الأشخاص لاعلى سبيل الإطلاق ، فجائز للمصلحة ، كما كتم النبي دِلك عن بعض الصحابة خشية أن يتكلوا عليه ، وقال لمعادْ :( لاتبشرهم فيتكلوا ) .
قال الشاطبي _ رحمه الله :
فصل :
ومن هذا يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علما بالأحكام بل ذلك ينقسم :
فمنه ما هو مطلوب النشر وهو غالب علم الشريعة .
ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص :
- ومن ذلك تعيين هذه الفرق فإنه وإن كان حقا فقد يثير فتنة كما تبين تقريره فيكون من تلك الجهة ممنوعا بثه .
- ومن ذلك علم المتشابهات والكلام فيها فإن الله ذم من اتبعها فإذا ذكرت وعرضت للكلام فيها فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنى عنه وقد جاء فى الحديث عن علي : " حدثوا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله " وفى الصحيح عن معاذ أنه عليه الصلاة والسلام قال : " يا معاذ تدرى ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله " الحديث إلى أن قال : قلت : يا رسول أفلا أبشر الناس قال : لا تبشرهم فيتكلوا " وفى حديث آخر عن معاذ فى مثله قال : يا رسول الله أفلا أخبر بها فيستبشروا فقال إذا يتكلوا قال أنس فأخبر بها معاذ عند موته تأثما " ونحو من هذا عن عمر بن الخطاب مع أبى هريرة أنظره فى كتاب مسلم والبخاري فإنه قال فيه عمر : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا به قلبه بشره بالجنة قال : نعم قال : فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فخلهم "
وحديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال :" لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجلا فقال:
إن فلانا يقول لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا فقال عمر : لأقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون يغضبونهم قلت : لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس ويغلبون على مجلسك فأخاف أن لا ينزلها على وجهها فيطيروا بها كل مطير وأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة فتلخص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ويحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها فقال : والله لأقومن فى أول مقام أقومه بالمدينة الحديث .
ومنه حديث سلمان مع حذيفة وقد تقدم .
- ومنه أن لا يذكر للمبتدئ من العلم ما هو حظ المنتهى بل يربي بصغار العلم قبل كباره وقد فرض العلماء مسائل مما لا يجوز الفتيا بها وإن كانت صحيحة فى نظر الفقه كما ذكر عز الدين بن عبد السلام فى مسألة الدور فى الطلاق لما يؤدى إليه من رفع حكم الطلاق بإطلاق وهو مفسدة.
- من ذلك سؤال العوام عن علل مسائل الفقه وحكم التشريعات وإن كان لها علل صحيحة وحكم مستقيمة ولذلك أنكرت عائشة على من قالت : لم تقضى الحائض الصوم ولا تقضى الصلاة وقالت لها : أحروية أنت ؟ " وقد ضرب عمر بن الخطاب صبيغا وشرد به لما كان كثير السؤال عن أشياء من علوم القرآن لا يتعلق بها عمل وربما أوقع خيالا وفتنة وإن كان صحيحا وتلا قوله تعالى : وفاكهة وأبا فقال : هذه الفاكهة فما الأب ؟ ثم قال : ما أمرنا بهذا إلى غير ذلك مما يدل على أنه ليس كل علم يبث وينشر وإن كان حقا وقد أخبر مالك عن نفسه أن عنده أحاديث وعلما ما تكلم فيها ولا حدث بها وكان يكره الكلام فيما ليس تحته عمل وأخبر عمن تقدمه أنهم كانوا يكرهون ذلك فتنبه لهذا المعنى .
وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت فى ميزانها فانظر فى مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها فى ذهنك على العقول فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم ان كانت مما تقبلها العقول على العموم وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية )الموافقات ( 4 / 189 ) .
فمن هذا الكلام نستخلص :
1 – أنه لا ينبغي التحدث بكل ما يسمع .
2 – يجوز كتمان بعض العلم للمصلحة .
3 - كتمان العلم على سبيل الإطلاق لايجوز لأنه ليس بمصلحة .
4 - المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة.
5– حدثوا الناس على قدر عقولهم وافهامهم .
6 – من حدث بكل ما سمع كثر خطؤه.
7 – أن على المتعلم والمعلم أن يربي بصغار العلم قبل كباره.
8 – أن يراعي الزمان والمكان إن تحدث لكي لا يفسد أكثر مما يصلح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمابعد :
جاء في صحيح مسلم : باب النهي عن الحديث بكل ما سمع
عن حفص بن عاصم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )) .
و قال أخبرنا ابن وهب قال قال لي مالك اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ولا يكون إماما أبدا وهو يحدث بكل ما سمع.
قال النووي رحمه الله تعالى : قوله : ( بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ )
و بإسكان السين ومعناه يكفيه ذلك من الكذب ، فإنه قد استكثر منه ، وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن . وقد تقدم أن مذهب أهل الحق أن الكذب : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ، ولا يشترط فيه التعمد لكن التعمد شرط في كونه إثما والله أعلم .
وأما قوله : ( ولا يكون إماما وهو يحدث بكل ما سمع ) فمعناه أنه إذا حدث بكل ما سمع كثر الخطأ في روايته فترك الاعتماد عليه والأخذ عنه .أهـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ؛ فأما أحدهما فبثثـتُـه ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم . رواه البخاري .
قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري : قوله : ( قطع هذا البلعوم ) زاد في رواية المستملي : قال أبو عبد الله - يعني المصنف - البلعوم مجرى الطعام ، وهو بضم الموحدة ، وكنى بذلك عن القتل . وفي رواية الإسماعيلي " لقطع هذا " يعني رأسه . وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم ، كقوله : أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة . واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة ،... إلى أن قال ...وإنما أراد أبو هريرة بقوله : " قطع " أي : قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم ، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم . وقال غيره : يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان ، فينكر ذلك من لم يألفه ، ويعترض عليه من لا شعور له به .إهـ
وقال رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين
:وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ومثله قول بن مسعود : ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم فتنة . رواه مسلم
وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ومالك في أحاديث الصفات وأبو يوسف في الغرائب ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد فالامساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب
وقال شيخ الإسلام في حديث أبي هريرة : كان فى ذلك الجراب أحاديث الفتن التى تكون بين المسلمين فإن النبى أخبرهم بما سيكون من الفتن التى تكون بين المسلمين ومن الملاحم التى تكون بينهم وبين الكفار ولهذا لما كان مقتل عثمان وفتنة ابن الزبير ونحو ذلك قال ابن عمر لو أخبركم أبو هريرة انكم تقتلون خليفتكم وتهدمون البيت وغير ذلك لقلتم كذب أبو هريرة فكان أبو هريرة يمتنع من التحديث بأحاديث الفتن قبل وقوعها لأن ذلك مما لا يحتمله رؤوس الناس وعوامهم .
وكذلك في حديث من شهد أن لا إله إلا الله .. قال معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم أفلا أخبر الناس : قال لا تخبرهم فيتكلوا . والله أعلم
وجاء في كتاب التوحيد للشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال لا تبشِّرهم فيتكلوا" أخرجاه في الصحيحين.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التوحيد استدلالا بهذا الحديث
المسالة السادسة عشرة : جواز كتمان العلم للمصلحة
قال ابن تيمية ( لا يخاطب الإنسان بما يعجز عن فهمه فيضل بسببه أو يوقعه في الشك والحيرة ، وان كان ذلك الامر في نظر الداعية أمراً مهماً ، لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ) ( الفتاوى الكبرى -1/141)
قال ابن عثيمين ( هذه ليست على إطلاقها ، إذ إن كتمان العلم على سبيل الإطلاق لايجوز لأنه ليس بمصلحة ، ولهدْا أخبر النبي معادْا ولم يكتم دْلك مطلقا ، وأما كتمان العلم في بعض الأحوال ، أو عن بعض الأشخاص لاعلى سبيل الإطلاق ، فجائز للمصلحة ، كما كتم النبي دِلك عن بعض الصحابة خشية أن يتكلوا عليه ، وقال لمعادْ :( لاتبشرهم فيتكلوا ) .
قال الشاطبي _ رحمه الله :
فصل :
ومن هذا يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علما بالأحكام بل ذلك ينقسم :
فمنه ما هو مطلوب النشر وهو غالب علم الشريعة .
ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص :
- ومن ذلك تعيين هذه الفرق فإنه وإن كان حقا فقد يثير فتنة كما تبين تقريره فيكون من تلك الجهة ممنوعا بثه .
- ومن ذلك علم المتشابهات والكلام فيها فإن الله ذم من اتبعها فإذا ذكرت وعرضت للكلام فيها فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنى عنه وقد جاء فى الحديث عن علي : " حدثوا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله " وفى الصحيح عن معاذ أنه عليه الصلاة والسلام قال : " يا معاذ تدرى ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله " الحديث إلى أن قال : قلت : يا رسول أفلا أبشر الناس قال : لا تبشرهم فيتكلوا " وفى حديث آخر عن معاذ فى مثله قال : يا رسول الله أفلا أخبر بها فيستبشروا فقال إذا يتكلوا قال أنس فأخبر بها معاذ عند موته تأثما " ونحو من هذا عن عمر بن الخطاب مع أبى هريرة أنظره فى كتاب مسلم والبخاري فإنه قال فيه عمر : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا به قلبه بشره بالجنة قال : نعم قال : فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فخلهم "
وحديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال :" لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجلا فقال:
إن فلانا يقول لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا فقال عمر : لأقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون يغضبونهم قلت : لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس ويغلبون على مجلسك فأخاف أن لا ينزلها على وجهها فيطيروا بها كل مطير وأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة فتلخص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ويحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها فقال : والله لأقومن فى أول مقام أقومه بالمدينة الحديث .
ومنه حديث سلمان مع حذيفة وقد تقدم .
- ومنه أن لا يذكر للمبتدئ من العلم ما هو حظ المنتهى بل يربي بصغار العلم قبل كباره وقد فرض العلماء مسائل مما لا يجوز الفتيا بها وإن كانت صحيحة فى نظر الفقه كما ذكر عز الدين بن عبد السلام فى مسألة الدور فى الطلاق لما يؤدى إليه من رفع حكم الطلاق بإطلاق وهو مفسدة.
- من ذلك سؤال العوام عن علل مسائل الفقه وحكم التشريعات وإن كان لها علل صحيحة وحكم مستقيمة ولذلك أنكرت عائشة على من قالت : لم تقضى الحائض الصوم ولا تقضى الصلاة وقالت لها : أحروية أنت ؟ " وقد ضرب عمر بن الخطاب صبيغا وشرد به لما كان كثير السؤال عن أشياء من علوم القرآن لا يتعلق بها عمل وربما أوقع خيالا وفتنة وإن كان صحيحا وتلا قوله تعالى : وفاكهة وأبا فقال : هذه الفاكهة فما الأب ؟ ثم قال : ما أمرنا بهذا إلى غير ذلك مما يدل على أنه ليس كل علم يبث وينشر وإن كان حقا وقد أخبر مالك عن نفسه أن عنده أحاديث وعلما ما تكلم فيها ولا حدث بها وكان يكره الكلام فيما ليس تحته عمل وأخبر عمن تقدمه أنهم كانوا يكرهون ذلك فتنبه لهذا المعنى .
وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت فى ميزانها فانظر فى مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها فى ذهنك على العقول فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم ان كانت مما تقبلها العقول على العموم وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية )الموافقات ( 4 / 189 ) .
فمن هذا الكلام نستخلص :
1 – أنه لا ينبغي التحدث بكل ما يسمع .
2 – يجوز كتمان بعض العلم للمصلحة .
3 - كتمان العلم على سبيل الإطلاق لايجوز لأنه ليس بمصلحة .
4 - المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة.
5– حدثوا الناس على قدر عقولهم وافهامهم .
6 – من حدث بكل ما سمع كثر خطؤه.
7 – أن على المتعلم والمعلم أن يربي بصغار العلم قبل كباره.
8 – أن يراعي الزمان والمكان إن تحدث لكي لا يفسد أكثر مما يصلح.
جمع وترتيب محبكم في الله
أبو عبد السلام جابر البسكري
أبو عبد السلام جابر البسكري