الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فهذا رد الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى على الشبهة الأولى المتعلقة بالآية الكريمة
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
زعم أبو تراب . تبعا لابن حزم ، أن قوله سبحانه لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا الآية . . دليل على أن مشتري لَهْوَ الْحَدِيثِ من الأغاني والملاهي ، لا يستحق الذم إلا إذا اشتراها لقصد الضلال أو الإضلال ، أما من اشتراها للترفيه والترويح عن نفسه فلا بأس في ذلك ، والجواب أن يقال : هذه شبهة باطلة من وجوه ثلاثة :
الأول ، أن ذلك خلاف ما فهمه السلف الصالح من الصحابة والتابعين من الآية الكريمة ، فإنهم احتجوا بها على ذم الأغاني والملاهي والتحذير منها ، ولم يقيدوا ذلك بهذا الشرط الذي قاله أبو تراب ، وهم أعلم الناس بمعاني كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أعرف بمراد الله من كلامه ممن بعدهم .
الوجه الثاني : أن ذلك خلاف ظاهر الآية لمن تأملها ، لأن الله سبحانه قال : لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فدل ذلك على أن هذا الصنف المذموم من الناس قد اشترى لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم ولا شعور بالغاية ، ولا قصد للإضلال أو الضلال ، ولو كان اشترى لهو الحديث وهو يعلم أنه يضل به أو يقصد ذلك لم يقل الله عز وجل لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لأن من علم أنه اشترى لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله لا يقال له : إنه لا يعلم وهكذا من قصد ذلك لا يقال : إنه اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم لأن من علم أن غايته الضلال أو قصد ذلك قد اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بعلم وقصد ، لا ليضل بغير علم ، فتأمل وتنبه - أيها القارئ الكريم - يتضح لك الحق ، وعليه تكون " اللام " في قوله لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لام العاقبة ، أو لام التعليل ، أي تعليل الأمر القدري . ذكر ذلك الحافظ ابن كثير وغيره ، وعلى كونها للعاقبة يكون المعنى : أن من اشترى لهو الحديث من الغناء والمعازف ، تكون عاقبته الضلال عن سبيل الله ، والإضلال واتخاذ سبيل الله هزوا ، والإعراض عن آيات الله ، استكبارا واحتقارا ، وإن لم يشعر بذلك ، ولم يقصده .
وعلى المعنى الثاني ، وهو كونها لتعليل الأمر القدري ، يكون المعنى : أن الله سبحانه قضى وقدر على بعض الناس أن يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله ، وعلى كلا التقديرين فالآية الكريمة تفيد ذم من اشترى لهو الحديث ووعيده بأن مصيره إلى الضلال والاستهزاء بسبيل الله ، والتولي عن كتاب الله ، وهذا هو الواقع الكثير ، والمشاهد ممن اشتغل بلهو الحديث من الأغاني والمعازف ، واستحسنها وشغف بها ، يكون مآله إلى قسوة القلب والضلال عن الحق إلا من رحم الله ، وقد دلت الشريعة الإسلامية الكاملة في مصادرها وموردها على وجوب الحذر من وسائل الضلال والفساد والتحذير منها ، حذرا من الوقوع في غاياتها ، كما نهى النبي عن شرب القليل الذي لا يسكر ، حذرا من الوقوع في المسكر ، حيث قال عليه الصلاة والسلام " ما أسكر كثيره فقليله حرام " ونهى عن الصلاة بعد الصبح ، وبعد العصر ، لئلا يكون ذلك وسيلة إلى الوقوع فيما وقع فيه بعض المشركين من عبادة الشمس عند طلوعها وغروبها ، ونظائر ذلك كثيرة يعرفها من له أدنى علم بالشريعة المطهرة ، والله المستعان .
الوجه الثالث : أنه لو كان الذم مختصا بمن اشترى لهو الحديث لقصد الضلال أو الإضلال ، لم يكن في تنصيص الرب عز وجل على لَهْوَ الْحَدِيثِ فائدة؛ لأن الذم حينئذ لا يختص به ، بل يعم كل من فعل شيئا يقصد به الضلال أو الإضلال حتى ولو كان ذلك الشيء محبوبا إلى الله سبحانه وتعالى ، كمن اشترى مصحفا يقصد به التلبيس على الناس وإضلالهم ، فإن المصحف محبوب إلى الله لاشتماله على كلامه عز وجل ، ولكنه سبحانه لا يحب من عباده أن يشتروه للتلبيس والإضلال ، وإنما يشترى للاهتداء والتوجيه إلى الخير ، وقد اعترف ابن حزم وأبو تراب بهذا الوجه ، وزعما أن الآية تختص بهذا الصنف ، وهو خطأ بين ، وعدول بالآية عن معناها الصحيح ، وإضاعة لمعناها الأكمل . فعرفت - أيها القارئ الكريم - من هذه الأوجه الثلاثة ، كشف شبهة أبي تراب وبطلانها ، واتضح لك أن الآية الكريمة حجة ظاهرة على ذم الأغاني والملاهي وتحريمهما ، وأنها وسيلة للضلال والإضلال والسخرية بسبيل الله ، والإعراض عن كتابه ، وإن لم يشعر مشتروها بذلك ، وهذا هو الذي فهمه السلف الصالح من الآية الكريمة ، وهم أولى بالاتباع رضي الله عنهم ، وسبق لك كشف شبهة أبي تراب في تعلقه بحديث الجاريتين ، وكشف شبهته الأخرى في تعلقه بحديث أبي مسعود البدري وصاحبيه في الرخصة لهم في الغناء وقت العرس ، وأوضحنا فيما تقدم أن الحديثين المذكورين حجة ظاهرة على أبي تراب ، وإمامه ابن حزم في النهي عن الأغاني والمنع منها لا على جوازها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . ) انتهى كلامه رحمه الله تعالى
والظاهر والله أعلم أن قوله تعالى :(ليضل عن سبيل الله ) صفة كاشفة تبين حقيقة الموصوف لامفهوم لها ، وليست صفة مقيدة والمقصود أن من اشترى لهو الحديث فهو ضال في نفسه ومضل لغيره على القراءتين بفتح ياء ليضل وضمها ، وليس المعنى أنه لولم يقصد الضلال أو الإضلال جاز ذلك ، بل اشتراؤه لهو الحديث الذي منه الغناء محرم على كل حال سواء قصد ذلك أو لم يقصده ، وهو باشترائه لهو الحديث ضال قصد ذلك أم لم يقصده ، وذلك كما في قوله تعالى:( ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) فليس المعنى أنهن لو لم يبتغين التحصن والتعفف قلابأس بإكراههن على الزنا أو استعمالهن في التكسب منه بل المعنى أن هذا مع هذه الحال أقبح وأشد إثما وتحريما وإن كان الزنى محرما على كل حال ، سواء أردن تحصنا أم لا ، وبالله التوفيق
وأما الشبهة المتعلقة بالحديث فأمة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين:
أمة الدعوة وهم الجن والإنس جميعهم من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة .
وأمة الإجابة وهم المسلمون المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودخلوا في دين الإسلام أو ولدوا على دين الإسلام
وأما الاستحلال فإما أن يكون استحلال عقدي بأن اعتقدوا حله فمن اعتقد حل الخمر والزنا ونحوهما مما علم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام فهو كافر مالم يكن حديث عهد بإسلام أو ناشئا في بادية بعيدة ونحوهم ممن يعذر بجهله ، وإن استحله استحلالا عمليا بأن واقعه معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص ، وسمي إقباله على فعله واستمراره عليه ومداومته عليه استحلالا ، فعلى القول بأنه اعتقد حله يكون من أمة الدعوة وعلى القول بأنه اعتقد تحريمه يكون مسلما فاسقا من أمة الإجابة ، وإلى هاذين الاحتمال أشار أبو بكر بن العربي رحمه الله فيما نقله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح ، والله أعلم .
منقول من موقع المحجة العلمية السلفية .
فهذا رد الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى على الشبهة الأولى المتعلقة بالآية الكريمة
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
زعم أبو تراب . تبعا لابن حزم ، أن قوله سبحانه لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا الآية . . دليل على أن مشتري لَهْوَ الْحَدِيثِ من الأغاني والملاهي ، لا يستحق الذم إلا إذا اشتراها لقصد الضلال أو الإضلال ، أما من اشتراها للترفيه والترويح عن نفسه فلا بأس في ذلك ، والجواب أن يقال : هذه شبهة باطلة من وجوه ثلاثة :
الأول ، أن ذلك خلاف ما فهمه السلف الصالح من الصحابة والتابعين من الآية الكريمة ، فإنهم احتجوا بها على ذم الأغاني والملاهي والتحذير منها ، ولم يقيدوا ذلك بهذا الشرط الذي قاله أبو تراب ، وهم أعلم الناس بمعاني كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أعرف بمراد الله من كلامه ممن بعدهم .
الوجه الثاني : أن ذلك خلاف ظاهر الآية لمن تأملها ، لأن الله سبحانه قال : لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فدل ذلك على أن هذا الصنف المذموم من الناس قد اشترى لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم ولا شعور بالغاية ، ولا قصد للإضلال أو الضلال ، ولو كان اشترى لهو الحديث وهو يعلم أنه يضل به أو يقصد ذلك لم يقل الله عز وجل لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لأن من علم أنه اشترى لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله لا يقال له : إنه لا يعلم وهكذا من قصد ذلك لا يقال : إنه اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم لأن من علم أن غايته الضلال أو قصد ذلك قد اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بعلم وقصد ، لا ليضل بغير علم ، فتأمل وتنبه - أيها القارئ الكريم - يتضح لك الحق ، وعليه تكون " اللام " في قوله لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لام العاقبة ، أو لام التعليل ، أي تعليل الأمر القدري . ذكر ذلك الحافظ ابن كثير وغيره ، وعلى كونها للعاقبة يكون المعنى : أن من اشترى لهو الحديث من الغناء والمعازف ، تكون عاقبته الضلال عن سبيل الله ، والإضلال واتخاذ سبيل الله هزوا ، والإعراض عن آيات الله ، استكبارا واحتقارا ، وإن لم يشعر بذلك ، ولم يقصده .
وعلى المعنى الثاني ، وهو كونها لتعليل الأمر القدري ، يكون المعنى : أن الله سبحانه قضى وقدر على بعض الناس أن يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله ، وعلى كلا التقديرين فالآية الكريمة تفيد ذم من اشترى لهو الحديث ووعيده بأن مصيره إلى الضلال والاستهزاء بسبيل الله ، والتولي عن كتاب الله ، وهذا هو الواقع الكثير ، والمشاهد ممن اشتغل بلهو الحديث من الأغاني والمعازف ، واستحسنها وشغف بها ، يكون مآله إلى قسوة القلب والضلال عن الحق إلا من رحم الله ، وقد دلت الشريعة الإسلامية الكاملة في مصادرها وموردها على وجوب الحذر من وسائل الضلال والفساد والتحذير منها ، حذرا من الوقوع في غاياتها ، كما نهى النبي عن شرب القليل الذي لا يسكر ، حذرا من الوقوع في المسكر ، حيث قال عليه الصلاة والسلام " ما أسكر كثيره فقليله حرام " ونهى عن الصلاة بعد الصبح ، وبعد العصر ، لئلا يكون ذلك وسيلة إلى الوقوع فيما وقع فيه بعض المشركين من عبادة الشمس عند طلوعها وغروبها ، ونظائر ذلك كثيرة يعرفها من له أدنى علم بالشريعة المطهرة ، والله المستعان .
الوجه الثالث : أنه لو كان الذم مختصا بمن اشترى لهو الحديث لقصد الضلال أو الإضلال ، لم يكن في تنصيص الرب عز وجل على لَهْوَ الْحَدِيثِ فائدة؛ لأن الذم حينئذ لا يختص به ، بل يعم كل من فعل شيئا يقصد به الضلال أو الإضلال حتى ولو كان ذلك الشيء محبوبا إلى الله سبحانه وتعالى ، كمن اشترى مصحفا يقصد به التلبيس على الناس وإضلالهم ، فإن المصحف محبوب إلى الله لاشتماله على كلامه عز وجل ، ولكنه سبحانه لا يحب من عباده أن يشتروه للتلبيس والإضلال ، وإنما يشترى للاهتداء والتوجيه إلى الخير ، وقد اعترف ابن حزم وأبو تراب بهذا الوجه ، وزعما أن الآية تختص بهذا الصنف ، وهو خطأ بين ، وعدول بالآية عن معناها الصحيح ، وإضاعة لمعناها الأكمل . فعرفت - أيها القارئ الكريم - من هذه الأوجه الثلاثة ، كشف شبهة أبي تراب وبطلانها ، واتضح لك أن الآية الكريمة حجة ظاهرة على ذم الأغاني والملاهي وتحريمهما ، وأنها وسيلة للضلال والإضلال والسخرية بسبيل الله ، والإعراض عن كتابه ، وإن لم يشعر مشتروها بذلك ، وهذا هو الذي فهمه السلف الصالح من الآية الكريمة ، وهم أولى بالاتباع رضي الله عنهم ، وسبق لك كشف شبهة أبي تراب في تعلقه بحديث الجاريتين ، وكشف شبهته الأخرى في تعلقه بحديث أبي مسعود البدري وصاحبيه في الرخصة لهم في الغناء وقت العرس ، وأوضحنا فيما تقدم أن الحديثين المذكورين حجة ظاهرة على أبي تراب ، وإمامه ابن حزم في النهي عن الأغاني والمنع منها لا على جوازها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . ) انتهى كلامه رحمه الله تعالى
والظاهر والله أعلم أن قوله تعالى :(ليضل عن سبيل الله ) صفة كاشفة تبين حقيقة الموصوف لامفهوم لها ، وليست صفة مقيدة والمقصود أن من اشترى لهو الحديث فهو ضال في نفسه ومضل لغيره على القراءتين بفتح ياء ليضل وضمها ، وليس المعنى أنه لولم يقصد الضلال أو الإضلال جاز ذلك ، بل اشتراؤه لهو الحديث الذي منه الغناء محرم على كل حال سواء قصد ذلك أو لم يقصده ، وهو باشترائه لهو الحديث ضال قصد ذلك أم لم يقصده ، وذلك كما في قوله تعالى:( ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) فليس المعنى أنهن لو لم يبتغين التحصن والتعفف قلابأس بإكراههن على الزنا أو استعمالهن في التكسب منه بل المعنى أن هذا مع هذه الحال أقبح وأشد إثما وتحريما وإن كان الزنى محرما على كل حال ، سواء أردن تحصنا أم لا ، وبالله التوفيق
وأما الشبهة المتعلقة بالحديث فأمة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين:
أمة الدعوة وهم الجن والإنس جميعهم من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة .
وأمة الإجابة وهم المسلمون المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودخلوا في دين الإسلام أو ولدوا على دين الإسلام
وأما الاستحلال فإما أن يكون استحلال عقدي بأن اعتقدوا حله فمن اعتقد حل الخمر والزنا ونحوهما مما علم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام فهو كافر مالم يكن حديث عهد بإسلام أو ناشئا في بادية بعيدة ونحوهم ممن يعذر بجهله ، وإن استحله استحلالا عمليا بأن واقعه معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص ، وسمي إقباله على فعله واستمراره عليه ومداومته عليه استحلالا ، فعلى القول بأنه اعتقد حله يكون من أمة الدعوة وعلى القول بأنه اعتقد تحريمه يكون مسلما فاسقا من أمة الإجابة ، وإلى هاذين الاحتمال أشار أبو بكر بن العربي رحمه الله فيما نقله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح ، والله أعلم .
منقول من موقع المحجة العلمية السلفية .