ذم العجلة
بقلم : الشَّيخ توفيق عمروني -حفظه الله تعالى-
مدير مجلَّة الإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ من الصِّفات الذَّميمة المعيبة ، العجلة ، قال الله سُبحانه : {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} [سورة الأنبياء] ، وقال : {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [سورة الإسراء] ، أي : خُلق عجولاً يُبَادر الأُمور ، ويستَعجل حصولَها قبلَ أوانِها ، ويطلبُ أخذَ الأشياء قبلَ وقتها
والعَجُول كثيرُ الخَطأ ، قليل التَّثبُّت والتَّدبُّر ، ولا يقدِّر للأمور عواقبَها ، وهو ما يدفعُه إلى وضع الأشياء في غير مواضِعها ، فلا يجني مِن تعجُّله سوى الحرمان والفَوت ، فيجلب على نفسه أنواعًا منَ الشُّرور ، ويحرمها أصنافًا من الخَير فصدقَ من كنَّى العَجلة بأمِّ النَّدامة ، لأنَّه قلَّ من استَعجل إلاَّ ندمَ ، وما سَلِمَ ، وآلَت أمورُه إلى فَرط وشَطَط .
فلا تقُل ولا تكتُب قبلَ أن تعلَم ، ولا تُجب قبلَ أن تفهَم ، ولا تعزمَ قَبل أن تُفكِّر ، ولا تقطع قبلَ أن تقدِّر ، ولا تحمد قبلَ أن تجرِّب ، ولا تُذع شيئًا قبلَ أن تتثَّبت ، فالحليمُ المتأنِّي لا تُثيره بداياتُ الأمور ، ولا يستفزُّه أهْلُ الطَّيْشِ والخفَّةِ ، ولا يستَخفُّهُ أهلُ التَّشويش والإثارة منَ الَّذين لا يَعْلَمُونَ ، ولا يهيِّجه أهلُ العَواطف والحماسَة ، بل يملكُ نفسَه عند دوَاعي الغَضب والسَّخط ، وعواطفُه منقادةٌ للشَّرع ، جاريةٌ على مقتضَى الحكمَة والعَقل .
وإذا كانَ الاستعجَالُ قبيحًا ، فهو في المنتَسِب إلى العلم والدَّعوة أقبح ، فحريٌّ به ألاَّ يتعجَّل في الفتوى والتَّصدُّر ، ولا في حرق مراحل التَّعلُّم والتَّدرُّج ، ففي "شعب الإيمان" (1803) عن الإمام مَالك رحمه الله أنَّه عَابَ يومًا العَجَلَةَ في الأمُور ، ثُمَّ قالَ : " قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما البَقَرَةَ في ثَمَانِ سنِينَ " ، والله تعالى رفيقٌ يحبُّ الرِّفق والتَّأنِّي في الأعمال والأمور ، والمتَّئد من النَّاس محمودُ العاقبة مخطئًا ومصيبًا قال صلَّى الله عليه وسلَّم : " التَّأنِّي منَ الله ، والعَجَلَةُ منَ الشَّيطَانِ " .
والرَّشيد من النَّاس هو مَن قَدَّ منَ العَجلة معنًى حميدًا ،وهو المبادر إلى الخيرات ، والمسارعَة إلى المرضيات ، ومعناه انتهاز الفُرص في وقتها ، قال تعالى عن موسى عليه السلام : {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [سورة طه] ، فرضَى الرَّبِّ في العَجلة إلى أوامره ، وبهذا احتجُّوا على أنَّ الصَّلاةَ في أوَّل الوقت أَفضَل .
فليسَ منَ التَّأنِّي تضييع الفُرص وتفويتها ، بل هو تهاونٌ وتماوتٌ ، لأنَّ الكسَلَ قرينُ الفَوْت والإضاعة ، فلابد إذًا من سلوك الحليم الواثق الَّذي يصدرُ عن علم وبصيرة ، وحزم وعزيمة ، ليكونَ على طريق الرُّشد والثَّبات ، مفرقًا بين العجلة والمبادرة .
وتأكَّد أنَّ العَجلَةَ لا تقدِّم نصرًا آتيًا ، والأناة لا تُؤخِّره ، وإن الله قَد جعل لكلِّ شيء قدرًا ، وقد أحسن مَن قال :
بقلم : الشَّيخ توفيق عمروني -حفظه الله تعالى-
مدير مجلَّة الإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ من الصِّفات الذَّميمة المعيبة ، العجلة ، قال الله سُبحانه : {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} [سورة الأنبياء] ، وقال : {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [سورة الإسراء] ، أي : خُلق عجولاً يُبَادر الأُمور ، ويستَعجل حصولَها قبلَ أوانِها ، ويطلبُ أخذَ الأشياء قبلَ وقتها
والعَجُول كثيرُ الخَطأ ، قليل التَّثبُّت والتَّدبُّر ، ولا يقدِّر للأمور عواقبَها ، وهو ما يدفعُه إلى وضع الأشياء في غير مواضِعها ، فلا يجني مِن تعجُّله سوى الحرمان والفَوت ، فيجلب على نفسه أنواعًا منَ الشُّرور ، ويحرمها أصنافًا من الخَير فصدقَ من كنَّى العَجلة بأمِّ النَّدامة ، لأنَّه قلَّ من استَعجل إلاَّ ندمَ ، وما سَلِمَ ، وآلَت أمورُه إلى فَرط وشَطَط .
فلا تقُل ولا تكتُب قبلَ أن تعلَم ، ولا تُجب قبلَ أن تفهَم ، ولا تعزمَ قَبل أن تُفكِّر ، ولا تقطع قبلَ أن تقدِّر ، ولا تحمد قبلَ أن تجرِّب ، ولا تُذع شيئًا قبلَ أن تتثَّبت ، فالحليمُ المتأنِّي لا تُثيره بداياتُ الأمور ، ولا يستفزُّه أهْلُ الطَّيْشِ والخفَّةِ ، ولا يستَخفُّهُ أهلُ التَّشويش والإثارة منَ الَّذين لا يَعْلَمُونَ ، ولا يهيِّجه أهلُ العَواطف والحماسَة ، بل يملكُ نفسَه عند دوَاعي الغَضب والسَّخط ، وعواطفُه منقادةٌ للشَّرع ، جاريةٌ على مقتضَى الحكمَة والعَقل .
وإذا كانَ الاستعجَالُ قبيحًا ، فهو في المنتَسِب إلى العلم والدَّعوة أقبح ، فحريٌّ به ألاَّ يتعجَّل في الفتوى والتَّصدُّر ، ولا في حرق مراحل التَّعلُّم والتَّدرُّج ، ففي "شعب الإيمان" (1803) عن الإمام مَالك رحمه الله أنَّه عَابَ يومًا العَجَلَةَ في الأمُور ، ثُمَّ قالَ : " قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما البَقَرَةَ في ثَمَانِ سنِينَ " ، والله تعالى رفيقٌ يحبُّ الرِّفق والتَّأنِّي في الأعمال والأمور ، والمتَّئد من النَّاس محمودُ العاقبة مخطئًا ومصيبًا قال صلَّى الله عليه وسلَّم : " التَّأنِّي منَ الله ، والعَجَلَةُ منَ الشَّيطَانِ " .
والرَّشيد من النَّاس هو مَن قَدَّ منَ العَجلة معنًى حميدًا ،وهو المبادر إلى الخيرات ، والمسارعَة إلى المرضيات ، ومعناه انتهاز الفُرص في وقتها ، قال تعالى عن موسى عليه السلام : {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [سورة طه] ، فرضَى الرَّبِّ في العَجلة إلى أوامره ، وبهذا احتجُّوا على أنَّ الصَّلاةَ في أوَّل الوقت أَفضَل .
فليسَ منَ التَّأنِّي تضييع الفُرص وتفويتها ، بل هو تهاونٌ وتماوتٌ ، لأنَّ الكسَلَ قرينُ الفَوْت والإضاعة ، فلابد إذًا من سلوك الحليم الواثق الَّذي يصدرُ عن علم وبصيرة ، وحزم وعزيمة ، ليكونَ على طريق الرُّشد والثَّبات ، مفرقًا بين العجلة والمبادرة .
وتأكَّد أنَّ العَجلَةَ لا تقدِّم نصرًا آتيًا ، والأناة لا تُؤخِّره ، وإن الله قَد جعل لكلِّ شيء قدرًا ، وقد أحسن مَن قال :
لـــكلٍّ شـــيءٍ في الحياة وقتُهُ *** وغايةُ الــمستَعجلين فوتُه!
مجلَّة الإصلاح السنة الثَّامنة ،العدد الأربعون رجب/شعبان 1435هــ الموافق لــ : ماي/جوان 2014م