كلمة الشَّيخ العلاَّمة محمَّد بن هادي المدخليّ حفظه الله
عند لِقائه بأبنائه وإخوانه بعد العودة إلى أرض الوطن
فإنه ليَسُرُّنا أَن نلتقي معشر الأحبة في أول لقاء بعد العودة من هذه الإجازة المُقتطعة النصفية، في النصف الثاني من عام خمسةٍ وثلاثين وأربعمائة وألف، ونحن في ليلةِ السادس، ليلة الأحد من جمادى الآخرة من العامِ نَفسِهِ، ونسأَل الله - جلَّ وعلا- أَن يَكون هذا العودُ مبَاركًا، وأن تكون النُّفوس قد استَجَمَّت بشيءٍ من الراحة، وروَّحت عن القُلوب، والحِقُّ أَنَّ الترويح عن القلب إنَّما يَكونُ بالطاعات التي فيها راحة القَلب، كما كانَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- يُرَوِّح عن نَفسهِ بالصلاة، فَيريحُها بِها، وكُلُّكم يَعلمُ قولهُ - عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: ((يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ))، فهي قُرَّةُ عينهِ - عليه الصَّلاة والسَّلام-، والعلمَ قرةُ عيون طلبة العلم، لا تَرتاح نفوسُهُم إلَّا بِهِ، إِن مَرَّ عليهم يومٌ لم يزدادوا فيه علمًا؛ فهذا يُعَدُّ خسارةً عليهم.عند لِقائه بأبنائه وإخوانه بعد العودة إلى أرض الوطن
وإنَّنا بحمد الله ها نحن نعودُ مرةً ثانية إلى رحابِ الجامعة الإسلامية، هذه الجامعة العريقة في الخير، المؤسسة عليه، في مدينةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم-، وإنّني قبل البدء في أيِّ شيء، بعد العودةِ إلى الوطن، أرض المملكة العربية السعودية - حفظها الله من كُلِّ سوءٍ ومكروه-، وإلى خيرِ البقاع بعد مكة المُعَظَّمة، إلى مدينةِ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، يسرُّني أن أبعث بالشُّكر إلى دولة المغرب، المملكة المغربية - وفقهم الله وزادهم من الخيرِ والبِرِّ والإحسانِ والإيمان-، نبعث إليهم بالشُّكر انطلاقًا من قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه-: ((مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ))، وشُكر الولاة مُتَحَتِّم - ولاة أُمور المسلمين- لعمومِ نفعِهم ولِتعَدِّي نفعهم إلى المسلمين، فَنشكُر المملكة المَغربية على ما يَسَّرتهُ، وذَلَّلتهُ لنا مِن أمورِ الالتقاء بأَبنائنا في بَلدةِ الناظور بشَمال المغرب؛ لإقامةِ دورةٍ علميةٍ عندهم فيما مضى وَتَعلمونَ مُدَّتها، كَما أَشكُر والِيَ مَدينة الناظور، ومحافظة الناظور، ولايةَ الناظور، أَشكره شُكرًا جزيلًا هو وإخوانهُ، ومن عاونهُ، ورِجال الأمن الذين قاموا خير قيام في تنسيق وتنظيم أمر سَيْرِ الدورة، وحَرِصوا عليها، وقاموا برِعايتها وتسهيل الطُّرُقات لطلبة العلم الذينَ تَوافدوا على هذهِ المدينة؛ على ولاية النَّاظور من كُلِّ مكان، أبعث إلى هؤلاءِ جميعًا بالشُّكرَ، ابتداءً من والي الناظور وانتهاءً بجنود الأمن ورجال الأمن الذين قاموا على تسهيل سَيْرِ هذهِ الدورة، أبعثُ إليهم بالشُّكر، عملًا بحديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأدعو لهم أن يزيدهم الله من الخيرِ والتوفيق، من هذهِ المدينةِ المباركة المُقَدَّسة مدينة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد ما وطِئَت أقدامُنا تُرابها، نَبعثُ إلى إخواننا في المملكة المغربية بالشُّكر على ما بذلوه، فجَزاهم الله عَنَّا وعن طلبةِ العلم خيرَ الجزاء.
كما لا أنسى أن أشكُرَ أهالي الناظور، الذين جادت نفوسهم بكثيرٍ من الخير على أبنائهم وإخوانهم طلبة العِلم، الذين وفدوا على هذهِ المدينة، فجادوا وظهر جودهم وكَرَمهم، أصحاب البقالات والمتاجر في بقالاتهم ومتاجرهم، كان كثيرٌ منهم لا يأخذ من طلبة العلم مالًا إن هم دخلوا عليه متجره، فأخذوا المياه أو العصائر ونحو ذلك، فكانوا لا يطلبونَ منهم ثمنًا ويُسامحونهم، وبعضهم يأتي بالزاد؛ عشاءً وغداءً لطلبةِ العلم الذين لم يَجِد بعضهم مكانًا يسكُنُ فيه، وبعضهم آواهم في داره، وبعضهم فتحوا دورهم لِهؤلاء، فأبعثُ لهؤلاءِ أيضًا بالشُّكرَ أصالةً ونيابةً عن أبنائي وإخوتي طلبة العلم الذين توافدوا، فجزاهم الله خيرًا، كم رأينا من الخير الذين رأيناه من هؤلاء الناس، وهذا إن دل فإنَّما يدلُّ على كرمِ النفوس، ويدلُّ على بقاء الخير في أمة محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم-، فأسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يجزيهم عن طلبة العلم وعنَّا جميعًا خير الجزاء، كما أحمد الله - جلَّ وعلا- الذي رَدَّنا سالمين، ونسأله - جلَّ وعلا- أي يجعلنا مع كوننا سالمين أيضًا غانمين من الخير والأجر إنَّهُ جوادٌ كريم.
معشر الأحبة إن أفضل ما أُنْفِقَت فيه الأعمار، وأُزْهِقَت فيه الساعات هو هذا العلم، الذي هو لنا جميعًا بمثابة النَّفَس، يتوقف طالب العلم عن الحياة إن مَرَّ عليه يومًا لم يَزْدَدْ فيه علم، فأوصيكم معشر الأحبة والأبناء بالحرص على الأوقات والاستفادة منها في حفظ جديد، أو تَفَهّم لمتنٍ جديد، أو محفوظٍ قديم، وإن تُقَسِّموا أوقاتكم على ذلك، وأن تجتهدوا في هذا غاية الاجتهاد، فكُلَّما ازداد المرءُ علمًا كلما ازدادَ عند الله مقامًا، وفي الناس نبلًا، نسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم جميعًا.
وأختصر عليكم بأن لا تسألوني عن الدورة وكيف هي، إذ المرء لا يتكلَّم عن نفسِهِ، والعاقل يَتَرَفَّعُ عن ذلك ويَدَع الحكم، أولًا إنَّما عمل لله - جلَّ وعلا- فيَدَعُ العمل لله، والناس شهداء الله في أرضه، فأرجو ألَّا يسألني منكم أحد؛ كيف الدورة، كيف الحال، كيف ما صنعتم، فلن يجد عندي جوابًا، والجوابُ عند شهداء الله في أرضه، وأسأل الله أن يُحْسِن المنقلب لديه، والمرجع إليه، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم - سبحانه وتعالى-.
تعليق