بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين
وبعد
فهذه خمس أحاديث من صحيحة الشيخ الألباني رحمه الله إنتقيتها بفوائدها و دررها
الحديث الأول
و الصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين
وبعد
فهذه خمس أحاديث من صحيحة الشيخ الألباني رحمه الله إنتقيتها بفوائدها و دررها
الحديث الأول
2242 - " إذا مررتم باليهود ... فلا تسلموا عليهم و إذا سلموا عليكم فقولوا : و عليكم
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 288 :
أخرجه الفسوي في " المعرفة " ( 2 / 491 ) : حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي بصرة الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره بزيادة ( و النصارى) . قلت : و هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن البخاري روى لعبدالحميد بن جعفر تعليقا . لكني أرى أن ذكر ( النصارى ) في هذا الحديث خطأ لعله من بعض الناسخين ،....
ثم قال..
و اعلم أن عدم ثبوت لفظه ( النصارى ) لا يعني جواز ابتدائهم بالسلام لأنه قد صح النهي عن ذلك في غيرما حديث صحيح ، و في بعضها اللفظ المذكور ، كما صح قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : و عليكم " . و هي مخرجة في "الإرواء " ( 5 / 111 - 118 ) ، و الرد عليهم بـ ( و عليكم ) محمول عندي على ما إذا لم يكن سلامهم صريحا ، و إلا وجب مقابلتهم بالمثل : ( و عليكم السلام ) لعموم قوله تعالى : *( و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها )* ، ولمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا سلم عليكم اليهود - فإنما يقول أحدهم :
السام عليكم - فقل : و عليك " . أخرجه البخاري ( 6257 ) و مسلم و غيرهما . ولعل هذا هو وجه ما حكاه الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 11 / 45 ) عن جماعة من السلف أنهم ذهبوا إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم : " عليكم السلام " كما يرد على المسلم . و الله سبحانه و تعالى أعلم .
2244 - " اجتنبوا الكبائر السبع ، فسكت الناس فلم يتكلم أحد ، فقال : ألا تسألوني عنهن؟ الشرك بالله و قتل النفس و الفرار من الزحف و أكل مال اليتيم و أكل الربا و
قذف المحصنة و التعرب بعد الهجرة " .
بعد تخريج طويل للحديث قال فالحديث قوي لا علة له ثم ذكر طرق للحديث ..ثم قال ( التعرب بعد الهجرة ) ، قال ابن الأثير في " النهاية " : " هو أن يعود إلى البادية ، و يقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا . و كان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد " . قلت : و نحوه : ( التغرب ) : السفر إلى بلاد الغرب و الكفر ، من البلاد الإسلامية إلا لضرورة و قد سمى بعضهم بـ (الهجرة ) ! و هو من القلب للحقائق الشرعية الذي ابتلينا به في هذا العصر ، فإن ( الهجرة ) إنما تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام . و الله هو المستعان .
2245 - " إذا أذنت المغرب فاحدرها مع الشمس حدرا " .
بعد تخريج طويل للحديث قال..
قوله : " فاحذرها " أي : صلاة المغرب . قال ابن الأثير في " النهاية ": " ( فاحدر ) ، أي : أسرع ، حدر في قراءته و أذانه يحدر حدرا ، و هو من الحدورضد الصعود ، و يتعدى و لا يتعدى " . قلت : و هذه من السنن المتروكة في بلاد الشام ، و منها عمان ، فإن داري في جبل هملان من جبالها ، أرى بعيني طلوع الشمس و غروبها ، و أسمعهم يؤذنون للمغرب بعد غروب الشمس بنحو عشر دقائق ، علما بأن الشمس تغرب عمن كان في وسط عمان و وديانها قبل أن تغرب عنا ! و على العكس من
ذلك فإنهم يؤذنون لصلاة الفجر قبل دخول وقتها بنحو نصف ساعة . فإنا لله و إنا إليه راجعون .
2246 - " اللهم بارك لنا في مكتنا ، اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم بارك لنا في شامنا ، و بارك لنا في صاعنا ، و بارك لنا في مدنا ، فقال رجل : يا رسول الله !و في عراقنا ، فأعرض عنه ، فرددها ثلاثا ، كل ذلك يقول الرجل : و في عراقنا ،فيعرض عنه ، فقال : بها الزلازل و الفتن ، و فيها يطلع قرن الشيطان " .
بعد تخريج للحديث قال.. و إنما أفضت في تخريج هذا الحديث الصحيح و ذكر طرقه و بعض ألفاظه لأن بعض المبتدعة المحاربين للسنة و المنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية ، و يحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد ( نجد ) المعروفة اليوم بهذا الاسم ، و جهلوا أو تجاهلوا أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث ، و إنما هي (العراق ) كما دل عليه أكثر طرق الحديث ، و بذلك قال العلماء قديما كالإمام الخطابي و ابن حجر العسقلاني و غيرهم . و جهلوا أيضا أن كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضا إذا كان صالحا في نفسه ، و العكس بالعكس . فكم في مكة و المدينة و الشام من فاسق و فاجر ، و في العراق من عالم وصالح . و ما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلى الشام : " أما بعد ، فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا ، و إنما يقدس الإنسان عمله " . و في مقابل أولئك المبتدعة من أنكر هذا الحديث و حكم عليه بالوضع لما فيه من ذم العراق كما فعل الأستاذ صلاح الدين المنجد في مقدمته على" فضائل الشام و دمشق " ، و رددت عليه في تخريجي لأحاديثه ، و أثبت أن الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم العلمية ، فانظر الحديث الثامن منه .
2261 - " إن كنت نذرت فاضربي ، و إلا فلا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 330 :
أخرجه الترمذي ( 3691 ) و ابن حبان ( 4371 - الإحسان ) و البيهقي ( 10 / 77 ) و أحمد ( 5 / 353 ) من طريق الحسين بن واقد قال : حدثني عبد الله بن بريدة قال
: سمعت بريدة يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ، فلما انصرف ، جاءت جارية سوداء ، فقالت : يا رسول الله ! إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف و أتغنى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ..( فذكره ) ، فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر و هي تضرب ، ثم دخل علي و هي تضرب ، ثم دخل عثمان و هي تضرب ، ثم دخل عمر ، فألقت الدف تحت استها ، ثم قعدت عليه ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ! إني كنت جالسا و هي تضرب ، فدخل أبو بكر و هي تضرب ، ثم دخل علي و هي تضرب ، ثم دخل عثمان و هي تضرب ، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف " . و قال الترمذي : " حديث
حسن صحيح " . قلت : و إسناده جيد رجاله ثقات رجال مسلم و في الحسين كلام لا يضر قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق له أوهام " . و لحديث الترجمة شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ،فقالت : يا رسول الله ! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف ، قال : " أوفي بنذرك
" . ( تنبيه ) : جاء عقب حديث بريدة في " موارد الظمآن " ( 493 - 494 / 2015 ) زيادة : " و قالت : أشرق البدر علينا ، من ثنيات الوداع ، وجب الشكر علينا ،ما دعا لله داع ، و ذكر محققه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله تعالى في الحاشية أن هذه الزيادة من الهامش ، و بخط يخالف خط الأصل . و كم كنت أتمنى على الشيخ رحمه الله أن لا يطبعها في آخر الحديث ، و أن يدعها حيث وجدها : " في الهامش " و أن يكتفي بالتنبيه عليها في التعليق ، خشية أن يغتر بها بعض من لا علم عنده ، فإنها زيادة باطلة ، لم ترد في شيء من المصادر المتقدمة و منها "الإحسان " الذي هو " صحيح ابن حبان " مرتبا على الأبواب الفقهية ، بل ليس لها أصل في شيء من الأحاديث الأخرى ، على شهرتها عند كثير من العامة و أشباههم من الخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بذلك من النساء و الصبيان حين دخل المدينة في هجرته من مكة ، و لا يصح ذلك كما كنت بينته في"الضعيفة " ( 2 / 63/ 598 ) ، و نبهت عليه في الرد على المنتصر الكتاني ( ص 48 ) و استندت في ذلكعلى الحافظ العراقي ، و العلامة ابن قيم الجوزية . و قد يظن بعضهم أن كل ما يروى في كتب التاريخ و السيرة ، أن ذلك صار جزءا لا يتجزأ من التاريخ الإسلامي، لا يجوز إنكار شيء منه ! و هذا جهل فاضح ، و تنكر بالغ للتاريخ الإسلامي
الرائع ، الذي يتميز عن تواريخ الأمم الأخرى بأنه هو وحده الذي يملك الوسيلة العلمية لتمييز ما صح منه مما لم يصح ، و هي نفس الوسيلة التي يميز بها الحديث الصحيح من الضعيف ، ألا و هو الإسناد الذي قال فيه بعض السلف : لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء . و لذلك لما فقدت الأمم الأخرى هذه الوسيلة العظمى امتلأ تاريخها بالسخافات و الخرافات ، و لا نذهب بالقراء بعيدا ، فهذه كتبهم التي يسمونها بالكتب المقدسة ، اختلط فيها الحامل بالنابل ، فلا يستطيعون تمييزالصحيح من الضعيف مما فيها من الشرائع المنزلة على أنبيائهم ، و لا معرفة شيء من تاريخ حياتهم ، أبد الدهر ، فهم لا يزالون في ضلالهم يعمهون ، و في دياجيرالظلام يتيهون ! فهل يريد منا أولئك الناس أن نستسلم لكل ما يقال : إنه من التاريخ الإسلامي . و لو أنكره العلماء ، و لو لم يرد له ذكر إلا في كتب العجائز من الرجال و النساء ؟ ! و أن نكفر بهذه المزية التي هي من أعلى و أغلى ما تميز به تاريخ الإسلام ؟ ! و أنا أعتقد أن بعضهم لا تخفى عليه المزية و لا يمكنه أن يكون طالب علم بله عالما دونها ، و لكنه يتجاهلها و يغض النظر عنها سترا لجهله بما لم يصح منه ،فيتظاهر بالغيرة على التاريخ الإسلامي ، و يبالغ في الإنكار على من يعرف المسلمين ببعض ما لم يصح منه ، بطرا للحق ، و غمصاللناس . و الله المستعان .
( فائدة ) : من المعلوم أن ( الدف ) من المعازف المحرمة في الإسلام و المتفق على تحريمها عند الأئمة الأعلام ، كالفقهاء الأربعة و غيرهم و جاء فيها أحاديث صحيحة خرجت بعضها في غير مكان ، و تقدم شيء منها برقم ( 9 و 1806 ) ، و لا يحل منها إلا الدف وحده في العرس و العيدين ،فإذا كان كذلك ، فكيف أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تفي بنذرها و لا نذر في معصية الله تعالى . و الجواب - و الله أعلم - لما كان نذرها مقرونا بفرحها بقدومه صلى الله عليه وسلم من الغزو سالما ، ألحقه صلى الله عليه وسلم
بالضرب على الدف في العرس و العيد و ما لا شك فيه ، أن الفرح بسلامته صلى الله عليه وسلم أعظم - بما لا يقاس - من الفرح في العرس و العيد ، و لذلك يبقى هذا الحكم خاصا به صلى الله عليه وسلم ، لا يقاس به غيره ، لأنه من باب قياس الحدادين على الملائكة ، كما يقول بعضهم . و قد ذكر نحو هذا الجمع الإمام الخطابي في " معالم السنن " ، و العلامة صديق حسن خان في " الروضة الندية " ( 2/ 177 - 178 ) .
هذا ماتيسر جمعة و الله الموفق