بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن أعداءنا يريدون أن يفككوا تجمعات المسلمين أن لا تقوم لهم دولة ولا ولاية وأن يشتتوهم ويشردوهم هذا ما يريدونه فلا ننخدع بكلامهم ودعاياتهم وتحريضهم فأعداء الإسلام يحاولون إزالته بشتى الوسائل إما بإزالة تجمع المسلمين واجتماع كلمتهم وإما بتفريقهم إلى أحزاب وجماعات باسم الدين كل جماعة تعادي الأخرى ، (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) .
إن من يشجعون على هذه الفوضى ويشجعون على هذه المظاهرات وهذه المطالبات الصعبة إنهم وإن كانوا من أبناء المسلمين فهم مغرورون فعليهم أن يتفكروا في العواقب وأن يكون موقف المسلم من هذه الفتن موقف الإصلاح موقف الدعاء للمسلمين ، بيان ما في هذه المظاهرات وهذه الفوضى من المفاسد العظيمة والشقاق الكبير الذي لا ينجبر ولا ينتهي .
أيُّها المسلم، شريعة الإسلام شريعة رحمةٍ وإحسانٍ، وشريعة تيسيرٍ في أحكامها وتشريعاتها وأخلاقها، هذه الرحمة في هذه الشريعة تجعل المسلم يعمل بها، ويسير على نهجها، وكل إنسان يمكنه ذلك لأن الله جلَّ وعلا رفع عنا الحرج والأغلال والأصال التي كانت على من قبلنا: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، فشريعة الله مبنية على التيسير، وكل عسر يأتي بعده التيسير، فلا واجب مع العجز، ولا مشقة مع العسر.
أيُّها المسلم، أرحم المعسر العاجز عن قضاء دينه أرحمه فخفف عنه، أرحمه فأنظره، أرحمه فتصدق عليه: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، أرحم المنكوب والمكروب والمهموم والمعسر فرج كربته ويسر أمره: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً يومِ الْقِيَامَةِ"، أرحم الصغير والكبير، أرحم الكبير والصغير: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ حَقَّ كَبِيرِنَا".
أيُّها المسلم، أرحم الجاهل بأحكام الشريعة فتلطف به ولا تأخذه بجهله، فمحمد j كان يعامل الجهلة بالحلم والأناة والرحمة حتى يوصل الحق إلى نفوسهم، بينما هو جالس في المسجد عند أصحابه إذا أعراب يأتي إلا طائفة من المسجد فيبول في المسجد فيهم الصحابة به لأنه ارتكب خطأً كبيرا، فالمصطفى يقول: "دَعُوهُ لاَ تُزْرِمُوهُ له بوله دَعُوهُ". حتى إذا قضى بوله دَعَاهُ فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ يصْلُحُ شَىْءٍ مِنَ الْقَذَرِ"، فقال: اللهم أدخلني الجنة أنا ومحمدا، تركه لأجل أن يقبل الحق ولا ينفر من الإسلام، ولا يسأم نفسه فصلوات الله وسلامه عليه، أرحم صاحب الحق الذي يريد حقه فلا تتأخر عليه، جاء رجل إلى النبي يتقاضى منه فأغلظ القول على النبي، هم الصحابة به، قال: "دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً"،
أرحم أيُّها المسلم ضعيف العقل، قليل الإرادة فإياك أن تخدعه في تعاملك معه في البيع والشراء، فقد يكون أمامك رجل ذكي يصارعك ويحاكيك ويماكسك، ولكن مسكين قد تغفل أمور عليه، فإياك أن تستغل جهله وقصر نظره أرحمه فعامله كما تعامل من في الذكاء والحرص والمماكسة والقدر على المساومة.
أيُّها المسلم، ارحموا شباب الإسلام، يا دعاة الإسلام ارحموا شبابنا، ارحموا أبنائنا إياكم أن تزجوا بهم في أفكار بعيده وأراء شاطه، إيَّاكم أن تصدروا فتاوى لهم لا يحمل معانيها ولا يدركون حقائقها ولا ما وراءها، إيَّاكم أن تزجوا بهم في طوائف وأحزاب هم لا يعرفون حقيقة الأمر بعيدون كل البعد عنه، إيَّاكم أن تحملوا صدورهم حقدا وبغضاء لهذا وهذا، إيَّاكم أن تزجوا بهم في سطحات لا حقائق لها، إن شباب الأمة بحاجة إلى الرحمة والإحسان والتوجيه السليم، والتحذير من مبادئ الفرقة والاختلاف، نسمع كثيرا عن بعض جمعيات تنتشر في الإسلام تارة لكن حقائق أمرها وما وراء ذلك أمور خطيرة وأضرار كثيرة وشطحات وسوء تصرف وبغض للإسلام وأهله، فلنحذر من هذه الجمعيات وأمثالها، ولنكن على بصيرة من أمرنا، لا نقبل على قول قيل لنا.
ويا أيها الدعاة والمفتون، إياكم والفتوى الشاطه والفتوى الضارة التي تحمل هذا النشء الذي لا يعلم ما وراء الأحداث ولا يبصر الأشياء على حقيقتها، وقد تستغل هذه الفتوى أو هذه التوجيهات يستغلها الأعداء لمصالحهم وأغراضهم، نحن بأمس الحاجة إلى أن نرحم شبابنا بالتوجيه السليم والنصيحة القيمة والهداية والطريق المستقيم، وأخذ العبر مما جرى وحصل في الأمة من هذا الاضطراب والفتن نجنبهم بذلك ونأخذ بأيدهم لما فيه خير صلاح دينهم ودنياهم، أما أن نزج بهم في أمور وترهات، وعقول لا يتحملها ولا تستطيع هضمها، ولكن نغريهم ونملئ صدورهم حقدا وبغضا ونوجهم التوجيه غير السليم، إياكم شبابنا والإصغاء إلى المنتديات والمواقع الخبيثة التي تصور واقعكم بخلاف ما أنتم فيه، أنتم في نعمة وأمن واستقرار وراحة بال نفس، أعداءهم يصور واقعكم بأنه واقع مؤلم حسدا من أنفسهم وحقدا على هذه الأمة، فإياكم وإياهم ولنكن على حذر دائما من هذه الدعايات وهذه الآراء وهذه المقالات السيئة، ننزل بها في ميزان العدل فما كان شرط قبلناه وما كان مخالفا ترفعنا عنه، فارحموا شبابنا، ارحموا قلة علمهم، ارحموا ضعف إدراكهم فلا تحملهم ما لا يطيقون ولا تفوتهم بغير ما هو حق، أرحموهم فأتوهم بالحق والدعوة إلى الحق، أسأل الله أن يجمع القلوب على طاعته، وأن يرحمنا برحمته إنه على كل شيء قدير، أقولٌ قولي هذا واستغفرٌ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى،
أيُّها المسلم، أرحم المنكوبين، وضمد جرح المجروحين، وواسي المحتاجين، وارحم المسكين والفقير، واحترم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وادعوا الناس إلى الخير والصلاح والهدى، واحذرهم من سبيل الشر والبلايا والرداء.
أيُّها القاضي، أرحم الخصمان الذي أمامك، أرحم الحاكم والمحكوم عليه رحمةً تقتضي منك إيصال الحق إلى أهله من غير محاباة ومجاملة.
أيُّها المحقق، أرحم من تحقق معه، إياك أن تحمله على إقرار بأمر هو غير معتقد له ولا يراه ولا قرابة به أو تحمله أمراً ما قاله ولا فعله، أتقي الله وارحمه أثناء التحقيق، أرحم المعلم طلابك وأبناءك رحمة تقتضي تأديبهم وحمله على الخير.
أيُّها المسلم، أرحم المستأجر فلا تحمله ما لا يطيق وأعنه في استحقاق الأجر ولا تحمله أمرا يشق عليه راعه ظروفه وفقره وحاجته، وعلى المستأجر أن يراعي أيضا حاجة المؤجر، فالكل يجب أن يكون بينهم تعاون لا المستأجر ولا المؤجر حتى تكون الأمور على الخير،
أرحم أيَّها المسلم، أرحم الجاهل فعلمه، أرحم العاصي الذي زلت به قدمه أرحمه انصحه وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، وحذره من أسباب الشر، وإياك والشماتة به، إياك وهتك عرضه، وإياك والفضح بعيبه، أرحمه رحمة الشقيق المحسن الذي يحب الخير له، والنبي يقول: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، لتكون الرحمة متبادلة في أمورنا كلها، وفي تعاملنا مع ربنا، مع أنفسنا، مع أهلينا وأولادنا، مع جيراننا، مع من نتعامل معه، نسال الله أن يعمنا برحمته إنُّه على كل شيء قدير.
عباد الله ، إن الأمن لا يستقر إلا بالشكر على نعمة الأمن أما الذين يحرضون على الإخلال بالأمن فهم يكفرون النعمة ، قال تعالى آمراً قريش : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ، وقال سبحانه تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً) - يعني مكة (كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ) كفرت بنعمة الأمن ونعمة الرزق، كفرت بأنعم الله، (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) ، هكذا سنة الله جل وعلا في خلقه لا تتغير ولا تتبدل إذا هم حادوا عن شرعه وحادوا عن دينه واستمعوا إلى المفسدين وإلى دعاة الضلال وإلى الغوغائيين فمدحوا فعلهم وأثنوا عليه هكذا تكون العاقبة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أيها الناس هناك وسائل تحث على الفتن وتشجع على الفتن يغتر بها الجاهل أو صاحب الهوى وهذا يتمثل في الفضائيات والمواقع المشبوهة والقنوات الضالة المنحرفة التي تحرش بين المسلمين وبين الولاة والرعايا تحرش لتفكك المسلمين فيستمع إليها وينظر إليها من لا يعرف ما وراءها ، فاحذروا منها يا عباد الله وحذروا منها فإنها وسائل فتنة ودمار على المسلمين ، نسأل الله عز وجل أن يكفي المسلمين شرهم واستمعوا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار" ، ولما أخبر صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان بحدوث الفتن وانفلات الولاية ، قال له حذيفة : ما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك قال : " أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " قال : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: " فأعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك " ، واعلموا عباد الله أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
منقولة بتصرّف من خطب لكبار أهل العلم :
معاليي الشّيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :
(خطبة بعنوان نعمة الأمن والإيمان ولزوم شكرها)
وسماحة المفتي الشّيخ عبد العزيز آل الشّيخ حفظه الله :
(خطبة بعنوان الرّحمة)