بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد، فقد تضاعفت في الآونة الأخيرة جهود التغريبيين والتغريبيات الماكرين بهذه البلاد حكومة وشعباً لتميل الميل العظيم عن المنهج القويم الذي كانت عليه من الثبات على الحق والهدى والتمسك بالأخلاق الكريمة والآداب القويمة التي قامت عليها الدولة السعودية في عهودها الثلاثة، وكان شغلهم الشاغل واهتمامهم البالغ في إخراج المرأة في هذه البلاد عما كانت عليه من الحشمة والحجاب والبعد عن مخالطة الرجال حتى تكون مماثلة للرجال في اختصاصاتهم وأعمالهم، وقد كانت عناية الصحفيين وغيرهم من التغريبيين النيل من رئاسة تعليم البنات لبقاء البنات في ذلك الوقت على الفضائل والابتعاد عن الرذائل، وكون مسئوليتها تحت إشراف المشايخ الذين هم حراس الفضيلة، ولما أنهي ذلك العهد بدمجها مع وزارة التربية والتعليم ثم بتعيين امرأة نائبة للوزير لشؤون تعليم البنات ـ وهما أول المكاسب الرديئة للتغريبيين ـ اتجهوا بعد ذلك إلى السعي في تحصيل ألوان من انحراف النساء عما كن عليه من الاستقامة إلى ما يريده الغربيون والتغريبيون من الانفلات ومخالطة الرجال في مختلف الجهات، بل وصل الحال في بعض الوزارات والإدارات الحكومية أن يجعل لهن ولاية على الرجال، وقد أوضحت ذلك في كلمة بعنوان: «اهتمام الصحافة بنشر أخبار انفلات النساء وإبرازها تعييناتهن بمناصب قيادية» نشرت في 24/6/1433هـ، وذكرت أشكال التغريب في ثمان من الوزارات وفي مجلس الشورى وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلمة بعنوان: «أشكال التغريب الطارئ أخيراً على بلاد الحرمين في الوزارات والإدارات الحكومية وغيرها» نشرت في 5/5/1434هـ. وأهم شيء يلهث وراءه التغريبيون في هذه الأيام قيادة النساء السيارات، وقد تواعدت بعض النساء التغريبيات ومن يساندهن من التغريبيين على تحديد يوم يتمردون فيه على الشرع والسلطة بقيادة النساء السيارات في مختلف الجهات، وهو يوم السبت 21/12/1434هـ الذي أطلقوا عليه السادس والعشرين من أكتوبر اتباعاً للغربيين حتى في تاريخهم، وقد كتبت قبل أيام كلمة بعنوان: «التغريبيون والتغريبيات يلهثون هذه الأيام بضراوة وشراسة وراء قيادة النساء السيارات» نشرت في 16/12/1434هـ، وقد أحسنت وزارة الداخلية بإعلانها في 18/12/1434هـ منع هذا المنكر الذي حصل التواعد عليه في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وأقول الآن حامداً شاكراً الله: وسلم الله بلاد الحرمين من مكر التغريبيين والتغريبيات لقيادة النساء السيارات ، وسبب هذه السلامة ما أكرم الله به هذه البلاد من التوفيق لتحكيم شرع الله وتميزها على غيرها بوجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن مؤسساتها. وهي البقية الباقية، نسأل الله لها الثبات على الحق والسلامة من الفتن في الحكم والأخلاق التي عصفت بغيرها، وقد قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}، وقال: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}. وهؤلاء التغريبيون والتغريبيات يسعون إلى وجود الانحراف الذي يكون سبباً للعقوبات؛ كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، وقال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}، وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. وليس من المعقول ولا المقبول السعي لأن تكون هذه البلاد تابعة لغيرها في الشر، بل الواجب أن يكون غيرها تابعاً لها في الخير، ففيها قبلة المسلمين يتجهون إليها في صلواتهم من كل مكان ويبنون مساجدهم متجهة إليها، ويحجون هذا البيت ويؤدون مناسكهم فرضاً وتطوعاً، وفيها الحرمان الشريفان والمسجدان الفاضلان اللذان لا أفضل منهما، ومنهما شعَّ نور الهدى وانطلق الهداة المصلحون من الصحابة وغيرهم إلى مختلف الأقطار لنشر هذا الدين وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فكيف يليق أن يفكر من لنفسه عنده قيمة ويخشى الموت وما بعده أن تذوب هذه البلاد وتلحق بغيرها في أنواع الانحراف؟! وأن تشاهد النساء في مكة والمدينة وغيرهما من هذه البلاد على الوضع المزري من التعري وقيادة السيارات والاختلاط بالرجال الذي عم وطم في البلاد الأخرى وهو لا يخفى على أحد؟! وقد ذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته (5/226) أنه يذكر وهو صغير أن النساء في بلاد الشام كن يغطين الوجوه وأن أول امرأة مسلمة كشفت وجهها وكيلة مدرسة ثانوية، فغضب الناس لهذا الحدث ثم آل الأمر إلى ما هو مشاهد ومعاين في بلاد الشام، وقال في كتابه «فصول أسلامية»: (29: «إن المرأة في جهات كثيرة من المملكة قريب وضعها من وضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب «تحرير المرأة»، فلا يدع العلماء مجالاً لقاسم جديد»، هذا كلام الشيخ الطنطاوي رحمه الله في بداية السفور وما آل إليه، والسعيد من وُعظ بغيره. ولقب خادم الحرمين الشريفين لقب شريف عظيم، وأول من تلقب به في هذه الدولة الملك فهد رحمه الله، وقد ألقي بين يديه قصيدة سمعتها في الإذاعة أتذكر منها هذا البيت: لفظ الجلالة لم ترض التلقيب به *** وخادم الحرمين الشريفين اخترته لقباً
وبعده جاء عهد خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه، فعمل بعض التغريبيين في بعض الوزارات إلى إيجاد مشاريع باسم خادم الحرمين للتقوي بهذه التسمية على ما يريدون حصوله: مثل برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي في وزارة التعليم العالي الذي كانوا يبتعثون فيه كل سنة ألوفاً كثيرة من البنين والبنات لمختلف الجهات حتى من حملة الشهادة الثانوية! مع أنه حصل التوسع في عهده حفظه الله في افتتاح الجامعات في مناطق المملكة، وفي بعض المناطق أكثر من جامعة، وافتتح في بعض المدن والقرى كليات تابعة للجامعات، وجعلوا هذا البرنامج على فترات، كل فترة مدتها خمس سنوات، واستصدروا الموافقة على الفترة الأولى ثم الثانية، وبعد مضي ثلاث سنوات من الفترة الثانية استصدروا الموافقة على الفترة الثالثة لضمان استمرار هذا البرنامج وتكثير سواد المستغربين في المستقبل، ذكرت ذلك في كلمة «أشكال التغريب» التي أشرت إليها قريباً. ومثل مشروع خادم الحرمين لتطوير القضاء في وزارة العدل، ونوه بهذا المشروع وزير العدل عندما زار أمريكا على رأس وفد فيه أربع نسوة في لقائه برئيس المحكمة العليا في واشنطن، ذكرت ذلك في كلمة «أشكال التغريب» المشار إليها، وذكرت أخبار هذه الزيارة وما جرى فيها بين الوفد والمسئولين في القضاء الأمريكي في كلمة بعنوان: «أربع نسوة يسافرن بمكر التغريبيين إلى أقصى بلاد الغرب ضمن وفد برئاسة وزير العدل» نشرت في 6/3/1433هـ. ومثل مشروع خادم الحرمين لتطوير التعليم في وزارة التربية والتعليم، ومن التطوير المذموم ما حصل في عهد وزيرها الجديد من الجمع بين البنين والبنات في الصفوف الأولية الابتدائية في بعض المدارس الأهلية يتولى التدريس فيها نساء والسعي إلى تعميم ذلك، وكذا اهتمامه بتدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية وتمنيه أن يكون ذلك من السنة الأولى الابتدائية مع تدريس لغات أخرى، وقد ذكرت ذلك في كلمة «أشكال التغريب» المشار إليها. ولا يلتفت إلى كلام من هوَّن أمر قيادة النساء السيارات بدعوى أن فيها خلافاً، فلا يسوغ أن يؤخذ بشذوذ من شذ في ذلك من بعض طلبة العلم المتسرعين المتكلفين وتُترك فتاوى كبار العلماء وفي مقدمتهم الشيخان الجليلان عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله واللجنة الدائمة للإفتاء في هذه البلاد، وقد ذكرت فتاواهم في رسالة: «لماذا لا تقود المرأة السيارة في المملكة العربية السعودية؟» طبعت في عام 1427و1428هـ. وأهم ما يُذكَّر به ولاة الأمر في هذه البلاد للثبات على الأسس التي قامت عليها دولتهم وللسلامة من مكر الماكرين من كبار التغريبيين الذين هم ألد أعدائها الذين رشحوا عضوات مجلس الشورى وكثيرين من أمثالهن من التغريبيين في المجلس وفي مناصب قيادية أخرى وفي مقدمتهم رئيس الديوان الملكي خالد بن عبدالعزيز التويجري عليهم جميعاً من الله ما يستحقون أهم شيء يذكر به قول الله عز وجل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (1 إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}، وقوله: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما استُخلف خليفة إلا وكان له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله» رواه البخاري (6611). وهذه الكلمة هي المتممة لاثنتين وأربعين كلمة في التحذير من التبرج والسفور واختلاط الجنسين في بلاد الحرمين تقع إذا طبعت في مجلد تقدَّر صفحاته بما يزيد على أربعمائة صفحة كتبتها خلال خمس سنوات، أولها بعنوان: «دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات هم الذين وراء بدء انفلات بعض النساء أخيراً في بلاد الحرمين» نشرت في يوم الجمعة 18/2/1430هـ وهو اليوم الذي يسبق اليوم الذي عُينت فيه نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون البنات وغيرها، وستبقى هذه الكلمات الناصحة بإذن الله كما بقيت كتب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وعسى الله أن يجعل بقاءها مصحوباً بوجود نفعها. وأسأل الله عز وجل أن يحفظ بلاد الحرمين حكومة وشعباً من كل شر وأن يوفقها لكل خير، وأن يوفق ولاة الأمر فيها لكل ما فيه فلاحهم وصلاح البلاد والعباد، وأن يمنحهم البطانة الصالحة الناصحة وأن يصرف عنهم بطانة السوء الماكرة بما يشاء من إقصاء أو هلاك، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه. - :المصدر موقع ا لشيخ عبد المحسن العباد البدر