بسم الله الرّحمن الرّحيم
تحذير العسكريّين من الرّبا و التّحايل على الدّين
الحمد لله ربّ العالمين ، و الصّلاة و السّلام على رسوله الأمين ، و على آله و صحبه الطّيّبين الطّاهرين ، و تابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين .
أمّا بعد :
( السّؤال )
ما حكم ( السّلفة العسكريّة ) ؟.
حيث يُقرِضُون العسكريَّ مبلغ ( ثمانمائة ) دينارًا - مثلاً - ؛ فيعطونه إيّاها كاملةً ؛ و يقتضونها منه كاملةً ؛ و لكنّهم يقتطعون من أوّل ( معاشٍ ) للمُقْتَرِضِ مبلغ ( أربعين دينارًا ) ؛ و هو ما يساوي ( خمسةً في المائة ) من قيمة القرض ؛ و يقولون : أنّهم يضعون المبلغ المُقْتَطَع في صندوق السُّلف ؛ حتّى يُقرضوا به عسكريًّا آخر .
ثمّ عند انتهاء الخدمة العسكريّة يُرجعون إليك ( الأربعين ) المُقتَطَعة - هذه - مع مكافأة نهاية الخدمة .
فما حُكم هذه السّلفة ؟.
( الجواب)
هذه الصّورة المذكورة صـورةٌ رِبـويّةٌ خـطيرة ؛ إذ القرض - في شريعة الإسلام - لا يحلُّ حتّى يكونَ حسنًا .
و لا يكون حسنًا إلاّ إذا لم يجرّ منفعةً مشروطةً ؛ معنويّةً أو مادّيّةً ؛ من جنس رأس المال أو من غيره .
و حتّى إذا كانت المنفعة غير مشروطةٍ ؛ فإنّها لا تحلُّ إلاّ إذا كانت من عادة المُقْتَرِض أن يفعل مثلها للمُقْرِض ؛ من قَبْل إقراضه .
أو تكون عند الوفاء و القضاء ، أو بعده .
و تفصيل هذا ، و الاستدلال له يطول ؛ فله مكانٌ غير هذا - إن شاء الله - .
و لقد رُويَ من حديث عليٍّ - رضي الله عنه - - مرفوعًا - : (( كلُّ قرضٍ جرّ منفعةً فهو ربا )) .
و إسناد هذا الحديث ( ساقطٌ ) ؛ كما قال ابن عبد الهادي - رحمه الله - ، و ضعّفه شيخنا الإمام الحافظ الألبانيّ - رحمه الله - في " الإرواء : 5 / 235 – 236 – برقم : 1398 " .
و لم يُصب من زعم صحّته من أهل الحديث و غيرهم ؛ إذ الحجّة مع مَن ضعّفه ؛ و هم أكثر المحقّقين .
و لكنّها قاعدةٌ فقهيّةٌ صحيحةٌ مجمعٌ عليها ؛ أنّ (( كلّ قرضٍ جرّ منفعةً فهو ربا )) .
و ورد في ذلك عن جمعٍ من الصّحابة ؛ منهم : عبد الله بن عبّاسٍ ، و فضالة ابن عبيد ، و عبد الله بن سلام - رضي الله عنهم - ؛ و هو ثابتٌ عنهم .
و رُوي عن أبيّ بن كعب ، و عبد الله بن مسعودٍ ؛ و لا يصحّ عنهما .
قلت : و لا يُعلم لمن ذُكرَ مخالفٌ من الصّحابة - رضي الله عنهم - ؛ فكان إجماعًا .
و الصّورة المذكورة في ( السّؤال ) قائمةٌ على جلب المنافع للمُقْرِض ؛ عن طريق اقتطاع ( الخمسة في المائة ) - من قيمة القرض - من مال المُقْتَرِض ؛ لأجل أنّهم أقرضوه .
و لو أنّهم وظّفوا هذا المال في أيَّ شيءٍ ؛ فهم قد انتفعوا به ؛ و بهذا يكون قرضهم قد جرّ لهم منفعةً ؛ و هذا هو عين الرّبا .
فكيف ؛ و هذه المنفعة المجرورة مشروطة ؟.
يكون الرّبا - إذن - أقبح و أفضح ( ! ) .
لا سيّما و المنفعة قبل الوفاء .
و ليس من عادة المُقْتَرِضِ جرّ مثل هذا النّفع على المُقرِض ؛ لا قبل القرض ، و لا معه ( ! ) .
و لا فرقَ بين أن يكون الاقتطاعُ المذكورُ من رأس المال المُقْرَض ، أو من أوّل ( معاشٍ ) بعد الاقتراض ، أو من غير ذلك ؛ إذ هو اقتطاعٌ من مال المُقْتَرِضِ ناشئٌ عن الاقتراض .
و كونهم يقتطعونه من غير رأس المال المُقْرَض ليس إلاّ حيلةً ؛ يريدون بها التّمويه على من لا يدري ؛ و هي مثل حيل اليهود الّتي كانوا يستحلّون بها ما حرّم الله - سبحانه - .
و كونهم يُرجعون المال المُقتَطَع إلى المُقْتَرِض عند نهاية الخدمة العسكرّية لا يغيّر من الحكم بالحُرمة شيئًا ؛ إذ علّة التّحريم هي انتفاعهم بهذا المال المُقْتَطَع ؛ و هي قائمة ؛ سواءٌ أرجعوا المال المُقْتَطَع أم لا .
ألا ؛ فليحذر المسلمون من غضب الله - سبحانه - ، و لْيتّقِ الله من يُروّجُ للباطل باسم الحقّ و الدّين .
و فرّوا - أيّها الإخوة العسكريّون - من مقتِ ربّكم ؛ فأعرضوا عن الرّبا الخطير ؛ و لو زيّنوه لكم .
و الله أعلم .
و الحمد لله ربّ العالمين .
و كتب :
ــــــــ
أفقر عبد الله إليه
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
معـــاذُ بن يوســـفَ الشّمّريّ
- كان الله له - ؛
في : إربد - جرسها الله - ؛
في : 5 - صفر - 1427 هـ .
تعليق