طعام الأرواح وشرابها!!!
((عن أنس-رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( لا تواصلوا ))
قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله
قال: ((إني لست كأحدكم إن ربي يطعمني ويسقيني)).
( صحيح سنن الترمذي )(77
قال أبن القيم-رحمه الله- في (مفتاح دار السعادة)(ج1\36)
(( من تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الوصال
فقالوا انك تواصل فقال
أني لست كهيئتكم
إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني
علم أن هذا طعام الأرواح وشرابها وما يفيض عليها من أنواع البهجة واللذة والسرور والنعيم الذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه
وغيره إذا تعلق بغباره رأى ملك الدنيا ونعيمها بالنسبة أليه هباء منثورا بل باطلاً وغروراً
وغلط من قال أنه كان يأكل ويشرب طعاماً وشراباً يغتذى به بدنه لوجوه احدها:
أنه قال أظل عند ربي يطعمني ويسقيني ولو كان أكلاً وشرباً لم يكن وصالاً ولا صوماً.
الثاني:
أن النبي صلى الله عليه وسلم اخبرهم أنهم ليسوا كهيئته في الوصال فإنهم إذا واصلوا تضرروا بذلك
وأما هو صلى الله عليه وسلم فإنه إذا واصل لا يتضرر بالوصال
فلو كان يأكل ويشرب لكان الجواب وأنا أيضا لا أواصل بل آكل وأشرب كما تأكلون وتشربون فلما قررهم على قولهم انك تواصل ولم ينكره عليهم دل على انه كان مواصلا وانه لم يكن يأكل أكلاً وشرباً يفطر الصائم.
الثالث:
انه لو كان أكلاً وشرباً يفطر الصائم لم يصح الجواب بالفارق بينهم وبينه فإنه حينئذ يكون صلى الله عليه وسلم هو وهم مشتركون في عدم الوصال
فكيف يصح الجواب بقوله لست كهيئتكم
وهذا أمر يعلمه غالب الناس أن القلب متى حصل له ما يفرحه ويسره من نيل مطلوبه ووصال حبيبه أو ما يغمه ويسؤوه ويحزنه
شغل عن الطعام والشراب
حتى أن كثيرا من العشاق تمر به الأيام لا يأكل شيئاً ولا تطلب نفسه أكلا وقد أفصح القائل في هذا المعنى
لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء به ... ومن حديثك في أعقابها حادى
إذ اشتكت من كلال السير أو عدها ... روح القدوم فتحيا عند ميعاد
والمقصود أن الهدى مستلزم
لسعادة الدنيا وطيب الحياة والنعيم العاجل
وهو أمر يشهد به الحس والوجد
وأما سعادة الأخرة فغيب يعلم بالإيمان
فذكرها ابن عباس رضى الله عنهما لكونها أهم وهي الغاية المطلوبة وضلال الدنيا اظهر وبالنجاة منه ينجو من كل شر
وهو أضل ضلال الأخرة وشقائها فلذلك ذكره وحده والله اعلم )).
أخوكم المحب:عماد بن زكلاب بن محمد الحديدي