هل تحبط الأعمال بترك الصلاة أم لا؟
والله أعلم بمراد رسوله أن الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبدا فهذا يحبط العمل جميعه وترك معين في يوم معين فهذا يحبط عمل ذلك اليوم فالحبوط العام في مقابلة الترك العام, والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين, فإن قيل: كيف تحبط الأعمال بغير الردة؟ قيل: نعم, قد دل القرآن والسنة والمنقول عن الصحابة أن السيئات تحبط الحسنات, كما أن الحسنات يذهبن السيئات. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}. وقالت عائشة لأم زيد بن أرقم: أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب لما باع بالعينة. وقد نص الإمام أحمد على هذا فقال: ينبغي للعبد في هذا الزمان أن يستدين ويتزوج لئلا ينظر ما لا يحل فيحبط عمله, وآيات الموازنة في القرآن تدل على أن السيئة تذهب بحسنة أكبر منها, فالحسنة يحبط أجرها بسيئة أكبر منها.
فإن قيل: فأي فائدة في تخصيص صلاة العصر بكونها محبطة دون غيرها من الصلوات؟.
قيل: الحديث لم ينف الحبوط بغير العصر إلا بمفهوم لقب وهو مفهوم ضعيف جدا وتخصيص العصر بالذكر لشرفها من بين الصلوات ولهذا كانت هي الصلاة الوسطى بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح.
ولهذا خصها بالذكر في الحديث الآخر وهو قوله: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله". أي فكأنما سلب أهله وماله فأصبح بلا أهل ولا مال, وهذا تمثيل لحبوط عمله بتركها, كأنه شبه أعماله الصالحة بانتفاعه وتمتعه بها بمنزلة أهله وماله فإذا ترك صلاة العصر فهو كمن له أهل ومال فخرج من بيته لحاجة وفيه أهله وماله فرجع وقد احتيج الأهل والمال فبقي وترا دونهم وموتورا بفقدهم عليه أعماله الصالحة لم يكن التمثيل مطابقا.
---------------------------
" الصلاة و أحكام تاركها" لابن القيم