الدعوة السلفية في البلاد الفرنسية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الخبير العليم، الذي منّ علينا بنعمٍ لا تعدّ ولا تحصى، وعلّمنا علماً نافعاً في الدنيا والدين. والصلاة والسلام على إمام المتقين، المبعوث رحمة للعالمين، الذي لم يورّث ديناراً ولا درهماً، بل ورّث علماً نافعاً، من أخذ به فقد أخذ بحظ وافر، وكان من الفائزين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه، واستنّ بسنته، ومنّ الله تعالى عليه بأن يكون أحدَ الوارثين، فرفعه بما ورِثَ درجاتٍ فوق درجاتِ العابدين، أمّا بعد،،
فالحمد لله الذي منّ على عباده، بأن يسّر لهم سبل الخيرات، وأسباب المسَرّات، فما تلبثُ أن تزول مُبَشِّرَةٌ، إلا وقد لاحت في الأفق مُبشِّراتٌ، وهذه من نعم الله تعالى علينا التي لا تعدّ ولا تحصى، وهي أعظم من أن تُقصى. ومن هذه النعم التي يسّرها الله تعالى لنا، أناسٌ فرّغوا وقتهم، وبذلوا أنفسهم وجهدهم، وباعوا سبل راحتهم من أجل نشر العلم بين الناس. رجالٌ منّ الله سبحانه عليهم أنْ رفع الجهالة عنهم، وأنار قلوبهم، وعرّفهم طريق الحق والسداد الهادي لأسباب السعادة والرشاد. أولئك هم أولو العلم في كل الأزمنة وجميع البلاد. هم رجالٌ – نحسبهم والله حسيبهم – شكروا نعمة الله تعالى عليهم، فنقلوا هذا العلم جيلاً بعد جيل، رعيلٌ يستلمُ من رعيل، فصار العلم بينهم كالحبل المتين الطويل، ومنارة هدىً لكل عابرِ سبيلٍ، هم الحبل الموصول من عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى يومنا هذا، وإلى يوم الرحيل، فنشروا العلم، وما كتموه كما فعل علماء بني إسرائيل. فجزاهم الله خير ما يجزي به عبداً صالحاً، ورفع شأنهم في الدنيا والآخرة.
ومن أولئك الرجال الذين تابعوا العلماء وساروا على أثرهم، وتمسّكوا بغرزهم، مشائخُ في البلاد الفرنسية، قاموا ولا زالوا بنشر المنهج السلفي الصحيح، وعلّقوا أنفسهم وإخوانهم بالعلماء الأفاضل، فتراهم لا تنزل بهم نازلةٌ إلا وسارعوا في الاتصال بالكبار، وهذا من شيم الكبار، نعم فقد تابعناهم ولا زلنا نتابع أخبارهم، ونشعر بحرصهم على التواصل مع أهل العلم الكبار في المسائل المهمة، والأمور المدلهمّة.
ومن هؤلاء المشائخ الشيخ الفاضل أبي إسلام سليم بن عبد الرحمن الجزائري، والشيخ الفاضل عبد الحليم عبد الهادي – وفّقهما الله تعالى لكلّ ما يرضيه -. نعم، فإني أراهما يواصلان لقاء العلماء هنا وهناك، ويتصلان بهم دائماً يسألان عن أحوالهم، ويُسرّان إليهم بحال الدعوة السلفية في فرنسا.
فالشيخ أبو إسلام مثلاً، يُظهر لنا حرصَه على الرجوع إلى الأفاضل– نحسبه كذلك والله حسيبه – فهو دائم التواصل مع العلماء، يحرص على الذهاب إلى السعودية للقاء الوالد العلامة الربيع، والعلامة الجابري، والشيخ أسامة العتيبي، والشيخ أحمد بازمول، والشيخ أبي همام البيضاني. وعندما سمع بمجيء الشيخ صالح السحيمي والشيخ محمد بن رمزان الهاجري إلى إيطاليا بادر هو والشيخ عبد الحليم عبد الهادي بالذهاب إلى هناك، وأخذ بركة الجلوس مع الكبار، والذين لا يتسنى له رؤيته منهم، لا يترك جهداً في الاتصال معهم كالشيخ حسن عبد الوهاب البنا، والشيخ محمد بن عمر بازمول، وغيرهم مما لا نقدر عدّهم.
بل ونرى له كتاباتٍ يذبّ بها عن أهل السنة، ويرفع من شأنهم، ويحارب لأجلهم، ويؤلف المؤلفات في الثناء عليهم، وما كتابه (الثناء العطر البديع من أهل العلم الربانيين على حامل لواء الجرح والتعديل الشيخ ربيع) عنّا ببعيد، وهو قرينة طيبة لصفاء هذا الرجل كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عمر بازمول، حين سئل عنه.
هذا ومن جانب آخر تراه يردّ على أهل البدع، ويتبرأ من المبتدعة وأصحاب الأهواء، لا يخاف في الله لومة لائم – نحسبه كذلك ولا نزكيه – وخير شاهد على ذلك تبرأه من شيخه الغامدي، بل وحذف تقديمه له في بعض كتبه، بعد استشارة الشيخ ربيع في ذلك.
وقد رأينا له جهداً طيباً على الشبكة العنكبوتية في توجيه الناس إلى السنة، وترك البدعة والتحذير منها ومن أهلها، وكل هذا قرائن طيبة، تجلعنا نقترب من هذا الرجل، وممن هو مثله في أي مكان، وهذا يجعلنا نقول لمن يقع في أمثال أولئك الناس أن يتقيَ الله تعالى فيهم، وفي الوقوع في أعراضهم، وإن رأوا عليهم شيئاً فالله الله بالنصح، مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن تميمٍ الداريِّ – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وكذا في المتفق عليه عن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه -، قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. فهذا أولى من الكلام فيهم، لا سيما إذا كان الكلام بغير بينة ولا برهان، بل صاحبه معرّض للعقوبة والخذلان.
ونقول للواقعين فيهم، إنّ الدعوة في فرنسا، لا تزال دعوة قاصرة وصغيرة، فهي دولة كافرة، والدعاة المحسوبون على المسلمين تجدهم أحزاباً وأصحاب بدع، فهل إذا خرج رجل من أهل السنة يدافع عنها وينافح لأجلها، ماذا عسانا نفعل معه؟
أقلُّوا عليهمُ لا أباً لأبيكمُ من اللّوْمِ أو سُدُّوا المكانَ الذي سَدُّوا
فاتّقوا الله فيهم، ولا تذكروهم إلا بكل جميل، إلا أن أثبتّم للناس أنهم أصحاب بدع وأهواء، وهذا لا أظنه بأيديكم، أو عندكم فيه سلطان، ولكل مقام مقال. وأقول الواجب عليكم أن تساعدوهم، وأن تقفوا إلى صفهم، وتذبوا عن أعراضهم، وأن تتقوا الله تعالى في شهادتكم، قال تعالى: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف: 19]. وقال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، وقال أيضاً: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36]، وروي أيضاً في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في مقدمة صحيحه ورواه غيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: كفى بالمرء كذباً أن يُحدِّثَ بكل ما سمع.
ثم إنّ عندكم الكبار فلا تتسرعوا بين أيديهم، ولا تستعجلوا الكلام دونهم، بل تواصلوا معهم، واسألوهم، قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43، الأنبياء: 7]. ولا تتعجلوا بنشر الشائعات التي تسمعونها هنا وهناك، ليس لها أزمّة ولا خطام، بل الواجب عليكم أن تتثبتوا وتتبينوا، عملاً بقوله جلّ جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6]، وهذا من أصول منهجنا السلفي القويم الذي ما قام إلا على أخبار الثقات، ولو كانوا آحاداً.
فنسأل الله تعالى أن يعين أولئك المشائخ في فرنسا وفي غيرها من البلاد، وأن يوفقهم إلى طاعته ورضاه، ونشر العلم بين العباد، وأن يبصّرهم إلى طريق الحق، وأن ييسّر لهم أسباب النجاح والتوفيق في الدارين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.
كتبه أبو حذيفة محمود آل الشيخ
15 ذو القعدة 1434 من يوم السبت
15 ذو القعدة 1434 من يوم السبت
تعليق